القلق ليس بديلا أولا.. ابحثوا عن الطمأنينة بوسائلها

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد: جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراء أساتذة حول قوة النفوس ومقاومة كوفيد 19
القلق ليس بديلا أولا.. ابحثوا عن الطمأنينة بوسائلها 

تتباين النفوس البشرية كما تتباين قوة التحدي عند الناس وإثبات الوجود والقدرة على التعامل مع الأحداث التي تتغير زمانا ومكانا وحالا.. فمنذ ظهور فيروس كورونا أواخر عام 2019 لا يزال الأفراد والمجتمعات في صراع مستمر يشوبه خوف شديد بعد تأخر إنتاج لقاح وآثار التباعد الاجتماعي وضعف القدرة الشرائية واضطراب مواعيد الدخول المدرسي والجامعي والمهني وأيضا بقاء كثير من المساجد مغلقة أيام الجمعة. وغيرها وقد تعصف تلك الأخطار بالنفوس الهشة في أي لحظة.
سألنا أساتذة وكُتابا: كيف يقاوم الناس تلك الأخطار التي تضر الصحة النفسية والجسمية وغيرها لا سيما بعد ازدياد الضغوط في هذا الزمن الكوروني؟ وما السلوكات الصحية التي يجب اتباعها لرفع التحدي ومواجهة المصير المجهول (كل في مجال اختصاصه).

الدكتور خالد شنون أستاذ جامعي
ضرورة إنشاء خلايا علمية تضم مختصين في علوم النفس الاجتماع والطب والإعلام المرافق لدفع أخطار الفيروس

الإنسان مولع بما يعيشه في بيئته حيث يؤثر في هذه البيئة ويتأثر بها ولعل الفترة الراهنة التي تمر بها الإنسانية حتى لا أقول المجتمعات عامة حيث عصف الوباء بحياة نسبة كبيرة من المجتمعات والأفراد من شأنها أن تترك أثرا في سلوكات الأفراد والجماعات بل والمنظمات التي تكون المجتمع والعالم حيث ظهر أن التقدم التقني والتكنولوجي الذي راج في العالم قد يعجز في التصدي لظواهر وبائية كـ كورونا وغيرها مما يتوجب إعادة النظر في المنظومة الصحية العالمية ومنظومة البحث العلمي والأمن والبحث عن سبل ومخارج علمية مخبرية أكثر تصديا لأي أوبئة أو ظواهر تهدد صحة البشرية.
وطبيعي أن تتضافر الجهود للتكفل بمخلفات هذا الوباء القاتل الذي روع البشرية جمعاء خاصة وأن آثاره السيكولوجية والقلق الاجتماعي الناتج عنه ظهر للعلن ولم تجد الحكومات والمنظمات العالمية من مخرجات مقننة للتكفل بالمصابين صحيا وتفسيا ولا لتحصين الآخرين من الإصابة به وطبيعي هذا أن ينعكس في سلوك الفرد والأسر والتفاعل الاجتماعي ومسايرة الحياة بصفة عادية.
وبصفتي متخصصا وباحثا في علم النفس نرى بأن الوضع الصحي الراهن انعكس كثيرا على سلوكات الأفراد بل وكم من فرد يعاني حاليا من الخوف من الإصابة بـ كورونا والقلق المفرط في التعامل مع أحداث الحياة اليومية خاصة وأن المجتمع تسوده ثقافة اللامسؤولية أحيانا مما زاد من درجة الخوف لدى البعض وأضحت حياته قلقا وتوترا وعن الجانب النفسي الذي ميز الأفراد فالعلم والإحصاءات تشير أن الصحة النفسية لا تغدو إلا أن تكون ذات أهمية قصوى في الصحة العامة للفرد بل قد تكون أولى أحيانا من أي جانب آخر فسلوكاتنا مكونة من روح وجسد ويكبر حبنا للعطاء كلما امتلأ الوجدان سرورا مما يعني أن الإنسان وخصائصه الصحية والنفسية والوجدانية متكاملة ولا يمكن عزل مجال فيها عن الآخر وهنا نشير إلى ضرورة وضع خلايا علمية تعمل على تشخيص الواقع السلوكي في المجتمع وبدقة ورصد وتصنيف فئاته تبعا للأثر الناتج عن التعامل مع هذا الوضع الصحي الراهن ومن ثم التكفل حسب التصنيفات المُرصَدة خاصة وأننا نلاحظ تطورا مطمئنا أحيانا ومقلقا أحيانا أخرى كما نلاحظ تفاوتا وتطورا في ردود الأفعال الناتجة عن هذا المثير الوبائي ولعل أكثر النقاط الواجب الوقوف عندها هو قلق المستقبل الناتج عن التغير الاجتماعي المرافق للوضع الصحي الراهن فالتنقلات عطلت وفتح المجالات الجوية والبرية أجلت إلى آجال غير معلومة من الطبيعي أن يكون لدى الفرد العاقل قلقا يرتبط بمستقبله في مجالات الحياة كلها الدراسة أو العمل أو الحياة عامة حيث نذكر هنا أن الأمر ليس متوقعا بيسر للوصول إلى التوافق النفسي والاجتماعي الملائم للتكيف وعدم إهدار طاقة نفسية وصحية لدى الأفراد ولكن إذا ما تم وضع خلايا بحث علمية تضم مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع والطب والإعلام المرافق قد تمر هذه الجائحة بسلام على المجتمع وبأقل الخسائر حيث يكون التقييم والتقويم مقننا ببرنامج علمي وعمل ملائم للوضع ومن ثم تحصين الأفراد والمجتمع من إهدار كبير قد يقع إذا لم يتم التدخل بهندسة برنامج ملائم وفي الوقت الملائم.

الأستاذ عبد الله هنين استشاري اجتماعي ومدرب تنمية بشرية وكاتب
الجديد ما نصنعه من عَرق أفكارنا وعضلات أيدينا وسعي أرجلنا لمجابهة الوباء القاتل

لو دققنا جيدا مع كل ما يدور حولنا فنجد كل التفاصيل تخضع لنظام معين هذا النظام يفرض نفسه على الجميع فلو اختل هذا النظام حل مكانه نظام آخر وانطلاقا من دائرة الراحة التي يصنعها كل فرد فينا حسب أهدافه وطموحاته ويعمل ليل نهار للوصول إليها فالطالب في الجامعة دائرة حياته بين الجامعة والإقامة والمنزل والأصدقاء والشيخ الكبير دائرته بين البيت والمسجد ومجالسة أقرانه وصاحب الدكان يحوم بين دكانه ومنزله وكل حسب دوره في الحياة الذي اختاره أو فرض عليه يصنع دائرة تعطيه الراحة التي تضمن علاقاته ومصاريفه وطاقة لمواصلة الحياة فأي جديد ايجابي أو سلبي سيحطم هذه الدائرة ويحدث عليها عدة تغيرات تجعلها تغير من اسمها وتصبح غير مريحة فطرد الموظف من عمله يدخله في دوامة من الألم والحيرة والقلق الكبير لأن أحد أعمدة الراحة قد كسرت وما استجد أخيرا في شكل فيروس وما يشوبه من غموض كجهل مصدره وسرعة انتقاله وغياب مصله وهل هو مؤامرة أو أمر طبيعي دمر معظم الدوائر العامة والخاصة وكسر سيرورة العديد من التوجهات والسياسات والخطط على المستويين الفردي والجماعي وهذا ما جعل القلق وهو البديل الأول والوحيد لما تغيب الراحة وتتمزق دائرتها ينتشر كاللهيب وسط الزرع ويأكل الأخضر واليابس ليس على الجميع ليكن تحليلنا إيجابيا لكن توجد فئة كبيرة من الأفراد وجدت صعوبة في التأقلم وصنع البديل وأنها لا ترى أي حل في الأفق القريب أو المتوسط وكما نعلم أيضا أن وزارات الصحة في العالم العربي والعالم الثالث شعارها الوقاية من الأمراض بدل الحفاظ على الصحة فالعقل الباطن للفرد يركز على العبارات لا على المعاني ويجسدها كأن أقول لك: لا تتخيل حصانا أصفر فأنت الآن تراه في مخيلتك أمامك.. فنفس الأمر يتعلق بأهمية التركيز على الصحة بدل الأمراض وإذا تحدثنا على الصحة فالأرقام لا تنصف الصحة النفسية بل تعطيها الميزانيات في أوطاننا أقل من واحد من عشرين مقابل الباقي للصحة الجسدية التي ما هي إلا نتيجة لإهمال الصحة النفسية فأمراض القلب والقولون والسكري والضغط الدموي والمعدة ومعظم الأمراض التي تلتهم يوميا الأعداد الضخمة من الناس أصلها عقد وتأثيرات نفسية اجتمعت بالداخل وأهملت وتبلورت لتتجلى كأمراض عضوية نسكنها بالأدوية المواد الكيميائية بدل أن نستأصل سببها.
تعال معي سيدي القارئ لتلخيص ما سبق ووضع حلول جذرية وصناعة البديل بدل انتظار التعليمات والجديد فما الجديد إلا ما نصنعه من عَرق أفكارنا وعضلات أيدينا وسعي أرجلنا بظلال توفيق من خالق عظيم.
استمرار الوباء وغياب الدواء وغلق المساجد وتوقف بعض النشاطات وضغوط نفسية وجسدية في هذا الزمن الكوروني تجعل من اليد السفلى ضحية ومن اليد العليا مسؤولا قويا مفكرا يجلس جلسة عصف ذهني يحمل بعدها في يده خطة جديدة تجعله في نظام جديد ويكسر بيده دائرة الراحة القديمة ويجعل من العدم ويصنع من اللاشيء نظاما متماسكا نفسيا أولا وإعطاء الروح حقوقها من الصلاة وفي وقتها والتأمل بأصوله النفسية الصحيحة والمطالعة واختيار كتبها وكما يؤثر النفسي على الصحي فالعكس صحيح وواجب فانتظام الوجبات ونوعيتها والرياضة وديمومتها ولو لدقائق وضبط النوم بأوقاته السليمة تعود على النفس بالنعم الكثيرة التي لا تحصى ولا تعد.
أيها القارئ الكريم لنكن ما نريده من الآخرين في الفعل والقول ولنعلم أن الفرق الذي صنع الفارق بيننا وبين من يسيرون حياتنا رغما عنا هو الإنجاز والإنجاز معادلة تعتمد على القدرات وتهمل وتقضي على المشتتات ووقودها التحفيز والحماس الدائم والثقة في الخالق العظيم الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وجعلنا خير أمة أخرجت للناس.
ولو وثقنا حقيقة في خالقنا وآمنا بأنفسنا وأنجزنا ما أردنا فلن يجد القلق والجزع لأنفسنا سبيلا وستغمر السعادة تفاصيل حياتنا.. رفعت الأقلام وبدأت الإنجازات.

الأستاذة رحمة مخلوفي اخصائية نفسية أرطفونية وكاتبة
أكدت دراسات دَور التواصل عن طريق الرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي أثناء الجائحة

تعد جائحة كورونا أزمة صحية عالمية ذات آثار وأبعاد من تجربة حقيقة على مختلف الأصعدة في تاريخ البشرية أما عن هذه التجربة الحالية التي لم تكتمل بعد دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة إلى ما كنت عليه قبل كورونا فلا حديث الآن غير موضوع كورونا والأزمة التي تسببت فيها وما تزال تسبب فقد أصبح بقاء أكثر من مليار من البشر في منازلهم ضرورة حتمية لا بد منها استجابة للنداءات العالمية مقابل انتشار هذا الفيروس بشكل متزايد خاصة في الآونة الأخيرة ومع هذه الحالة التي لم تكن في سجل التنبؤ لدى نسبة كبيرة من عامة البشر تتزايد الضغوط والتي تتمثل أبرزها في الضغوط الاقتصادية والنفسية الهائلة كما كان متوقع هذه الأخيرة أجريت عليها دراسات والتي نرى في حوصلتها كثير من السلبية والخطورة لدى فئة من الأفراد ولكي نفسر أكثر نأخذ عينة من الإجراءات المقترحة للوقاية من فيروس كورونا رغم أنها إجراءات صحية في صالح البشر لكن لا يخفى عنا آثارها السلبية ذات التأثير العميق في الصحة النفسية والاجتماعية كإجراء التباعد الاجتماعي الذي في مفاده الانعزال وهو نقطة سوداء ليست في صالح الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية كذلك التباعد الاجتماعي بين الأم وابنه وفقدان الجو الأسري والشعور بالتوتر والوحدة والخوف بين الأقرباء وعدم القدرة على المواساة في أحزانهم وأمراضهم وأفراحهم..  كل هذا يعد مفقودا حاليا مما يفرض على الإنسان ردود أفعال أبرزها إما التعايش وتقبل الأمر حتى تنتهي هذه الأزمة وإما نجد خروقا واضحة لقوانين الحَجْر الصحي وعدم تطبيق هذه الإجراءات. 
أما عن الحلول للتعامل مع هذه الأزمة في عمومياتها يجب تحلي الإنسان بالمرونة والتكيف وابتكار أفكار أخرى تعوض كذلك التآزر الأسري عن طريق التواصل لأن للتواصل دَورا مُهما وكبيرا بدونه لا يستطيع الإنسان التنفيس حاليا.. وحسب كثير من العلماء الذين سارعوا في البحث عن مخلفات كوفيد 19 أكدوا دَور التواصل عن طريق الرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي لأن التواصل أفضل بكثير من اللا تواصل لما يحمل من معان وكلمات إيجابية تستطيع التأثير الحسن في النفوس.. ومن التواصل الإيجابي ودائرته يأخذنا إلى التشجيع كما رصدت عدسات الكاميرا عالميا التشجيع بالموسيقى والعزف وهي أمور مستحسنة للكبير والصغير.. وهذا يعد مصدر إلهام لا بد من تطويره والبحث كذلك عن أمور أخرى تساعد على كسر أجواء العزلة بطريقة آمنة.. أيضا التقليل من متابعة الأخبار السلبية والتهويل لبعض الإعلاميين أزمة كورونا رغم مرارة الواضع لكنها فرصة للتفكير وتقييم الذات والصحة كذلك تطوير الذات بالمطالعة وتعلم اللغات والبحث عن قدرات لتفجير المواهب.
وختاما أقول: تفاءلوا وابتسموا رغم الظروف.. لكن سيكون هذا الجيل أقوى لأن أزمة كورونا محك حقيقي واقعي أدخلنا في تجربة لا شك أننا سنخرج بحكمة تلخص لنا معرفة كيف أن نعيش ونستثمر ونستغل فرص الوقت ونعمة الصحة والتقارب وإلى غير ذلك.

كنزة بن وسعيد كاتبة