درس للأزواج حين الاختلاف.. ورسالة تربوية للأولياء

  • PDF


قم أبا تراب..
درس للأزواج حين الاختلاف.. ورسالة تربوية للأولياء


أبو اسماعيل خليفة


إن العلاقة الزوجية يجب أن تكون قائمة على أساس التراحم والمودة والرحمة بين الزوجين ولكن لا يخلو بيت من البيوت من بعض الخلافات التي تكدر صفو العلاقة الزوجية ويعتبر ذلك طبيعيًا لأن طرق التفكير تتفاوت بين الزوجين كما أن درجة تفهمهما للأمور تختلف أيضًا ولا يخلو بيت العالِم من هذا الاختلاف..
وليس ثمة خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة .ولقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه جهود عظيمة في الإصلاح بين الزوجين نراها متجلية في السنة النبوية التي نتدين بمعرفتها وعند اللزوم يتعين علينا اجترارها والأوجب بل الغاية من نزولها من الله على خلقه أن يتعبدوا له بممارستها وفي مواقف حياتنا نعمل على تطبيقها. ومثالنا:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْد قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَان : انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَاب قُمْ أَبَا تُرَاب . رواه البخاري ومسلم.
هذا الحديث أصل في فنّ التعامل مع الزوجة. وفيه من الفوائد التي ينبغي الاستفادة منها في علاقاتنا الأسرية إذا لم يستطع الزوج الحوار الهادئ مع زوجته: أثناء الخصام فعليه أنْ يخرج من البيت حتى لا يتصرف تصرّفاً غير منضبط فينهدم بيت الزوجيّة.
فهذا علي رضي الله عنه حين دب خلاف بينه وبين فاطمة -رضي الله عنهما يُعلِّمنا عليُّ درساً هاماً أيضاً في أدب الخلاف ومشاكل البيوت لقد خرجَ من البيت تاركاً فاطمة لتهدأ نحن في غضبنا نقول أشياء مُؤذية ونسمع من الآخر أشياء تُحزننا فإذا وقع بينكما خلاف واحتدم اتركها في البيت واخرج وعُدْ في المساء أو نَمْ في بيت صديق لك وهي حتماً ستهدأ ويعز عليها غيابك وتُقدِّر لك أنك تركتها في بيتها مُعزَّزة مُكرَّمة!
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل ابنته فاطمة عن الخلاف الذي وقع بينها وبين زوجها ولم يطلب منها أن تُخبره بما قالت له ولا ما قال لها أراد أن يُعلِّمنا أن البيوت أسرارا وأنّ تدخُّل الأهل في كل صغيرة وكبيرة يُفاقم المشاكل فلا تُحاولوا كشف ما ستره الله دعوا الأزواج تتخاصم وتتصالح!
وانظُروا إلى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم يذهبُ إلى علي يواسيه (قم أبا تراب) ويترفَّق به ويسترضيه ولا يُعاتبه عما حدث بينه وبين ابنته بل إنه لم يسأل ما الذي حدث. وهذا درس بليغ للأهل في ألا يتحزَّبوا ولا ينحازوا عندما تقع الخلافات ولا يصبُّوا الزيت على النار لمجرد خلاف وقع بين الزوجين! قال ابن حجر في فتح الباري رحمه الله في كلامه حول هذا الموقف النبوي: وفيه كرم خلق صلى الله عليه وسلم لأنه توجه نحو عليّ ليترضَّاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته ولم يعاتبه لمغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده فيؤخذ منه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم .
أيها الآباء والأمهات.. أيها الأزواج: قد يقع بين الزوجين ما يقع وهذا من طبيعة البشر لكن عند العقلاء القضية عندهم سرعان ما تزول والمشكلة سرعان ما تحل وقضية العناد والمكابرات والهجر الطويل هذه لا توجد عندهم أما عند غيرهم فكثير وتستمر القضية والمحاكم والتشهيرات وأخبار في المجتمع سيئة وتلوك الألسن الأعراض.. فكونوا عقلاء. وتدخّلوا وُجِدَت مشكلة وعَلِم بها بشكل يضمن إعادة الود والصفاء إلى جو الأسرة.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يصلح حال زوجات المسلمين وأزواج المسلمات وأن يبعد عنهم وعنّا أجمعين وساوس الشّياطين وحسد الحاسدين ربنا وَكَّلنا إليك أمرنا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.