من هو المجرم حضارياً؟!!

  • PDF

من هو المجرم حضارياً؟!!
بقلم: المفكر التنموي إبراهيم تاج

انتشر في الآونة الأخيرة عدد لا يُستهان به من القنوات والصفحات والبرامج والمقدمين الذين لا هم لهم غير مهاجمة الإسلام.. عن طريق الخوض في الفتن التي مرت على تاريخ الخلافات الإسلامية والتشكيك في الأصول.. والغريب في الأمر أن هؤلاء لهم نفس المنطلقات ونفس النهايات وحتى نفس الأسلوب.. ولا أشك في أي لحظة أن هذا أمر مدبر وأن كل هذه الجهود هدفها محاربة الإسلام من الداخل من العمق.. لتدمير النواة الصلبة لمنظومة المعتقدات في باطن كل مؤمن.
هؤلاء الذين إذا قرأت أسماءهم ظننتهم مسلمين وإذا سمعت إلى أقوالهم وجدتها تشبه مقالات الكافرين.. فالتشكيك في النبوة بزعم أنها مجرد اقتباسات من ديانة سابقة والتشكيك في القرآن من حيث سلامته من التحريف.. ثم التشكيك في صلاح القرآن لكل زمان ومكان ثم يأتونك بالأخبار التي من خلالها يريدون تغيير الصورة الذهنية التي يحملها المسلم عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.. كل هذه السموم التي حاول المستشرقون بثها في الأمة هؤلاء هم خلفهم يمارسون النفاق علنا.. أداتهم صناعة القطيعة مع ماضي الأمة إنهم يحاولون أن يقتلوا الشجرة من جذورها.
أنت لا تحتاج إلى كلماتي حتى تؤمن بفضل أولئك الذين حول رسول الله – عليه الصلاة والسلام - لأن كلام الله – عز وجل – أصدق.. حين وصفهم بخير أمة أخرجت للناس:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾. ( آل عمران: 110 )
و من فوائد هذه الآية أنها تثبت الخيرية.. فإذا كان الله – سبحانه وتعالى – قد أثبت الخيرية في الأمة عامة وفي الرعيل الأول خاصة فمن يستطيع أن ينفيها ؟!!!
الفائدة الثانية: أن الخيرية قد قرنت أو ربطت كأنها حزمة واحدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهنا مربط الفرس.. فقوة هذه الأمة أنها لا تنافق في سلم التقييم.. فمثلا موضوع المثلية الجنسية أنا درستها في الطب النفسي في نهاية التسعينات على أنها اضطراب عقلي ومازالوا يتلاعبون بالمصطلحات وتخفيفها حتى أسقطوها من الدليل الإحصائي والتشخيصي الخامس الصادر عن رابطة علماء النفس الأمريكية.. يعني من اضطراب عقلي صارت عادي لا مشكلة بل دخلت حتى في الإرشاد الزواجي ؟!! بطرح سؤال التعريف عن ما هو الزوج ؟ للأسف صار يقال هناك نوعان من الأزواج.. هنا نجد أنه لا خير فيه من يغير من قناعاته وهويته ومعتقداته من أجل خطأ بيولوجي يمكن لأي طفل أن يدركه.. للإسلام هنا حكم ثابت.


02
من مسند الإمام أحمد حديث درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر فقال يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم .
و هذا حديث معجز فعلا جامع لكل ما أريد أن أتحدث عنه وأثبته في هذا المقال وارتباط الخيرية بالصلة والشرور بالقطيعة.
إن مجرم الألفية الثالثة هو من يركب موجة العولمة ويصنع قطيعة مع أصوله الحضارية.. قطيعة مع الماضي مع التاريخ وقطيعة مع الباطن مع المعتقدات.. إن الخوض مع الانحرافات الفكرية التي يروج لها المنافسين حضاريا هي من المهلكات لا شك في ذلك بل الأدهى والأمر أننا ندرك ذلك ونعلمه.. ولكن نواصل المسير نحو الأخطاء والأخطار وهذا دليل على أن اللاوعي قد طغى على المشهد العام.
قال تعالى:
كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّات يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47). سورة المدثر 
من هدايات هذه الآيات الكريمة: أن المجرم قاطع صلة.. قاطع صلة مع ربه فهو لا يصلي.. قاطع صلة مع مجتمعه فهو لا يحسن إليه.. قاطع صلة مع حاضره مع وعيه مع قيمه فهو يخوض في طريق الفسوق والفجور.. قاطع صلة مع معتقداته مع إيمانه مع مستقبله فهو يكذب بما وعد الله به.
نعم إن الجريمة في تعريفها هي خطأ عام بنية مسبقة.. هي انحراف سلوكي-معرفي انحراف عن القيم الجمعية.. بل للجريمة تعاريف عدة اجتماعيا هي سلوك غير سوي فيه عداء للنظام الاجتماعي.. وحضاريا هي انعزال عن الأمة صناعة قطيعة.. بمعنى آخر قص خيوط الانتماء وبالتالي فقدان الهوية.. إنه فعل خطير ومدمر.
كثير من المرهقين فكريا يظن أن الخوض في المقدسات هو أمر هين وأن من الحرية تشغيل ما يسمى بالنقد وبالتالي يحق له التفكيك والعبث كما شاء.. أولا: دعني أخبرك أن الإسلام هو دين كامل يعني أنه ليس معتقدات فقط بل هو قانون أمة ينتظر منك الامتثال والالتزام وبالتالي كل شخص مسؤول عن كلامه وأفعاله.. هذا ما لا يدركه الكثير أنت في أي أمة غير مخير لأن تلتزم أو لا تلتزم بالقانون – صحيح هناك قوانين إلزامية وغير إلزامية – وبالتالي يجب في الأول أن تختار الانتساب أو لا.. فبعد الانتساب يأتي الالتزام.
أنت لا تستطيع أن تعمل في شركة ما ثم تقول لهم أنا حر أنا لا ألتزم باللوائح والسياسات أو القانون الداخلي.. أو أنا حر لا أتبع تعليمات الصحة والسلامة المهنيتين أنا لا ألبس خوذة السلامة أنا آكل في أي مكان.. فعلا ستطرد من أول يوم !!!
في الحقيقة نحن نتعامل مع الدين بذهن مدلل.. نحن خلق الله ولسنا أبناؤه – تعالى الله عن ذلك وتقدس -.. في الحقيقة هذا التسيب والتغافل هو فكر يهودي ثم نصراني.. وهذا الفكر ينتشر الآن بيننا مع معلمي الطاقة والفلسفات الشرقية الضالة فيما يسمى فكرة تأليه الإنسان وفكرة الحلول ووحدة الكون.. والترويج لهذه الأفكار السامة هي جرائم حضارية لا شك في ذلك.
المراقب لمواقع التواصل الاجتماعي يجد انتشارا كبيرا لبعض الأفكار الشاذة والتي هي في الواقع تعبر عن تشوهات معرفية في بناء العالم الذي نعيش فيه.. بل هي إرهاصات عن عدم القدرة على التكيف وهشاشة على مستوى الصحة النفسية.. مثل: كل السعادة في الانعزال وحيدا قل للكلاب تعلمهم معنى الوفاء لا أحد ينفعك في هذا الزمن لا يحبونك إلا لمصالحهم أظهر لهم ابتسامة المنتصر ولو كان في قلبك حزن العالم .. مقولات كما يسمونها جوكرية كأن هذا الجوكر صار معلما روحيا جديدا.. هذا التوجه في التفكير ما هو إلا ظلم للذات وحرمانها من تعلم التواصل والتعاون مع الآخر والمجتمع وهذا ما يحقق الصحة النفسية.
و هنا أنوه إلى العلاقات بين الإجرام والتشوهات المعرفية أو أخطاء التفكير وفيه دراسات علمية كثيرة تثبت ذلك.. وأركز على أن الأمر هو شغل شاغل على مستوى الصحة النفسية وأتمنى لو يعمم كبرنامج إرشادي على مستوى المدارس عامة والثانويات خاصة لصناعة نوع من المناعة الفكرية ضد الإجرام بكل أشكاله وألوانه.


03
إن المجرم حضاريا هو أخطر وأكثر تدميرا.. لأن شذوذه يسري في الأمة بشكل خفي قد يتجلى فيما بعد على شكل جماعات سرية أو خلايا نائمة.. بل يمكن أن تتشكل منها أنوية طوائف ضالة مثلها مثل البدعة لها نفس آليات الإفساد في العقائد والسلوك.


فلننتبه.. أنه لا يحق لنا أن نصنع أي نوع من القطيعة.. وأن نداوم الصلة – التواصل -.. مع الله خالق كل شيء ورازقه صلاة وقراءة للقرآن.. مع مجتمعنا تفاعلا وتعاونا وتكافلا.. ومع البيئة المحيطة إحسانا وألا نستبدلها بما هو افتراضي – ميتافرس -.. وهذا الأخير سيكون الاختبار الأكبر لهذا الجيل.