أيقونة الدراما العربية المحترفة لا تنطفئ شموعه

الجمعة, 01 يناير 2021

مراصد 
إعداد: جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول المخرج الراحل حاتم علي:
أيقونة الدراما العربية المحترفة لا تنطفئ شموعه

يَصدُق في الكاتب والفنان والمنتج والمخرج السوري القدير حاتم علي لقب أسطورة الإخراج الدرامي التاريخي .. توفي صاحب الروائع رحمه الله وترك أعمالا خالدة لها الأثر الجميل في قلوب المشاهدين في العالَم العربي والأمة الإسلامية وقد ازداد حبهم لأعماله احترامها لثقافتهم المتنوعة الأصيلة.. رحل العقاد الثاني (نسبة للمخرج السينمائي مصطفى العقاد) رحل ابن الجولان المحتل المخرج الذي أضحك وأبكى أبدع وأمتع أجمل وأنبل رحل الصانع الماهر للدراما العربية الساحرة رحل زارع الوعي دون زيف وصانع الثقافة دون خوف ومعيد التاريخ دون أراجيف..تظل التغريبة الفلسطينية ومسلسل عمر و صلاح الدين الأيوبي شامات بارزات في مساره الفني الملحمي وتظل ثلاثيته صقر قريش ربيع قرطبة وملوك الطوائف التي خلدت فترة من تاريخ المسلمينفي الأندلس راسخة في وجدان الأمة ونابضة للأجيال القادمة و صراع على الرمال وبعض أجزاء سلسلة مرايا .
خدم اللسان العربي خير خدمة فضح الانسلاخ والاستلاب والتطبيع مع الكيان الصهيوني ..حاتم علي كان وحده أمة.. نعزي كل الأمة العربية والإسلامية ونعزي زوجه المصون الأستاذة دلع الرحبي وأولاده عمر وغزل وغالية.
إثر هذا الرحيل المفاجئ سألنا أساتذة وكُتاباعن أعماله التي تركت فيهم شعورا خاصا واللمسات الفنية الجَمالية التي امتازت بها مسلسلاته الدرامية والتكريم العربي الرسمي والشعبي الذي يليق بقامة لها وزنها الفني والثقافي.

ركاد حسن خليل شاعر وكاتب - فلسطين :
حاتم علي ووليد سيف شكَّلا ثنائيا لتحرير الذات والأرض والعقل

التغريبة الفلسطينية ترك في النفس والروح الأثر الكبير لدقة تصوير الأحداث بحذافيرها

بلا شك أنّ رحيل المخرج والفنان السوري حاتم علي رحمه الله سيترك أثره الكبير على الساحة الفنية والثقافية العربية وسيكون من الصعب تعويضه كما هو رحيل العظماء من الأسماء الفنية الثقيلة التي رحلت ولم يملأ مكانها أحد فقد ترك لاسمه مكانا لا يمكن له أن يغيب ويبقى ذكره كلمّا كان الحديث عن الفن والإخراج والمسلسلات التاريخية ودورها في نشر الوعي الثقافي والإنساني في المجتمعات. 
أعمال حاتم علي شكلت نقلة نوعية في مستوى المخرج العربي ومقدرته على محاكاة الواقع بشكل كبير يلامس فيه مدارك المشاهد وانتباهه وينقل إلى سجله المعرفي ما يعلق بذهنه من معلومة صافية صادقة تشكل لديه نوع من ثقافة عامة لا يحتاج معها إلى البحث في الكتب أو أنه يكتسب ما لم يكن في حسبانه أن ذلك جزءًا من التاريخ وأنا هنا لا أقصد المصداقية في الرواية التاريخية وإن كنت أراها في جانب من جوانبها تقارب ذلك ولكن المصداقية في تصويرها وإن اختلفت الروايات حول الحدث الواحد.. وهذه المقدرة على التجسيد لا تقل كفاءة ومهارة عن عظماء المخرجين العالميين.
قد كانت لحياة حاتم علي الدور الكبير في صقل ثقافته ووعيه وتجربته فجعلت منه صاحب هم ورسالة حملها بوعي وصدق وعن جدارة ووصل بها إلى النجومية وأوصل ما بها إلى جمهوره الذي تقبلها بشغف وكأنه كان على موعد معها فأصبح كل من أراد الكسب المعرفي والثقافي يترقب أعماله وينتظرها فأنا واحد من هؤلاء الذين تابعوا غالبية أعماله خصوصًا التاريخية منها وكنت مبهورا بها لدرجة الاعتقاد بأنها نُقلت صورة طبق الأصل عن الحدث الحقيقي في الرواية التاريخية فرأيت شخوصها وزمانها وتفاصيلها الدقيقة التي تُغنيك عن الكتاب. 
ولد حاتم علي في الجولان السوري المحتل وعاش حياة اللجوء طفلا إذ انتقل للسكن مع والديه في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على أطراف دمشق فكان لهذه التجربة بكل ما بها ألم وضيق وهَمْ بصمة على وعيه وإدراكه ومواقفه وانتمائه الذي جسّدهُ في أعماله وهذا ما جعله لا يتردّد في أن يشكّل ثنائيًّا مع الكاتب والروائي والشاعر الفلسطيني وليد سيف واتحد الوجع والهم بين الاثنين فرسم قلم وليد سيف معالم الرواية بدراية وحنكة مغموسة بالتجربة ليصوّرها واقع المهارة والحنكة والمقدرة نفسها تجسيدا صادقا وتعبيرا عن ما يعتمر في دواخل الاثنين معا من هدف وأمل ورغبة في تحرر الذات والأرض والعقل من ربق ما تقبع به أمتنا منذ زمن بعيد إلى يومنا هذا.. وهذه التجربة بلا شك كانت ناجحة وتعد أرضية صلبة يمكن البناء عليها واستخلاص العبر من تاريخ لا يمكننا الانفصام عنه وله في سلبياته وإيجابياته الأثر الكبير في ما وصلنا إليه اليوم.
شاهدت لحاتم علي أكثر المسلسلات التاريخية كمسلسل الزير سالم و ربيع قرطبة و صقر قريش و صلاح الدين الأيوبي ومسلسل عمر .. ولكن مسلسل التغريبة الفلسطينية ترك في النفس والروح الأثر الكبير لدقة تصوير الأحداث بحذافيرها فعشنا مع حلقاته تفاصيلها وكنا نقارنها بروايات الأهل والأجداد عن اللجوء الفلسطيني فكانت تتطابق بكثير من دقائقها مما جعل هذا المسلسل أقرب إلى قلوب من عاشوا هذا الهم وهذا اللجوء وهذه النكبة وحاتم علي واحد ممن عاشوها بتركه لمسقط رأسه في الجولان السوري بعد احتلال العدو الصهيوني لهذه الأرض المباركة من سورية وحياته التي نشأ وترعرع فيها مع إخوته من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك .. وكان لكلّ من هذه المسلسلات التي شاهدتها طبيعة وصورة ولغة وفكرة ولجت في النفس إلى مداركها وأحاسيسها وسجلت لدي انطباعا وفكرة ومثل نقيس عليه ونزين.
لم يكن حاتم علي مخرجا عاديًّا ولا ممثّلا هاويًا إنّما ظروفه التي عاشها صقلته ليكون رائدا فزكّى موهبته بالدراسة والتحصيل العلمي في مجاله ممثّلا ومخرجا وحتّى كاتبا أوصلته ليحصد الجوائز الذهبية المتعددة عن أفضل مخرج وأفضل مسلسل في غالبية أعماله وفي أكثر المهرجانات التي شارك بها. ولم يكن ذلك منّة عليه من أحد بل استحق هذه الجوائز عن جدارة حيث أنّ البون كان واسعا بينه وبين غيره من المخرجين. لذلك أقول إنّ أفضل تكريم لهذا المخرج الإنسان المبدع بعد وفاته أن يسير المخرجون العرب على خطاه وأن يتابعوا على معالم الطريق نفسها التي رسمها حاتم علي لإكمال رسالته وللوصول بالفن العربي نحو الالتزام بقضايا شعوبنا وأمتنا دون الهبوط والتّردي إلى منحدرات تصل بنا كمجتمعات إلى الهاوية كما يحدث اليوم في كثير من المسلسلات والأعمال التي من المفترض أن تُعد فنية هادفة.
رحم الله الفنان حاتم علي فهو استطاع أن يكسب حب الجمهور دون زيف فاستحق برحيله أن تذرف عليه العين دمعة. عاش كصاحب قضية ومات كصاحب قضية فهل يلتزم الخلفاء؟.


الدكتور عزيز السريحي أستاذ جامعي– الـيمن
حاتم علي مبدع جسّدت أعماله حبه الانتماء للأمة العربية والإسلامية


الحديث عن شخصية مبدعة كشخصية المخرج حاتم علي قد يطول وتحتاج أعماله الكثير من الدراسات والبحث والنقد المقارن للتحليل والتفسير لدعم المبدعين والمهتمين في الدراما العربية لما لها من دلالة أثرت في المجتمع العربي والإسلامي وغيره.
خسارة كبيرة في فقدان هذه الشخصية المبدعة التي سخرت نفسها في خدمة الفن والدراما العربية.
حاتم علي يعد مدرسة أكاديمية في الفن الدرامي وقد جعل التاريخ والتراث العربي والإسلامي هدفا في أعماله.. وجسد في أعماله تاريخا أصيلا نابعا من عمق وثقافة عربية أصيلة.. حاتم علي ممثل ومبدع مارس التمثل ومنه انطلق إلى الإخراج.. عندما نشاهد أعماله نرى حرصه الكثير في أداء الممثل وإتقان اللغة والإحساس الصادق في الموقف الدرامي.. يجعل المتفرج يعيش مع شخصياته ويتأثر بها بشجاعة والحكمة والمكر وغير ذلك.. فكل شخصية يرسم لها الدور المناسب لها ويبحث في التفاصيل لهذه الشخصيات ويجعلها نقطة انطلاق لكل شخصية لتغوص في أغوار النفس البشرية.. مستخدما الفعل الدرامي المتنامي الذي يدعم الحدث ويساهم في تطويره وصولا إلى الهدف الأسمى للمسلسل.. لقد وظف حاتم علي هذه المفردات في المسلسلات التاريخية مثل الزير السالم و ربيع قرطبة و صقر قريش و صراع على الرمال وغيرها.. مستخدما الشخصيات التاريخية وإسقاطها على الواقع الذي نعيشه.. ساعد ذلك على نجاح المسلسلات وتأثير لدى المتلقي العربي وغيره.
حاتم علي ناقد مميز من نوع آخر جسد ذلك في أعماله بصورة الناقد الفنان الذي ينقد من أجل الأمة ومن أجل التغيير والتنبيه للخطر الذي تواجهه الأمة العربية والإسلامية كما في التغريبة الفلسطينية وغيرها.
حاتم علي الشخص الهادئ الذي ترتسم في ملامحه صفات الصبر والتأني والفطنة والذكاء وصاحب أفكار إبداعية وصاحب نظرة مستقبلية كان لها أثر تأسيس دراما سورية عربية لها مميزات خاصة بها.
أعجبت كثيرا بأعمال المخرج حاتم علي وخاصة الأعمال التاريخية وبجميع إبداعه الرائع الذي أثار فيَّ الفضول أن أكتب هذه السطور التي لا تفي حق هذا المبدع رحمة الله عليه.. المخرج حاتم علي يستحق دراسات كثيرة لكي تفي حق هذا المبدع الذي شملت أعماله لمسات ومحطات تاريخية جسدت بصورة إبداعية لا ينكرها إلا جاحد فالمشاهد العربي شاهد على ذلك ولست أنا الوحيد.. ويفترض لهذا المبدع مدرسة للفن الدرامي ويدرس في مناهج الدراما على مستوى الوطن العربي.
مهما تحدثت عن هذه الشخصية لن أوفي بحقها لأنها كانت كشمعة تضيء وتحرق نفسها.. هكذا هم المبدعون العرب لا يجدون الرعاية الكاملة والتكريم الذي يليق بهم في حياتهم لكي يستطيعوا إنارة العقول بطرق درامية مستخدمين جَمال الدراما العربية الأصيلة التي تحافظ على الهُوِية وعدم الاتباعية والتأثر بثقافة غيرناالمنقولة..في الأخير لا يسعني إلا الترحم عليك أيها الهامة العربية السورية الأصيلة.


ذكرى بن عيدة شاعرة – الـجزائر
إنجازاته تستحق أن تبقى ذكرى للأجيال القادمة


نقدم تعازينا أنفسنا أولاً ثم للوطن العربي لفقدان قامة من قامات الدراما السورية ومخرجها الأول الكاتب والممثل والمخرج التلفزيوني حاتم علي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة.
للمخرج حاتم علي أعمال كثيرة وأكثر عمل له ترك في نفسي أثرا هو المسلسل التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي تم دبلجته في عديد الدول العربية والأجنبية نذكر منها الصومال وماليزيا وتركيا.
والذي تزامن والانتفاضة الفلسطينية الثانية مسلسل حربي وسيرة ذاتية لتاريخ وحد من خلاله المسلمين وانتصاراتهم على الصليبين في معركة حطين واستعادة القدس الشريف..ترك هذا المسلسل في قلبي شعورا خاصا ذكرني بأمجاد الماضي وقوة وشجاعة وشهامة الرجال في ذاك الزمان وشجاعتهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وشرفهم واستعادة القدس بالقوة لأن لأمجاد الماضي والواقع المهين وجع بطعم خاص.
مسلسل الغفران كذلك جمع بين الدراما والواقع المعاش بطريقة رائعة وهو فشل العلاقة الزوجية وتحول قداسة الحب إلى شيء من الشفقة والغفران مع مرور الزمن هذا العمل من بطولة سلافة المعمار وباسل خياط اللذين تفننا في إتقان الدور لدرجة أقنعا المشاهد أنه يشاهد حقيقة ولا يشاهد عملا دراميا.
للمخرج حاتم علي لمسة فنية خاصة وهي محاكاة الواقع بطريقة جيدة واختياره للممثلين بدقة تجعل المشاهد يعيش القصة بأدق تفاصيلها.
لا أعتقد أنه يوجد تكريم يليق بمكانة رجل ناجح على كل الأصعدة كحاتم علي الكاتب الناجح والممثل صاحب الموهبة التجسيدية والمخرج التلفزيوني الذي قام بنهضة عملاقة للدراما السورية المخرج السوري الذي قام بعمل مصري ناجح كذلك بعنوان الملك فاروق أدى فيه حسن تيم الذي لا يزال نجمه ساطعا إلى اليومدور البطولة.
وإن وجد هذا التكريم فأقترح أن يكون وساما شرفيا وإحياء ذكراه في كل عام وذلك بعرض أعماله عرضا يليق به لتبقى أعماله ونجاحاته ذكرى للأجيال القادمة.


..يُتبع..