رجال التربية.. بُناة المستقبل وصُنّاع الأمة الحضارية

  • PDF

مراصد
إعداد: جمال بوزيان

أخبار اليوم ترصد آراءً حول الاهتمام بالمعلمين والأساتذة
رجال التربية.. بُناة المستقبل وصُنّاع الأمة الحضارية

للمعلمين والمدرسين والأساتذة عموما أدوار مهمة جدا في المجتمعات من حيث التربية والتعليم والتنشئة للأفراد وهي من أنبل الرسالات عبر التاريخ لذلك ما يزال ذاك الزخم من التبجيل والتقدير لهم بصفتهم مربين ومعلمين وأساتذة وبُناة للأجيال عبرهم تصل العلوم والمعارف والتكنولوجيات.
من أجل تربية جادة وتعليم جيد وتدريب دقيق.. سألنا عن واقع المربين والمعلمين والأساتذة عموما والمقترحات المناسبة للاهتمام بهذه الفئة من المجتمع حفاظا على منزلتها الرفيعة.

*****
المعلم.. العمود الفقري لأي نظام تعليمي
ليديا عوة 

يعد النظام التربوي في هذا العصر أولوية لتحقيق التقدم الحضاري لكل أمة وحتى تقوم المدرسة العربية بواجبها التعليمي عليها أن تتكافل مع الأسرة لخلق إنسان سوي قادر على التبادل والاتحاد وهذا يستلزم مهارات تربوية تقوم على التوجيه والتلقين السليم قبل تلقين التعليم التي ألقيت على عاتق الأستاذ أو ما يعرف بالمعلم.
ويعد المعلم أو الأستاذ عنصرا مهما من عناصر التعليم ويصنف ضمن مدخلات التربية بعد التلميذ ويمكن القول إن فاعلية النظام التعليمي تتوقف على كفاءة المعلم ويشترط فيها أن يتوفر لدى المعلم تأهيله المعرفي والتربوي وخلفيته الاجتماعية والثقافية وكفاياته المعرفية والأدائية ورغبته في مهنته ومستوى إيمانه بالفلسفة التربوية التي تبنى عليها المناهج التربوية.. فهو العمود الفقري لأي نظام تعليمي ولا تعيش المدرسة الجزائرية بمعزل عنه يقدم رسالة نبيلة على مر الأجيال وتعاقبها لصناعة الرؤية الحضارية لأي مجتمع. 
ولتحقيق هذه الرؤية كان على المعلمين أن يمتازوا بمجموعة من الخصائص أهمها:
- إلمام المعلم بثقافة الجودة و قناعته بتبنيها في عمله.
- نشاط المعلم وحيويته ومرونته في التعامل مع الآخرين.
- تفاعل المعلم إيجابيا مع طلبته.
- إلمامه بكل ما هو جديد في مجال المادة التي يعلمها.
- اتزانه الانفعالي والتزامه بجميع أخلاقيات المهنة ومعايير الجودة في الأداء.
- إيمانه بأهمية التطور والتطوير على الصعيد الشخصي والمهني وقدرته على تنظيم نشاط الطلبة وتوجيههم.
- قدرته على تشخيص احتياجات الطلبة وحل مشكلاتهم.
فتمهين التعليم  جعل من التعليم مهنة الخطوة الأولى والأساسية للإصلاح التربوي كما ينعكس ذلك على عمل المعلم من خلال ما يمنحه التمهين من مكتسبات كثيرة في مجالات تحسين ظروف العمل والرواتب والاختبارات مما يؤثر على سلوكياتهم وإنجازاتهم التي اتسمت بالمهنية تجعل المعلمين أكثر اهتماما بالعديد من الأمور غير التقليدية مثل تطوير برامج إعداد المعلمين شهادات المعلمين والسلطة المهنية ومن اجل تنمية القوى العاملة ورفع معدلات أدائها فإنه لا بد من وجود أساليب لتخطيط احتياجات القوى العاملة ولا بد أيضا من أن يطبق أسلوبا متقدما في إدارتها ينطلق من ضرورة جذب القوى العاملة وتحفيزها وإعدادها والاحتفاظ بها.
سابقا كانت عملية التربية التقليدية تجرى على أكمل وجه على الرغم من عدم وجود أهداف مكتوبة يسير وفقها المعلم فالأهداف هنا ضمنية أما الآن فالمعلم يقدم المادة المعرفية وفق المناهج والأهداف الموضوعة ولم يصل التعليم إلى أهداف المرجوة لأنه يرفض الارتجال والعشوائية ويعتمد على العمل العلمي القائم على التخطيط والتجريب تكوين إطارات التربية:
إن المعلمين هم بناة المستقبل فلو تفاعلوا وتسألوا وحاسبوا ذواتهم وربوا أولادنا على التفكير والتفاعل وقوة الشخصية والمهارة وجب العمل فإنهم الكنز الذي أرى أن المستقبل يبنى من خلاله وهم السواعد التي ستصنع الغد وتنهض باقتصاد الدولة وتنمي من ثقافات مجتمعنا التي تتوارث جيلا بعد جيل فالمجتمع الذي لا يستطيع أن ينمي موارده البشرية لن يستطيع أن ينمي أي شيء آخر فيه بصورة إيجابية.. وتنمية هذه الموارد البشرية يجب أن تكون منذ الصغر أي في مرحلة الطفولة فهناك مقولة مضمونها: بناء طفل أفضل من إصلاح إنسان وبناء عليها كان التشديد على وجوب الاهتمام بالأطفال باعتبارهم البنية الأساسية للمجتمع. 
في المدرسة تبدأ علاقة المراهق بالمعلم الذي يجمع في شخصه المعرفة والسلطة معا والذي قد يكون موضع إعجاب الطفل أو موضع كراهيته فنظرة المراهق له ليست دائما بريئة وإنما تحكمها نوع العلاقة بينهما ظن ويؤكد الموقع الواقع أن العلاقة بين المعلم والتلميذ له ثلاثة جوانب متداخلة فيما بينها ومتبادلة من حيث التأثير فالمعلم يتفاعل مع التلميذ في مجال تربوي يمثله القسم التعليمي وهذا بدوره يدخل في تفاعل واسع مع المؤسسة التعليمية بكل مكوناتها ونظامها ثم إن علاقته بالتلميذ تتم انطلاقا من ميثاق مشترك يربطهما وهو المنهاج التعليمي الذي يعمل المعلم على هديه في علاقته بالتلميذ ومن جهة ثالثة علاقة المعلم بالتلميذ ليست علاقة ثنائية فالخطاب المتبادل بينهما يتأثر بالمجال التعليمي الذي يشغله عدد كبير من التلاميذ.
ومن بين العوامل التي تساعد المعلم في إنجاح البرنامج التربوي نذكر منها: التحكم في الوضع الفيزيقي للغرفة الدراسية الوقت الذي يستغرقه البرنامج الدراسي تحديد المهمات المطلوبة من الطفل وتحديد صعوبة تلك المهمة تحديد طرائق الاتصال بين المدرس والطفل تحديد العلاقة الشخصية اللازمة بين المعلم والتلميذ.
إن نجاعة وفعالية أي نظام تعليمي يتم تقييمها على أساس مخرجات العملية التربوية وتعد نتائج الامتحانات والمسابقات ونجاح المتخرجين في أداء الوظائف والمهام المسندة إليهم من المؤشرات الأساسية التي تبين نجاعة المنظومة أو عدمها.
وبذلك تكون المدرسة عالما مصغرا تتكاتف فيه العديد من العناصر لتكوين بيئة تساعد على تكوين مجتمع صالح مشبع بالمعارف وروح المسؤولية يكون فيه كل فرد عنصرا فاعلا يساهم في تطويره وازدهاره ويكون المعلم أساس العملية التعليمية وناقل الثقافة فيها جيلا بعد جيل له صفات وأدوار يقوم بها لتحقيق هذا الهدف النبيل وسواء رضي أو لم يرض يبقى التعليم مسؤولية كبرى ألقيت على عاتق المعلم عبر العصور.

*****
آن الأوان ليقوم الأكثر كفاءة بوظيفة التربية لإعداد الأجيال 
أ‌. راضية زمولي  

.. إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبنى الحضارات أو تهدمها.. . 
إن الوقوف عند هاته الكلمات للمفكر مالك بن نبي وإسقاطها على الواقع التربوي اليوم نجد أن جوهر مشكل الحضارة اليوم يتركز أساسا على الواقع المعاش للمربي وللواقع التربوي بصفة عامة.. والحل يكمن أساسا في النهوض والرقي بهذا الجانب المركزي في المجتمع.
إن الحملات الخبيثة التي تستهدف المقومات العقدية والأخلاقية للجيل الحديث فضلا عن التبعية للمناهج التربوية الغربية يهدد النهوض الحضاري للأمة وما يزيد الأسف شدة أن العنصر الأساس للعناية بالجيل والنهوض به لم ترتقي لمستوى يجعل منها السد المنيع والحصن الواقي من هاته الحملات.
بالنظر إلى المكانة التي يحوزها المربي بين الأمس واليوم نجد في الواقع عدة مستويات في طريق التدهور للوصول إلى الحالة التي نجد عليها المربي اليوم وذلك على عدة مستويات على المستوى الفكري والأدبي تعاني هاته الفئة من نقص العناية بالتكوين والبحث العلمي مما كان نتيجته أساسا هجرة الأدمغة حيث الاستقلالية البحثية والحرية والموضوعية والذي أدى أيضا إلى غياب المربي المتخصص في زماننا تخصص الصائغ الذي يصوغ ويصنع المربي يقول الشيخ حازم: ... مشروع ينتج الأئمة غير مشروع ينتج المأمومين.. إن تعليم الأجيال عامة يختلف عن صناعة المربي الذي يعلم هاته الأجيال ومن هنا تظهر الحاجة الملحة لمشروع المربي لاستدراك الأجيال وحفظها وإعدادها للجد والعمل.
أما على المستوى  المعنوي مثلا ترسيخ معاني  السخرية والاستهزاء بصفة المعلم وحتى العلم في كثير من المواد الإعلامية التلفزيونية  فنجد التأكيد على تدني المكانة التربوية ومكانة المربي على وجه الخصوص والتي وصلت إلى أقصى درجات التدهور في السنوات الأخيرة وقد كان المربي قدوة يقتدى به من خلال الاحتكاك والتعايش معه نذكر هنا وصية عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده حيث قال له: .. ليكن أول ما تبدأ به إصلاح ابني إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينيك والحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت.. وبتدهور صورة المعلم نجد هاته الصورة التي عليها جيل اليوم من مشكلات تربوية وأخلاقية فصورة الجيل من صورة المربي.
هذا وكما نجد أيضا تدني في المستوى المادي والمعيشي للمربي الذي بدوره يدفعه للبحث عن أعمال إضافية منشغلا بذلك عن وظيفته الرسالية.
إن أشد ما نحتاجه اليوم  مشروع صناعة الرجال كما يقول مالك بن نبي: .. التغيير يبدأ بنثر بذور الإصلاح في نفوس الأجيال من خلال تقديس الهيكلين الأساسين المسجد والمدرسة باعتبارهما منطلقا للبعث الروحي والبعث الفكري اللذين هما عماد كل حضارة.. وهو المشروع الذي إن حرصنا على تحقيقه سيقفز بنهضة الأمة ويخرج بنا من دائرة التنظير إلى دائرة التأثير فيسد النقص الذي أحدثه انشغال الناس بهموم العيش بحسن استثمار الطاقات والفرص فكم من النساء والأشبال والمتقاعدين ممن يحمل كفاءة في التربية يجلس عاطلا عن العمل بينما يفتقد الآباء الوقت والمعرفة والوسائل لتربية أولادهم لقد آن الأوان ليقوم بوظيفة التربية الأكثر كفاءة لإعداد الأجيال المسلمة.
إن الهدف الأساس اليوم  إنشاء مؤسسات تعنى بإنتاج القادة للتربية وتوفر لنا العنصر المؤدب المربي وتصنع لنا رجال ورب رجل بأمة وما الأمة العظيمة إلا بعظم همم أبنائها والسبيل لتحقيق ذلك صناعة الأجيال منذ الصغر على نور الله.

*****
واقع المعلم مأساوي.. وهوانه من هوان الأمة
أ‌. فريحة بوشباط  

إذا كان إعداد الإنسان ليكون فردا صالحا في مجتمعه خدوما لأمته مساهما في تحقيق نهضتها يبدأ من الخلية الأولى في المجتمع والمتمثلة في الأسرة وذلك بالحرص على تنشئته في مراحل عمره الأولى تنشئة سوية مشبعة بتعاليم دينه وثقافة مجتمعه وغرس القيم الأخلاقية فيه فإعداده خارج البيت هي وظيفة المعلم وهي لا تقل أهمية عن وظيفة الوالدين بل تعد امتدادا لتربيتهم وتكملة أو مشاركة لهم في صنع الإنسان الفعال لأهله ومجتمعه وأمته الإنسانية جمعاء..
للمعلم رسالة تربوية وتعليمية نبيلة داخل المجتمع وبسواعده تبنى الأمم وتتفاوت الشعوب تقدما وتطورا..
غير أن واقع المعلم اليوم مأساوي وحاله يدمي القلب ويمهد لسقوط يتبع بعضه في شتى المجالات فهوانه من هوان الأمة فمن التحديات الجسام التي يواجهها الغزو الفكري الغربي الذي أصبح يستوطن عقول التلاميذ حتى قبل دخولهم المدرسة وغياب دور أغلب الآباء في تنشئة أولادهم داخل البيت ضف إلى أنه يجد نفسه سجينا وسط مقرر فارغ المحتوى عامر بالهوى يهدم العقول ويتلف القلوب أضعاف ما يصلحها..
كما أن المعلم في زمننا فقد هيبته نتيجة ما يسوقه الإعلام والبرامج التربوية من صورة خاطئة للتربية فمقارنة بالمعلم الذي تربى على يديه القدامى نجد أن المعلم اليوم فقد سلطته وأبوته لتلاميذه..
لذلك لا بد من إعادة النظر في وضع المعلم من شتى الجوانب مادية كانت أو معنوية وإنزاله منزلته الحقيقية.
قال الشاعر: 
إن المعلم شعلة قدسية       يهدي العقول إلى السبيل الأقوم
ما أشرقت في الكون أي حضارة إلا وكانت من ضياء معلم.