نحو توعية شاملة لِكبح الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية

  • PDF

مراصد
إعداد: جـمال بوزيان

إبرازا للدور الإيجابي للأطباء والصيادلة
نحو توعية شاملة لِكبح الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية

ترصد أخبار اليوم كل حين مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

التوعية المستمرة للحد من الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية
د. رمزي بودشيش طبيب

الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية حينما يعجز الدواء أمام الداء
شكل اكتشاف المضادات الحيوية ثورة مهمة في عالم الطب وصناعة الأدوية منذ اكتشاف البنسيلين بالمصادفة عن طريق عالم الجراثيم الكسندر فليمنغ  عام 1929 وشكل ذلك بداية عصر أدوية المضادات الحيوية. 
لعبت المضادات الحيوية دورا مهما في عالم الطب وفي الجانب الطبي العلاجي والوقائي في القضاء على الكثير من الأمراض المعدية والجسدية التي كانت تسببها مختلف أنواع البكتيريا التي قضت على ملايين البشر لما سببته من مختلف الأمراض على حسب نوع البكتيريا وما تسببه من أمراض تكون قاتلة أو تترك تعقيدات وآثارا جانبية على صحة الإنسان. باكتشاف المضادات الحيوية تخلص العالم من عدة أمراض معدية فتاكة وقد قل عدد الضحايا بعدما كانت تقتل الملايين. 
إلا أنه في الآونة الأخيرة صار تناول المضادات الحيوية بشراهة وبطريقة عشوائية بعيدا عن تشخيص الطبيب  ووصفته وأحيانا حتى عن طريق الوصف الطبي أصبح يشكل تهديدا واقعيا على الصحة البشرية بسبب الإفراط في تناول واستعمال المضادات الحيوية التي أصبح معظمها مقاوما للبكتيريا وبالتالي تناولها أصبح غير فعال وغير مجد في مقاومة مختلف الأمراض المعدية والالتهابات البكتيرية فاليوم مقاومة المضادات الحيوية أصبحت تشكل أزمة على مستوى الصحة في الجزائر وفي العالم إذ من الممكن أن تتحول الأمراض التي كان يتم القضاء عليها بيسر إلى أمراض فتاكة بسبب تطوير البكتيريا لمقاومة ضد المضادات الحيوية ولتضمن البكتيريا بقاءها ومقاومتها لمختلف أنواع المضادات الحيوية وعلى شدتها.
إن مقاومة المضادات الحيوية أخذت  في الارتفاع إلى مستويات خطيرة  منذرة بخطر حقيقي على الصحة البشرية مع تطوير البكتيريا لآليات مقاومة جديدة باعتبارها كائنات حية تتوفر على حمض مما يمكنها من تطوير مقاومة ضد المضادات الحيوية وخصوصا مع الاستعمال المتكرر والعشوائي للمضادات الحيوية مما يمكن هذه الأخيرة من التعايش مع المضادات الحيوية ومن ثم تطوير مقاومة ضدها لتتحول المضادات إلى أدوية دون اثر علاجي يذكر على مختلف الأمراض البكتيرية مما  يهدد قدرتنا على علاج الأمراض المعدية الشائعة. وتوجد قائمة متزايدة من عدوى الالتهابات - مثل الالتهاب الرئوي والسل وتسمم الدم والسيلان- التي أصبح علاجها أصعب بل مستحيلا أحيانا بسبب تدني نجاعة المضادات الحيوية.
وتزداد ظهور مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها في الحالات التي يتنسى فيها شراء تلك المضادات من دون وصفة طبية لأغراض الاستعمال البشري دون اخذ رأي الطبيب إذا لم نعجّل في اتخاذ الإجراءات التحذيرية والوقائية والتوعية سواء بصفتنا أطباء أو صيادلة أو سلطات صحية  فإننا مقدمون على عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن أن تصبح فيه عدوى الالتهابات الشائعة والإصابات الطفيفة قاتلة مرة أخرى كما في الماضي لنعود إلى الحلقة نفسها.
على الأطباء وأبناء القطاع الصحي من شبه طبيين ومهنيي الصحة  أن يقوموا بدور فعال وذلك في إطار سعيهم  للوقاية من انتشار مقاومة المضادات الحيوية ومكافحتها والقيام ببعض الخطوات من بينها: 
- الحرص على عدم وصف المضادات الحيوية وصرفها إلا عند الحاجة إليها ووفق ما يتطلبه التشخيص الطبي والعلاجي دون النظر لإلحاح المريض على طلب المضادات الحيوية وهو تشخيص ليس بحاجة إليها.
- التحدث إلى المرضى عن كيفية تناول المضادات الحيوية بشكل صحيح وعن مقاومة تلك المضادات ومخاطر إساءة استعمالها وتوعيتهم بإكمال فترة العلاج الموصوفة  بالتمام وليس تناول المضادات الحيوية لفترة معينة ثم التوقف عن تناولها بمجرد أن تخف أعراض المرض مما يسمح للبكتيريا من تطوير مقاومة في ظل عدم تكملة مدة العلاج الموصوف.
- التحدّث إلى المرضى عن كيفية الوقاية من عدوى الالتهابات بوسائل من قبيل التطعيم وغسل اليدين وأن أغلب هذه الالتهابات فيروسية لا يحتاج بالضرورة أخذ المضادات الحيوية.
- كما أن الوقاية من خطر الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية والتوعية من تناولها بدون سبب طبي لا يقتصر على مهنيي الصحة من أطباء  وغيرهم بلى يتعدى إلى الأفراد ولذلك وجب عليهم:
1- ألا يستعملوا المضادات الحيوية إلا  بوصفة طبية من الطبيب المعالج. 
2- ألا يطلبوا المضادات الحيوية من الأطباء بإلحاح خصوصا إذا أخبرهم الأطباء أنها لا تلزمهم.
3- أن يحرصوا دائما على اتباع نصائح الأطباء عند استعمال المضادات الحيوية وضرورة تكملة العلاج مع المدة الموصوفة.
4- ألا يتشاركوا في المضادات الحيوية المتبقية أو في استعمالها أو اقتراض واستلاف المضادات الحيوية من الآخرين بمجرد أن أعراض مرضهم تتشابه وذلك دون اللجوء إلى الفحص عند الطبيب وتشخيص المرض.

الصيدلي ودوره السلبي في تعزيز الاستعمال المفرط للمضادات الحيوية 
يلجأ بعض الصيادلة أحيانا وخصوصا البائعين الذين يعملون في الصيدليات وهم غير حاصلين على شهادة دراسة دكتوراه في الصيدلة إلى إعطاء المضادات الحيوية للأفراد أو ممن يشتكي من أعراض مرضية دون اللجوء إلى وصفة الطبيب. حيث وضع هؤلاء أنفسهم مكان الطبيب ويقومون بصرف المضادات الحيوية دون أدنى اعتبار لأخلاقيات مهنة الصيدلة حيث لاحظنا أن أغلب المرضى الذين يقومون بالفحوصات الطبية قد تناولوا مضادات حيوية قبل الفحص والتشخيص عن الطبيب وأنهم تلقوا واشتروا هذه المضادات الحيوية من عند الصيدلي أو بالأحرى البائعين وفي الفحص الطبي يطلبون فقط 
كتابة هذه الأدوية على الوصفة بختم الطبيب من أجل تعويض الأدوية والمضادات الحيوية المشتراة لا من أجل العلاج. وقد استفحلت هذه الظاهرة كثيرا بغرض بيع أكبر عدد ممكن من الأدوية دون مراعاة لخطرها على الصحة البشرية العمومية ولذلك وجب على السلطات سن قوانين رادعة مع الاكتفاء بصرف الأدوية بوصفة طبية وفقط كما هو الإجراء المعمول مع المؤثرات العقلية وإلا أننا سننتقل إلى زمن ما بعد المضادات الحيوية في وقت قصير.

أزمة فيروس كوفيد 19 والمضادات الحيوية 
ساهمت أزمة فيروس كورونا 19 في زيادة استهلاك والاستعمال المفرط للمضادات الحيوية  سواء تناولها بشكل عشوائي وشخصي أو من خلال وصفات طبية موصوفة من قبل الأطباء لعلاج فيروس كورونا  مما ساهم في نسب استهلاك المضادات الحيوية وارتفاعها خلال أزمة جائحة فيروس كورونا بالرغم أن المضادات الحيوية فعاليتها على الجراثيم من بكتيريا وليس الفيروسات وكورونا من الفيروسات ووصف المضادات الحيوية في حالة الالتهابات الفيروسية يتم في حالة عدوى بكتيرية مصاحبة وهذا ما أقرته البروتوكولات الطبية لعلاج فيروس كورونا حيث أن وصف المضادات الحيوية يتم في حالة عدوى بكتيرية مصاحبة ومن خلال مؤشرات عرضية مرضية أو بيولوجية. إلا أن وصف المضادات الحيوية كان يتم وصفها بصفة عامة من قبل الأطباء وخصوصا المضادات الحيوية من نوع المكروليد كالازيتروميسين بحسب دراسات أن له دورا في مقاومة الالتهابات الفيروسية وليس البكتيرية وفقط. إن ثقافة تناول المضادات الحيوية لعلاج الالتهابات الفيروسية لم تقتصر على فيروس كورونا بل أن هذه الظاهرة كانت موجودة في السابق مع الانفلونزا الموسمية حيث يضطر الأفراد تلقائيا إلى شراء المضادات الحيوية من نوع اموكسيسيلين من الصيدليات دون اللجوء إلى الطبيب ليتحول هذا المضاد أخيرا إلى دواء غير فعال أو منقوص الفعالية ضد التهابات بكتيرية شائعة بعدما كان يقضي عليها بالأمس بكل يسر.

المضادات الحيوية والأطفال 
تصر كثير من الأمهات أثناء الفحص الطبي لأطفالهن على وصف المضادات الحيوية للرضيع أو الطفل الذي يعاني من الحمى وارتفاع درجة الحرارة باعتقادهن أن المضادات الحيوية هي الحل الفعال والوحيد في تخفيض درجة الحرارة  المرتفعة بالرغم من أن أغلب الالتهابات التي تسبب ارتفاع درجة الحرارة لدى الطفل والرضيع هي التهابات فيروسية لا تحتاج بالضرورة إلى مضادات حيوية بل بإمكان كمادات الماء الفاتر أو الأدوية الخافضة لدرجة الحرارة كافية لتخفيضها كما أن الطبيب هو الذي يقرر إعطاء المضادات الحيوية من عدمها أو أن الحالة تحتاج أخذ المضادات الحيوية عن طريق الوريد أو عن طريق الفم كمحاليل. 
تشدد الجمعيات الألمانية  التخصصية مثل الجمعية الألمانية لطب الأطفال والأمراض المعدية على أن الأطفال المرضى يجب ألا يتناولوا المضادات الحيوية إلا عند الضرورة القصوى مثل أن يكون المرض بكتيريا وليس فيروسيا. وهذا ينطبق على المرضى البالغين أيضا ذلك أن المضادات الحيوية لا تستطيع فعل أي شيء ضد الفيروسات التي غالبا ما تسبب السعال وسيلان الأنف.
كما يحذر باحثون أمريكيون من أن الإفراط في إعطاء الأطفال في سن النمو المضادات الحيوية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية مثل الحساسية والسمنة. ومن المهم جدا أن يتم إجراء الأبحاث عن كثب على مثل هذه الآثار الجانبية على المدى الطويل.
ومن خلال تجربتنا في مصالح الاستعجالات. في حالة التهابات الجهاز التنفسي العلوي  لدى الرضيع والطفل  ينبغي على الوالدين الانتظار وعدم إعطاء الطفل في البداية مضادات حيوية فورا بل مراقبته لمدة 48 ساعة لأن بمرور هذا الوقت قد يُشفى نحو 80 إلى 90 في المئة من الحالات من تلقاء نفسها. ولكن إذا استمرت الحمى بعد مرور هذه الفترة يجب على الوالدين عندذاك الذهاب إلى الطبيب كي يفحصه ويقرر ضد أو لصالح العلاج بالمضادات الحيوية سواء عن طريق أو إدخال الطفل المستشفى بناء على الأعراض المرضية والتحاليل البيولوجية التي تؤكد حاجة الطفل للمضادات الحيوية. 
تكمن مخاطر استخدام المضادات الحيوية للأطفال في أنها تؤدى إلى مضاعفات طبية خطِرة تلحق بجهازهم المناعى برغم فعاليتها عند الإصابة بالعدوى  البكتيرية بما في ذلك التهابات الأذن والالتهاب الرئوي والسعال الديكي والتهاب الحلق والجيوب الأنفية والتهابات المسالك البولية.
ويتأثر الجهاز المناعى كثيرا عند الإفراط في تناول المضادات الحيوية نتيجة قتل البكتيريا النافعة التي تسهم أيضا في تكوين المناعة لحماية طفلك من العدوى الفيروسية والفطرية المختلفة وبالتالي يتعرض طفلك لنوبات التعب والمرض باستمرار.
ومن بين المضاعفات نتيجة الإفراط في تناول المضادات الحيوية  واستعمالها في غير محلها الإصابة بالتهابات الخميرة حيث تحدث عدوى الخميرة في مناطق مختلفة من الجسم وتشمل الطفح الجلدي الفموي أو الطفح الجلدى التناسلى وأيضا آثاره السلبية على أسنان الأطفال لأنه قد ينتج عنه ما يعرف بظاهرة الأسنان الملونة التي تحدث نتيجة مشتقات المضادات الحيوية وتصيب طبقة مينا الأسنان لذا ينصح بعد تناول الأطفال دون سن الثامنة لتلك العقاقير خلال فترة تكون الأسنان.
ومن أكثر مخاطر المضادات الحيوية الإصابة بالحمى لدى الأطفال حيث ارتبطت بتناول العقاقير التي يتم تناولها عن طريق الوريد بجانب ذلك تعمل تلك العقاقير على قتل البكتيريا النافعة داخل جسم طفلك التي تتكاثر داخل الأمعاء ويتمثل دورها في مراقبة الفطريات الموجودة بشكل طبيعي بالجسم لذا ينصح بعد استخدام المضادات الحيوية للأطفال دون سن 6 أشهر.