ضرورة نشر الصورة الأصيلة للإسلام دحضاً للصورة المشوهة

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد: جـمال بوزيان

بعد تنامي معاداة فرنسا للدين القيم
ضرورة نشر الصورة الأصيلة للإسلام دحضاً للصورة المشوهة

كثيرا ما يُتداول مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر في بلدان العالم الغربي إلا أن فرنسا ما تزال تعادي الإسلام بصفته دينا حركيا يمتد في إقليمها وخارجه والأمثلة كثيرة.. وهذا ما أشارت له صحيفة لوفيغارو أخيرا. 
سألنا أساتذة عن الجذور التاريخية لمعاداة فرنسا للإسلام والتحديات التي يواجهها مسلمو فرنسا تحديدا في ظل تنامي الظاهرة التي يزرعها متطرفون متعطشون للكراهية وإقصاء الآخر.
***
العلمانية في الغرب توقفت عن امتلاك معنى سياسي مقبول

الأستاذة صافي محمد مظهر أحمد

استجابت المجتمعات كلها للصيرورة الحديثة التي يعيشها العالم منذ نهاية العصور الوسطى وابتداء مرحلة الحداثة والتنوير والتي أخذت تتسع يوما بعد يوم والتغير المستمر في البنية المجتمعية وفي ضوء هذه التغيرات وأيضا بسبب  الهجرات واتساع مساحة التبادل الفكري والثقافي الذي فُرض على العالم أجمع كان لا بد من الانفتاح على الآخر وتقبله بما يحمل من فكر وثقافة ومعتقد طالما أنه لا يفرضها على الآخر عنوة ولا يتقوقع على ذاته واصدا أبواب الاندماج والعمل الجماعي والمجتمعي ومن هنا طرحت مشروعية تقبل التعددية الدينية التي رضخ الغرب لها سواء طوعا أو كرها لتقبل الآخر القادم من كل مكان في هذا العالم بفعل السياسات العالمية التي كان من نتائجها الحتمية انتقال الناس أفرادا وجماعات بحثا عن الحياة الملائمة مقوماتها للعيش البشري الآمن وطالما أنه هو من فتح أبوابه لهذا الآخر ليعبرها ويشاطرهم الحياة على أراضيه كان لا بد من نشوء فكرة تقبل الآخر التي لطالما كانت النغمة التي يعزف عليها الغرب ليظهر لابسا لبوس الديمقراطية والحريات والتسامح والسلام وبالرغم من كل الشعارات الرنانة إلا أنني بصفتي مقيمة في ألمانيا وكل مقيم في بلاد الغرب لا يخفى عليه الرفض المبطن من الغربيين للإسلام والمسلمين وللحجاب بصفته رمزا دينيا وفي هذا يتفق الغرب عامة إلا أن فرنسا تجاوزت الخفاء لتعلن عداءها للإسلام جهرةً مظهرةً كل ما تحمله في ذاكرتها من حقد وغل على الإسلام وحامليه.. ولو عدنا للبحث في خلفية هذا الحقد الذي قد يحير المراقب في زماننا هذا لوجدنا أن جذور هذا الحقد ضاربة أطنابها في عمق التاريخ.
فلو رجعنا بالتاريخ ومحّصنا قليلا سنرى أن الحضور الإسلامي كان بارزا في تلك البلاد بقوة وبالتحديد في عام 714 في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز وأن المسلمين لمّا خالطوا الفرنسيين أشاعوا الأمان والأمن لهذه القبائل المتناحرة والتي تعلي شريعة الغاب على قيم الإنسانية برعاية من رهبنة فاسدة حيث يقول المؤرخ الفرنسي فرانسوا كليمان أول دخول للمسلمين في منطقة ما وراء البيرنييه Pyrénées حصل ما بين سنة 714-715 م وفي سنة 720 م تمت السيطرة الإسلامية على منطقة ناربون Narbonne بقيادة السمح بن مالك  الخولاني الذي توغل حتى وصل إلى تولوز ثم استُشهد في معركة بها.
أصبحت فرنسا بعد ذلك ولاية إسلامية وأشاع فيها المسلمون الأمن والأمان وعملوا على توطين القبائل المتناحرة والهمجية وعلموهم الزراعة والتاريخ يذكر أنهم أول من أدخل القمح الأسمر إلى فرنسا وكثير من الزراعات التي كانت مجهولة وإلى عهد قريب كانت فرنسا تتعلم من كتب ابن رشد.
بالإضافة لما لاقته فرنسا إبان الحقبة الاستعمارية التي كسرت عنق فرنسا في الجزائر من خلال خسارتها لتلك المستعمرة والتي قاد فيها النضال ضد جيوش فرنسا مجاهدون مسلمون كانوا مستميتين في الدفاع عن أرضهم وعرضهم ولم تثنيهم أو تفت من عزمهم كل أساليب القتل والتعذيب الوحشية التي مارسها المحتل الفرنسي لذلك خرجت فرنسا من الجزائر وهي تحمل حقداً لا يمكن وصفه ضد هذا الدين الذي يتمتع اتباعه بقوة وعزيمة تهز الجبال.
المشهد السياسي الفرنسي والصراع على السلطة يؤجج العداء لإشغال الناخبين عن فشل السياسات المتعاقبة خلال العشرين سنة الماضية وإلهائهم عن مشاهدة التدهور الاقتصادي نتيجة فشل تلك السياسات لذلك يجب على الجالية الإسلامية مواجهة هذه التحديات بفكر ايجابي بعيد عن التطرف والغلو والتصرف بشكل يجعل الطرف الآخر يرى مدى كذب قياداتهم وأحزابهم المتطرفة والمعادية للمسلمين دون وجه حق.
ومع ذلك فإن إقبال المسلمين على المنظمات والملتقيات الإسلامية بازدياد إلا أن هذه الملتقيات تواجه تحديات كبرى ومنها:
١_ ما جاء على لسان د. عمر الأصفر رئيس ملتقى مسلمي فرنسا الذي أُنشئ في الثمانينيات من القرن الماضي حين قال بدعم بعض المنتديات أو الملتقيات الإسلامية في فرنسا من قبل جهات مغرضة ليس لها رعايا ولا مواطنون في هذه البلاد بغية خلق صراعات بين الملتقيات بدلا من التنافسية البناءة التي تصب في المصلحة العامة للمسلمين واستخدامها كأداة هدم بدلا من جعلها أداة بناء وارتقاء. 
٢_ ومن التحديات المؤسفة أيضا هو إقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على وضع اتحاد مسلمي فرنسا وملتقى فرنسا منذ ثلاث سنوات على قائمة الإرهاب وكذلك أكثر من ثمانين مؤسسة إسلامية على قائمة الإرهاب وبالتحديد من المذهب السني وكأن هناك غاية هي إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام السني وحَسب دون اطلاع الإمارات على نشاطات هذه الملتقيات وعدم تصريحها عن أي خلفية إرهابية تدفعها لتحميل هذه الملتقيات التهم التي بنوا عليها مواقفهم. 
٣_ وكذلك يضاف تحد آخر لما يواجهه مسلمو فرنسا وهو تدخل الإعلام بشكل سلبي في التعاطي مع القضايا الإسلامية في الغرب وتضخيم الأخطاء الفردية لبعض المحسوبين على الإسلام مما يؤجج الحقد الغربي على المسلمين. 
٤_ وأهم التحديات التي تطفو على السطح اليوم هو ما تواجهه النساء المسلمات في فرنسا من محاربة الحجاب وهذا الجدل حوله الذي لا ينتهي رغم أنه يجب أن يعتبر من الحريات الشخصية التي يضمنها القانون لرعايا البلاد.
وقد برزت في المرحلة الأخيرة التصريحات الرسمية من السياسيين المرشحين للانتخابات ضد المسلمين وثقافتهم وشعائرهم وهو خطاب يحمل في طياته دلالات إقصائية للمكون المسلم في المجتمع.. ويتم التركيز على الحجاب برأيي كمقيمة في إحدى دول أوروبا ربما لأنه تعبير ظاهر على شكل المرأة وعائلتها عما تحمله من عقيدة ثابتة تدفعها للتمسك بحجابها وعفتها وهذا يقلقهم إذ يستشفون منه ثبات هؤلاء المسلمين على قيم دينهم مما يشكل بنظرهم تهديدا للعلمانية التي يتبنونها والتي يسعون لزرعها في عقول المكَوَّن المسلم لتهميش القيم الإسلامية التي يمكن أن تترك بصمتها في المجتمع المضيف. 
ومن أهم التحديات وليس آخرها والذي  يُعرقل أي عملية اندماج للمسلمين داخل فرنسا هو أن فرنسا تحتضن أكبر جالية إسلامية في أوروبا ومع ذلك تدعي وجود جهود من طرف خفيّ تسعى لتغيير النظم الاجتماعية الغربية عبر فرض الآراء الدينية الإسلامية على فرنسا وأوروبا. وتدعي فرنسا أيضا وجود قوى ظلامية و ناشطين سياسيين دينيين و تيارات سياسية متطرفة تهدف إلى تدمير الديمقراطية الغربية وأسلوب حياتها المبني على الحرية والمساواة. 
يقول المؤرخ والفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه صاحب إحدى أهم الدراسات عن الحالة الدينية في فرنسا في كتابه الدين في الديمقراطية إنّ العلمانية في الغرب بصفة عامة توقفت عن امتلاك معنى سياسي مقبول في الوقت الذي امتلك الإيمان الديني القدرة على التكيُّف مع الظروف العلمانية المعاصرة للحياة الاجتماعية والشخصية. 
هنا تحديداً يشرح غوشيه أسباب دهشة المسلمين المقيمين في فرنسا وأسباب الهجوم الفرنسي الرسمي والشعبي المتكرر على الحجاب. يرى غوشيه أن ذلك كله يأتي في سبيل إضفاء بُعد نضالي على العلمانية ومَدِّها بالحيوية التي افتقدتها العلمانية الفرنسية بعد أن فقدت كل مصادرها الروحية الذاتية وصارت العلمانية الفرنسية عبارة عن هوية قلقة مهووسة بنقيضها تستدعيه طوال الوقت وتصارعه طول الوقت. 
وأخيرا لا يمكنني أن أدعي أن هناك حلولا سحرية لما يتعرض له المسلمون في أوروبا عامة وفرنسا خاصة ولكن أحسب أن وظيفة كل مثقفي المسلمين أن يقوموا بالدور الذي يستطيعون من خلاله الدفاع عن حقوقهم والبحث في القوانين الغربية عما يضمن لهم هذه الحقوق وكذلك العمل على الدعوة للحوار ونشر الصورة الأصيلة للإسلام دحضا للصورة المشوهة التي يحاول أعداؤه أو الجاهلون من متبنيه إيصالها للآخر.. كلنا مسؤول بشكل أو بآخر عن خوض هذه المعمعة لإثبات الذات بحكمة وأهم من كل هذا إيجاد هيكلية لتوافق المنظمات والملتقيات والتجمعات الإسلامية فيما بينها مما يضفي عليها نقطة من نقاط القوة التي تجعلها مسموعة الصوت.. وفي النهاية لن نكون متشائمين فالله تعالى وعد في كتابه العزيز ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 5 6].


*****
لا حقيقة لما يروج له بوجود نزعة إسلامية انفصالية تهدّد وجود الجمهورية الفرنسية
الأستاذة غنية عباسي


عرفت علاقات فرنسا مع الإسلام تاريخا طويلا من الصراع تراوح ما بين الصريح والخفي سنحاول تتّبعه من خلال كرونولوجيا مختصرة عن الوجود الإسلامي في هذه الدولة.
بداية أرى أنّه من الخطإ الاعتقاد أنّ بداية حضور الإسلام في فرنسا جاء نتيجة الطفرة الاجتماعية التي أحدثتها هجرة العمالة المغاربية بعد استقلال بلدانها مثلا بل لهذا الحضور  تاريخ طويل تعود جذوره الأولى إلى سنوات قليلة بعد الفتح الإسلامي للأندلس وكان ذلك عن طريق بعثات سلمية قادتها جيوش إسلامية لمنطقة شمال البيريني    Nord de Pyrénées لتبدأ معها أولى فصول التوّغل الإسلامي في فرنسا لفترة تجاوزت القرنين تمكّن فيها الإسلام من الوصول إلى مشارف العاصمة باريس.
وفصل آخر من هذه العلاقات هو ما عرفته بدايات الفترة الحديثة من توافق مصلحي بين فرنسا والدولة العثمانية والذي لم يستمر بعد تراجع قوة هذه الأخيرة فالظروف تهيّأت أمام فرنسا للتدّخل والتوّغل في مناطق النفوذ العثماني في شمال أفريقيا وغرب آسيا ليبدأ معها فصل جديد خضع فيه جزء كبير من العالمين العربي والإسلامي لها.
ومع استقلال هذه المناطق تحرّكت موجات بشرية إسلامية جديدة نحو المستدمر السابق لتدعّم ما كان موجودا خاصة بعدما فتحت الدول الأوروبية أبوابها للعمالة الأجنبية لتتحوّل زيارات العمل إلى إقامة شبه دائمة ثم دائمة فالمسلمون اليوم أصبحوا يمثّلون ما بين 6 إلى 10 بالمائة من سكان فرنسا وهناك إحصاءات تتحدّث عن أرقام أكبر ليصبحوا بذلك جزءا هاما ضمن الهيكل الاجتماعي والديمغرافي لهذا البلد.
تبنّت فرنسا العلمانية التي وضع لبنتها الأولى فلاسفة الأنوار  على غرار جون جاك روسو  وفولتير  ومونتسكيو لتشرّع بعد ذلك قانون اللائكية أي فصل الكنيسة عن الدولة سنة 1905 ليعاد صياغة تعريفه ليشمل عام 2004 المساواة في التعامل مع جميع الأديان.
ففرنسا التي تقدّم نفسها حامية للحريات الفردية وخاصة حرية المعتقد استنادا لمبادئ الجمهورية الثلاث الحرية المساواة والأخوة عملت على محاربة كل من يتضامن مع الإسلام والمسلمين أو حتى من يعتنقه من مفكرين ونخب خوفا من أن يبلغ تأثيرهم مستويات تقلق صورة فرنسا المسيحية .
وعلى الرغم من أنّ التواجد الإسلامي في المجتمع الفرنسي أصبح أمرا واقعا إلاّ أنّه يتعرّض إلى استهداف ممنهج بسبب تنامي خطاب الكراهية والذي غالبا ما يأتي لدوافع سياسية أو بسبب مشكلات اقتصادية وأمنية خاصة مع ضيق الآفاق الاستراتيجية لباريس.
فالطرح الذي يتم الترويج له بوجود نزعة انفصالية إسلامية تهدّد وجود الجمهورية الفرنسية يبقى مجرد مزاعم لم يتم إثباتها فهناك خلط مقصود بين الإسلام بصفته دينا سماويا تعتقد به فئة مهمة من المجتمع الفرنسي وتنظيمات إسلامية متطرّفة قد ينتمي لها جزء من هذه الفئة على الرغم من كونها تمثّل تهديدا لأمن بيئتها الأم أيضا.
ومن الواضح أنّ فرنسا تسعى بشكل كبير إلى تعزيز سياستها العلمانية المتطرفة ضد أي مسعى لمسلمي فرنسا للحفاظ على هويتهم فوصف إيمانويل ماكرون لهم بــ المجتمع الموازي أو المجتمع المضاد والاستمرار في استفزاز  مشاعرهم من خلال تصريحاته حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم تكشف حجم التعصب الفرنسي تجاه كل ما يرتبط بالدين الثاني في البلاد. 
وعلى الرغم من محاولات مسلمي فرنسا للاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه عن طريق تأسيس جمعيات وكيانات مجتمعية ودينية وحزبية خاصة مع الجيلين الثالث والرابع ممّن يتعاملون مع هذه الدولة الأوروبية على أنّها وطنهم الأم إلاّ أنّ جزءا من الشعب الفرنسي ما يزال يشكّك في قدرة الإسلام على التعايش مع قيم الجمهورية فهو حسب هذه الفئة مصدر قلق وتهديد لأمنها. 
لذلك فالدولة الفرنسية تسعى إلى استحداث إسلام مندمج تماما في قيمها محترم لقوانينها ومؤسساتها بعيدا عن أي توجيه أو تمويل من الدول العربية والإسلامية كالجزائر المغرب تركيا السعودية وبعض دول الخليج العربي أي إسلام فرنسي يكون فيه الأئمة والمرشدون الدينيون نتاج البيئة الفرنسية الخالصة فهي من يختار الأئمة ومن يحدّد الموضوعات التي يدرّسونها ومن يقترح طبيعة المنهج الدعوي المقدّم وهو الأمر الذي ينافي مبدأ اللائكية التي تنتهجها جمهورية فرنسا .
ويبقى مستقبل هذه الأقلية رهن التكهّنات وغياب الرؤية الشاملة ففوز إيمانويل ماكرون ليس إنفراجة لمشكلاتها إذ أنّ التجارب التي شهدتها العلاقة بينها وبينه في ولايته الأولى تزيد من حالة التأهّب والقلق لما هو قادم!.