تأثير السجال السياسي على الواقع الاجتماعي وحياة الكاتب اليومية

  • PDF

مراصد 
إعداد: جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد مقالات أهل القلم
تأثير السجال السياسي على الواقع الاجتماعي وحياة الكاتب اليومية

ترصد أخبار اليوم كل حين مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

تقنيات الإطار وتبعثر الحكاية
بقلم: الدكتورة رائدة مهدي جابر العامري

يبدو أن تقنيات الإطار تشكل توجها إبداعيا في محاولة احتواء التغييرات والتناقضات والتضادات في العالم الواقعي حتى أن العالم ما بعد الحداثة أصبح يشتغل على ضوء الصراع الاجتماعي أو قيامة العالم كما أطلق عليها دريدا لذلك فالاختلافات والتبعثر والتغيير أشبه بصفة جديدة يمكن أن نتلمسها في تقنيات السرد الحديث.
في ظل الهوية المتشظية والمبعثرة والإرجاء المستمر لحضور الذات كان له تأثير واضح في ظهور هذا النمط من التشابه الذي يحتوي في داخله مجموعة من القصص والحكايات التي تخالف المنطق القصصي والمحاكاة المتسلسلة للأحداث.
أتأمل العديد من تقنيات السرد ففي السابق تتخذ من التغييرات الزمانية وتقنيات الفلاش بك غرض التقديم والتغيير ففي كل لحظة يعطي عنصر الزمان حرية الانتقال من حيث التقديم والتأخير والعوالم الخيالية التي يمكن أن نجدها في الذاكرة والحلم ولكن ما يحدث اليوم وما شرعنته سرديات ما بعد الحداثة في الاشتغال على الابتكار النصي أو الفرادة الإبداعية في أن يكون النص هو التمركز -ليس المركز كما جاء في الفكر التفكيكي-.
فاللصق والقص والمونتاج والرحم السردي الحلزوني من حيث ظهور عدد حكايات مختلفة تستجيب بالانفعالات والتنشنجات النفسية وهي ما أطر في الحكايات السردية إذ أنها في الحقيقة السيرة الذاتية التي تتبلور حول الذات أو المجال الخاص بعيدا عن المجال العام فالخصوصية التي أصبحت صفة العصر الحديثة أبعدت الإنسان عن المشكلات الاجتماعية والسياسية وعملت على أن يتمركز حول نفسه معبرا عن مشكلاته النفسية ووجهة النظر الفردية للأحداث المتناقضة والمبعثرة. 
لا شك أن الواقع لا يمكن أن يكون منسجم عن طريق الانعكاس أو المحاكاة التي يقدمها الراوي للواقع وقد أصبح مرآة مقلوبة للواقع الذي يسلط الضوء على هذا الواقع المتشتت فكل شيء غير مستقر والكل يسير على فضاء متحرك أو رمال متحركة لا يمكن أن تستقر فعدم الاستقرار أو الاختلاف قد أصبح السمة البارزة في العالم.
لاشك إن الصيرورة هي التغبير الواقعي لما يدور حول المبدع في رواياته ولكي يحاول المبدع فهم الواقع من وجهة نظره اتجه الى السيرة السردية.
فليس الكلام عن الرواية شيء مقدس وثابت بل يفسح المجال للحديث والرؤى المتنوعة في جوانب متشعبة لأنها تشمل وتتناول قضايا مهمة ومتشابكة أهمها الهوية والعوالم الحاضنة فعتبة العنوان يمكن اختزاله في (سيرة يوميات) فاختيار كتابة السيرة على شكل يوميات جمعت بين السيرة الذاتية واليوميات الذي يظهر فيها الآخرون ويتوالدون تحت نور ذاته ووجوده.
فوجوده اليومي هو الذي يمنحهم الوجود والبروز للعالم. وقد كان هذا العالم هو السرديات اليومية التي جمعته بهم. وذلك لا يجعل من الأفكار تفسر ذاتها عن طريق التأثير في السياق الذي ترد فيه فضلا عن الظروف المحيطة وبهذا لا يجعل أيضا ذلك العمل الروائي يكشف عن أهميته. 
إذ يتيح للأحداث والشخصيات أن تأخذ حقها في الإبداع دون ملل أو تكثيف مخل وهذا يؤدي بالتالي إلى بعث اليقظة في الأفكار. فيمكننا أن نضع لهذه اليوميات السيرية عنوان (سرديات يومية أو حكاية ذاتية) وذلك بالنظر إلى الحس الحكائي الذي كتبت به هذه اليوميات لتعيش سردياته الحكائية ذات الأزمة. 
فقد كان الكاتب في هذا العالم أحيانا مؤرخاً أكثر من كونه قاصا أو روائيا أو كاتبا أدبيا.. نعم يمكننا القول إنها رواية لذاته المؤرخة. وإن ما يلاحظ النصوص القصيرة المكثفة الشديدة أحيانا وحكايات ثانوية تعترض مسار السرد والتي تعيق نمو الأحداث. فإن القارئ/المتلقي لا يبحث عادة في الصنف الطويل عن الحبكة بل يهدف في قراءته على كيفية كشف تطور الشخصيات ورؤية المؤلف للعالم. ينظر: (1) هارولد بلوم كيف تقرأ ولماذا ترجمة نسيم مجلي المركز القومي للترجمة القاهرة 2010 ص244.
فضلا عن خلوها من أي حدث أمر يمكن الأرخنة له ووضعه في يوميات أو مذكرات وهذا يدل على أن الكاتب أحيانا كان يبتغي التدوين اليومي ليومياته حتى وإن خلت مما ذكره أو عده يستحق الذكر.. وهذا الأمر يوصلنا إلى مفاده أن الفراغ كان جزءا من حياته كما كان جزءا من يومياته التي خلت من المعنى والمحتوى. وتتميز بطبيعتها بأنها بسيطة من الناحية اللغوية والفنية والفكرية لأنها أقرب إلى العفوية والحياة اليومية العادية والكلام اليومي الذي يضفي إليها تعددية في الأصوات.
ولقد يركز الكاتب غالبا على اليوميات التي ترتبط بالسياسة والوطن أكثر من تركيزه على الثقافة أو الأدبية اي ملتزم بمسار أيديولوجي انتقادي يبتعد على التعلق بـ اليوتوبيا أو الأمل والحلم فهو واقعيا أكثر من كونه حالما إذ أن الكاتب خاض مغامرة السرد المذهلة لكن ركز أنظاره للجانب السياسي ومشكلاته وهذا يشير لبداية تأثير السجال السياسي على الواقع الاجتماعي. مما يعني سيطرة الجانب السياسي على حياة الكاتب اليومية.. ولا يخفى أن السياسة تحتل مكانة كبيرة في حياة الفرد العربي بشكل عام لكن لابد الأخذ الانعطافات التاريخية بالحسبان. ينظر:11عبد الله إبراهيم: أعراف الكتابة السردية. ط1: 2019. المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت/لبنان.
فالسياسة والثقافة والمثقف على واقع النقد الثقافي يمثل بوتقة جديدة في تحديد بوصلة العمل السردي والإبداعي الجديد فالجانب الجَمالي أصبح يتخذ من المجال الإعلامي والبلاغي والإقناعي هدفه وغايته متحولا من النص الى الخطاب والأنساق الثقافية التي يغذيها الالتزام من قبل السارد في طرح أفكاره ووجهة نظره للعالم.

أشباح أم أحلام؟! 
بقلم: مصطفى بن عبد السلام

أخبرني صديقي ذات ليلة أنه في سبيل تحقيق حلمه سيتحدّى التقاليد والأعراف وأنه قد سلّ سيف العصيان وامتطى صهوة حصان عنيد وأنه سيتمرد على كل شيء مألوف وربما سينقض كل المواثيق والعهود وبأنه لم يعد يبالي.
فكتبت له رسالة كان مطلعها بعد التحية والسلام:
صديقي العزيز هوّن عليك ولا تكثر من الأحلام وتبحث عنها بعيدا في جزيرة كل ما يقال عنها أنها جزيرة تسكنها الثعابين والأشباح..فتش جيدا فليس كل حبل امتد إليك هو حبل نجاة ونجاح لتحقيق حلمك..السجين الذي ظن أنه لن يخرج من زنزانته يرى بيته الآن الذي سقفه من خشب قصرا والمريض الذي ظن أنه هالك لا محالة سيرضى بالحمى إن نجا والفقير الذي كان سيخرج بحثا عن رغيف خبز سيطير فرحا لو عثر على كيس من القمح مُلقًى على عتبة بابه كل هؤلاء قد أدرك عظم الرضى فاطمأنت نفسه.
صديقي لك أن تطمح وأن تسير على درب أحلامك وألا تقعد مقاعد المخلفين والمتقاعسين ولن يعترض دربك أحد ولكن لا تدس على تلك الشعلة التي ترى بها النور وأنت لا تدري بأي يد كانت.
فقد تكون تلك الشعلة هي مبادئك أو ربما هي كرامتك أو هي ميثاق غليظ أخذته على نفسك ذات يوم..لا تحاول عبثا أن تخرق سفينتك في سبيل أن تروي ظمأك وتدّعي البطولة والتحدي لأنك تريد ان تسترد ماض عتيد كان هو كل ما تملك من ذكريات جميلة. 
ولا تحاول أن تعبر جسرا تحسبه ممرا لكل طموح وهو ليس إلا ممرا لمن أراد أن ينتحر..تَرفَّق بنفسك وارض فإن الرضى أحيانا سلامة ونجاة.. ولا تهدم صرحا قد تمناه الفقير والمريض والسجين ذات ليلة كنت أنت سيده وصاحبه..كم من عزيز في بيته صار ذليلا أو طريدا لأنه امتطى صهوة حصان ظن أنه سيأخذه لمدينة الأحلام فأخذه للهاوية..اطمح ولكن أرجوك لا تدس في الظلام على من ائتمنك واعلم يقينا أن بعض أحلام الظلام باطلة وخادعة وماكرة.

حَبَّات الرُّمَّان الثَّلاث

فِي مَدِينة عَرِيقَة كنتُ أَسْكُن.. ترعرعتُ هناك وتربيت وتعلمتُ كيف أَحْلُم وكيف أَطْمحُ وكيف أكون رجلاً.
في مدينتي هاته كانت الجِبَالُ حَوْلنا تَحْرُسنا من قَرِّ الشتاء وغابات المشمش والنخيل والرُّمّان والتِّين التي كانت هي الأخرى تجود علينا بأطيب الثَّمر وأشهاه وتُرسل نسائم معطرةً فوّاحةً مع كل نسيم صباح صيف أو ربيع.
كان الكُلُّ يفتخر بأنَّه ابن تلك المدينة التي سُمِّيت بِمنْعِم لخيرها الوفير وبركة أرضها التي عاش عليها العلماء والمشايخ والزُّهاد وأولو النهى والألباب.
كُنّا إذا أردنا أن نتأمّل الكون ونأخذ العِبر نصعد الجَبَلَ صباحا وإذا أردنا أن نُمَتِّع أنظارنا ونُرِيح عقولنا نتوجّه حيث هناك الجداول والسواقي والغابات المخضرَّةُ التي حَمَلت عناقيد العنب المتدلية والمشمش والتِّينِ والرُمّان الذي تنوَّعت أصنافه وألوانه وأذواقه.
أفقْتُ من غفوتي فوجدتني أحمل ثلاث حبات من الرمان التي أردت أن أكلها هذا الصباح بعد غياب طويل ولكن السوس نخر بواطنها فأفسدها عليَّ ورحلتُ بعيدا بذاكرتي فتذكرت حينها مدينتي الجميلة قبل عشرات السنين وكيف وجدت مدرستي قد تغيّرت وطُمِست معالمها القديمة ووجدت الأرض صارت قاحلة جرداء لا رمان ولا مشمش ولا تين إلا قليل يُصَارعُ الموت والموت يصرعه.
أضحى كُلُّ شيء مُخِيفا ومُفزعا وكأنّ خرابا قد حَلَّ بهذه الأرض الطيبة حتى السواقي التي كنا ننعم بخرير مياهها اختفت وباتت تجاعيد شاحبة لا حياة فيها.
شيءٌ واحدٌ بَقِي ثابتا صامدا لم تتغير معالمه قط إنه الجبل الذي كنت أصعده أنا وصديقي حين كُنّا صغيرين تحدونا السعادة بأبسط ألوانها وتكسونا البراءة بأجمل معانيها حين كنا نتناوب على شرب فنجان قهوة أعددناها سويا على موقد من عيدان وخشب وجذوع يابسة جمعناها بأيادينا الصغيرة البريئة التي كانت تصنع السعادة من لا شيء.
رميتُ تلك الحبات البائسة من يدي وعلمتُ أن بعض القلوب هي الأخرى تغيّرت وقد نابها شيءٌ ممّا ناب حبات الرمان الثلاث فجمعت أغراضي ورحلت.

دُمُوعُ البُؤسَاءِ

يَوْماً ما كُنتِ هُنَا مَعَنا..وَمَعَ أُخْتِي الصَغِيرَةِ كُنَّا نَتَنفَّسُ الجَمَالَ والحُبَّ نَتَنفَّسُ العَطْفَ والحَنَانَ كُنَّا نَغْرِسُ الزُّهورَ في حَدِيقَتِنَا الغَنَّاء نَتَرَقَّبُ الفَصْلَ الذِي تُزْهِرُ فِيهِ يَوْمًا مَا كُنْتِ هُنَا مَعنَا أُمِّي..كُنتُ أَشْتَمُّ السَّعَادَةَ وَأَرَى النَّجَاحَ بِقُرْبِي يُصَاِفحُنِي ويُهَنِّئُنِي..يَوْما مَا وبِالقُرْبِ مِن هَذَا المَكَانِ اعْتَادَتْ كُلُّ فُصُولِ السَّنَةِ أَن تَجْتَمِعَ فِي بَيْتِنَا لِتُشَكِّلَ الرَّبيعَ فَقَطْ لِأَنَّكِ كُنتِ هُنَا مَعَنَا..هُنَا فِي بَيْتِنَا الجَمِيل لاَ حَرٌّ وَلاَ بَرْدٌ كان يُؤذِينا لاَ رِيَاحٌ ولاَ عَوَاصِفٌ كانت تُرْعِبُنَا كُلُّ شَيْء كَانَ هَادِئا وَمُبْتَسِما..كُنْتُ أَشْعُرُ فَقطْ بِالدِّفْءِ لِأنَّكِ كُنْتِ مَعَنَا تَخَيَّلْتُ أَنِّي سَأَحْكُمُ العَالَمَ وأَقْتُلُ كُلَّ الحُزْنِ وَالبُؤْسِ عَلَى وُجُوهِ الأَطْفَالِ الأَشْقِياء.

تَخَيَّلْتُ أَنِّي سَأَقْطِفُ الشَّمْسَ وأُهْدِيهَا لَكِ وَأَنِّي مَلِكٌ عَلَى الأَرْضِ قَدْ اشْتَرَى كُلَّ النُّجُومِ وَالكَوَاكِب لِيُعَلِّقَهَا عَلَى سَقْفِ بَيْتِنَا الخَشَبِي وَلَكِنِّي اليَوْمَ لاَ شَيْء..أَنَا وَحِيدٌ هُنَا فِي هَذَا العَالَمِ المُوحِشِ لاَ أَمْلِكُ شَيْئاً غَيْرَ صُورَتِكِ التِي بَيْنَ يَدَيَّ وَقِلاَدَتِك التِي عَلَى صَدْرِي..أَنَا فَقَط حُلُمٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَبُنْيَانٌ لَمْ يَكْتَمِلْ أَنَا بَرَاءَةُ الأَطْفَالِ التيِ قَتَلَهَا ظُلْمُ البَشَرِ أَنَا دُمُوعُ كُلِّ البُؤسَاءِ.