تعدد مهول ومواقف ضعيفة بشأن الإصلاحات التربوية

  • PDF

مراصد
إعداد: جمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراء حول دور نقابات التربية والتعليم
تعدد مهول ومواقف ضعيفة بشأن الإصلاحات التربوية

نظرا للدور المحدد وفق التشريعات لكل قطاع نقابة أو عدة نقابات تسعى إلى الدفاع عن حقوق العمال وأيضا عن قضايا ذات صلة بالقطاع.. سألنا أساتذة عن نقابات قِطاع التربية والتعليم عموما من حيث التنظيم والأمانة والشفافية والعمل الجاد المستمر للدفاع عن حقوق الأساتذة وإصلاحات المنظومة التربوية والقضايا الكبرى التي دافعت عنها وحققت نتائج جيدة وطلبنا من الأساتذة مقترحات من أجل نضال يواكب طموحات وأحلام أهل القِطاع وأهداف جودة التعليم وغيرها.
*****
أ‌. عبد الناصر مجاهد 
هواجس من إضرابات الأساتذة دون العناية بالعملية التربوية للتلاميذ

إن قانون الوظيف العمومي الذي حدّد واجبات العمال وحقوقهم أقر للعامل بحق الانتماء لنقابة تدافع عن حقوقه في حالة تهاون صاحب العمل وفي الجزائر كانت نقابة العمال منطوية تحت أحضان حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الطلائعي للبلاد باسم الاتحاد الوطني للعمال الجزائريين وبعد إقرار دستور 23 فبراير 1989 برزت التعديدية الحزبية والجمعوية ومن هذا المنطلق ظهرت عدة نقابات في القطاع العام والخاص وفي مختلف المؤسسات الاقتصادية وغير الاقتصادية.
وقطاع التربية كغيره من القطاعات نظم عماله أنفسهم في عدة نقابات منها الإدارية والبيداغوجية
ومنذ أن برزت للوجود وهذه النقابات تحاول أن تفرض وجودها ومحاولة احتواء أكبر عدد من العمال من أجل الضغط على رب العمل والهدف تحقيق امتيازات اجتماعية متعددة منها ما يتعلق برفع الأجور ومنها ما يتعلق بطب العمل والاستجمام وحق العامل في الاستفادة من السكن والسيارة والعلاج والرحلات الترفيهية والتقاعد المسبق...
إلا أن أهم العقبات التي تعترض نقابات التربية هي ارتباطها بالتلميذ الذي من حقّه الاستفادة من ساعات التعليم المقررة لتنفيذ البرامج وما دام الدستور يكفل حق الإضراب كوسيلة للضغط على الوصاية فهذا يؤثر على سير التعليم وحسن تنفيذ البرامج من خلال الأسابيع المقررة خلال السنة وقد أقدمت الوصاية في مرحلة ما على محاولة سن قانون أخلاقيات المهنة الذي يقيد الإضراب ولكنها سرعان ما أقدمت على إلغائه وفي حقيقة الأمر إذا كان عدد النقابات المعتمدة بقطاع التعليم يفوق 23 نقابة فإن هذا الزخم من النقابات يشكل خطرا على تمدرس التلاميذ وعلى التعليم بصورة عامة الذي يتطلب السكينة والاستقرار والتواصل فإذا كان هناك طابور من الإضرابات فإن هذا يهدد بسنة بيضاء وبالتالي فإن لجوء الوصاية إلى سن قانون أخلاقيات المهنية فيه من الصواب إذا حكمنا منطق العقل ووضعنا عملية التعليم على طاولة التشريح وعرضناها على رداء المصداقية وبالتالي فإن استعمال التلميذ كطعم لتحقيق مطلب أو حلم يجعل  جمعيات أولياء التلاميذ تتحرك في تيار مضاد يجهض ــ في كثير من الأحيانــ تحقيق بعض المطالب وقد يؤدي هذا إلى تحديد عتبة الدروس وبالتالي حرمان التلميذ من دراسة بعض المعارف والدروس المهمة في الأقسام العليا.
إن عدم تحقيق الكثير من المطالب يجعل العمال يتذمرون من ممثليهم في النقابة ويرون أنفسهم مجرد ضحايا استعملوا من طرف أولئك الممثلين لتحقيق مصالح شخصية منها الإحالة على الاستيداع (الانتداب) الذي يرى فيه البعض من العمال إنما هو امتياز يتمثل في عطلة مدفوعة الأجر لا غير وأن المستفيدين منها يسعون بطرق دبلوماسية لإرضاء الأطراف من أجل الاحتفاظ بهذا الامتياز الذي هو فرصة العمر إضافة لتحقيق مآرب أخرى.
ومع بداية كل موسم ترفع النقابات بيانات خاضعة للترقيم الرتبي كوسيلة للتهديد من أجل تعطيل الدخول المدرسي وعدم المساهمة في إنجاحه وتبقى المطالب المعهودة مثل القانون الأساسي لعمال التربية وملف الأجور ومنه رفع نسبة منحة المردودية ملف التقاعد وإدراج مهنة التعليم ضمن المهن الشاقة خفض ساعات العمل...
وتحاول أن تظهر النقابات بمظهر المتدخل في الإصلاحات التربوية والوقوف في صف التلميذ مثل ثقل المحفظة الاكتظاظ...
ومن خلال تتبع عمل النقابات التي فاق عددها 20 نقابة في قطاع التعليم وهذا العدد أربك الموظفين وشتت أمرهم وبالتالي هم يتشبثون بمن يرونهم يحقق بعض مطالبهم التي لن تحقق  في الأجل القريب مثل عودة التقاعد النسبي ورفع الأجور الذي هي مطالب تمس كل القطاعات متى تحسنت الوضعية الاقتصادية للبلاد.
ومن هنا وجب على العمال تنظيم أنفسهم بالانتماء لنقابة معينة من أجل التكتل وتحقيق الحق الأدنى إن لم يكن الأغلب ويجب عدم اللجوء إلى لإضراب خاصة في أوقات الامتحانات المصيرية لأن هذا ينعكس سلباً على مكانة المعلم الذي يعد شخصاً مقدساً وفي بعض المناطق من الوطن يلقب الشيخ .
يجب على الأعضاء الذين يمثلون العمال أن يفتحوا باب الحوار مع الوصاية وأن لا يقاطعوا الجلسات التي يدعون إليها وأن يكون لديهم حسن النية ولا يحكمون على نتائج هذه الحوارات بالفشل مسبقاً.
إن تعدد النقابات بالقطاع قد يكون له أثر إيجابي وقد يكون أثر سلبي على استقرار التعليم متى دعت هذه النقابات إلى الإضراب وبالتالي فإن الإضراب عمل سلبي على التمدرس وبالتالي يفتح باب التشرد والانحراف بين الطلاب الذين يهيمون على وجوههم في الشوارع في هذا الظرف ويفتح باب للتسرب بالاختلاط بالمنحرفين ومهما كانت أيام الإضراب فإن هذا التسرب الظرفي خطِر على الجنسين من المتمدرسين ويفعل في سلوكهم ما لا تفعله العطلة الرسمية التي تضمن مراقبة الأولياء لهم.
وعلى هذا وجب على نقابات التربية والتعليم أن تعي من تلقاء نفسها أن الإضراب منافي لأخلاقيات المهنة لأنه مرتبط بالعملية التربوية للتلميذ وعلى نقابات التربية أن تتخلى عن الاحتجاجات والإضرابات وتقفز إلى بديل أكثر نجاعة يتماشى مع قداسة القطاع الذي هو شريان وأمل الأمة ومستقبلها في إنتاج شخصية سوية تبني الوطن.
*****
أ‌. ناصر عوالية 
تركيز النقابات على مطالب مهنية دون مطالب بيداغوجية وتربوية


النقابة هيئة وطنية تتكون من مجموعة من المواطنين الذين يمارسون مهنة واحدة وتختار ممثلين لها  لدى طرف العلاقة الهيئات المشرفة على العمل للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المادية والمعنوية. وتعددت مجالات العمل النقابي في الجزائر  لتعدد قطاعات العمل و منها التربية والتعليم القطاع الحساس الذي يمثل شريحة كبرى من المجتمع بل يعتبر الركيزة الأساسية في البناء الاجتماعي هذا القطاع مثلته العديد من النقابات بدءا من الاتحاد العام للعمال الجزائريين وصولا إلى النقابات المتعددة اليوم حسب الرتب والأسلاك.
وقد دافعت بشراسة وقوة عن حقوق الأستاذ الماديّة ظهر ذلك من الاحتجاجات المتعاقبة والوقفات أمام مقرات مديريات التربية كما نظمت إضرابات لحمل الهيئات الوصية على تلبية مطالبها ومن ذلك طب العمل وحق السكن والتقاعد والترقيات ورفع الأجور وقد أسهمت في ذلك العديد من نقابات التربية المعتمدة.  
وفيما  يتصل بإصلاحات المنظومة التربوية نادى الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين بالعمل على بناء مدرسة جزائرية في إطار الهوية ومقومات الأمة وتقديم تعليم ذات جودة ونوعية تحت شعار هويتي كما دعا إلى إنشاء مرصد وطني للتربية مستقل عن الأحزاب والانتماءات قصد بناء المواطن الصالح والفعال في المجتمع تحت شعار من أجل أسرة تربوية واعية وفعالة . 
ومن القضايا التربوية الكبرى التي دافعت عنها:
- القانون الأساسي لعمال التربية وقد ساهمت فيه النقابات واستفادت منه فئة معينة فشن الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين إضرابا من أجل صياغة القانون بما يخدم جميع الرتب والأسلاك في إطار العدل وتكافؤ الفرص وتمت إعادة صياغته رغم ما شهده من اختلالات أخرى.
- ومن جملة ما تحقق الترقية لرتبة الأستاذ الرئيس والمكون بالتأهيل وعلى أساس الامتحان. 
- استحداث رتبة مساعد المدير للتعليم الابتدائي.  
- الدفاع عن الرتب الآيلة للزوال –وإن كنت لا أحبذ هذا المصلح–.
- فتح المسابقات بشكليها التأهيل وعلى أساس الامتحان.
- محاربة ظاهرة الاكتظاظ داخل الأقسام وثقل المحفظة ولا يزال المشكل عالقا. 
- المطالبة برقمنة القطاع وقد شهد تقدما خاصة فيما يتعلق بالأساتذة المستخلفين مما يقطع ظاهرة التلاعب بمناصبهم.
- فك الهيمنة عن الخدمات الاجتماعية التي كان يسيطر عليها الاتحاد العام للعمال الجزائريين بحيث كان يعين ممثلي العمال من طرفه.. وبعد عمل نقابي مثمر أصبح التمثيل النقابي يتم عن طريق الانتخابات داخل المؤسسات التربوية.. وقد مكنت العملية من استفادة الكثير من أبناء القطاع من الخدمات.
- فتح عيادات خاصة  لعمال التربية مثال: الجلفة ووادي سوف.
- تنظيم النشاط الاجتماعي لعمال التربية مخيمات صيفية لأبناء الجنوب .
- توفير مساكن للأساتذة  الوافدين إلى الجنوب.
- منحة الجنوب الامتياز والذي شن لأجله الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين إضرابا دام 45 يوما وساهمت فيه نقابات من قطاعات أخرى.
- الحصول على منح داخل الراتب -منحة السكن مثلا.
- زيادة أقدمية الترقية من شهرين إلى ستة أشهر يختلف حسب الولايات.
- فتح النظام التعويضي في الراتب. 
هذا ومما يعيبه بعض الأساتذة عن النقابات تركيزها على المطالب المهنية دون المطالب البيداغوجية والتربوية مما يجعل عملها يفتقد للفاعلية كما يؤاخذونها عن موقفها الضعيف بشأن الإصلاحات التي انتهجت والتي أثقلت كاهل التلميذ والمعلم على حد سواء بل حتى الأولياء خاصة التعليم الابتدائي.
وثمة ظاهرة أخرى قد تضعف دور العمل النقابي في قطاعات التربية وتشتت الجهود وتمزق صف رجالات التربية والتابعين لهذا القطاع الحساس وهي ارتفاع عددها والذي بلغ الثلاثين نقابة أو يزيد موزعة بين الأسلاك والرتب وبهذه الصورة تطغى الأنانية والذاتية وقد رأينا اعتراض فئة عن تسوية فئة أخرى بها.. عمل نقابي بهذا الشكل وفي قطاع واحد يعد غير منظم وغير منسجم بحيث تتعدد رؤاه تجاه قضايا التربية وقد تختلف فيشل كل حركة من شأنها أن ترقى بالعمل التربوي والتعليمي. 
ولا يُفهَم من كلامنا هذا أننا نعترض على التعددية النقابية بل نريد لهذه النقابات أن توحد الجهود خدمة للتربية والتعليم والتابعين لها فما تعلق بفئة من قطاع التربية فهو يعني الجميع لأنه عمل في إطار موحد وتحت راية قطاع واحد. 
وبالتالي: 
- على الذي يتقلد تمثيل أبناء القطاع أن يتسم بروح المسؤولية ويعمل للجميع من غير استثناء أو تمييز متصفا بالخلق الكريم والسلوك السوي والحدة مع الحكمة  في الدفاع عن حقوق العمال والعمل على ترقية التعليم وتحقيق تعليم جيد يتماشى وحاجة الأمة ومتطلبات العصر.
- أن تستفيد النقابات من أخطاء الماضي وتصححها.
- أن يراعي العمل النقابي الأهداف الجماعية ويعمل على تكوين الفرد الجزائري الواعي والفعال.
- أن توحد الجهود بين النقابات المتعددة وتتجاوز خلافاتها إن وجدت إلى ما يخدم الصالح العام.
- أن تراعي حاجات أبناء القطاع وتسهم في تحقيق طموحاتهم المادية من راتب يضمن عيش كريم والمعنوية بحفظ مكانتهم وكرامتهم.
- أن توازن بين المطالب المهنية للأستاذ والجانب البيداغوجي الذي ييسر عمله ويمكنه من تحقيق الأهداف التربوية المتوخاة من رسالته التربوية.
- أن تستفيد من تجارب الغير بالاحتكاك بالمنظمات العربية والعالمية ذات الصلة بالتربية والتعليم ونقل تجاربهم قصد الإفادة والاستفادة. 
- أن تسعى لتحقيق الهدف الأسمى من خلال التربية وهو بناء الفرد الجزائري السوي الفعال المعتز بقيمه وتاريخه وأصالته المواكب لعصره المتفتح على غيره في غير ذوبان.. ولن يتم ذلك إلا بمعلم كفء مسؤول يقدر رسالته وتكرمه أمته.
فالأمم المتحضرة عرفت للمعلم قدره ورفعته ماديا ومعنويا فسادت في نفسها وقادت غيرها يوم جعلت الكتاب منهجا والمعلم دالا عليه وقد صدق من قال: 
لولا المعلم ما قرأت كتابا يوما      ولا كتب الحروفَ يراعي 
فبفضله جزت الفضاء محلقا       وبعلمه شق الظلامَ شعاعي.