أخبار اليوم ترصد آراءً حول بكالوريا الفنون

  • PDF

مراصد
إعداد: جمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول بكالوريا الفنون
الحس الجَمالي العالي المفقود عندنا يجعلنا نعيد النظر في البرامج التربوية

تعدّدت الآراء حول مشروع بكالوريا الفنون في المسرح السينما الفن التشكيلي الموسيقى وغيرها.. وهو مشروع تعتزم وزارة التربية الوطنية تنفيذه وقد تباينت أيضا انطباعات عديدة لدى أولياء التلاميذ والتلاميذ أنفسهم.
سألنا أساتذة ومفتشين وتربويين بحكم خبرتهم في حقل التربية والتعليم سنوات طويلةعن آرائهم ومقترحاتهم في مشروع بكالوريا الفنون ؟ وعن أهدافه والهواجسبشأن الآثار السلبية على المجتمع ونسبة نجاحه بإشراكوزارة الفنون والثقافة.

الأستاذ عبد الحفيظ بوزكري – مفتش إداري:

مشروع بكالوريا الفنون يتطلب إشراك أكثر من طرف وأكثر من هيئة وأخذ تدابير إجرائية دقيقة

بكالوريا الفنون كلمة مكثفة تحتاج تفكيكا وتصورا ورؤية استراتيجية وليست مجرد أمان وتوقعات

ما لا نتمناه حدوث إقصاء لخريجي بكالوريا الفنون كخريجي الجامعات سابقا في الاختصاص نفسه

الفنون الدرامية في عهد الجزائر الذهبي أثناء الثورة وبعد الاستقلالذات رسائلنضالية

إن إدراج بكالوريا الفنون في قطاع التربية كتصور وكفكرة نظرية مجردة تعد من المسلمات التي لا يختلف حولها اثنان من حيث أهميتها.. بل تعد من الحتميات الملحة اليوم بالنظر لما آلت إليه مؤسساتنا من حالة الجمود والجفاف في الذوق الفني العام عموما بسبب الاستغراق في تدريس معارف عقلية ضحلة مجهدة لعقول المتعلمين عموما هذا طبعا إذا جسد هذا العنوان مضمونه في برنامج دقيق ومدروس..والتخلي عن الأساليب القديمة في ممارسة أنشطة كرنفالية وتهريج تنسب خطأ لأنشطة فنية بإهمال كل ما من شأنه أن ينمي الجانب الفني والجمالي لدى المتعلمين ولايستجيب للمواهب الخلاقة المترامية في كل مؤسساتنا التربوية بمختلف مراحلها التعليمية هذا البعد يعدمن أحد الجوانب الوجدانية الأساسية لبناء الشخصية إضافة للجانب العقلي والحس الحركي..لكن تظل الإشكالية المطروحة اليوم هي: كيف يمكن أن نقضي على حالة التردي والإهمال لهذه الأنشطة الفنية في معظم مؤسساتنا التربوية التي ظلت مهملة من لدن جميع الأساتذة في كل مراحل التعليم الثلاثة؟ خصوصابعد إلغاء مادة الرسم في المؤسسات التربوية في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي بشكل غير رسمي والتخلي عنها بمرور الوقت بعد أن كانت تُخَصص لها حصص وجحم ساعي معتبر ومناصب مالية وأساتذة متخرجين من المعاهد التكنولوجية للتربية حتى وإن كانت لا تغطي كل المؤسسات واختزالها في مادة الرياضة التي هي الأخرى  لم تحض بالعناية المنوطة بها  كونها مادة وقائية بالدرجة الأولى في أصلها لكنها مختزلة في كرة القدم بصفتها لعبة شعبية لا تؤدي دورها البيداغوجي بينما في مرحلة التعليم الابتدائي صارت حصة التربية الفنية أو ما يطلق عليها مواد الإيقاظ مع التربية البدنية تُقدم بدلا عنها مواد أخرى كالتربية الرياضية واللغة العربية والنظر إليها على أنها مواد ثانوية للترفيه لا غير تخضع في المقام الأول لمزاج الأستاذ ومدى اهتمامه وتمكنه منها من عدمه مما شكل لدينا كقطاع قناعة متأصلة صارت قاعدة عامة لدى الجميع مفادها أن هذه الأنشطة الفنية المقررة من رسم وأشغال وتربية بدنية ومسرح والأنشودة التربوية والأغنية التراثية لا يُهتم بها إلا في المناسبات الوطنية وفي المنافسات الفكرية بين المؤسسات كأنشطة تقيَّم ثم تُهمل إلى غير موعد بقية أيام السنة أو تُقدم شكليا كالرسم الحر وبعض النشاطات الارتجالية. 
لا يمكن لأي أمة أو حضارة أن تستمر من دون فن لكن أي فن؟ وحين نتحدث عن الفن يعني مدى قدرتنا على الخيال ونشر ثقافة احترام كل أشكال الجمال اللفظي والمعنوي واحترام الطبيعة كمظهر من مظاهر الجمال من خلال سلوكياتنا لذلك يمكن القول إن سؤال الفن مشكلة عويصة في العالم العربي عموما لأنه يفتقد إلى فلسفة واضحة ويُختزل في الفن المبتذل الخاضع للعرض والطلب.. ولم يعد فنا رسالِيًّا مما نجم عن ذلك للأسف شكل من أشكال الإعاقة الذهنية لدى أبنائنا في مجال الفن حيث صار أطفالنا من المعذبين في الأرض في حصة الرسم الحر المستفرغ من كل المضامين التي من شأنها أن تبني لنا طفلا ذواقا محترما للطبيعة وللجمال عموما.. وكلنا يعلم دور السنيما وكيف استطاعت أن تؤثر في الشعوب وتصنع قيما للأمم من خلال الفيلم.
فسينما هوليوود دليل قاطع على ما استطاعت أن تعالج الكثير من نكساتها مع حرب الفيتنام..وتداوي جراحاتها على مستويات مختلفة.. كما استطاعت الأفلام والمسلسلات التي قُدمت في الربع الأخير من نهاية القرن الماضي أن تؤسس لتوجه وثقافة معينة وأغرقتنا في أفلام مشاعرية بحتة وفي الوجدانيات الجوفاء غير الفنون الدرامية المكرسة في العهد الذهبي في الجزائر أثناء الثورة وبعد الاستقلال في التعريف بنضالات الجزائر كفن رسالي ملتزم وكانت من أهم الأسلحة النضالية وأداة من أدوات التحرير والنضال.
ومن آثار إهمالنا لمسألة الفن بهذه الصورة أخيرا واستغراقنا في الفن الغربي والآسيوي الذي غير ملامحنا وهوياتنا وخصوصا تأثيره السلبي في هذا الجيل.. وفي قطاع التربية خصوصا حيث انعكس سلبا على كل مجالات حياتنا والمخرجات النهائية لهذا الجيل من مهندس وطبيب وأستاذ وإسكافي ونجار وكل أصحاب الحرف كمنتج للمدرسة بشكل أو بآخر من خلال احترامهم لموضوع الفن والبعد الجمالي في كل ما ينتجون ويعتقدون واحترامهم للطبيعة ولمقاييس الجمال من عدمه الفن الذي يرقى بمذاقاتنا وأساليب حياتنا مثلما يقول ابن العربي في هذاالمجال: (إذا استظل أحدُنا تحت ظل الشجرة ولو كانت غير مثمرة وجب عليه سقايتها لأنه أخذ منها ظلها).
هذا الحس الجمالي العالي المفقود عندنا اليوم يجعلنا نعيد النظر في برامجنا التربوية ومضامينها المبثوثة في كل المواد فضلا عن حالة العزوف المتزايد كل سنة عن الدراسة والتسرب المدرسي كل ذلك يعد من المؤشرات الكبرى لحالات الخواء الذي عليه مناهجنا شكلا ومحتوى بعيدا عن حاجات وأذواق أبنائنا. وبالعودة إلى سؤالكم بخصوص إدراج بكالوريا الفنون يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة ومن هذا المنطلق الذي طرحناه بالدرجة الأولى.
وحتى لا نتكهن أو نتسلل إلى نيات القائمين في الشأن التربوي والهيئة الوصية في الهدف من التفكير في بكالوريا الفنون فإذا كانت منطلقةمن هذه القناعة ربما نتوقع الجديد لأن عوامل الهدم المُمَارسة على المدرسة منذ عقود تجعلنا أكثر تشاؤما حين نتصور بكالوريا فنون دون إعداد خطة شاملة ودراسة مستفيضة لها ويعد ضربا من الخيال لأنه من اليُسر أن نهدم مؤسسة ونعيد ترميمها بشكل أفضل لكن من الصعب أن نهدم جيلا بل أجيالا ثم نعيد بناءها من جديد ونعيد صورة المعلم في المشهد التعليمي من جديد والسلطة المعنوية له..ولا يمكن أن نخوض حربا بجيوش مريضة وضعيفة.. إن تحقيق هذا الحلم يتطلب مجهودات ضخمة من حيث المادة الفنية والنصوص والتأطير والهياكل ومنهجية عمل مكثفة ولن يتأتى ذلك في تقديري اليوم أو غدا لأن الشروع في هذا المشروع يتطلب إشراك أكثر من طرف وأكثر من هيئة وأخذ تدابير إجرائية دقيقة لأن بكالوريا الفنون كلمة مكثفة تحتاج إلى تفكيك وإلى تصور ورؤية استراتيجية وليست مجرد أمان وتوقعات.
أما أن تُدرج بكالوريا الفنون دون وضع أرضية صلبة وقراءة استشرافية ستصبح كأي مشروع قدم ثم تم التخلي عنه كالفروع التقنية التي سبق وأن رُصدت لها إمكانات وأموال ضخمة جُسدت فترة معينة ثم تم التخلي عنها دون أي مبرر بيداغوجي سوى أنه عمل أُفتُقِد للتخطيط.. وبالتالي فإدراج بكالوريا الفنون يستلزم بداية التقييم الشامل للتعليم الثانوي وإصلاحه أولا حتى لانضع العربة أمام الحصان وإعادة العمل بالتعليم التقني حبيس الأدراج واستحداث البكالوريا المهنية والإصلاح الشامل للتعليم الثانوي قبل الذهاب إلى بكالوريا الفنون والتربية البدنية .. وتوفير إمكانات ضخمة كقاعات السنيما والمسرح وكذلك التجهيزات والتأطير والنصوص أيضا..ويتم ذلك كما قيل بالتنسيق مع وزارة الثقافة الوطنية..ونحن للأسف مانزال عاجزين عن توفير جهاز العرض وآلة السحب في الثانويات والمتوسطات ولا حديث عن الابتدائيات والذي لا نتمناه ألا يحدث لخريجي بكالوريا الفنون ما حدث لخريجي الجامعات سابقا في الاختصاص نفسه الذين عاشوا سنوات الضياع والبطالة والتهميش وألا يصبح المتخرج في الفنون الموسيقية صاحبفِرقة في الأعراس والحفلاتالصيفية وأغاني الراي وفي فن الرسم والخط يتحول المتخرج إلى خطَّاط في الشوارع وترقيم السيارات وعناوين المحال.
وعليه المشروع كفكرة لو خُطط لها وتم تنفيذها حسب ما روج لها حتما سنشهد تغيرا إيجابيا وحبذا لو يتم تجسيده بداية من مرحلة التعليم المتوسط لكان أفضل حتى يتم إعداد أرضية خصبة لـ بكالوريا الفنون .


*****
الدكتور خالد شنون - أستاذ جامعي:
بكالوريا الفنون مشروع يشترط علمية الطرح في مجال الفنون


أعتقد أن مخابر البحث العلمي في مجال التربية والمناهج هي الأولى بتقديم الرأي الكافي لإدراج بكالوريا الفنون


أرى دعوة الخبراء في التربية والفن والثقافة والدين وعلم الاجتماع للمشاركة في المشروع 


رد فعل المجتمع طبيعي من بكالوريا الفنون فهو يخاف على قيمه وأفراده من سلبيات الاستخدام لهذا النموذج بعيدا عن البكالوريا المعهودة في المناهج


يذكر أن الفن والإبداع والابتكار والموهبة هي مجالات متكاملة للحياة في المجتمع ومنذ عصور قديمة والمجتمعات الراقية تكتب عن الفنون بأنواعها وكتب الفلاسفة في زمانهم أن الفن جزء من الحياة لا يليق عيش الأفراد بعيدا عنه إلا أن المتتبع والمتقصي للظاهرة الفنية يجدها غير محصنة من التصورات الخاطئة بل الممارسات الخاطئة أحيانا حيث تتطلب الظاهرة الفنية تحليلا وفهما بداية من معنى الفن ومجالاته وما القيم التي يخدمها في المجتمع حيث يختلف معنى الفن ومجالاته حسب طبيعة المجتمع وقيمه ومستواه بين الأمم وحسب ثقافة المجتمع وما يحكمه من طباع وما يصبو إليه من بناء اجتماعي وسلوكي في المستقبل.
ولعل التربية باعتبارها تستهدف تنمية الشيء إلى الكمال في أبسط معنى لها نجد أنها تستهدف شخصية الفرد والنشء على مختلف الأعمار وفي مختلف النواحي فحتى الفن والجمال جزء من كفاءة الفرد وخصائص المجتمع تعنى به التربية والمناهج في المجتمعات التي تعرف وتستثمر في قيم الفن والثقافة حتى أن المجتمعات تصنع حاضرا جميلا بالفنون المختلفة التي تشتري بهى الرضا وتمتع بها الأفراد بلون من الألوان في أنماط العيش والحياة ولعل المسرح أو ما يسمى بالمسرح التعليمي يعد إحدى المؤسسات المعول عليها في مجال تربية النشء والطفل خاصة نظرا لدوره الكبير في تصحيح سلوكات المتتبع.
وعليه فمشروع بكالوريا الفنون أعتقد أنه مشروع ملائم كتصور إلا أنه صعب تنفيذه وتقنينه وجعله صادقا يعبر عن علمية الطرح بعيدا عن ثقافة الفن إن صح التعبير وإذا ما أنشأت خلايا علمية وتربوية تعنى بتشخيص معنى الفن ومجالاته وكيفية قياسه وأهدافه فيمكن للمنظومة التربوية أن تنجب مشروعا علميا يهيئ تلاميذ البكالوريا للفن بمكتسبات قبلية ترقى لعلمية الطرح في مجال الفن وهنا دعوة إلى الخبراء في التربية والفن والثقافة والدين وعلم الاجتماع للمشاركة في هذا المشروع الذي يشكل نقلة نوعية ومقارنته بما هو موجود في مجتمعات أخرى إن اقتضى الأمر ولو بتجريبه ولِـمَ لا؟ شرط أن لا نخرج على علمية الطرح في قضية الفن.
أما بخصوص رد فعل المجتمع فطبيعي أن يتعرض للنقد والاختلاف كون المجتمع يخاف على قيمه ويخاف على أفراده من سلبيات الاستخدام والاستغلال لهذا النموذج بعيدا عن البكالوريا المعهودة في المناهج..وعليه أعتقد أن مخابر البحث العلمي في مجال التربية والمناهج هي الأولى بتقديم الرأي الكافي بخصوص إدراج بكالوريا الفنون كما أعتقد أن توفير الوسائل الملائمة بما في ذلك القوانين التي تسير مجال الفن والإبداع في المجتمع كفيل بأن يصحح تصورات أفراد المجتمع تجاه قطاع الفن ومجالاته الاستثمارية بل وفي تأصيل مجتمعات اليوم وليس عارا أن تتضمن تربيتنا بل ومؤسساتنا لمسات فنية صادقة تنطلق من البعد العلمي لتصل إلى تطبيقات تتماشى وقيم المجتمع وتحدياته وحقه في العيش بفن راق يحصن من التبعية.


..يُتبع..