177 شاعرا يشاركون في قصيدة عينية الوجع العربي

  • PDF

مراصد 
إعداد: جـمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد الحركة الأدبية
177 شاعرا يشاركون في قصيدة عينية الوجع العربي

بمبادرة من الأديب والناقد العراقي الأستاذ الدكتور صالح الطائي شارك شعراء عرب في بِناء قصيدة عينية الوجع العربي حيث أعد القائم بالمشروع لذلك إعدادا جيدا فاتصل بأهل الوزن والقافية في العالم العربي وجمع قصائدهم وهو ينفق من ماله الخاص لطباعة الكِتاب الجامع وقد ربط الشاعر الدكتور علي الطائي المشارَكات ببعضها ودقق القصيدة العينية لتظهر في حلة تليق بالشعر والشعراء.
للإشارة ضم المشروع 177 شاعرا صادحا اشتركوا ببناء 423 بيتا من صرح القصيدة العينية وكالعادة كانت للعراق العريق الأسبقية في المشاركة وفي عدد المشارِكين وتنوعت نسب مشارَكات شعراء البُلدان العربية الأخرى ولكنها لم تكن بأقل مما هو متوقع منهم وقد شاركمن نيجيريا شاعر عربي.. وهذه إحصاءات المشروع:
- عدد الشعراء المشارِكون ابتداءً قبل التدقيق والفرز 226 شاعرا.
- عدد المشارَكات التي استُبعِدتْ ابتداءً وقبل إضافتها إلى التدقيق 20 مشارَكة.
- عدد المشارَكات التي استُبعِدتْ بعد الفرز والتدقيق 29 مشارَكة.
- عدد الشعراء الذين اعتُمِدتْ مشارَكاتهم 177 شاعرا.
- عدد الأبيات التي وصلتنا 1366 بيتا.
- عدد الأبيات التي اعتمدت بعد الفرز والتدقيق وتألفت منها القصيدة 425 بيتا.
- عدد البلدان المشارَكة في المشروع 17 بلدا عربيا.
- عدد الشعراء من كل بلد عربي مرتبة حسب عدد المشارِكين: (العراق/86 سورية/23 جُمهورية مصر العربية/19 الـمملكة الأردنية الهاشمية/15 فلسطين/11 اليمن/10 لبنان/6 تونس/6 الجزائر/6 الـمملكة المغربية/4 سلطنة عُمان/3 موريتانيا/2 السودان/2 ليبيا/1 الإمارات العربية المتحدة/1 المملكة العربية السعودية/1 ومن نيجيريا شارك شاعر عربي/1).
- ولم يشاركأي شاعرمن 7 بُلدان عربية هي: (الكويت قطر مملكة البحرين جنوب السودان الصومال جزر القمر جيبوتي).
وستنشر أخبار اليوم أجزاء القصيدة العينية للمُتابَعة والمَنفعة والمُتعة وأيضا الدراسات النقدية حولها. 

القسم الأول:

القصائد المشتركة ظاهرة تستحق التأمل.. عينية الوجع العربي أنموذجا
بقلم: الأستاذ الدكتور صالح الطائي

لماذا الشعر؟

لماذا الشعر؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى تقليدياً ساذجاً لا يحتاج إلى عناء البحث عن إجابة ولكنه في معناه الافتراضي والفلسفي والحياتي عميقٌ جداً فالشعرُ في معناه الأوسع هو صورةٌ من صور الحياة الأدبية التي لم تكن يوماً بمعزل عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والأخلاقية والدينية للمجتمعات والشعوب كلها والشعرُ حسب الناقد الأدبي والفيلسوف الفرنسي فابريسميدال هو الرابطة التي تؤدي إلى الذات وإلى الآخرين وبدونه لا يمكن العيش حقيقة. والشعر هو الجسر والباب والعالم هو الشجاعة نفسها وهو حارس الحضارة ويحمل جذوة الحقيقة وهو صديق كل حي في المعمورة ويذهب دائما نحو العمق. 
ولأن الشعر مثلما وصفه صلاح عبد الصبور هو: فن اكتشاف الجانب الجمالي والوجودي من الحياة والإنسان بلا شعر من شأنه أن يفقد فضيلة تقدير الحياة والنفس البشرية. ولأن الشعر ضرورة وفق توصيف جان كوكتو الذي كان يتأوهُ محتاراً على أمل أن يعرف لماذا؟ وهو يبحث عن دور الشعر في العالم. ولأني أؤمن أن ليس الشعر أن نقوله ونردّده وإنما الشعر الحقيقي هو الذي نعيشه ونَكُوُنَه وأن يشتعل في دمنا ليتحول إلى وميض داخلي تستضيءُ به بصائرنا ونستشف من أجوائه عبق إنسانيتنا ولأن الشعر يحمل كل هذا الهطول الروحي والوجداني كان ولا يزال على تواصل دائم مع حركة الإنسان وحركة التاريخ والوجود. وعلى مر التاريخ كان له دوره الفاعل والمتواصل في رصد تلك الأحداث والتفاعل سلباً أو إيجاباً معها وبالتالي كان لهذا التفاعل دوره في تغيير أنماط مسارات الحركة العامة للأمم كلٌ ضمن محيطها الخاص وصولاً إلى التأثير على المجتمع الإنساني كله عبر مراحل نشوئه وذروة عطائه.
ولأن الشعر امتدادات بوهيمية لحركة الإنسان بحثا عن المضمون وهرولة وراء الخلاصة لموضوع لم يكتمل بعد ولأنه مسافة موبوءة بكل أشكال المخاطر يجازف من يدخلها بعمره وربما بقضيته ولأن فيه دفقة شجاعة يمنحها للفرسان في ميادين الحروب حينما يرتجزون بعض أبيات منه أو يسمعون رجزاً من مؤيدين وحاثين ومشجعين لهم ولأن فيه خوفٌ وتحريضٌ ومجازفةٌ مثلما فيه مصنعاً للجَمال وأيقونةً للسحر سحر الكلمات التي يحولها الشاعر من مجرد جماد بارد إلى حوريات تتراقص أمام الفكر لتوقد فيه جذوة الحياة لكل هذا كان الشعر قضيةً قائمةً مثلما هي القضايا الإنسانية الأخرى ولاسيما بعد ان وظف الشعراءُ أشعارهم لخدمة القضايا تاريخياً وهو الأمر الذي لم يجعل لتقادم الأيام والسنين أثراً يُفقد الشعر ألقه فكل جيل نشأ وهو يتلفع بعباءة من سبقه من أسلافه يبحث فيها وتحتها عن دفء المشاعر وحرارة الإحساس من خلال الكلمات حيث تتوالد الرؤى وهي تحمل صور الماضي بألق جديد يمتد ليرسم طيف المستقبل.
ودون الغوص في دنيا الشعر القديمة التي يطول الحديث عنها نجد منذ مستهل القرن التاسع عشر فيما عرف بعصر النهضة أو عصر التنوير العربي تواشجاً أسطورياً بين شعر القضية وقضية الشعر فالشعر في هذه المرحلة تفاعل ضمن الإطار الزمني للأحداث لأنه أسرع في التعبير عن هموم الأمة وقضاياها الشائكة الأخرى من غيره من صنوف الأدب بفضل بنيته الخطابية والحب التراثي المتأصل في النفوس منذ أن كان العربي يتنفس الشعر ومنذ أن كان الشعر نفسه ديوان العرب فكان لساناً ناطقاً عن حال الأمة بما يبدو وكأنه يبحث دائما عن بيئة صالحة ليرتع فيها ويرفع صوته معلنا عن نفسه وكان فعله الكبير والمميز في حراكات ونشاطات الجماهير المطالبة بخروج الاستعمار أو بتصحيح الواقع الاجتماعي وإنصاف العمال والفلاحين والدفاع عن الفقراء والمستضعفين أو لتأبين الشهداء الذين سقطوا في الانتفاضات أو للدفاع عن قضايا الأمة أو لتأييد حق تقرير المصير للشعوب العربية المستَعْمَرَة او لتأييد الثورات الوطنية أو لشحذ الهمم مثلما حدث أثناء العدوان الإسرائيلي المتكرر. في كل هذه المناطق الساخنة وساحات النزاع الشرس كانت للشعر صولات شهيرة وكانت عقيرة الشعراء تترجم حال الأمة وتبعث فيها أمل الخلاص القادم المرتقب وكانت الجماهير نفسها تستمع إلى الشعراء وكأنها تسمع وصايا السماء وتردد أقوالهم وكأنها تبحث بين ثناياها عن عزم متأصل يزيد الحركة نحو الأمام.
لكن انكفاء المعادلات التحررية وفشل المشاريع الوحدوية التي لم تكن جادة أبداً وتفشي روح القطرية والمناطقية وتلاشي وهج الحركات والدعوات القومية وانتشار الصراعات المصلحية الدينية والسياسية وتفشي ظاهرة التكفير والنبذ زائدا عسف الحكام وجور السلطات وأشياء كثيرة أخرى اشتركت كلها سوية لتُثبط عزائم الشعراء وتُقعدهم وتُبعدهم عن معايشة الحدث والتأثير فيه. ثم لما جاءت حركات الشباب فيما عرف باسم الربيع العربي التي تسببت في سقوط أنظمة حكم شمولية.. ونظم أخرى تَسبَّبَ سقوطها في تخريب تلك البلدان وتدمير بناها التحتية وتحويل شعوبها إلى ميليشيات متقاتلة فيما بينها وبدل أن تنتظر الأمة الفرج على يد المنقذ جاء الرد القاسي على أيدي الحركات الإسلامية الراديكالية المتطرفة وصولا إلى ولادة القاعدة و داعش الإجراميتين الذي زادت الطين بلة وزاد رقعة التخريب اتساعا بدا من خلال ذلك المشهد المأساوي وكأن حركة الشعر أصابها الشلل الرعاشي ربما بسبب القنوط والهزيمة النفسية أو بسبب الخوف خوف الشعراء على أنفسهم أو خوفهم من ان تترجم أقوالهم إلى غير مقاصدها فيقعون تحت المسائلة أو يُحسبون على هذه الفئة أو تلك وهم ليسوا منها.
مع كل ذلك بدا وكأن المعادلة انقلبت إلى الضد ربما لأن الشعر لم يتخل يوماً عن قضيته والقضايا كانت باستمرار بحاجة إلى الشعر تستمد منه العزم والقوة فكيف ينهزم ويترك الساحة فارغة يجول في أرجائها أنصاف المتعلمين المدعومين من الحكام المتسلطين؟ ولأن لكل فعل فعلٌ مساو له بالمقدار ومخالفٌ له بالاتجاه ولأن الشعر لم ينهزم من ساحة المنازلة في أي واقعةِ تحد خاضها من قبل كان متوقعاً أن جذوته لابد وان تتقد من جديد إذا مسها شرر قبس من خير وأنه لابد أن يزمجرُ بصوت مسموع لكن وفق هذه الثنائية المتعارضة   في هذا العالم الغرائبي وفي زمن الانفتاح السبراني الإلكتروني وفي عصر انفتاح الكل على الكل حتى بدا وكأن الإنسان انفتح على عوالم جديدة حولته إلى كائن كوني يمتد ولاؤه إلى العالم كله وليس لمجرد رقعة جغرافية اسمها الوطن أصبح الحديث عن الوطن والأمة جزءًا من الموروث الأساطيري البالي ومجرد نكتة سمجة لا ترتاح لها الأسماع ولا تطيق الألسن التحدث عنها وبالتالي تعني محاولة الشعر في العودة إلى الحياة الواقعية لا من خلال سطحية البروج العاجية الوهمية ولكن من خلال قضية مصيرية وكأنها مجازفة غير محسوبة النتائج ويبدو فعل من يعمل على إيقاد جذوة الشعر عملاً مجازفاً مجنوناً لا يحسب للواقع حساباً ولا يضع الأمور في نصابها.

..يُتبع..