المنظومة تربوية يجب أن تبنى على الصرامة والانضباط

  • PDF


الأستاذ مجاهد الناصر ـ كاتب :
المنظومة تربوية يجب أن تبنى على الصرامة والانضباط


قبل ضبط الأجوبة عن أسئلتكم نتساءل: ما المراحل التي مرّ بها التعليم في الجزائر؟.
يشكل التعليم  اهتمام الدول فوضعت في دساتيرها نصوصاً وتوْصيات من أجل تطويره وترقيَّته وِفق تحدِّيات كل مرحلة ومما لا شك فيه أن التعليم في الجزائر في حركِيَّـة دينامية مستمرة حتى يواكب التطورات الداخلية والخارجية فأمرية 16 أفريل 1976 م جاءت في ظل النظام الاشتراكي ولكنها أرست مبادئ  أساسية ومهمّة وهي: ديمقراطية التعليم كحق شرعي ومجانية التعليم في كل مراحله وإلزامية التعليم فأخذ الطابع الإجباري وجزأرة التعليم  من حيث المحتوى والتأطير إلّا أن الإصلاحات الجديدة التي أملتها  ظروف الانتقال إلى اقتصاد السوق والعولمة دفع بمُنظِّري المنْظومة التّربوِية إلى تصحيح وضعية التعليم وتعديله حتى يوافق الأوضاع الراهنة لصناعة شخصية قادرة على التكييف في المجتمع والتفاعل مع الظروف الراهنة والتطلع إلى مستقل واعد فبرزت مرحلة الانفتاح والخصخصة نحو إنشاء مدارس خاصة فكان صدور القانون التوجيهي للتربية 08/04 الداعي إلى التكفل بالبعد العلمي والتكنولوجي.
   ولما كانت المناهج وسيلة لتحقيق أهداف منشودة فهي تحظى بأهمية بالغة ويجرى عليها تحسينات وتعديلات في ظل الانفجار المعرفي الذي ينفي كل ما هو تقليدي فجاءت مناهج الجيل الأول معتمدة المقاربة بالكفاءات والتي دخلت حيز التنفيذ مع الموسم الدراسي 2003 /2004 م ثم تلتها مناهج الجيل الثاني تعتمد هي الأخرى على المقاربة بالكفاءات بشكل تراه أكثر تطوّراً ودخلت حيّز التطبيق بدخول الموسم الدراسي 2016 / 2017 م وخلاله سنة 2015 م صادقت الجزائر على برنامج التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تُلزِم كل الدول المنخرطة بترقية التعليم مدى الحياة ولكن كل المؤشرات بيّنت عدم وجود فروق واضحة عن الممارسة البيداغوجية السابقة ويبقى التعليم يحتاج إلى إصلاحات جدّية تمسُّ الوضعية المهنية والاجتماعية لموظفي القطاع والحجم الساعي والضعف التحصيلي للتعليم عموماً وخصوصاً المواد الأساسية واللغات والتركيز على تكوين الأساتذة قبل مباشرة تعيينهم في المؤسسات وتكثيف الندوات التربوية والملتقيات الخاصة بـ الرسكلة والتكوين أثناء الخدمة هناك عدة معوّقات تقف حَجَر عثر أمام جودة التعليم منها نقص الهياكل الذي أفرز الاكتظاظ في الأقسام بسبب الانفجار السكاني ومباشرة تعيين خريجي الجامعات الذين لم يخضعوا للتكوين القبلي وتعطُّل الدراسة خلال الموسم الدراسي بسبب الإضراب للمطالبة بتحسين الوضعية الاجتماعية للموظفين وزيادة عن هذا أنّ الإصلاحات المُتعاقبة لا تخلو من الارتجالية والقصور ومما زاد الطين بلّة تعليق الدراسة كإجراء وقائي احترازي للحد من انتشار فيروس كورونا هذا الوضعية القاهرة أثّرت سلبًا على أعمال نهاية السنة من امتحانات رسمية وعلى أعمال مجالس الأقسام ومما لا شك أنها تدعو إلى إرْباك في الدخول المدرسي 2020 / 2021 م وربما يكون الأسوأ على الإطلاق في حياة المنظومة التربوية إذ أنّ أعمال نهاية موسم انقضى يتحمل عبأها موسم جديد فهو نازلة مستحدثة ويبقى التعليم في الجزائر مُثقلٌ بأعباء وإرهاصات لا تُقرِّب إصلاحه كالتالي بلغت من العمر عتيّاً وتذهب للعطار بُغية ما أفسده الدهر فهذا الكلام أملته الظروف ولا أريد أن أقصف القائمين أو أتحدث عن من أو جد الوضعية ولا عن الظروف المحيطة بها لأنّ تقييم حالة ووضعيّة يكون من خلال معطيات ميدانية صحيحة يعرفها القائمون على شؤون القطاع من خلال المُدخلات والمُخرجات ولكن بعض الملاحظات العرضية ــربما كانت عن غير قصدــ قد جرّت على المنظومة التربية متاعب دفعت البعض بأن  يقول إنّ المناهج صناعة أجنبية أو بمشاركة تقنيين أجانب يقدّمون علاجاً لبيئة تختلف كثيراً عنهم من حيث الهوية والتوجُّه والمصير لينطبق عليهم قوْل الشاعر العربي منتقداً:
   أو كسارقة الرُّمان من كرم جارها ..... تعود به المرضى وتطمع في الفضل.
ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن الجزائر عضو في منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) مما يلزم الدول الأعضاء بالتوصيات المشتركة للتعليم والالتزام بالاتفاقيات الشارعة.


ما قراءتكم لمسوَدّة إصلاح المنظومة التربوية؟
المسودة تضع في الحسبان وتشيد بمراحل التعليم السابقة مثل أمرية 16 أفريل 1976 م وهذه جاءت في مرحلة التوجه الاشتراكي للنظام الجزائري وما دامت تنتمي لنظام باد ذهب مع تفكك الاتحاد السوفياتي فها لا يعوّلُ كما أن إصلاح المنظومة التربية الذي شرع فيه مع بداية الألفية هو رهين ضرورة الانتقال إلى اقتصاد السوق والتحوّل من نظام الحزب الواحد إلى عالم الديمقراطية والجديد فيه هو إدخال تعليم اللغة الأمازيغية في البرامج التعليمية وفتح المجال أمام المدارس الخاصة الجديد هو تقييم المراحل السابقة وهذا قد يكون مفيدا إذا كانت نية صادقة من أجل الاستفادة ثغرات الماضي.. كما دعت الشركاء الاجتماعيين للمشاركة في إصلاح المنظومة التربوية مثل: جمعيات أولياء التلاميذ وهيئة من التعليم العالي والتكوين المهني والنقابات كل هذه الهيئات لها ارتباط وطيد بالمنظومة التربوية ولا شك أن إشراكها في الحوار يكون له قيمة من جهة ومن تحميل كل الأطياف مسؤولية الأجيال القادمة.
هل لديكم تحفظات على ما جاء فيها؟
حسب ما قرأنا في الصحف عن المحاور الكبرى لإصلاح المنظومة التربوية لأن المسودة لم تُنشر للجمهورـ في حدود علمي.. حيث نرى هناك تصريحا يدعو إلى ترميم الفساد وتصريح آخر يدعو إلى تغيير جذري في اعتقادي أن الترميم لا يكون بين عشية وضحاها لأن التعامل يكون فئة من البشر (معلم ومتعلّم) نعم قد نغيّر المناهج والكتب المدرسية ولكن هذا يحتاج إلى رسكلةّ للمعلّم وهذا يتطلّب وقت ومكوّن فإذا كان المكوّن هو نفسه يحتاج إلى تكوين كم يلزم من الوقت للتكوين.. هذا إذا أردنا أن نخرج من دائرة الارتجال ولا نقع في هفوات الماضي وهناك دعوة إلى تعيين الشعب الممكنة (الرياضيات والتقني رياضي) نعلم أن الطلاب غرست في أذهانهم أن مادة الرياضات مادة صعبة فهم يمقتونها ويحاولون تجنها قدر المستطاع خاصة أنها مادة تستوجب التفكير العميق والتركيز فهل فكرنا قبل فتح هذه الشعبة في تحضير الكوادر التي تتحمل العبء فإذا كان اعتمادنا على خرّجي الجامعات الذين لم يخضعوا لتكوين وتدريب ميداني مثل ما كانت تعمل المعاهد التكنولوجية في الثمانينيات التي تم إلغاؤها يجب التريث غير مباشرة الطرح لأنه يكون بمثابة الانتحار.


ماذا تقترح من أجل منظومة تربوية سليمة وقويّة لتكوين الأجيال تقود البلاد إلى بر الأمان؟
إن بناء منظومة تربوية يجب أن يبنى على الصرامة والانضباط.. والعبرة في ذلك مدارس أشبال الأمة التي هي جزء من المنظومة التربوية البرامج نفسها وحتى الأساتذة والإدارة هم أنفسهم كانت لهم سابقة بالتدريس في المدارس الوطنية فلماذا يكون نسب النجاح محققة أعلى الرتب في شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا وأصبحت مدارس مثالية. 
إن منظومة تربوية في رحمها نقابات معتمدة وغير معتمدة تقيّض سكينة المدارس وتُربك الطلاب وتبعث بهم إلى الشارع لتتجاذبهم يد الانحراف السرقة والمخدرات لا يكتب لها النجاح صحيح أن الاضراب حق كفله الدستور لكن وفق شروطه الموضوعية فإذا كان المربي –المعلم والأستاذ- صادق النيّة فلا يستعمل التلميذ طُعما لتحقيق مطالب اجتماعية لذلك يجب على الوزارة الوصية أن تسن قانونا لوضع حد للمهازل.. وهذا لا يعد تناقضا مع حريّة التعبير لأن الدولة تريد إشراك كل فئات المجتمع لبناء شخصية وطنية تحمي الوطن وتضمن حيال راقية للأجيال المستقبلية.. وأعتقد أن هذا عهد جامع لا تتلاعب به نقابة من أجل تحقيق مآرب ذاتية ومن جهة أخرى فإن قانون الوظيفة العامة يحدّد الحقوق للموظف من الانتماء إلى نقابة لكن يوصي لضمان الحد الأدنى من الخدمة لكن القسم التربوي ليس مصنعاً لمواد لذا يجب أن يخضع عمال المعلم والأستاذ للتنظيم والتقنين لضمان السير الحسن للتعليم وعدم الإخلال بالخدمة.
للمعلمين ممثلون محالون على الاستيداع (معفون من العمل) ويتقاضون راتبهم كاملا من أجل رفع انشغال العمال الذين انتخبوهم ووضعوا فيهم الثقة للتكفل بمطالبهم إن كانت مشروعة ومن واجبات الموظف منها تقاضي الراتب بعد تأدية الخدمة لذلك:
أقترح إدراج قانون يحرِّم ولا أقول يُجرِّم الإضراب في المؤسسات التربوية لأنه مساس بحق التلميذ وحرمانه من التعلُّم وإرباك حياته اليومية التي يتعرض فيها للخطر خاصة عند ما يكون داخل المؤسسة الواحد مجموعة من الأساتذة تباشر عملها وفئة مُضربة ويبقى التلميذ لعبة بين الأطراف النقابية ما يسلم من واحدة حتى ترميه الأخرى إلى الشارع الذي هو محور العملية التربوية ومن أجله أوجدت الدولة المدرسة لذا يجب التحرك بصرامة لوضع حد للمهزلة عن طريق تشريع قانون.
    ــ  وأقترح إشراك بعض  الإطارات التي تقاعدت من أساتذة ومفتشين والذين لديهم تجارب تربوية وأفكار مفيدة وبهذا نكون منصفين لفئة قدّمت زهرة شبابها في التعليم وحنكتها التجارب فلا نحسبهم من سقط المتاع.
 ــ كما أقترح مساعدة الدولة للأساتذة الذين طلبوا التقاعد المسبق بإنشاء مدارس خاصة وتيسير لهم الظروف مادياً ومعنوياً يدرج هذا في مجال التنمية المستدامة التي هي من أهداف الجمهورية الجديدة ومن أجل استثمار خبرة تلك الإطارات التي كرّست حياتها في خدمة التعليم واستفادت من تكوين عميق وتجارب طويلة.
    ويبقى إصلاح التعليم مهمة جماعية لا تتحمّل الوصاية وحدها الحمل الثقيل وإنما بمساعدة الشركاء الاجتماعيين مثل جمعيات أولياء التلاميذ ونقابات عمال التربية وجمعيات دُور الحضانة ومسيِّري المدارس الخاصة والتكوين المهني والتعليم العالي.. فكل هذه الفئات شريكة ومسؤولة عن صناعة رجال ونساء الغد.