الإطار العام للكفاءة.. (الجزء الثالث)

  • PDF


مفهومها دورها ومكانتها مرجعها و.. صناعتها
الإطار العام للكفاءة.. 


(الجزء الثالث) 


أشرنا في الجزء السابق (الثاني) إلى بعض العناصر المتعلقة بمفهوم الكفاءة والمؤهلات كذا علاقة الكفاءة بالأنشطة المهنية وأيضا اكتساب الكفاءة. سنحاول في هذا الجزء التطرق إلى علاقة الكفاءات ودورها في المواقف المختلفة كذلك تنفيذها وتطبيقها تكوين وبناء الكفاءات سنلقي نظرة أيضا على التكوين المهني بصيغه (الأولي والمستمر) سنتطرق إلى قوائم الكفاءات العامة وأخيرا سنلقي نظرة على مرجع/مؤشر الكفاءات بكل مراحله حيث سنبدأ بالبناء. 


الكفاءات والمواقف: 
في هذا الصدد يرى Leboyer أن هناك طريقة أخرى للنظر إلى مفهوم الكفاءات والتي تسير في نفس الاتجاه ولكن مع هدف مختلف تستخدمها مراكز التقييم (assessment centers) والتي سيعطينا leboyer شرح طريقة عملها ببعض التفصيل. تتضمن دائمًا اختبارات وتمارين متعددة كل منها يقيس كفاءات متعددة. ويتطلب مبدأ بناء مراكز التقييم أن تقاس كل كفاءة بعدة اختبارات أو تمارين. عندما يتم تقييم العديد من الموضوعات مع مركز التقييم تتوفر سلسلة من الدرجات حسب الكفاءة والتمرين. من الممكن بعد ذلك حساب الارتباطات بين الدرجات المخصصة لنفس الكفاءات التي تم قياسها في تمارين مختلفة والارتباطات بين الدرجات المخصصة لكفاءات مختلفة مقاسة بنفس التمرين. وعليه يمكن أن نتوقع أن تكون الأولى عالية لأنها مسألة قياس نفس الكفاءات في مواقف مختلفة وأن تكون الثانية منخفضة لأنها مسألة قياس كفاءات مختلفة من خلال نفس التمرين. ومع ذلك غالبًا ما يتم ملاحظة العكس حسب ما لاحظه (Sackett and Dreher 1982 Robertson et al. 1987 Tziner et al. 1993). وبعبارة أخرى فإن المقيمين (القائمين على التقييم) في مراكز التقييم قادرون تمامًا على تقييم نجاح المرشحين في تمرين معين ولكن من الأصعب بكثير تقييم دور كفاءات معينة في هذا النجاح وحتى أقل من ذلك لتقييم نفس الكفاءة المستخدمة في عدة تمارين مختلفة. 


استنتاجات
الاستنتاجات المستوحاة من هذه الملاحظة هي كما يلي: 
◗ أولاً الكفاءات خاصة بحالات معينة أو حتى سياقات تنظيمية محددة. لذلك من المفيد قياسها في سياق عمليات التصور والمحاكاة التي تعيد إنتاج وتجسيد مواقف العمل على أفضل وجه ممكن. من المعروف منذ فترة طويلة أن نماذج العمل لها خاصية تنبؤية وتوقعية. في حالة المهام البسيطة نسبيًا غالبًا ما تكون هذه الخاصية أفضل من الاختبارات الكلاسيكية. 
فيما يتعلق الأمر بالمدراء التنفيذيين فإن النماذج المهنية هي بالتأكيد أكثر صعوبة في البناء وأكثر دقة في التحقق من صحتها. لكن لا يمكن الطعن في قيمتها: فهي تتمتع بميزة إعادة بناء التفاعل المعقد الموجود بين خصائص الفرد وخصائص الموقف. 
◗ ثانيًا عند تكليف المراقب بالحكم على الكفاءات المتضمنة في أداء عمل حقيقي أو صوري (نظام المحاكاة) يركز على تقييم العمل المنجز (الطريقة التي أنجزت بها المهمة) ولا يحكم على الكفاءات المحددة المختلفة وبالأحرى المهارات المختلفة فقط من خلال 
هذا التقييم العام. هذا التأثير المشار إليه بـ(effet de halo)المعروف لدى جميع الباحثين الذين حللوا أوراق التصنيف الاحترافي موجود عندما يتعلق الأمر بتقييم الكفاءات التي ينطوي عليها النشاط المهني وكذلك عندما يتعلق الأمر من حالة الاختبار situation-test. باختصار إن الملاحظة المباشرة لا تميز بسهولة بين الكفاءات والقدرات. 
 
تنفيذ الكفاءة وتطبيقها: 
يرى كل من Bernard Martory وDaniel Crozet من خلال كتابهم Gestion des Ressources Humaines pilotage social et performance 
أن الانتقال من الكفاءة الفردية إلى الكفاءة المطبقة بالفعل يتطلب مقاربة تنظيمية لشروط تنفيذ الكفاءة. 
هناك مستويان إضافيان يستحقان أن يتم تقديمهما جنبًا إلى جنب مع المعرفة الأولية التي تشكل قاعدة أساسية. الأول هو القدرة 
للمنظمة (الإدارة) والموظف لتعبئة وتشغيل كفاءتهم. يتعلق الأمر بالرغبة الشخصية للموظف في التعبئة في المنصب والحوافز(الراتب..) التي تقدمها المنظمة (الإدارة) بحيث يجد (الموظف) المصلحة ويولي اهتمام لاستخدام كفاءته على أعلى مستوى. والثاني يتعلق بالموارد الموضوعة تحت تصرف الموظفين الأداء الجيد والسليم للمنظمة وجود التضامن والتعاون في داخلها (الإدارة). 
باختصار إن حقيقة الكفاءات في المنظمة (الإدارة) هي مسألة تتعلق بـ معرفة كيفية التصرف إرادة التصرف وأن القدرة على التصرف . جميع هذه المصطلحات المذكورة في هذه المعادلة هي ضرورية في حالة فقدان واحد فقط لا يتم ولا يمكن تنفيذ وتفعيل وتطبيق الكفاءة. 


تكوين وبناء الكفاءات: 
يعالج الخبير الدولي Malik Mebarki من خلال مقاله بعنوان 
 FORMATION PRODUCTION DE COMPETENCES ET GESTION DES RESSOURCES HUMAINES  
نقطة هامة والمتعلقة بتكوين وبناء الكفاءات حيث تطرق إلى نظرة K.Arrow والمسماة learning by doing والذي يعتبر التعليم من خلال الممارسة المهنية أحد مكونات الكفاءة في إطار تمكن الشخص من التعلم. هذا يسمى الكفاءة الشاملة التي يتم تطويرها من خلال الموارد المتاحة في مواقف العمل. يصبح سياق العمل عندئذ مكونًا نشطًا وفعالا في عملية بناء الكفاءة. 
التكوين المستمر يساهم أيضًا في عملية بناء الكفاءات هذه من حيث أنه يقلل من الفجوات بين الكفاءات المطلوبة (اللازمة) والكفاءات التي يمتلكها الأفراد. 
يقدم التكوين المستمر مساهمة خاصة في اكتساب الكفاءات الشاملة والتي تسمى أيضًا الكفاءات القاعدية. تعلم التعليم والقدرة على التكيف والاستقلالية والقدرة على اتخاذ المبادرة كلها كفاءات تشكل أساسًا متينًا تتناسب معه الكفاءات الأخرى دون صعوبة كبيرة. 
في مواجهة حدث أو موقف معقد فإن كفاءة فرد واحد يستغنى عنها ويتم تجاوزها بسرعة. في هذه الحالة إن القدرة على حشد وتفعيل كفاءات أخرى مختلفة ومكملة ضرورية للسلوك الذكي لهذا الحدث/الموقف تكشف عن بُعد اجتماعي للكفاءة. 
 باختصار تتكون الكفاءة من بُعد فردي وبعد اجتماعي. يتطلب هذا الأخير موقفًا من التفاهم المتبادل وسلطة لا مركزية تسمح وتشجع على اتخاذ المبادرة. لهذا السبب يبدو لنا أنه لا يمكن تلبية شروط تطوير الكفاءات في مواجهة انعدام القدرة على التنبؤ بالأحداث وتعقيد المواقف المهنية إلا إذا تمت إعادة تنظيم علاقات العمل الاجتماعية بشكل جذري. 


التدريب/التكوين المهني الأولي والمستمر: 
يرى كل منJacqueline BARRAUD Martine GUILLEMIN Françoise KITTEL من خلال كتابهم. la fonction ressources humaines (metiers competences et formation) 
أن التكوين/التدريب المهني الأولي والمستمر آلية يتم من خلالها اكتساب متطلبات لذلك يجب الاهتمام باكتساب هذه المتطلبات من أجل إعداد الأفراد للتعامل مع مواقف العمل. 
إذا يجب تجاوز التعداد والإحصاء البسيط لمتغيرات الموارد (المعرفة أو الدراية دون نسيان الموارد البيئية) للتفكير في اكتساب القدرات المعرفية من جهة وفي المواقف التي تُستخدم فيها هذه الكفاءات من جهة أخرى. هذا ما يمكن أن يساعدنا في تحقيق والتوصل إلى مرجع (مؤشر) / تكوين على أساس مرجع الوظيفة / المهنة مع الكفاءات المرتبطة والمشاركة. بخلاف المحتوى هذا المرجع يحتوي على توصيات تربوية (بيداغوجية) لبناء المواقف التي يتم فيها مواجهة المعرفة المكتسبة وتطوير القدرات المعرفية المطبقة في الكفاءات مع العلم أن التكوين يتم فقط على الكفاءات الوسطية المؤقتة والكفاءات في مرحلة التكوين وليس على الكفاءات في مكان العمل. 
 
قوائم بالمهارات القابلة للتعميم: 
لقد تطرق Claude Levy Leboyer من خلال كتابه La Gestion des Competences إلى هذه الجانب حيث طرح تساؤل قال فيه: هل يمكننا إنشاء قوائم بالكفاءات التي تمثل مرجعًا عالميًا يمكن استخدامها من قبل جميع المنظمات؟ أم يجب أن نقبل حقيقة أن الكفاءات تتعلق بكل منظمة أو بكل منصب أو حتى بمواقف معينة؟ 
هذه القوائم العامة نجدها في حالة القدرات والصفات / السمات الشخصية حتى وإن كان هذا (محتوى القوائم) موضع اختلاف بين المختصين فإن الأدوات الموجهة والمستعملة لإجراء تحليل المناصب تقدم مراجع القدرات والمهارات مع أمثلة ملموسة تجعل من الممكن تحديد المستوى المطلوب لشغل المنصب. 
في هذا الصدد أعطى Leboyer مثالا لـ F-JAS Fleishman المكيف لفرنسا منذ أكثر من 20 سنة يقدم قائمة من 52 مقياسًا يحتوي كل منها على اسم وتعريف المهارات /القدرات بالإضافة إلى أمثلة للأنشطة التي تتطلب هذه القدرات بدرجات متفاوتة من أجل تمكين الخبراء الذين يقومون بتحليل منصب عمل على اختيار المهارات المطلوبة وتحديد مستوى المتطلبات. هذه مهارات يعتمد وصفها على جميع أعمال الباحثين المذكورين سابقا مثل الفهم السمعي والحفظ وسهولة التعامل مع الأرقام...الخ. هذه المهارات التي يصفها Fleishman بأنها خصائص مستقرة نسبيًا للفرد مما يسمح بإنجاز عدد معين من المهام يكون أصلها في نتائج تحليل العوامل المتعلقة بالدرجات والعلامات المتحصل عليها في مهام محددة. 
 
بناء مؤشرات/مراجع الكفاءات: 
يرى Claude Leboyer من خلال كتابه السالف الذكر أنه من المفهوم أن مديري الموارد البشرية في إطار البحث عن إطار للكفاءات وجدوا أنفسهم مضطرين لبناءها بأنفسهم. معظم هذه القوائم المبتكرة وغير المنشورة الموضوعة والمعدة من طرف منظمة معينة لاستخدامها الخاص وتقتصر على المستخدمين المنتمين إلى المنظمة ذاتها. تم الاستشهاد بعدد قليل من الكتاب باللغة الإنجليزية الذين يقدمون أدلة تحت اسم الكفاءات العامة أو الكفاءات الفائقة supra-competences. 
لذلك يمكن القول أن قوائم الكفاءات الحالية تشمل كلاً من القدرات والكفاءات الموجهة مباشرة نحو إحدى المهام المحددة للوظيفة المعنية. وكذلك سمات الشخصية - حتى المعرفة. في الواقع يبدو أن أي منظمة تحتاج إلى قوائم من الكفاءات المحددة مرتبطة بقطاع نشاطها وهيكلها واستراتيجياتها وثقافتها الخاصة. لذلك من المفيد التمييز بين أربع فئات من المعلومات: 
- القدرات والسمات الشخصية  
- الكفاءات العامة  
- الكفاءات المحددة  
- الكفاءات التقنية 
باختصار: 
الكفاءات هي قوائم من السلوكيات التي يتقنها بعض الناس بشكل أفضل من الآخرين مما يجعلها فعالة في موقف معين. 
 يمكن ملاحظة هذه السلوكيات في واقع العمل اليومي وكذلك في مواقف الاختبار situations-test. حيث يستخدمون المهارات والسمات الشخصية والمعرفة المكتسبة بطريقة متكاملة. 
لا ينبغي اختزال وإنزال الكفاءات إلى مهارات أو سمات شخصية أو معرفة. لأنها تتعلق مباشرة بأنشطة العمل ذاتها. 


نور الدين مباركي