دعوة إلى تصحيح مفهوم العمل النضالي والاهتمام بالقضايا البيداغوجية والاجتماعية

  • PDF

مراصد
إعداد: جمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول دور نقابات التربية والتعليم
دعوة إلى تصحيح مفهوم العمل النضالي والاهتمام بالقضايا البيداغوجية والاجتماعية

نظرا للدور المحدد وفق التشريعات لكل قطاع نقابة أو عدة نقابات تسعى إلى الدفاع عن حقوق العمال وأيضا عن قضايا ذات صلة بالقطاع.. سألنا أساتذة عن نقابات قِطاع التربية والتعليم عموما من حيث التنظيم والأمانة والشفافية والعمل الجاد المستمر للدفاع عن حقوق الأساتذة وإصلاحات المنظومة التربوية والقضايا الكبرى التي دافعت عنها وحققت نتائج جيدة وطلبنا من الأساتذة مقترحات من أجل نضال يواكب طموحات وأحلام أهل القِطاع وأهداف جودة التعليم وغيرها.

*****
العمل النقابي في قطاع التربية والتعليم.. شعرة الميزان!

أ‌. م. رابح لكحل 
عرف الشعب الجزائري العمل النقابي كشكل من أشكال الممارسة السياسية مبكرا حيث اعتمده كوسيلة من وسائل الكفاح ومقاومة الاستدمار إبان ثورة التحرير وكان من أبرز محطاته تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (في جويلية 1955) والذي دعا الطلبة إلى إضراب (ماي 1956) ثم التحاقهم الجماعي بصفوف الثورة وكان لهذه النواة النقابية المتعلمة والواعية الدور المؤثر في تأسيس نقابة العمال الجزائريين (فيفري 1956) ثم جاء تنظيمهم لإضراب الـ8 أيام (من 28 جانفي إلى 4 فيفري 1957) كأزهى صورة وأقوى محطة للعمل النقابي في ثورة التحرير المجيدة والتي نتج عنها :١- تسريع إدراج القضية الجزائرية في  أعماؿل الدورة 12 للجمعية العامة للأمم المتحدة كقضية تصفية استدمار. ٢-إسقاط ادعاءات الاستدمار وتأكيد مساندة الشعب الجزائري للثورة..
لكن وبالرغم من أن جزائر الاستقلال كانت سباقة في الاعتراف بالعمل النقابي (صادقت في أكتوبر 1962على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرية النقابية وحق الانتظام والتفاوض الجماعي..) إلا أن الخيارات السياسية التي فُرضت على المجتمع حينذاك شكلت انتكاسة كبيرة لمفهوم فلسفة وكيفيات ممارسة العمل النقابي .

1-مفهوم النقابة قبل دستور 1989:
منذ الاستقلال إلى نهاية الثمانينيات احتكر ما يسمى الاتحاد العام للعمال الجزائريين العمل النقابي وتمثيل العمال في مختلف القطاعات بشكل ووضعية بعيدة كل البعد عن أبجديات العمل النقابي فبعدما كان تأسيسه كمنظمة نقابية مطلبية حرة لكل الجزائريين ومستقلة عن أي وصاية حزبية أصبح هيئة تابعة للحزب الواحد والأخطر أصبح يعمل تحت وصاية  الحكومة ولصالح مشاريعها رغم أنها رب العمل الأساسي والوحيد أحيانا فكان أن:
0- تشوه العمل النقابي وانحرف عن الأهداف التي تشكل من أجلها..   ٢-أصبح أعضاء وقيادات الاتحاد (المعينون في عمومهم) يعتمدونه كمصعد سريع للترقية الاجتماعية (تحول نقابيون إلى رجال مال وملاك كبار من العدم..) ٣-شغل قياداته مهام سياسية رسمية والتزموا بالخدمة في مؤسسات لا علاقة لها بالعمل النقابي (عضوية مجالس المداولات محليا ووطنيا باسم حصة كوطة النقابة..) ٤-خرقوا القانون بتوظيف النقابة لخدمة أطروحات إيديولوجية وسياسية لا علاقة لها بالعمل النقابي وطبيعته ٥-وأخطر الانحرافات هو تحول النقابة إلى صف رب العمل بتزكية مشاريعه ولو كانت ضد مصالح العمال (حل الشركات العمومية وطرد وتشريد العمال..!) والتزام قياداتها بالعمل على إخماد أي احتجاج عمالي..٦-برزت قيادات نقابية بسيطة أمية في غالبها لا تعي من العمل النقابي إلا مقدار ما تحصل عليه من امتيازات (غير مستحقة..).

2-ماذا عن العمل النقابي في التعليم:
قبل صدور القانون الشهير (14/90) في 2 جوان 1990لم يختلف النشاط النقابي في قطاع التعليم عن الصورة القاتمة والمشوهة للعمل النقابي في عمومه فكانت قيادات النقابة محليا أو وطنيا في أغلبها نماذج تربوية فاشلة همها استعمال الإطار النقابي كتغطية لـ: ١-الهروب من العمل (بالانتداب..) ٢-الترقية السريعة دون كفاءة أو مجهود باسم الكوطة ٣-استغلال ممتلكات العمال (وحتى الاستيلاء عليها..)  ويظهر ذلك خاصة في أموال وممتلكات الخدمات الاجتماعية..
فكانت نقابة التعليم (اشتهرت باسم نقابة المؤسسة) بؤرة فساد وإفساد تجتمع فيها النماذج الفاشلة في العمل التربوي والبيداغوجي لكنها تمتلك حقوق حصرية لتوزيع ريع الخدمات الاجتماعية المحتكرة وفرص الترقية الصاروخية إلى المناصب العليا وحتى السامية منها..
-لكن بعد جوان 90 والسماح بالتعددية النقابية (عطفا على التعددية الحزبية..) ظهرت نقابات مستقلة تنافس الاتحاد  في قطاع التربية فتأسس الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين (الأونباف) كأول منظمة نقابية مستقلة (اعتمدت في أكتوبر1990) وبرزت بقوة احتجاجاتها خاصة في بداياتها (كانت بداياتها مشرقة..) لكن سرعان ما خف بريقها تحت ضغط الإغراءات ومحاولات تدجينها ويكفي أن أُستدرج رئيسها حينذاك وعُين مستشارا لدى وزير التربية كما انشغل أغلب قادتها بالصراع (الأزلي..) حول اقتسام بعض الامتيازات (الانتدابات تسيير التعاونيات الاستهلاكية..) وبعض الترقيات البسيطة (مديري مؤسسات في إطار الكوطة ..).. وهذا ما سمح باستمرار وجود نقابة المؤسسة معتمدة العمل بنفس النمط ومستعملة نفس الأساليب خاصة توظيف ورقتها القوية احتكارها التصرف في أموال وممتلكات الخدمات الاجتماعية بقوة القانون الغريب قرار وزاري 158/94 ألغى المرسوم 303/82 المسير للخدمات الاجتماعية ).. وبقي العمل النقابي يراوح مكانه حتى مطلع الألفية الجديدة أين ظهر نشاط نقابي قوي لأساتذة الجامعة تحت قيادة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي (الكناس) والذي فسرت قوته حينذاك لكونه نقابة خاصة بالأساتذة فقط دون غيرهم من موظفي وعمال الجامعة فكانت مطالبه دقيقة ومركزة واستطاعت هذه النقابة الفتية أن تحقق مصالح مهنية واجتماعية كبيرة لفائدة الأساتذة لكن دائما في استمرار وجود نقابة المؤسسة وبتمثيل مقبول ووقع التنظيم الجديد في نفس خطايا اتحاد التربية والتكوين حيث تم استدراجه ثم إغراقه في صراع الغنائم بحيث لا نسمع عنه إلى اليوم إلا أخبار صراعات  قياداته وتراشقاتهم الإعلامية...

3-ظهور نقابات خاصة بالأساتذة: 
بعد نجاح نقابة الأساتذة الجامعيين في افتكاك حقوق معتبرة حينذاك ازدهرت فكرة إنشاء نقابة فئوية لدى أساتذة  الثانوي فظهر المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني (الكناباست) الذي بدأ نشاطه لعدة سنوات دون اعتماد رسمي (تأسس في 2003 ) قبل أن يفتك الاعتراف به (جويلية2007) وكان لقوة نشاطه الأثر البالغ على عدة مستويات منها:
١-تحول الأستاذ من أضعف متعامل والأقل تأثيرا إلى أقوى حلقة في المنظومة التربوية والأشد تأثيرا..٢-استرد الأستاذ بعض الحقوق والمصالح المادية والمهنية..  
٣- الأهم استعادته لهيبته ووضعه كفاعل أساسي داخل المنظومة المجتمعية.. ٤-تحول الأستاذ كقائد طلائعي للعمل النقابي وكقدوة للعمال في باقي القطاعات..                               ٥-فرض المفهوم الصحيح للعمل النقابي والذي يقوم على مراحل ثلاث (مطالب←احتجاج←تفاوض..) وكان أصعبها جلوس الوصاية للتفاوض حيث كانت السلطة (بخلفيتها الثورية) لا تعرف من فكرة التفاوض إلا مفاوضات إيفيان .. ٦-إنهاء تمثيل نقابة المؤسسة لأساتذة الثانوي ولاحقا فقدت تماما تمثيل سلك التعليم وكان لهذا أثر بالغ على المشهد السياسي عموما بحيث فقدت السلطة أحد أعمدتها الأساسية في تأطير العمل السياسي.. ٧- تحسن نسبي لظروف العمل (رفع وإضافة بعض المنح ...) ٨- ترقية التكوين النقابي لدى الأستاذ والمساهمة في نشر الثقافة القانونية المحددة لعلاقات العمل لدى المجتمع عموما..
٩-تصحيح وتقويم مفهومي النقابة والعمل النقابي اللذين ترسخا لدى المجتمع ( مع الاتحاد أصبح العمال ينظرون إلى النقابة على أنها هياكل شكلية لا تنفع إلا مسؤوليها..) بحيث أصبحت النقابة  إطارا ضروريا لنشر الوعي وتحقيق مصالح الطبقة الشاغلة.. ١٠-مساهمة النقابة في ترسيخ ثقافة ديمقراطية تحولت على إثرها قاعات الأساتذة إلى مراكز تداول مسؤولة محترمة وشفافة تتخذ بناء على محاضرها القرارات الوطنية.. ١١-نجحت النقابات المستقلة في إرغام الوصاية على إلغاء احتكار الاتحاد لتسيير أموال الخدمات واعتماد مبدإ انتخاب لجان التسيير بدلا من ذلك..

4-ماذا ننتظر من النقابة؟:
على الرغم من النجاحات التي حققتها نقابات التعليم وتحولها إلى مرجع ونموذج لباقي النقابات في القطاعات المختلفة إلا أننا نسجل عليها استغراق كل وقتها ومجهوداتها في ملف تحسين الوضع الاجتماعي (على أهميته ) وتأجيل الاهتمام بالملف البيداغوجي وبالرغم من أن الملفين مرتبطان ارتباطا جدليا من جهة ومن جهة ثانية فالكل يعلم أن من أهداف النقابة الأساسية تحسين الوسائل والظروف البيداغوجية والمساهمة في بناء مدرسة ذات نوعية لهذا أردت الإشارة إلى: 
أ-الانتباه وعدم الوقوع في خطة البعض بإشغالها عن القضايا البيداغوجية التي هي من صميم مهامها وإيلائها الاهتمام نفسه على التوازي مع الملف الاجتماعي..  ب-أثبثت النقابات أنها قوة اقتراح في المجال الاجتماعي والمهني لهذا ننتظر منها مشاريع بيداغوجية أقوى بهدف تحسين التعليم والرفع من جودته فليس من الطبيعي أن لا يشارك ممثلي الأساتذة (البيداغوجيون بطبيعتهم..) في القرارات التربوية الهامة مثل:
-المثال-1- : إلغاء العمل بنظام التفويج ويُعوضون بمنتحلي تمثيل أولياء التلاميذ غير المؤهلين بالبت في مثل هاته الملفات والاكتفاء بالفرجة أو ببيانات التزكية التي دأب عليها بعضهم ممن لا يملكون من الشرعية إلا الختم الذي يذيلون به بيانات المساندة للوصاية.. 
المثال-2-: مدارسنا تعمل إلى اليوم ببرامج وضعت مند حوالي 20 سنة ومع التغير المتسارع للمعلومة وتطور المعارف بسرعة فلكية من المهم سعي النقابات للدفع نحو تجديد وتطوير المناهج والبرامج التربوية..
ت-أرى أن نموذج الكناباست في التنظيم من المهم أن يُحتذى به حتى نحمي نقاباتنا من الاستدراج ونحفظها من الصراعات التي لا تنتهي حول الغنائم وأظن أن ما جعله مستعصىا عن الكسر (بخلاف ما حدث مع الكناس وقبله الأونباف..) كان حرص القادة المؤسسين على:١- ديمقراطية القرار (القرار يبدأ وينتهي عند قاعات الأساتذة..) ٢-الظهور بقيادة جماعية لا مجال فيها للزعيم الملهم (في بداياتها جرب أحدهم ذلك فطرد تماما من النقابة ..عوض بعدها بختم..!) ولا للقائد المُخلد في منصبه (في بعض التنظيمات تجد قيادات تشغل مناصبها لأكثر من 30 سنة وما تزال!)..
٣-تحصين مقاربتهم بقوة القانون الذي يقصي آليا أي عضو (ولو كان أعلى قيادي..) من النقابة متى خرج من سلك التعليم بتغييره للإطار أو شغله لأي منصب حزبي أو سياسي (المادة 13 من القانون الأساسي..)
ث-اهتمام النقابة بترسيخ وتطوير ثقافة المواطنة في الوسط التربوي ومنه سينتقل إلى باقي الأوساط فمما نعانيه كمجتمعات ضعيفة متأخرة ومقهورة أن القوة الدافعة تأتي من جهة واحدة وهي جهة السلط والحكومات وفقط بحيث هي التي تقترح في أي مجال تشرع ثم تنفذ وإن أرادت التراجع فلها ذلك وهي في العموم ليست ملزمة بالتفسير وليست مسؤولة أمام أي أحد لسبب بسيط وهو غياب القوة المضادة التي تضمن توازن وسلامة المشاريع المقدمة لتسيير المجتمع... والنقابة في حدود معينة يمكنها لعب دور القوة الدافعة العكسية بقوة مقترحاتها ودقة نقدها لما هو سائد من مشاريع.
**********
نقابات التربية والتعليم بين الخبايا
أ‌. وداد بومعقافي

إن التعليم العمود الفقري للمجتمع به يستقيم ويتطور غير أنّ ما لاحظناه في الأعوام الأخيرة تغييرات كبيرة في قطاع التعليم هذه التغييرات أصبح القطاع يعاني منها إن لم نقل أصبح هشا وفي الحضيض. 
ومع مرور الوقت جاءت نقابات التربية التي ظن الكثير أنها تساهم في حل مشكلات القطاع 
سواء بالدفاع عن حقوق الأساتذة أو التعليم أو المساهمة في رفع مستوى التعليم.
إن النقابة في الأصل تدافع عن الأساتذة وتجلب لهم حقوقهم خاصة أمام فساد الإدارة لكن الواقع عكس ذلك.. هناك نقابات تخدم مصالحها ومصالح أعضاء مكتبها إلا من عنده وساطات وخير مثال في ولاية الجلفة مادة العلوم الإسلامية وأساتذتها مقهورون بإسناد المادة لأساتذة الفلسفة وهذا خرق للقوانين.

ملاحظات أخرى
ومما يلاحظ أيضا: 
- إزالة شعبة العلوم الإسلامية من الثانوية وجعلها مادة فرعية مع ضعف المعامل والحجم الساعي في تدريس المادة.. 
أليس هذا إجحاف؟ وأين دور النقابات هنا؟! نادرا ما نجد من يدافع عن هذه المادة. 
- مشكلة الاكتظاظ في القسم علما أنه في القانون لا يتعدى 40 تلميذا لكن أغلب المؤسسات تعاني إذا بلغ عدد تلاميذ القسم 50.
- ظاهرة تعرض الأساتذة للعنف من التلاميذ.
إن مشكلات قطاع التعليم عديدة ولا يمكن عدّها لكن الذي أقوله: إنّ هدف النقابات واحد لا يتغير كسب مناضلين وكل نقابة تحاول المحافظة على نفسها ومناضليها ولا تترك نقابة أخرى تزاحمها وهذا أراه من أسباب ضعف النقابات لأن قوة النقابة الحقيقية تكمن في قوة شخصية وثقافة مناضليها ومسيريها لأنه كل نقابة تدافع عن مصالحها بالدرجة الأولى وحسب صلاحيات رئيس النقابة.. وهذا ما نلاحظه في الهجوم الشرس عن مواد الهوية وهذا ما فرض ظهور نقابات أو منظمات أو ملتقيات تدافع عنها لأن المساس بالهوية هو إنشاء جيل منحرف أخلاقيا خاصة مع ظهور الفساد التكنولوجي.