الجزائريات حافظن على العفة رغم الفقر وضغط المُستدمِر

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد:جـمال بوزيان

شهادات حية لمجاهدات بمنطقة جمورة ببسكرة:
الجزائريات حافظن على العفة رغم الفقر وضغط المُستدمِر 

ترصد أخبار اليوم كل حين مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

حرائر الجزائر يروين التاريخ الحقيقي:
دور النساء المُقاوِمات في منطقة جمورة خلال ثورة نوفمبر المجيدة
بقلم: الدكتورة سامية بن فاطمة أستاذة وباحثة في التاريخ

قوات السلطات الاستدمارية كانت تأتي للقرية إما لمطاردة المجاهدين أو لجمع الضرائب المفروضة على السكان

للمرأة دَور كبير فرضته أعمالها اليومية التي كانت تقوم بها داخل المنزل وخارجه

المجاهدة خضرة :بسبب رقابة الاستدمار على شراء القماش كنا نغسل الصوف ونغزله ثم نلونه وتنسجه لنقدمه إلى الخياط ليفصله لنا كما نريد وعلى مقاسنا لنلبسه

المجاهدة خضرة :جارتي السيدة عائشة التي توفي زوجها وترك لها خمسة أولاد لم تجد لإعالتهم وإطعامهم إلا جلب العرعار وبيعه في السوق وكانت تتلقى مساعدات من السكان

لعل أعظم ما عانت منه المرأة هو الجهل في فترة سيطرةالاستدمار وذهنية أن المرأة ليست بحاجة للتعلم

تمهيد:
خلق الله المرأة في هذا الكون وكرمها وشرفها منذ بداية الخليقة على وجه هذه البسيطة ولعل أعظم تشريف لها هو تخصيصسورة في القرآن الكريم باسمها ألا وهي سورة النساء وإن المتتبع لتاريخ البشرية سيجد أن المرأة في كل زمان ومكان كانت دائما عونا للرجل وإذا كانت الأسرة هي الخلية الأساسية لبناء المجتمع فالمرأة هي أساس بناء الأسرة وبدونها لا يمكنها أن تقوم فصلاحها هو صلاح المجتمع وفسادها هو فساد المجتمع وقد ذكر لنا التاريخ أسماء نساء خالدات كتبن أسماءهن من ذهب وتاريخ الجزائر حافل بأسماء نساء لعبن دورا نضاليا عظيما إبان المستدمر الفرنسي بالجزائر وباعتبار منطقة جمورة جزءًا من هذا الوطن الكبير فقد ساهم سكانها مثل بقية الجزائريين في ثورة التحرير الكبرى وهنا برز العديد من أبنائها الذين سعوا لتحقيق هدف واحد وهو الدفاع عن دينهم وبلدهم فإن كان الرجل قد صعد إلى الجبل فالمرأة حاولت بكل جهدها توفير كل شيء وتيسيره له.

أولا: جمورة (جغرافيا المنطقة وسكانها)
تضم جمورة مجموعة مداشر تقع أغلبها في المرتفعات لأن أراضيها المنبسطة كانت قديما عبارة عن أرض مرجة تغطيها المستنقعات المائية والأوحال ولم تكن صالحة للبناء لعدم مقاومتها تقع هذه المدينة على الطريق البلدي رقم 87 الرابط بين بسكرة وباتنة وتبعد عن الولايةبـ35كم وتقع بين خطي عرض 35.04 درجة وخطي طول 5.49 بمساحة تقدر بـ250.80كم². أما عن المساحة الإجمالية للدائرة فتقدر بـ620.90كم² يحدها من الشمال بلدية عين زعطوط ومن جهة الشرق تحدها بلدية منعة ومن الجنوب بلدية مشونش أما غربا فتحدها بلدية لوطاية وبرانيس.
تقع جمورة في منطقة جبلية بها جبال وهضاب عالية وسهول ووديان إذ تعد جزءًا من الأوراس وما يلاحظ عموما أن الوسط الطبيعي محاط بواسطة أودية وشِعاب كلها تصب في وادي عبدي (وادي جمورة) الذي يصب في وادي بسكرة وما يميز البلدية هو وجود سلاسل جبلية على المنطقة كافة.
أما عن أصل سكانها فهُم مزيج من التوابة وأولاد سيدي عيسى وأولاد زيان. وأما أولاد زيان فهُم من قبيلة زناتة ثاني أكبر قبيلة بالدولة الزيانيةبتلمسان حينذاك ومن جراء الحرب والصراعات وبعد سقوط الدولة الزيانية بدأت عملية النزوح إلى المناطق الداخلية حيث نزل أولاد زيان بمنطقة الحضنة بالمسيلة والجلفة حاليا ثم انتقلوا إلى منطقة سالات بين بسكرة وعين التوتة بالقرب من جمورة في منتصف القرن الخامس عشر ثم نزلوا حوالي عام1650م في ثلاثة مناطق لعدة أسباب حيث انقسموا إلى ثلاثة فرق: فرقة بقصطانة وفرقة بدار عروس وأخرى بالطارف وقديلة وهناك أُسر أخرى بقيت في منطقة الحضنة بالمسيلة والجلفة واستقرت بها.

ثانيا: أوضاع المرأة في منطقة جمورة قبل اندلاع الثورة التحريرية 1954م 

تتزامن هذه الفترة التي نحن بصددها مع وجود الجزائر تحت وطأة المستدمر الفرنسي الذي بسط يده على كل التراب الوطني فدمر وأحرق وقتل وشرد بغير حساب واقترف أبشع الجرائم في حق شعب بريئ ذنبه الوحيد أنه وقف في وجه هذا الطاغية الذي لا يرحم وحسم أمره منذ البداية في موقفين هما: إما النصر والعيش في حرية وإما الشهادة في سبيل هذه الأرض الطيبة.


التركيبة الاجتماعية 
ويبدو أن السلطات الاستدمارية خلال هذه الفترة كانت تقصد المنطقة في عديد الحالات كحدوث معركة في المنطقة مثلا أو مطاردة المجاهدين الفارين إلى هذه القرية وكذلك أثناء جمعها للضرائب المفروضة على السكان الذين كانوا ملزمين بدفعها بمختلف أشكالها (ضريبة الرأس المنزل الأرض الحيوان..). ومن لا يدفع فإنه يتعرض للسجن مباشرة أو يجرد من ممتلكاته.
أما عن التركيبة الاجتماعية لهذه القرية فهي طبيعية جدا إذا ما قورنت بغيرها من قرى الوطن وأريافه إذ نجد ثلاث طبقات اجتماعية تتصدرها الأُسر الغنية ذات النفوذ وتليها المتوسطة الأحوال وأخيرا نجد الأُسر الفقيرة وما يجمع بين هذه الطبقات الثلاث هي مقومات المجتمع الواحد أهمها الدِّين الإسلامي والتاريخ الواحد وكذا المصير المشترك وما يلاحظ أن الأُسرة كانت كبيرة وممتدة تتكون من الأب والأم وصولا إلى الأحفاد والكل كان يعيش في منزل واحد والرجل كان يحتل قمة الهرم داخلها احترامه مطلوب وطاعته واجبة على كل أهل البيت وكانت المرأة وسط كل هذا تعيش كغيرها من نساء الجزائر الحرائر وسط أُسرتها بصفتها أُمًّا وأختًا وزوجةً تحظى برعاية واهتمام كبيرين باعتبارها طرفا لايمكن الاستغناء عنه داخل الأُسرة فالمرأة كانت دائما تقوم بعديد الأعمال الموكلة إليها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل دون كلل أو ملل هذا عموما.. ولكن في المقابل قد نجد عند البعض نظرة لطالما سادت وامتدت إلى اليوم هي أن الرجل أحسن من المرأة في كل شيء ويتم على أساس ذلك تفضيله عليها داخل الأُسرة بل وأحيانا الحط من قيمتها تماما.


دَور كبير
وللمرأة دَور كبير داخل الأُسرة وأهمية هذا الدَّور فرضته أعمالها اليومية التي كانت تقوم بها داخل المنزل وخارجه فهي التي تتفنن أناملها في نسج أنواع من الزرابي بمواد أولية بسيطة جدا إما من الصوف أو الشَّعر وكذا حياكة البرنوس والقشابية غسل الصوف وغزله من أجل ذلك طحن الحبوب لتحضير الطعام حشو التمر في جلود لحفظها ضف لذلك أنها تقوم بكل أمور الحقل ورعي الغنم دون تعب أو ملل بل تعد ذلك امتدادا طبيعيا لعملها اليومي وكذا صناعة الفخار كل هذا كان بالإضافة لإنجاب الأولاد وتربيتهم وهو الدَّور الأساسي من بين كل أدوار المرأة.. وعن أعمال المرأة اليومية تروي لنا السيدة خضرة جانبا من قصتها فتقول: ... توفي والدي وكنا ثلاث بنات وبعدها تزوجت أُمِّي وقد سكنا الخيمة مع عمي الذي عدنا أولاده وماكنا نقوم به من أعمال موزع بين ثلاثتنا بين الرعي بالأبقار والأغنام وكذا غسل الصوف وغزله ثم نسجه لإنتاج البرنوس والقشابية وأيضا طحن الحبوب وكذلك أعمال المنزل اليومية وهي التنظيف والطبخ وملء الماء وجلبه في قِربة لاستغلاله ... .


ذهنيات..
وإذا قمنا باستعراض بعض الذهنيات التي أحاطت بهذا المجتمع سنجد مثلا أن المرأة لم يكن لها دَور في اتخاذ القرارات في المنزل وكثيرا ما تُحْرَمُ حتى من الاستشارة كما أن الفتاة كانت تُزَوَّجُ في سِن مبكرة وأحيانا تكون غير قادرة حتى على تحمل أعباء الحياة الزوجية ورغم ذلك لم يؤخذ هذا الجانب بالاعتبار وأيضا ليس للفتاة حق في اختيار شريك حياتها فهي دائما مُلزَمة بالقبول إذا وافق وليها وقد تُستَشار الأُمُّ في ذلك لكن معارضتها لم تكن تغير في الأمر شيئا وفي ذلك تقول السيدة خضرة : ... عندما خطبني زوجي وكان خماسا لم يستشرني عمي في الموضوع أبدا بل إنه وافق مباشرة فكان صداقي 50 دورو وخلخال وأربع أَساور فضة والحمد لله كان لي نِعم الزوج لأنه رجل تقي ويخاف الله كثيرا وكنت أساعده في كل أعماله خارج المنزل كالحرث والرعي وكل أعمال الحقل وهو أيضا كان يعينني على أعمال المنزل أحيانا وتربية الأولاد وقد توارث جيلنا عادات عن آبائنا وأجدادنا فبناتي كلهن تزوجن في سِن الخامسة عشرة ولم تُستَشر أي واحدة منهن نتشاور أنا وزوجي فقط فنحن أدرى بمصلحة بنتانا ... .
يبدو أن تجربة السيدة خضرة في الزواج وفي سِن مبكرة كانت ناجحة بالنظر إلى ماروته لنا كما أنها تعد نموذجا حيا لعديد التجارب الناجحة لكن يجب ألا نحكم عليها بالمثالية دائما لأن هذا النوع من الزواج لم تُراعَ فيه العديد من الجوانب المهمة لنجاحه منها عدم القدرة على تحمل المسؤولية -وأحيانا تكون من الطرفين – فكثيرة هي الحالات التي لم يكن لينجح فيها هذا النوع من الزواج دون تدخل الأولياء.


أيام صعبة
ومن عادات هذا المجتمع أيضا أن المرأة تُجرَّد من كل شيء إذا ما أراد زوجها الزواج مرة أخرى ولم يكن لها حق المُعارَضة وإذا طُلِّقتِ المرأة فإنها تُترَك كل شيء لزوجها. 
وعن الأيام الصعبة في ظل الفقر والحرمان روت لنا السيدة خضرة قصة جارتها السيدة عائشة التي توفي زوجها وترك لها خمسة أولاد فلم تجد لإعالتهم وإطعامهم إلا جلب العرعار وبيعه في السوق وقد كانت تتلقى العديد من المساعدات من السكان وهي صفة طبعت على هذا المجتمع الذي يدين بالإسلام وكانت إذا جاع أولادها ولم تجد ما تطعمهم وضعت قدرا به ماء يغلي فوق النار وتلهي صغارها بالغناء لهم والضرب على الطبل حتى يناموا وفي ليلة من الليالي القاسية زار منزل السيدة عائشة أخ لها فوجد أن أولادها قد ناموا مبكرا سألها عن سبب نومهم المبكر؟ فقالت: تعبوا فناموا فسألها: هل تناولوا العشاء؟ فقالت: أجل بشيء من الحسرة ولغة يشوبها الخوف والحزن معا فأخذ الأخ يفتش في المنزل فلم يجد فيه ما يؤكل فبكَى الأخ كثيرا ثم توجه إلى منزله وأحضر لأخته كل ما يلزمها وطلب منها أن تطبخ لأولادها وتوقظهم للأكل.
يبدو أنه رغم الفقر والحرمان إلا أن هذه المرأة تعففت ولم تمد يدها واعتمدت على نفسها في تربية أولادها وما يظهر أيضا هو ذلك التكافل الاجتماعي بين الأفراد والتطبع بأخلاق خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم. 
وتقول السيدة خضرة : ... بسبب الرقابة المفروضة على شراء مادة القماش من طرف الإدارة الاستدمارية فالأُسرة بسبعة أفراد ليست كأخرى بفردين كنا نغسل الصوف ونغزله ثم نلونه وتنسجه لنقدمه إلى الخياط ليفصله لنا كما نريد وعلى مقاسنا لنلبسه... .


أعظم ما عانت منه المرأة
لعل أعظم ما عانت منه المرأة هنا هو الجهل في فترة سيطر فيها الاستدمار من جهة وذهنية أن المرأة ليست بحاجة للتعلم وأنها وجدت فقط لإنجاب الأطفال وتربيتهم والاهتمام بشؤون المنزل فهذان عاملان ساهما كثيرا في تَخلُّف المرأة فكانت النتيجة أنها عانت من الحرمان والكبت في آن واحد.
لعل أعظم ما عانت منه المرأة هنا هو الجهل في فترة سيطر فيها الاستعمار من جهة وذهنية أن المرأة ليست بحاجة للتعلم وأنها وجدت فقط لإنجاب الأطفال وتربيتهم والاهتمام بشؤون المنزل فهذان عاملان ساهما كثيرا في تَخلُّف المرأة فكانت النتيجة أنها عانت من الحرمان والكبت في آن واحد.


..يُتبع..