الرقمنة خيار استراتيجي لحمايتها وتوسيع الاستفادة منها

  • PDF

مراصد 
إعداد: جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول المخطوطات:
الرقمنة خيار استراتيجي لحمايتها وتوسيع الاستفادة منها

لا يزال واقع مخطوطات كثيرة في مكتبات عامة ولدى أصحابها سيئا وهي تغرق في بحار النسيان رغم أنها الذاكرة الحقيقية للمجتمعات والشعوب والأمم ورغم أن قوانين جمة في بلدان عديدة تنص على ضرورة توفير الحماية للتراث المخطوط بمعايير عالمية حديثة. 
كيف ترى تعامل المخابر العلمية الجامعية في العالم العربي مع تلك الكنوز؟
وما مقترحاتك لدعم مراكز حماية المخطوطات وأيضا لدى أصحابها وتيسير اطلاع الباحثين عليها وحسن الاستثمار فيها؟.

الدكتورة سامية بن فاطمة ـ أستاذة جامعية :
المخطوطات تعكس الواقع العلمي والفكري والثقافي الذي ميَّز الحضارة العربية الإسلامية

* استغلال تكنولوجيات الإعلام والاتصال لتصنيف المخطوطات العربية تراثا عالميا

تمتلك الأمة العربية في رصيدها تاريخا أصيلا وحضارة عريقة تعود إلى آلاف السنين يبرز ذلك ضمن مختلف المخطوطات التي تمثل محصلة المعارف والعلوم عبر مراحل التاريخ المختلفة فالمخطوطات هي أصول تاريخية ومصادر أولية بامتياز تعكس لنا بوضوح الواقع العلمي والفكري والثقافي الذي ميز الحضارة العربية الإسلامية خلال عصور مضت تعاني هذه الأوعية التي تحمل في طياتها معلومات أصيلة وقيمة من سوء الحفظ إذ لا تزال الخزائن التقليدية تحمل في رفوفها كما هائلا من المخطوطات الثمينة غير أن وضعها يبدو سيئا. 
واقع المخطوطات في الوطن العربي
تمثل المخطوطات العربية إحدى الجوانب المضيئة للتراث العربي الإسلامي توجد ضمن مختلف المكتبات العامة والخاصة ومراكز المحفوظات الأرشيف والمتاحف في ربوع الوطن العربي فهي مصدر أساسي لاستقاء المعلومات نظرا لقيمتها العلمية والفنية والتاريخية وكذا الفكرية غير أن الوضع الذي تعرفه عموما هو التشتت بين مختلف المؤسسات ضمن البلد الواحد سواء داخل الوطن العربي أو خارجه ولعل أكثر الدول التي تمتلك الرصيد الأكبر من المخطوطات العربية هي تركيا حيث قدرت فيها عموما بأكثر من 200 ألف مخطوط وفي إسطنبول بأكثر من 124 ألف مخطوط كما أن هناك أكثر من 100 مخطوطة بمصر العراق وفي المغرب نجد عشرات الآلاف كذلك الأمر لسورية وفي تونس واليمن وأفغانستان والجزائر وغيرها كما أن هناك عددا من المخطوطات في كل من فلسطين والأردن والكويت قطر والإمارات العربية المتحدة البوسنة والهرسك وكذلك السودان. 
عرفت المخطوطات اهتماما واضحا خلال السنوات الأخيرة حيث تم إنشاء أقسام خاصة للترميم والصيانة في مختلف المكتبات والمعاهد الخاصة عبر مختلف دول العالم للحفاظ على جودة المخطوطات وإعادة الحياة إليها كما وضعت البرامج الخاصة لمعالجتها وصيانتها وحفظها وتطور المفهوم العالمي لحفظ هذا التراث الحضاري وصيانته وأصبحت له قواعد توجب على العاملين فيه مراعاة قضايا متعددة منها إلزامية احتفاظه بمعالمه الأثرية مع تخليصه من كل عوامل التلف والتشويهات التي لحقت بالمخطوط العربي مع ضرورة عدم إضرار المواد المستخدمة في الترميم حفاظا على هذه الثروة القومية الحضارية.
رغم الاهتمام الكبير الذي توليه مختلف الدول في جمع المخطوطات وفهرستها ومحاولة حصر عددها فإنها لم تسلم من الضياع فمخازن المخطوطات في معظم الدول العربية تعيش ظروفا سيئة والسبب في ذلك يمكننا حصره في:
-إهمال أبسط الأسس العلمية في تنظيم المخطوطات على الرفوف.
-تآكل أوراق المخطوطات وجلودها بسبب القوارض والحشرات في ظل غياب أجهزة تثبيت الحرارة والرطوبة.
-نقص أجهزة الصيانة ووسائل ترميم المخطوطات نتيجة الضعف الكبير في تكوين العنصر البشري. 
-غياب الاهتمام بوضع فهارس تتضمن جميع المخطوطات التي تحتويها المكتبات الوطنية وان وجدت فإنها تكون غير مستوفاة.
-الاستخدام الخاطئ للمخطوط يؤدي لظهور بقع في صفحاته عند استعماله بأيد غير نظيفة مما يترتب عنه نمو الفطريات التي تحلل الأوراق مع مرور الزمن.
-إضافة علامات أثناء القراءة والاطلاع يصعب إزالتها وبالتالي يتعرض المخطوط إلى التشويه.
كل هذه العوامل أثرت سلبا على المخطوطات حيث ضاع الكثير منها ومعها القيمة التاريخية والعلمية التي يحملها في طياته مع تهريبها وسرقتها الناجمة عن الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي عرفتها معظم دول الوطن العربي.
عملية رقمنة المخطوطات وأهميتها في حمايتها من التلف
مع ظهور وسائل تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الحديثة أصبح من واجب كل المؤسسات التي تحوي المخطوطات أن تأخذ مسؤوليتها الكاملة في الحفاظ على هذا الإرث الحضاري من خلال الاستفادة من الأساليب الرقمية واستخدامها في عمليات التخزين والاسترجاع ومن ثم تيسير إتاحتها لمن هم في حاجة إليها ومن منطلق أن الحفاظ على هذا الإرث الحضاري يؤدي بالتأكيد إلى الحفاظ على هوية الأمة العربية الإسلامية. 
تمثل المخطوطات كل ما هو مكتوب باليد وذلك قبل ظهور الطباعة ما يعني انه لا يوجد لها نسخ إلكترونية كغيرها من المصادر ما يجعلها كنوزا نادرة وجب الحفاظ عليها من خلال إنشاء ما يعرف بالمكتبة الرقمية للمخطوطات تضم المخطوطات التي تم تحويلها من الشكل التقليدي (الورق البردي الجلود الأحجار) إلى الشكل الرقمي (الأقراص بأنواعها ومختلف الحوامل الإلكترونية) عن طريق عملية الرقمنة على شكل نص أو صورة سواء كان ذلك بالتصوير أو المسح الضوئي. مع التأكيد أن مشروع رقمنة المخطوطات يتطلب توفر عدة عوامل أهمها: العنصر البشري المؤهل الذي لاغنى عنه في هذه العملية الموارد المالية لتمويل المشروع توفير مختلف التجهيزات كجهاز الماسح الضوئي الذي يقوم بتحويل الورق على فيلم شفاف إلى صور إلكترونية بهدف إخراجها في صورة منتج نهائي إضافة إلى الحواسيب و الإنترنت وبعد رقمنة المخطوطات وأرشفتها وفهرستها يمكن نشرها على شبكة الإنترنت من أجل إتاحة المعلومات لجمهور المستفيدين.
ونأخذ كمثال مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية التي أنشئت عام 1993م وهي تهتم باقتناء المخطوطات والمحافظة عليها بدأت بها فكرة رقمنة المخطوطات كمشروع عام 2002م فوضعت الدراسات والخطط لتتجسد الفكرة واقعيا عام 2009م فتم رقمنة أكثر من 1200 مخطوط وكتاب نادر من أصل 4200 والعمل لا يزال مستمرا وكانت عملية الرقمنة تتم بشكلين الأول بشكل صورة عبر ماسحات ضوئية خاصة والثاني بشكل نص.
ويمكننا حصر الأهمية التي تكتسيها عملية رقمنة المخطوطات في: 
-حماية المخطوطات من التلف والضياع حيث يتم نقلها على وسيط رقمي كالأقراص الضوئية أو تحميلها على الخط المباشر.
-تسهيل اطلاع جمهور المستفيدين على المخطوطات الإلكترونية دون الرجوع إلى المخطوط الأصلي وبالتالي التقليل من تعرض النسخ الأصلية للتلف على اعتبار أن المخطوط يتطلب كثيرا من الحذر في التعامل معه.
-توفير فرص أوسع للباحثين حيث يتيح ذلك إمكانية نسخها إلكترونيا أو ورقيا مما ييسر انتشارها وتداولها.
رغم أن إتاحة المخطوط إلكترونيا ييسر على الباحثين الوصول إلى محتواه والاستفادة منه كمصدر أولي إلا أن ذلك قد يعرضه إلى خطر النسخ والتزوير وهنا تبرز لنا قيمة البصمة الإلكترونية المشفرة لحماية المخطوطات.
وفي الأخير نؤكد على ضرورة العمل على إعداد برامج خاصة في مختلف الدول العربية بالاستعانة بالمتخصصين من أجل التدريب على كيفية التعامل مع المخطوطات وإدخال التكنولوجيا الحديثة لرقمنتها والاستفادة من كل ما تتيحهتكنولوجيات الإعلام والاتصال من أجل العمل على جعل التراث العربي المخطوط تراثا عالميا.

الـمهندس وائل بهجت شاهين ـ باحث في التاريخ والأنساب :
لي تجربة شخصية مع الوثائق المصرية استفدت منها كثيرا في بحثي الخاص

فحصت الحمض النووي لبعض الأحفاد ممن ذكروا في المخطوطات

بادئ ذي بدء أُحب أن أوضح للقارئ أن المخطوطات هي عبارة عن مؤلفات شخصية لعلماء وأفراد خطوا فيها خلاصة أفكارهم وتجاربهم وإبداعاتهم الشخصية لتصبح على أثر ذلك حافلة بمعلومات ودراسات قيمة في شتى المجالات الإنسانية التي خاضوا فيها تجاربهم ومنها ما استفاد منها الباحثون المحليون وما استفاد منها الغرب والعالم أجمع فشكلت بذلك حَجَر الأساس للحضارات الحديثة وطوروا منها العلوم المعاصرة.

للأسف لا يزال واقع الكثير من المخطوطات في مكتبات عامة ولدى أصحابها سيئاً وهذا ما يؤدي بها إلى الغرق في بحار النسيان على الرغم من أنها بمثابة ذاكرة للمجتمعات في مجالات متنوعة لذلك أرى أن هناك بدا من سن القوانين التي تنص على حمايتها ويضع المتخصصين آلية قومية لفهرستها وحفظها بطريقة تيسر على الباحثين والمهتمين الحصول عليها لإثراء واقعنا العلمي والثقافي.
كما أجد ان السبيل لدعم مراكز حماية المخطوطات هو أن تصبح هناك منافذ إلكترونية يمكن للجميع مطالعتها مقابل اشتراك رمزي على سبيل الاستثمار فيها وضمان رعايتها والتشجيع على استمرارها. فإن أصبحت هناك منافذ عامة في الجامعات توفير منصات إلكترونية لكل مهتم وباحث أن يعرض فيها المخطوطات الموروثة والنادرة بعد أن يعرض على الجهات العلمية المتخصصة في جامعاتنا لتقيم أهميته وفهرستها سوف يكون لذلك عائد علمي وثقافي ومادي كبير.

الإسهامات المصرية في حفظ الوثائق:
إن مصر قطعت شوطاكبيرا في مجال الوثائق وأنشأت الكثير من الجامعات المصرية أقسام لها يشرف عليها نخبة من علماء مصر في العديد من الجامعات مثل: (جامعة القاهرة بني سويف جامعة الأزهر) ذلك لأن الوثائق بكافة أشكالها خُطت بموضوعية ومصداقية قلما يتوفران في غيرها من المصادر لأنها لم تُحرر بهدف التأريخ الذي قد يتأثر برؤية أو أهواء مؤلفيها وأُنشِئَت من أجل إثبات تصرف معين روعي فيه الشروط التي وضعته الجهات الرسمية والعلمية بما لا يدع فيها مجال للشك مستقبلا لذلك فإني أجد من الأفضل أن نستفيد من تجربة مصر في هذا المجال. 
على المستوى العلمي لي تجربة شخصية مع الوثائق المصرية استفدت منها كثيرا في بحثي الخاص خصوصاً بعد الاطلاع على سجلات تعداد النفوس لمديرية بني سويف الموجود في دار الوثائق المصرية وهي التي أهداني إيها أحد أبناء عمومتي من قبيلة الهنادي وهديته هي كتاب عبارة عن نموذج رائع للتوثيق وهو في الأساس رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الأدب تخصص الوثائق. أشرف عليه نخبة مميزة من علماء مصر المتخصصين في الوثائق بكليات الآداب جامعة القاهرة وبني سويف.
لذا أجد أن هناك بُدا من أن تكون هناك جهة ما راعية للمخطوطات تقوم بحفظ المهم منها بعد تنقيحه والتوثق من صحته وتشجيع الباحثين على ترتيبها وإعادة صياغتها والاستفادة منها في رسائلهم وأبحاثهم العلمية على غرار ما يحدث مع الوثائق في مصر لأن ليس كُل ما خُط صحيحا بالضرورة كما حدث في التاريخ. ولي في ذلك عدة تجارب مع مخطوطات سوف أذكرها لأن هذا مهم من أجل تعامل المخابر العلمية وأصحاب المخطوطات مع تلك الكنوز.

مقدمة لتجربتي الشخصية مع المخطوطات في مجال الإثنولوجيا الجينية:
في مشوار بحثي الخاص بالإثنولوجيا الجينية وتاريخ السلالات البشرية عُرِضتْ عليَّ بعض المخطوطات التاريخية التي تُوثِق لأنساب جماعة بشرية محددة خطها شيوخ للتوثيق لأنساب جماعة بشرية معينه في حقبة بشرية محددة.
بعد أن قمت بتنقيح ما جاء فيها وأحسنت النظر إليه والتثبت منه أفاض بي ذلك إلى الشك في بعضها لذلك قررت أن أعرضه على علم رياضي دقيق من شأنه أن يُفضي بي إلى اليقين فقمت بفحص الحمض النووي لبعض أحفاد من تم ذكرهم في هذه المخطوطات فأبعدتني نتائج علم الحمض النووي قطعية الثُبُوت وما جمعته من معلومات في بحثي التاريخي عن تصديق كل ما جاء في بعضها أو عن تصديق جزء وتكذيب آخر لأن الأخبار إذا اعتمدت فيها كباحث في التاريخ على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة والعِلم الحديث وأحوال الاجتماع الإنساني وقياس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فلا يؤمن عليك كمُدقِق من العُثُور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق كما علمنا ابن خلدون رحمة الله عليه.

..يُتبع..