من في خدمة من رجل الأعمال أم السياسي؟!

  • PDF

بقلم: عبد الباقي صلاي
ليس عجيبا ولا غريبا أن يتحول رجال الأعمال إلى سياسيين يتعاطون السياسة بامتياز ويتدخلون في كل كبيرة وصغيرة تخص نظام الحكم ويحدث هذا في كل أنحاء العالم تحت أي نظام سواء كان رأسماليا أو اشتراكيا أو هجينا من الرأسمالية والاشتراكية.كما أنه ليس من العجب العجاب أن يشذ السياسيون الذين يمتهنون السياسة كحرفة لا يحسنون غيرها عن القاعدة بحيث يفرطون في ما يقدمه لهم رجال الأعمال من خدمات وعطاءات متعددة.
وقد يختلف الوضع السياسي في الدول الديمقراطية- الغربية على وجه الخصوص- عن الوضع السياسي في الدول العربية فيما يتعلق بالوضع الحقيقي لرجل الأعمال حيال القضايا السياسية لكن في كل الحالات فإن رجل الأعمال يبقى الرجل الذي بدونه لا يمكن أن يتحرك السياسي شبرا نحومنصة النجاح برلمانا أووزارة.
في كتابها المعنون بـ السيطرة الصامتة الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية تتحدث الخبيرة الرائدة في اقتصاد العولمة البريطانية نورينا هيرتس عن دور الشركات الكبرى التي يديرها رجال كبار سخروا أموالهم للعبة الديمقراطية من أجل التحصيل السياسي الذي يحتاجونه في إدارة تجارتهم بعد ذلك تقول نورينا هيرتس وطبيعي أن الشركات لا تعطي شيئا مقابل لا شيء فالمال يشتري الفعل ويشتري النفوذ فهم يتوقعون مقابل الأموال التي يقولون عنها إنها قليلة مردودا له قيمته.فكما قال القاضي في المحكمة العليا الأمريكية ديفيد ساوتر هناك من غير شك انطباع بأن المساهمين الكبار سيحصلون من السياسي ببساطة على خدمة أفضل من الخدمة التي يحصل عليها مساهم معتدل دع عنك ما سيحصل عليه من لا يساهم .
وهذه ذي التجارة الحقيقية التي يتقنها رجال الأعمال أن يعطي من العاجل ليأخذ من الآجل والمحصلة دائما هي المردود المالي المتأتي من الصفقات الكبيرة التي غالبا ما يكون رجال السياسة وراءها بشكل مباشر أوغير مباشر.
ولا نحتاج إلى أدلة قطعية لاسيما في عالمنا العربي المتخلف حتى نبرهن على أن أغلب رجال الأعمال هم الفاعلون الحقيقيون في تسيير دواليب الدولة وسن حتى القوانين خصوصا ما تعلق بالجانب التجاري والمالي.ولا أحد من العوام أوالخواص في الوقت الحاضر ينفي المقولة التي تقول لكل سياسي أو وزير ناجح رجل أعمال وراءه وكل رجل أعمال ناجح وراءه سياسي أووزير والعملية تبادلية بطبيعة الأحوال أخدمني أخدمك .
وربما يكون الوزراء الأعراب تفطنوا قبل سقوط النظام الاشتراكي إلى ما يحصل في العالم الديمقراطي الغربي- لوصحت مفردة الديمقراطي الغربي كما تقول نورينا هيرتس - عندما أصبح أكثرهم رأسماليا بفضل النظام الاشتراكي نفسه الذي سبحوا بحمده لأعوام طويلة قبل أن ينقبلوا عليه ذما وسخطا مائة وثمانين درجة.
لقد أصبح أغلب الوزراء الذين مروا على الوزارات أثرياء بفضل النظام الاشتراكي العظيم وبفضل مخالطتهم لرجال الأعمال في السوق الحقيقية فأضحى الواحد منهم بعد سنوات قليلة يمتلك المليارات كما أصبح الواحد منهم يتقن فنون التجارة أحسن من إتقانه لفنون السياسة والأهم من كل هذا أصبح الواحد منهم ضليعا في فنيات التجارة وفنيات السياسة وتسيير الحملة الانتخابية بفضل الأموال التي اكتسبها من الرشوة ومن الغلول والسحت الحرام.
وحتى لا نظلم النزهاء الذين لم يوغلوا في الفساد- حسب النظرية التي تؤكد أن طريق الثراء يمر عبر الاشتراكية وطريق السلطة يمر عبر الرأسمالية والثراء والمسألة كلها تناظر رياضي- ففي المقابل يجب الإقرار بأن هؤلاء الوزراء أوالسياسيين الذين استغلوا مناصبهم في الدولة لأغراضهم الخاصة استطاعوا أن يصيبوا الطيبين من الوزراء أوالسياسيين النزهاء بفيروس الفساد حتى بات الجميع تطولهم الشكوك والشبهات!
هناك سياسيون كانوا أصلا في البداية رجال أعمال وعلى سبيل المثال لا الحصر رئيس الحكومة التركية الحالي رجب طيب أردوغان فهذا الرجل قبل أن يصبح على هذه الحال من الشهرة السياسية كان يمتهن التجارة وكثيرون من رجالات المال والأعمال أصبحوا سياسيين بفضل جهودهم وأموالهم وهذا أمر آخر قد لا يدخل في ما نحن بصدده وربما يكون هذا أحسن لأن رجل الأعمال الذي يصل بفضل حر ماله قد يكون أخف فسادا من الذي يأتي بفضل أموال رجال أعمال آخرين.لأن رجل الأعمال الحقيقي الذي يصل إلى الحكم قد يكون أمر المال لديه شيئا ثانويا خصوصا وأنه جرب رؤية الأرقام في حساباته البنكية زد على كل هذا فرجل الأعمال الذي يصل إلى منصب سياسي بفضل ماله يكون في منأى عن الضغوط التي تمارس على السياسي الذي ينساق نحو جرافة الممول الرسمي لحملته الانتخابية بحيث تصبح تلك المساعدة دينا يجب الوفاء به وطبعا الطامة الكبرى في من يأتي لعالم السياسة من أجل جمع الأموال على حساب الدولة وعلى حساب الشعب!!
هناك من يتصور أن رجال الأعمال أغبياء بحيث يعطون دون أدنى تفكير في ما يمكن أن يعطيه السياسي المراهن عليه مقابل هذا العطاء بل إن الكثيرين من رجال الأعمال يتفاوضون مسبقا مع من يدعمون حملتهم الانتخابية ويفرضون شروطا وقد تكون هذه الشروط جد مجحفة ربما لا يقدر على الوفاء بها هؤلاء السياسيون أنفسهم لكن في آخر المطاف دائما المال هوالذي يتحكم في السياسة.
وتخبرنا نورينا هيرتس عن أحوال المجتمع الأمريكي المتحضر والديمقراطي الذي يلعب المال فيه الدور الأكبر في الوصول إلى المحطات السياسية وتبوء المراتب الأولى في الكونغرس الأمريكي إن قائمة الصلات بين الهبات المقدمة للحملات والأصوات في الكونغرس تكاد تكون بلا نهاية وتضرب لنا نورينا هيرتس مثلا عن إمبراطورية ميكروسوفت العملاقة وكيف دخلت صاغرة في لعبة تدعيم السياسيين حتى يغضون عنها الطرف ولا يعيقونها في التمدد بيل غايتس لم ينضم إلى الحملة وإلى مواكب المرشحين في وقت مبكر فحتى العام 1995 لم يكن لدى شركة ميكروسوفت مكتب في واشنطن وهذه استراتيجية جرى قلبها فيما بعد إذ بعد ثلاث سنوات من التحريات والدعاوى ازداد إسهامهما في الحملات إلى ثلاثة أضعاف تقريبا كما تضاعفت مصروفاتها لكسب تأييد أعضاء الهيئة التشريعية ولحسن الحظ قررت وزارة العدل أن تتخلى عن السعي لتحطيم عملاق الحاسوب وهو قرار يتماشى مع العهد الذي قطعه بوش في محاولاته التودد لوادي السيليكون - حيث تتركز صناعات تكنولوجيا المعلومات في كاليفورنيا- قبل انتخابات 2000 عندما وعد بأن يناصر الإبداع على التشريع في كل مرة .
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهذا جورج بوش نفسه يذعن إلى الوعود التي سبق وأن قدمها لمن دعم حملته الرئاسية فتقول نورينا هيرتس ومنذ أن شغل بوش مركزه أصدر سلسلة من القوانين التي يبدو عليها أنها تحابي الشركات الكبرى فقد ألغى مجموعة كبيرة من إجراءات السلامة في العمل كان قد تم التفاوض عليها بين الحكومة الفيدرالية واتحادات العمل طوال جزء كبير من السنوات العشر الماضية لقد اقترح قانون إفلاس طالبت به البنوك وشركات بطاقات الائتمان التي دعمت بوش وحزبه بما يزيد على 25 مليون دولار والتي سيكون من نتائجها حرمان الأمريكيين الذين أعلنوا إفلاسهم من بعض الحماية القانونية التي حصلوا عليها من دائنيهم كما اعتمد عددا من الإجراءات الرامية إلى حماية مصالح شركات الطاقة التي مولت حملته الانتخابية .
بكل بساطة هذه ذي السياسة عندما تكون طوع نزعات رجال الأعمال وفي المقابل هذه ذي الأطماع الخسيسة التي يحبذها السياسيون الذين يستفيدون من ريع الشركات التي تدعهمهم وتدفعهم إلى صعود المنصة السياسية واعتلاء المراتب الكبرى في هرم السلطة فلا تتصوروا أن السياسيين الذين يصلون إلى سدة الحكم ويصرخون بأعلى صوت أنهم يدعمون القانون ويحترمون الناخب إنهم أحرار في قراراتهم بل إن أغلبهم إذا تحدث يختار من الكلمات ما لا يضر ولي نعمتهم من رجال الأعمال!.
=== 
الذهن المدلل
بقلم: المفكر التنموي إبراهيم تاج
Email : هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته


لا شك أن كثيرا ممن اعتادوا الاستئناس بالفيديوهات السريعة على مواقع التواصل الاجتماعي لا ولن يصبروا على قراءة المجلدات الكثيرة لأمهات الكتب التي يزخر بها تراثنا الإسلامي والعربي.. تلك الفيديوهات السريعة تذكرني كثيرا بالوجبات السريعة التي تفسد على كثير منا توازنه الصحي بل وتعود الجسم على طلب كل ما هو سهل وممتع.. فتتحول عضوياتنا إلى نمط كسول تنخفض معه مستوى الحرق والبناء.. مما ينتج عنه البدانة تلك الدهون المخزنة التي تمثل عبئا على كل الوظائف الحيوية حمل أرطال من الشحوم دون الاستفادة منها.. نفس الشيء يحدث مع عقولنا المدللة وأدمغتنا المرهقة جهازنا العصبي الذي صار يتعب لأبسط الضغوطات.. حتى نفسياتنا صارت هشة ولا تقبل أي مساس بالإيجو حساسية لأتفه الأسباب.. في النهاية نحن أمام ظاهرة الذهن المدلل وهو أحد المدمرين الكبار للحضارة والنهضة.
الطفل المدلل هو عنوان فشل التربية لأن من أهم غايات التربية صناعة الفرد المستقل بذاته.. إن الاستقلالية شرط تعلم ونمو ونتيجة.. والاستقلالية إن كانت تبدأ بالجسد فهي تنتهي بعمل العقل وعمليات النفس أيضا.. ولا تكتمل إلا بالشعور بالمسؤولية.. وعملة وجهاها الاستقلالية والمسؤولية هي رأس مال الاستثمار في القيم الأخلاقية.
الاستقلالية هي هدف ونتيجة عملية التمكين Empowerment.. في الإدارة مثلا تسعى الشركات لتدريب موظفيها ثم الاهتمام بنواتج هذا التدريب أثرا – الاستمرار في الزمان - وتحويلا – إلى مكان العمل – حتى يصلوا إلى درجة التمكين المهاراتي وبالتالي منحهم التمكين الإداري أو ما نسميه بالتفويض.. كل هذا لصناعة موظف كفء ومستقل وبالتالي منحه سيادة اتخاذ القرارات المرتبطة بمنصبه أو بفريقه أو بقسمه.. إنها عملية صناعة القيادة المنبثقة من الاستقلالية.. بعض الشركات قد تعمد إلى التمتين وهي تقوية نقاط القوى في عمالها قوة على قوة حتى تمنحهم الكفاءة قبل الفاعلية.. كل ذلك يتجلى في حكمة الاختيار.
عندما نتخذ قرارا أو نمارس الاختيار بين بدائل متعددة فإنها عملية لا تتسم بالصعوبة في ظل وفرة الموارد.. لكن في حالة ندرة المصادر نحتاج إلى عقل استدلالي يفكر بالوحدة وليس بالكثرة.. يستخدم القوانين الضمنية تلك التعميمات الحكيمة التي يستطيع من خلالها التمييز والتقدير.. في الطرف النقيض العقل الذي تعلم الاعتماد على الكثرة سيقع حتما في حيرة وبالتالي سيجد نفسه في ورطة.. لا حل لها كذلك العقل المدلل.
لا أنسى تلك السنوات التي قضيتها في دراسة الطب.. والتي أرهقتنا بالحفظ الغبي بل وصنعت جيلا من الأطباء الذين يبحثون دائما عن كثرة المعلومات لتحقيق النمو.. وهذا من أسباب تخلف الطب عن كثير من العلوم.. إن التخمين ومحاولة ممارسته هو المنطلق الذي لا مفر منه لصناعة المفكر والطبيب والباحث والصانع والمدير.. لا شيء سيتولد من الجمود.. حتى تلك البيانات القادمة من الاستقراء تحتاج في نهايتها إلى الاستنتاج.. إنه الذكاء بكل بساطة.
إن الوحدة أمر منبوذ في مسألة التعلم والنمو.. ولكن بعض العزلة مهمة لأنها تعلم الطفل والراشد الاستقلالية في التفكير.. فإلى جانب كونها تساعده على التركيز بسبب نقص المنبهات والمشتتات فهي تفتح له باب حرية التفكير والحرية كما نعرفه جيدا هي باب التفكير الإبداعي.. إنه الإبداع أعلى المستويات فوق المعرفية والذي لا ينفتح للأسف للذهن المدلل.
إن الذهن المدلل لا يريد أن يتعب عقله في حل مشكلات بسيطة.. لذلك تراه يشتري السلع من المولات والأسواق وهو في حالة تشبه التنويم المستمر.. إنه لا يجهد ذهنه لتشغيل التفكير الناقد.. لذلك هو يستمر في تشغيل الطيار الآلي حتى يرجع لبيته.. فهو يعطل ناصيته – الفص الجبهي – ليستدعي دماغه الغريزي – مخ الزواحف أو الجدع الدماغي – حتى يقود قراراته الشرائية.. في الطرف الآخر أعد له خبراء التسويق العصبي Neuro-Marketing عشرات الحيل للتحايل عليه وجعله آلة شراء.. فكل زبون هو بالنسبة لهم مجرد ذهن مراهق ينصاع لنداء الإيجو ويركز على التباين وينجر نحو رغباته.. وينخدع بالرسائل اللاواعية لأنه فقد القدرة على الترشيح.
الذهن المدلل هو من يخوض مع الخائضين ويميل مع الرياح.. وصرعات الموضة التي تصرع الوعي لأنها لا تقدم أية قيمة مضافة للمجتمع.. الذهن المدلل يفقد القدرة على التمييز بين الواقع والخيال.. لأن العقل إذا فقد الاستقلالية فقد الحرية ومن فقد الحرية فقد القدرة على الاختيار.. وماذا لو كانت الصحة النفسية هي هذه الأخيرة ؟!! 
في شهر جوان المنصرم نشرت المنظمة العالمية للصحة على موقعها مقالا نافعا بعنوان : الصحة النفسية : تعزيز استجابتنا وفيه جاء مايلي : الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق إمكاناته والتعلّم والعمل بشكل جيد والمساهمة في مجتمعه المحلي. وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه الذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. والصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان. وهي حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية. .
و للأسف مع الذهن المدلل : لا رفاه ولا صمود نفسي لا تعلم ولا عمل ولا صحة لا مساهمة ولا تنمية ولا نهضة.. ما أعجبني في هذا المقال هو العنوان ولقد فهمته بطريقتي الخاصة.. كون دعم الصحة النفسية تعتمد على تأهيل الاستجابات لمختلف المواقف الحياتية.
الذهن المدلل هو ذهن معاق.. بكل ما في الكلمة من معنى.. حسب وزارة الصحة السعودية تعرف الإعاقة كالتالي : الإعاقة تعني الإصابة بقصور كلي أو جزئي بشكل دائم أو لفترة طويلة من العمر في إحدى القدرات الجسمية أو الحسية أو العقلية أو التواصلية أو التعليمية أو النفسية وتتسبب في عدم إمكانية تلبية متطلبات الحياة العادية من قبل الشخص المعاق واعتماده على غيره في تلبيتها أو احتياجه لأداة خاصة تتطلب تدريبًا أو تأهيلًا خاصا لحسن استخدامها. .. حسب هذا التعريف فإن الذهن المدلل فعلا هو ذهن معاق لكونه يعتمد على غيره لتحقيق كثير من احتياجاته ويفقد التدريب والتأهيل لاتخاذ القرارات وحل المشكلات.
قد تعتبرني مبالغا في الأمر.. والحقيقة التي قد أصدمك بها هي مآلات هذا العقل أو بالأحرى هذا الذهن الذي قد يكون من ضحايا الإدمان – كل أنواع الإدمان – من إدمان الألعاب إلى إدمان الإباحيات.. قد يكون أيضا من ضحايا التسطيح والرداءة الذي صنعته الميديا الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي – التي أرست للحياة اللاواعية داخل عالم الوعي -.. قد يكون أيضا من ضحايا الروحانيات المادية – الغنوصية – التي تدمج الطاقة بالتنجيم بالغيبيات -.. ومهما تكن الأسباب فالنتيجة ... غثاء كغثاء السيل أو كما قال الرسول – عليه الصلاة والسلام -.. هذا الذهن في عالم الميتافارس سيفقد القدرة على التمييز بين الواقع والخيال.. بين الحق والباطل.
نتيجة قد تعتبرها ليست حتمية ولكن احسبها كذلك.. هي فرضية متوقعة قد تحدث وقد تحدث بنسب متفاوتة.. إن التيقظ الذهني ليس مجرد حضور في الآن وهنا.. بل هو حالة وعي لتدفقاتنا الفكرية ثم قدرة التمييز لتلك الأفكار التي تعمل لصالحنا ولتلك الأخرى التي تعمل على تدميرنا داخليا ومجتمعيا.. إن عالم الميتافيرس سيدخل العالم في حالة من الحدية بصيغة جمعية حيث تضيع الحدود.. حيث تقيد الحريات وتسلب الإرادة وتعاق مزايا الاختيار.. إنها فوضى الاستجابات غير الموائمة.. التي تفتقر إلى التأهيل وتحتاج إلى الكثير من التعقل والتيقظ.. مرة أخرى نحتاج لحد واضح وفاصل بين الحقيقة والخيال.. بين الحق والباطن لنمارس أحكامنا الأخلاقية على بينة من أمرنا.
الذهن المدلل هو أبشع وأعمق صور الكسل والعجز والخذلان.. على كل واحد فينا أن يحاربه كل حين.. لأنه يتخفى في المماطلة لأداء الواجبات وفي صور التسويف.. وفي عدم تكسير الرأس – بالعامية – لفهم ما يدور حولنا وتقليب الأمور على أوجهها المتعددة.. والقطيعة مع الذات بعدم محادثة النفس ومساءلة الفكر وتسلية الخاطر وكمداعبة المخيلة.. فالغفلة تسرق الوعي وتلقي صاحبها في النسيان والخسران.
إن التفكر في آيات الذكر الحكيم والتدبر في السماوات والأرض وأحوال الناس وأقواتها لهو رياضة عقلية بعد أن يكون عبادة وسموا إيمانيا.. فـ التفكير فريضة إسلامية كما يقول عباس محمود العقاد – رحمة الله عليه -.


==