قِطافٌ من بساتين الشعر العربي

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد: جمال بوزيان

قِطافٌ من بساتين الشعر العربي

ترصد أخبار اليوم قصائد الشعراء وتنشرها توثيقا لإبداعاتهم وتكريما لأصحابها وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها بأدواتهم وليتعلم الـمبتدئون منهم وأيضا لاطلاع القراء الكرام على ما تجود بها قرائحهم. 

هذي المدينة..

* الشاعر عبد الله جدي - الجزائر

قالت  أنا  الأُمُ  من نادَيْتَهَا وطن  
وأنت  يا  نجلُ   من   أسقيتُه   لَبَنِي

تلك  المحبة تخبو اليوم  جَذْوَتُهَا  
تُغْتَالُ من سَقَم  في الفكر  والبدن

هذي   المدينة   ُصارت   بعد   عزتِها
سجنًا  وقبرًا  وما أقساهُ  من كفن

تختار  من علب  السردين مسكَنَهَا 
ما أصْعَبَ  اليومَ  أن نحيا  بلا  سكن

كم  قرية  ًدُفِنَتْ  في عزِّ صَحْوَتِهَا 
وأصبحت  طللا  للبوم  والحَزَن    

وَعُمِّرَتْ  مُدُنٌ   والناسُ  داخِلَهَا 
خِلٌ  يلين  وذاك   الابن  لم يَلِن     ِ

زوجٌ  وزوجته  والمال فَرَّقَهُمْ 
وغَيْرُ  ذاكَ.. وعقلٌ  غَيْرُ  مُتَزِن

قبائلٌ وشعوبٌ كلها  اختلفت   
فلا  تفاهُمَ  في صَعْب   ولا مَرِن    ِ

وإخوة ٌ سكنوا  بالقرب وابتعدوا  
وَقَطَّعُوا صِلَة َ الأرحام ِ من زمن

وعاش هذا يري ظلم َالحياةِ له   
وذاك يخطَفُ بالإصرار والعلن

أقام ثالثُهم قصرًا وشيَّدَهُ  
مثل الصروح التي تُبنَى على وَهَن

لكنَّ رابِعَهم  راض  بمكسبه  
ففي القناعة   كَنْزُ   الكَادِح القَمِنِ

يُرَتَّبُ  النَّاسُ   فينا   عن     مكاسِبِهم  
يُعلى الغني عَن  الإحسان  والحَسَن

حمى المصالح  في  الأعمال  أدمنها  
مَنْ في الرشاوى لهم باع ٌمن الدَّخَن


وكم  تباع  ُبهذا  العصر من  ذِمَم؟  
وكم  يُسَاوَمُ   فينا الأصلُ  بالثمن؟


يُغَيِّرُ  الناسُ كالحِرْبِاءِ جلدتَهم  
والرق يبعث  بعد  الموت في المدن


لا  لَوْمَ  ضد   الذي   بالمكر  متصفٌ  
فمثلُه  عندَهم   كالكيِّس  الفَطِن


سافر   كما   شئت   فالأيامُ  رحلتُنَا   
وَعُدْ فما  الحُضْنُ  يُغنينا  عن  الوطن


الكُلُّ    يُبْحِرُ    بَحْثًا    عن    حقيقتِهِ   
ما أَوْسَعَ البَحْرَ لم يَيْأَسْ  مِنْ    السفن


يُرْخِىْ علينا  عمى  الألوان    مَسْحَتَهُ 
حتَّى  تساوى  لدينا  الغصنُ   بالفنن


لا شيءَ   نصنعُه   لا   شبرَ   نَفْلَحُهُ 
فالغربُ   يمطرنا   بالغيث  والمزن


من  يعشق  البكرَ  قد  يهنأ   برفقتها  
والعشق يذبل  حين  اليأس    ِوالحزنِ


والنارُ  تخبو  إذا   ما   الماءُ     خالطها 
والسيلُ يَجْرِفُ ما  يبنى  على  وَهَن


والنفس تهفو إلى من  بات يشغَلَهَا
تزداد  فتنتُها   بالخوض  في الفتن


قد يلتقي الغِرُّ  والمغرورُ  في  زمن     
فيه تساوى لباسُ  العُرْس   بالكفن


من  عزمنا  نخوةُ  الأمجاد  قد    قُبِرَتْ  
لنشربَ  الذلَّ   أَمْصَالا   ًمِنَ    الحقن


أين  الذين  على  الأفراح  إن    وجدت  
تجمعوا  ومكانُ  العرس    كالوطن؟


أين الذين  على  الأحزان  إن   ظهرت   
تواجدوا  فكأَنَّ  الحزن  لم   يكن؟


أين  الذين  إلى  نبذ  الخلاف  سعوا  
وللقضاء  على  التفريق  والمحن؟


سَادَ  العبيدُ   وما  سادت   حقيقتُنَا
ماتت  حضارتُنَا في آخر الزمن


كَلَّتْ  وقد  عَمِيَتْ  منا  العيون  وهل  
تُصَدَّقُ  العين  والبلوى  من الأُذُن؟


هذي  المدينة  كم  لامست تربتها 
وهمت  في  عشقها  بالحب  مرتهن


كم   ميت  دفنت  أسراره  وهوى؟ 
وكم   حضورا   بها   يشتاق للكفن؟


هنا   القمامة   في   ضيق      تلازمنا  
وتزرع  السم  في   الأوصال  والبدن


هنا   الأزيز    هنا    الأبواق     عالية   
ضاقت  شوارعها  من   شدة   اللَّزَنِ


أنفاسنا  حبست   أرواحنا    سحبت 
أجواؤها  لوثت والماء  في الخزن


كم  كنت  مَعْ  صاحبي  نلهو بحارَتِنَا 
وواحدٌ   حُلْمُنَا   للعَهْدِ  لن   نَخُن    


دار   الزمان    وبرق    المال    أبعده 
سقطت من  حزبه  ما  عاد    يذكرني


كم  فيك  يا  مُدُناً  نحيا  على سقم  
من  الضغوط   التي  تنهال  كالدَرَنِ


الفقر  كاد   يضاهي   الكفر ممتحنا 
تلك الجيوبُ  التي  باتتْ  على غَبَنِ


أرامل    ويتامى     والطلاق   ومن 
للعقل  فاقده   أو   بات   في     مُجُنِ


هذا  الذي  كان  معدوما  ومنعدما  
ما عاد كالعود بل  أضحى  من البُدُنِ


ذاك  الذي  عَظُمَتْ  بالأمس ثروته 
زالت ولم  يبق  غير  ُالدمع والشَّجَنِ


تلك  التي   عرفت   بالأمس     عفتها 
تغيرتْ  سَقَطَتْ  في  الذُّلِ     والدِّمَنِ


والجار  والأقربون  اليوم بعضهم 
منهم حسود   ومنهم  غير مؤتمن


والجار  للجار  أعداء  إذا  اختصمت 
نساؤهن مضوا في  الشتم واللَّسَنِ


والعم والخال  والأنساب ما اجتمعوا 
كُلٌ  غَرِيْبٌ  كبعد  الشام عن عدن


وزوجَةُ   الأب لا  ابن  يَطِيْبُ لها 
غير الذي  أنجبت  أو  عاش    مُحْتَضَنِ


وهذه       زوجةٌ        لله        قانتة 
وزوجها غارق  في  الشِّرْكِ  والوَثَنِ


وساكنين   بها   لا   أصل     يجمعهم  
لا   يذكروها   بغير   الشَّتْمِ     واللَّعَنِ


على الرصيف هناك  البعض  مُنْشَغِلٌ
بِمَنْ   يَمُرُ   وتبدو   العينُ   كالمَكَنِ


وهذه   فِتْنَةٌ   من   لاَنَ   هِيْنَ  بها 
ومن   تَرَفَّعَ   لم   يُظْلَمْ   ولم  يَهِنِ.


*****


إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
* الشاعر بلقاسم عقبي - الجزائر


إِلَــى مَــنْ تَــطَاوَلِ ظُــلْمًا وَغَــيَّا
ويــذكُــرُ  بِــالــسُّوءِ فِــيــنَا نَــبِيَّا
..
أَلا قَــــبّــحَ اللهُ فِــــيــكَ لِــسَــانًــا
وَأَلــقَاكَ فِــي الــنَّارِ حَــرْقًا وَشِيَّا
....
وَلَــنْ أَذْكُــرَ اسْــمًا بِــشِعْريَّ قَطُّ
فَــقَدْ شّــوَّهَ الــشِّعْرَ مَــا قُلْتَ عَيَّا
...
تَــجَرَّأْتَ  فِــي القَوْلِ إِذْ قُلْتَ فِينَا
وَمَــا  نِــلْتَ مِــنَّا مَــعَ القَوْلِ شَيَّا
....
جَــهُــولٌ  بِــخَيْرِ الأَنَــامِ وَمَــيْتٌ
إِذًا رَاجِــعْ الــدَّرْسَ إِنْ كُنْتَ حَيَّا
....
وَتَــارِيخُ قَــوْمِكَ مَــا نِــلْتَ مِــنْهُ
سِــوِى الــكَاذِبَاتِ وَقَــدْ صَارَ نَيَّا
.....
أَيُــخْــلدُ اسْــمًا مَـعَ الــدَّهْرِ حَــيٌّ
وَمَــا رُمْــتَ بِــالعَصْرِ شَعْبًا وَفِيَّا
....
نَــسَيْتَ  الــهَزِيمَةَ بِــالقُدْسِ يَوْمًا
وَحِــطِّــينُ تَــشْــهَدُ فِــيكَ صَــبِيَّا
....
أَتَــذْكُــرُ  مَـــنْ يَــذْكُــرِ اللهُ حُــبًّا
وَتَــسْمَعُ  مَــنْ كَــانَ فِــيهِ دَعِــيَّا
...
فَــمُوسَى وَعِيسَى مَعَ الوَحْيِ فِينَا
وَمَـــا  فَــرَّقَ الــوَحْيُ فِــينَا نَــبِيَّا
....
وَيَــدْعُو إِلَــى الــسِّلْمِ فِي كُلِّ لَفْظ
وَتَدْعُو إِلَى الحَرْبِ فِي النَّاسِ كَيَّا
....
وَلَــكِنْ عَــزَاؤُكَ فِــي كُــلِّ قَصْر
تَــمَرَّغَ فِـــــي الــذُّلِّ إِذْ قَالَ: هَيَّا
....
وَكَمْ مِنْ عُهُود مَعَ الحَرْفِ مَاتَتْ
وَمَــا  كُــنْتَ فِــيهَا صَــدُوقًا جَلِيِّا
...
وَرَبــيــتَ بِــالحِقْدِ شَــعْبًا بَــرِيئًا
وَأَلْــقَيْتَ فِــي الــسَّمْعِ قَــوْلاً فَرِيَّا
....
وَأَلْــقَيْتَ  قَــلْبًا مِنَ الصَّخْرِ حَتَّى
رَوَتْـــهُ  الــدِّمَــاءُ فَــصَارَ رَوِيَّــا
....
أَلاَ فِــي الــتَّوَاضُعِ مَــا ضَلِّ حُبًّا
وَلَــكِنْ رَأَيْــتَ الــوَرَى عَــنْجَهِيَّا
....


*****


جوْهرةُ الأبْيض المتوسِّط 
* الشاعر الدكتور بومدين جلالي - الجزائر


وَهْرَانُ يَا آيَةَ الْإِنْسَانِ فِي الزَّمَنِ *** أنْتِ الْجَمالُ ورَمْزُ الْعِزِّ لِلْوَطَنِ
فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ صِرْتِ الْمَجْدَ مُبْتَسِماً***وَفُزْتِ بِالْحُسْنِ فِي تَسَابُقِ الْمُدُنِ
كَأنَّكِ الشَّمْسُ وَالْآفَاقُ وَقْتَ ضُحىً***كَأنَّكِ الْبَدْرُ فَوْقَ مَقْصَدِ السُّفُنِ
عَنْهَا سَلُوا ذِكْرَيَاتِ الدَّهْرِ فِي أُمَم ***جَاءَتْ تُغَذِّي أَذَى الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ
وَهْرَانُ أُمُّ أُسُودِ الصَّدِّ فِي حِقَب ***بِالْعَزْمِ حَطَّمَتِ الطُّغْيَانَ فِي الْعَلَنِ
تَارِيخُهَا بِالْجِهَادِ الْحُرِّ مَلْحَمَةٌ***دَامَتْ قُرُوناً بِكُلِّ الصَّبْرِ فِي الْمِحَنِ
بِنْتُ الْعُرُوبَةِ وَالْإِسْلَامِ كَانَ لَهَا***مَا كَانَ فِي عِزَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ
بِالْعِلْمِ وَالْفَنِّ وَالْفِكْرِ الْأصِيلِ وَمَا***فِي الرُّوحِ بَاتَتْ مَنَارَةَ الْعُلَا الْفَطِنِ
أُخْتُ الْجَزَائِرِ ذَاتُ الْجُودِ فِي يَدِهَا***وَقَلْبِهَا.. بَهْجَةٌ لِلْحَائِرِ الْحَزِنِ
حِينَ النَّشَاطِ تَرَاهَا رَوْعَةً بَرَزَتْ *** لِلْخَافِقَيْنِ بِمَا يُحْيِي هَوَى الْبَدَنِ
حِينَ التَّجَوُّلِ فِي إِلْهَامِ فِتْنَتِهَا***تَسْقِيكَ مِنْ كُلِّ طَيْف سَامِقِ الثَّمَنِ
حِينَ التَّأَمُّلِ فِي أَحْلَامِ نَشْوَتِهَا***تَرَى جَلَالَ الْجَمَالِ الْفَائِقِ الْحَسَنِ
تَأْتِي إِلَيْهَا مِيَاهُ الْبَحْرِ مَائِجَةً***فَيَهْدَأ الْمَوْجُ مِنْ هُدُوئِهَا الْمَرِنِ
وَالنَّاسُ فِيهَا مِنَ الْأَخْيَارِ فِي خُلُق ***وَهِمَّة وَوَفَاء صَامِد وَطَنِي
لِذَا أُجِلُّكِ يَا وَهْرَانُ فِي شَغَف ***كَمَا أَجَلَّكِ أَهْلُ الضَّادِ فِي الزَّمَنِ.




*****


إكليل البوح
* الشاعر رابح روابحي - الجزائر




مُذْ غَادَرَ الأَرْضَ مَا جَفَّــــتْ لَنَا مُقَـــــــلُ
نَبْكِيُـــــهِ فِي زَمَن
قَدْ لُفَّ فِي كَـــفَن
والشَّعْبُ فِي حَزَن  
يَبْـــــكِي عَلَى أَسَـــدِ قَامَـــــتْ لَــهُ دُوَلَ
والشَّمْسُ قَدْ بَزَغَـــــتْ
فِي الأَرْضِ وارْتَعَشَتْ 
مُذْ أَشْـــرَقَتْ وَدَــــنَتْ
تَمْشِي عَلَى قَــــدَر قَـــدْ زَانَهَا الخَجـــَلُ
وَالنُّــورُ قَـــدْ عَبَــــقَ
فِي الأَرْضِ واتَّسَـــقَ
كَيْ يَمْـــلَأَ الطُّـــرُقَ
مُـــذْ شَيَّــعَ الأَمَلَ كَيْ يُزْهِــرَ الأَمَـــــلُ
يَا قَائِـــدٌا رَحَــــــل 
عَنَّا وَقَــدْ كَفَـــــلَ
أَرْضٌا وَمَا غَفَـــلَ
فَانْسَـــلَّ مِنْ شَفَتَيهَا الدُّرُّ وَالعَسَـــلُ
لَازِلْتَ فِي الخَلَـــدِ 
حَبٌّا إِلَى الأَبَـــــــدِ 
والنّجْمُ فِي بَلَــدِي
أَنَارَ مُـــبْتَهِجٌا فِــي اللَّيْــلِ يَبْتَهِـــلُ
هُمْ عَلَّقُــــوا القَمَرَ 
كَيْ يَقْطِفُوا العُمُرَا
وَالحِبْــرُ مَا عَثَـــرَ
مُـــذْ قَامَ يَرْثِيـــْهِ بِالمَعْنَى وَيَرْتَجِــــلُ
قَدْ أَقْسَـــمَ القَلَمُ 
وَالحَرْفُ وَالعَلَمُ
أَنْ يُرْفَعَ الأَلَــمُ
غَــدٌا وَنُصْبِــــحَ بِالأَمْجَادِ نَحْتَفــــِلُ
قَدْ أَمْطَرَتْ فــَرَحٌا
وَالطَّيْرُ كَمْ صَدَحَ
وَالوَرْدُ كَمْ مَــرَحَ
حِيْــنَ المَسَاءُ بَدَا لِلْكُــــلِّ يَرْتَجِــــلُ.