فرنسا وتاريخ حريتها في ارتكاب الجرائم بالجزائر

  • PDF

وقاحة دولة عقيدتها العنصرية..
فرنسا وتاريخ حريتها في ارتكاب الجرائم بالجزائر

الطيب بن ابراهيم
المتابع للأحداث هذه الأيام يرى موقف فرنسا الرسمية المستميت في الدفاع عن قلة الأدب والوقاحة التي تُرتكب في حق المسلمين عن طريق الرسوم المسيئة للنبي الأكرم صلىالله عليه وسلم والتي قامت بها صحيفة شارلي إيبدو وهي رسوم تجرح مشاعر أكثر من ألفي مسلم عبر العالم وفرنسا متمثلة في شخص رئيسها الشاب المتهور الذي لا يمتنع عن التدخل لوقف الإساءة والاعتداء على مشاعر المسلمين بل يتدخل ويؤيد حرية الإساءة باسم قيم الحرية والديمقراطية التي يتميز بها تاريخ فرنسا منذ قيام ثورتها سنة 1789 وكأن فرنسا هي الدولة الوصية في العالم على حرية إهانة الشعوب والأمم في أقدس مقدساتها باسم حرية التعبير وكأن الاعتداء على الآخرين بالسب والشتم المنطوق أو المرسوم أو المقروء هو الأقدس وان الاحترام والتقدير للضعفاء هو الأنجس ولم تكتفي فرنسا بهذا العدوان المبيّت بل استنكرت وهاجمت حتى ردود فعل المسلمين المعبرة عن مشاعرهم فمن يرفض الإساءة لنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم ويمتنع عن استهلاك المنتوج الفرنسي فليس له الحرية في فعل ذلك وهو عدو لقيّم وحرية فرنسا وهو متطرف ومتخلف فإساءتها للآخرين حرية تعبير وحرية تعبير الآخرين سوء تقدير؟!.

منطق؟
هذا هو منطق فرنسا صاحبة الثورة الفرنسية المجيدة التي جلبت للعالم مبادئ الحرية والأخوة والمساواة ولولاها لما عرف العالم ذلك ونحن المسلمين نعرف ما يجهله قادتها او يتجاهلونه بأن الإسلام قبل ثورتها بقرون كان ثورة قيم حقيقية وان خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه صاحب العبارة الشهيرة لوليه على مصر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا وهو القائل عن ابي بكر وبلال رضي الله عنهما: أبوبكر سيدُنا وأعتق سيدَنا وبعد عشرة قرون من ذلك كان ملكهم يخاطب شعبه: أنا الدولة والدولة أنا . هكذا كان حال المسلمين قبل قرون من اسطورة الثورة الفرنسية ثورة القيم الانسانية؟! وكأن الدُّول الأوروبية التي لم تقم بها ثورات ضد أنظمتها الملكية أقل حرية وديمقراطية من فرنسا وعلى رأسهم جيرانها في أوروبا: السويد والدانمارك والنرويج التي لم تلطخ أيدي جيوشها وتاريخها بدماء ملايين الأبرياء؟!. ولكن مهما قيل من طرف المستهزئين بالرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم ينطبق عليهم المثل الجزائري القائل: الشمس بعيدة على نباح الكلاب .
وإذا كان يحق لأي دولة في العالم أن تتحدث عن الحرية وتدعي الدفاع عنها فآخر من يتحدث عنها هو فرنسا صاحبة السجل الملطخ بالمذابح والمجازر في مستعمراتها عامة وفي الجزائر خاصة فأول من ذاق ثِمار ثورة حريتها وأخُوَّتِها وإنسانيتها وصَدَّرت له فرنسا بضاعتها قبل غيرها هي الجزائر سنة 1830.
وهنا أفضل أن أتحدث بلغة ارقام واعترافات الضباط والكتاب والمثقفين الفرنسيين وبمنطق شهد شهود من اهلها ليس لأننا نشك في مصداقية مؤرخينا ولكن نستشهد بشهود من اهلها حتى لا نترك فرصة للتشكيك في جرائم فرنسا من طرف اولئك الذين ارضعتهم عمالتها ودافعوا عن جرائمها اكثر من الفرنسيين انفسهم وكانوا ملكيين اكثر من الملك الذين لا يصدقون الا ما تقوله فرنسا اولئك الذين احتقروا انفسهم واحتقروا دينهم ولغتهم وقيمهم وانتماءهم وباعوا انفسهم واوطانهم بثمن بخس دراهم معدودات وفعلا لولا العبيد لما كان الاسياد.

عنصرية مقيتة
إن فرنسا الوصية كذبا وزورا على قيم الحرية والإنسانية والديمقراطية وحرية التعبير هي التي تعتدي على مقدسات الآخرين بعنصرية مقيته وترفض منهم حتى التعبير عن مشاعرهم لسلوكها العنصري وتخفي كل دليل يُدين فظاعة إجرامها في الجزائر فعندما صدر كتاب Les égorgeurs في مارس سنة 1961 لصاحبه Benoist Rey والذي فضح وحشية الجنود الفرنسيين في كيفية بقر بطون النساء الحوامل أحياء بالجزائر سارعت فرنسا صاحبة حرية التعبير إلى مصادرته. وعندما صدر كتاب La questionلصاحبة هنري علاق مدير جريدة الجزائر الجمهورية الذي فضح فيه أساليب تعذيب الجيش الفرنسي وكان هو احدهم قامت فرنسا الوصية على حرية التعبير بمصادرته في حينه وكذلك تمت مصادرة كتاب Paulette Péju الذي فضخ جرائمها ولم يسمح بطبعه الا في سنة 2000 وهذا على سبيل المثال لا الحصر لما قامت به فرنسا صاحبة الادعاء بتقديس حرية التعبير على مستوى النشر والاصدار.
إنها فرنسا التي تدعي أنها دولة القيم الإنسانية والحضارية من حرية وأخوة ومساواة وحرية التعبير وهي نفسها فرنسا التي أبادت عدة ملايين من أبناء مستعمرتها الجزائر وهذا منذ انطلاق حملتها العسكرية سنة 1830 وما قامت به من مذابح في حق السكان أدى إلى إحداث ضجة واستنكار من قبل الشعب الفرنسي نفسه واضطرتفرنسا إلى إرسال لجنة تحقيق للجزائر عرفت باسم اللجنة الإفريقية وصلت للجزائر يوم 28 أوت سنة 1833 وعادت لفرنسا يوم 19 نوفمبر من نفس العام ومما جاء في تقرير اللجنة: لقد حطّمنا ممتلكات المؤسسات الدينية وجردنا السكان الذين وعدناهم بالاحترام وأخذنا الممتلكات الخاصة بدون أي تعويض..وذبحنا أناسا كانوا يحملون عهد الأمان.. وحاكمنا رجالا يتمتعون بسمعة القديسين في بلادهم.. لأنهم كانوا شجعانا لدرجة أنهم صارحونا بحالة مواطنيهم المنكوبين .
وتواصلت الاعترافات بحرية فرنسا في ارتكاب الجرائم وكشف المؤرخ جان لوك اينودي1951 - 2014Jean-Luc Einaudi أنه ما بين سنة 1830 و1872 فقد الجزائريون 875 ألف شخصا ( ما يقرب من المليون خلال أربعة عقود ) جراء تلك الحروب المتواصلة ونتيجة الفقر والمجاعة التي خلفتها وعملت على تفاقمها وهذا المؤرخ هو صاحب كتاب معركة باريس الذي صدر سنة 1991 وكشف لأول مرة جريمة قتل فرنسا مئات ضحايا مظاهرة 17 اكتوبر 1961 بباريس وكشف قائمة بأسماء 390 جزائريا.وحسب ما جاء في تقرير احد الضباط الفرنسيين فان عدد الجزائريين تقلص من 4 ملايين إلى 3 ملايين خلال 7 سنوات فقط في عهد السفاح الجنرال بوجو فكم كان ضحايا حرية الاجرام الفرنسي خلال 132 سنة؟.

صدمة..
وهذا الجنرال بول اوساريس يعترف لمجلة مارين Mariane في عددها (27) لشهر نوفمبر سنة 2000 بأنه قتل 500 شخصا مشبوها في مدينة سكيكدة وحدها وهو الذي أحدثت مذكراته بعد صدورها صدمة للرأي العام الفرنسي قبل الجزائري لما فعله في حق الجزائريين من قتل وتعذيب ولم تستطع حتى ابنته ان تتحمل رؤية وجهه وقاطعته لفظاعة إجرامه وعلق المؤرخ الفرنسي بيار فيدال ناكي Pierre Vidal Naquei على مذكرات الجنرال بول اوساريس في صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 3 ماي 2001 قائلا: إنها مذكرات مجرم حرب وهذا الجنرال سانت ارنو في مذكراته يقول: وقد ظلت قضية قبيلة أولاد ربَّاح التي ذهب ضحيتها ألف شهيد كانوا قد التجئوا إلى مغارة هروبا من الغزو فانقض عليهم الكولونيل بيليسي وجنوده وأوقدوا النيران في أفواه المغارة فمات هؤلاء جميعا اختناقا وهذا بول تيتجانPaul Titgein الكاتب العام لمحافظة الشرطة في الجزائر اعترف بان هناك 3024 جزائريا قد اختفوا من بين 24000 شخص كانوا تحت الإقامة الجبرية. لقد اجمع المهتمون والمؤرخون الفرنسيون في اعترافاتهم ان عدد ضحايا الاجرام الفرنسي في الجزائر كان بالملايين لكنهم اختلفوا في تحديد عددهم ليصل قول جاك جوركي Jacques Jurquet إلى أن عدد ضحايا فرنسا في الجزائر بلغ 10ملايين ضحية ومن يعرف تاريخ فرنسا في الجزائر لا يستغرب من هذا العدد خاصة ان الاعترافات كانت من طرف ابنائها.وهذه الاعترافات ما هي الا غيض من فيض ومع ذلك وإلى يومنا هذا لا زالت العقرب تلدغ.
وبدل أن تعتذر فرنسا صاحبة قيم الحرية والأخوة والمساواة للجزائريين على ما قامت به في حقهم على عكس ذلك وبالأمس القريب قامت سنة 2005 بوضع قانون جديد يمجد الاستعمار والعبودية نعم يمجد ما فعلته فرنسا في الجزائر حيث كانت التجارب النووية في الجنوب والأسلاك المكهربة والملغمة على الحدود الغربية والشرقية والطائرات وقنابل النابالم والمدافع والحرق والهدم والتهجير كلها تحصد أرواح الجزائريين تحت مسمى الأرض المحروقة وبدل ان تستحي فرنسا من تاريخها الاستعماري وتعتذر لضحاياه قامت بوضع تشريع يمجده إنها حرية الإجرام والوقاحة؟!.