همجية الاستدمار الفرنسي عالقة في ذاكرة الجزائريين

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد:جـمال بوزيان

مذبحة نهر السين إثر مظاهرات 17 أكتوبر 1961 السلمية
همجية الاستدمار الفرنسي عالقة في ذاكرة الجزائريين

ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

مظاهرات 17 أكتوبر.. يوم نكّلت فرنسا بالجزائريين في نهر السين
أ‌. حمزة سعادي ـ باحث في الدراسات الإفريقية

يصف المؤرخون مجزرة 17 أكتوبر1961م في باريس أو ما يُعرَف أيضا بـ مذبحة نهر السين باعتبارها صفحة من أقذر الصفحات في تاريخ فرنسا أينقام عناصر الأمن الفرنسية بالاعتداء على متظاهرين جزائريين عزل قامت بقمعهم بشتّى الوسائل فضُرِب المتظاهرون السلميون بعنف وتم قتل واعدام بعضهم وألقت بجثثهم في نهر السين.وتم تنظيمتلك المظاهرات من طرف مسلمي الجزائر بفرنسا (FMA) وذلك تلبيةً للدعوة التي أطلقتها جبهة التحرير الوطنيفي فرنسا للخروج في مسيرات احتجاجاً على قرارات حظر التجوُّل التي فرضها موريس بابون مدير أمن العاصمة الفرنسية حصرا على الجزائريين المسلمين. ومن جهة ثانية قامت تلك المظاهرات تعبيرا عن مساندة المهاجرين الجزائريين لجبهة التحرير الوطني أين خرجت بأعداد كبيرة وفي العاصمة الفرنسية نفسها مما كان له الأثر الكبير على الرأي العام الفرنسي الشعبي منه والرسميتجاه مطالب الجزائريينفي الحرية والاستقلال واستمر العنف الممنهج ضد الجزائريين لأيام تلت المذبحة حيث َعمَّدت السلطات الفرنسية على التعتيم عن جرائمهاالشنعاء مانعة شهود عيان وذوي المتظاهرين من الحديث عن المذبحة ومُخفِية صوراً تُبرِز مقدار دموية وهمجية قوات الأمن الفرنسية اثناء قيامها بتلك المذبحة.
وبعد أن أصبح ديغول أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة كان يدرك في قرارة نفسه أنّ القيم التي سعى المجتمع الدولي لإرسائها في فترة ما بعد الحربين العالميتين التي تُعرف أيضاً بـ مرحلة ما بعد الاستدمار وفي مقدمتها حقّ الشعوب في تقرير مصيرها ستكون حتميّة ولا مفرّ منها وهو ما دفعه إلى العمل على وضع حدّ للصراع الدموي الدائر خلال ثورة التحرير الجزائرية.
وكان الفرنسيون يوافقون ديغول في الرأي حيث كانت نتيجة استفتاء 8 جانفي 1961 م حول إعطاء الجزائر حق تقرير المصير هي الموافقة بنسبة 75.26 غير أنّ منظمة الجيش السري (OAS) التي أسّسها جان جاك سوسيني وبيير لاغايارد في 11 فيفري من العام ذاته في العاصمة الإسبانية مدريد حاولت بشتّى الطرق الحفاظ على الجزائر فرنسية أين حاول الجيش السري تخريب المحادثات الرسمية التي بدأت في ماي1961 م بين فرنسا والحكومة الجزائرية المؤقتة (GPRA) وتمّت عملية التخريب بالتعاون مع بعض أعضاء حكومة ديغول نفسه الذين لم ترق لهم فكرة استقلال الجزائر وفي مقدمتهم ميشال دوبريه رئيس الوزراء الفرنسي حينئذ إلى جانب عدد كبير من المسؤولين الفرنسيين الآخرين وعزم معارضو فكرة استقلال الجزائر على ممارسة عنف غير مسبوق ضد جبهة التحرير الوطني الجزائرية لعرقلة المفاوضات وتقليل فرص إعطاء الشعب الجزائري حق تقرير المصير. فأقال دوبريه وزير داخليته الموالي لديغول واستبدل به أحد المقربين إليه وهو روجيه فريه وكان إلى جانب الأخير موريس بابون مدير أمن العاصمة باريس وبدأت حملة القمع ضد الجزائريين بمداهمات نفّذَها رجال الشرطة برفقة قوات الشرطة الموازية وهي النسخة الفرنسية لفرق الموت في أمريكا اللاتينية..وفي يوم 5 أكتوبر1961م أعلن بابون في بيان صحفي إدخال نظام حظر التجوّل الليلي في باريس وضواحيها للعمال الجزائريين المسلمين و لمسلمي فرنسا و لمسلمي فرنسا من الجزائر على حد تعبير مدير أمن العاصمة وقتها واعتبر مؤرخون أنّ عنصرية التدابير الإدارية التي انتهجها بابون أثارت حفيظة الجزائريين إذ كان ما يقرب من 150 ألف جزائري يعيشون في ذلك الوقت في باريس وكثير منهم يُعتبرون رسمياً فرنسيين ويملكون بطاقة الهوية الفرنسيةعقب تدابير حظر التجول الليلي المجحفة دعت فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا كلّاً من السكان الجزائريين في باريس والرجال والنساء والأطفال إلى التظاهر السلمي ضد حظر التجوّل وذلك في 17 أكتوبر 1961م وحسب المؤرّخ جان لوك أينودي فإن رئيس الشرطة موريس بابون ونحو 7 آلاف من عناصر الأمن الفرنسي ونحو 1400 من شرطة مكافحة الشغب تَدخَّلوا لمنع هذه التظاهرة بحجة أنّها لم تأخذ الموافقة القانونية ..وسُدّت جميع سبل الوصول إلى باريس ومحطات المترو ومحطات القطارات ومن بين نحو 150 ألف جزائري من قاطني العاصمة الفرنسية تَمكَّن 50-60 ألفا من الانضمام للتظاهرة وجاء من بين المحتجّين مغاربة وتونسيون وإسبان وإيطاليون وعديد من المهاجرين من رافضي سياسات التمييز والتفرقة العنصرية وقابلت قوات الأمن الفرنسية التظاهرة بعنف غير مسبوق ويصف المؤرّخان البريطانيّان جيم هاوس ونيل ماكماستر هذا الحدث الدامي باعتباره القمع الأكثر عنفاً الذي مارسته دولة معاصرة على احتجاجات الشارع في تاريخ أوروبا الغربية وخلال الليل وقعت المذبحة في باحة المقرّ العامّ للشرطة مما أسفر عن استشهاد عشرات الضحايا نتيجة الممارسات الوحشية لقوات أمن العاصمة الفرنسية واعتقلت الشرطة عديداً من المتظاهرين وكثيراً من المصابين ومورست بحقهم أعمال عنف وتعذيب خارج إطار القانون فيما تشير العديد من المصادر التاريخية إلى إعدام عناصر الشرطة الفرنسية للمئات من الجزائريين وإلقاء جثثهم في مجرى نهر السين وفي قنوات المياه القذرة في العاصمة الفرنسية.
ولفترة امتدت لعقود حاولت السلطات الفرنسية التعتيم على حقيقة ما وقع في تلك الليلة الدامية وكان عدد القتلى حسب الحصيلة الفرنسي ثلاثة أشخاص فقط لكن الحقيقة كما يقول السيد علي هارون حسب شهادته في كتابه الولاية السابعة أن عدد الضحايا أكثر من 200 قتيل و2300 جريح لقد كانت مظاهرات 17 أكتوبر 1961م حركة شعبية بأتممعنى الكلمة قامت بها الطبقة العاملة المقيمةبفرنسا بمشاركةالعائلاتالجزائرية هناك مما أثبت أن الثورة الجزائرية ثورة شعبية وأن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري.


*****
مستقبل الكتاب الورقي.. إلى أين؟!
أ‌. د. محمد فتحي عبد العال ـ باحث وكاتب وروائي


مع بزوغ شمس العالم الإلكتروني ودخوله في كل ميادين الحياة بخطى ثابتة أصبح الحديث لا يتوقف عن الكتاب الإلكتروني ومدى صلاحيته ليكون خليفة للكتاب الورقي العتيد وهل هو أهل للاضطلاع بهذه المهمة؟!.
وانقسم العالم خاصة العربي بين ثلاثة أقسام: قسم مؤيد للكتاب الورقي منتصرا لبقائه أبد الدهر ومعتبرا الكتاب الإلكتروني فقاعة هوائية مؤقتة لا تلبث أن تزول وقسم ثان يرى أن الكتاب الإلكتروني هو الأنجع والموائم والمعبر عن صيحة العصر الحديث ومتطلباته.. أما القسم الثالث فيرى أنه يمكن بقاء الكتاب الورقي والإلكتروني جنبا إلى جنب.
أما القسم الأول المؤيد للكتاب الورقي فتتنوع شرائحه بين أصحاب دور النشر الورقية والذين يمثل لهم الكتاب الورقي مصدر أرزاقهم ولا يمانعون من بيعه إلكترونيا كوسيلة ميسرة للتوزيع ليس إلا ومن هذا القسم أيضا الشريحة المتقدمة في العمر والتي عاشت جم حياتها لا تعرف للثقافة مصدرا سوى الكتاب الورقي تحتفظ به في مكتبتها المنزلية وتقرأ منه من وقت لآخر مستمتعة بسطوره وملامسة أوراقه وللكتاب الورقي سحر لا شك فيه.
والقسم الثاني المؤيد للكتاب الإلكتروني فتنبع وجهة نظره من أن التقدم قادم لا محالة وأن نكون في ركابه متقدمين الصفوف خير من أن نلحق به متأخرين أو أن يمضي الركب من سوانا والصحف الورقية وتحول غالبيتها إلى إلكتروني في فترة وجيزة درس عملي للجميع.
أما القسم الثالث الحيادي فهو في غالبيته جمهور القراء خاصة الشباب والذين أصبحت جل ثقافتهم إلكترونية فالهاتف المحمول والكمبيوتر اللوحي أصبح لا يخلو منه بيت مصري والشباب الحالي ليس لديه نوستالجيا الكتاب الورقي ولمسات أوراقه وشغف سطوره لذا فالأمر سيان لديه ومع ارتفاع أسعار الكتب وكذلك زيادة كلفة شحنها إلى المدن والأقاليم فهم مع الحالة الأخيرة إلى الإلكتروني أقرب وصلا.
والحقيقة أننا لو قارنا مزايا الكتاب الإلكتروني منطقيا وعمليا ونظريا وتطبيقيا لوجدنا أن الكفة تميل في اتجاه الكتاب الإلكتروني فالكتاب الإلكتروني أقل تكلفة في إعداده وتنسيقه ونشره وهناك مواقع إلكترونية مجانية كثيرة تقدم الخدمات الخاصة به بشكل مجاني إضافة لوجود مواقع ومكتبات إلكترونية حول العالم تعمل في مجال النشر الذاتي للكتب الإلكترونية بشكل مجاني وتضمن وصوله للملايين حول العالم بما يضمن انتشاره بشكل كبير وفعال علاوة على أنها تمنح الحق للكاتب في تحديد سعر كتابه دون تدخل من أحد مقابل نسبة من مبيعاته وتتنازل عن هذه النسبة إن اختار نشره للجمهور مجانا.
إذا ما قورن ذلك بالكتاب الورقي فعدد ضئيل من دور النشر هي التي تدعم الكاتب وتوفر له فرص النشر المجاني حاليا وعادة ما تكون هذه الفرص قاصرة بدور النشر الكبيرة على مشاهير الكتاب لضمان العائد وما سوى ذلك فالكاتب هو المتحمل لتكلفة نشر كتابه وهي تكلفة ليست بالهينة ويتحكم فيها أسعار الورق والخامات وأغلبها مستورد من الخارج وإذا أضفنا لذلك ضعف الإقبال على شراء الكتب بشكل عام لارتفاع سعرها وعدم مغامرة القراء لشراء كتب المؤلفين المبتدئين أو متوسطي الشهرة مما يجعل الكتاب الورقي وصناعته ليست بالخيار الأفضل حظا للقراء والكتاب على السواء خاصة المبتدئين ومتوسطي الشهرة.
نأتي لأمر آخر.. ألسنا كمؤلفين بشر بالتأكيد نعم..والبشر يخطئون في التحليل وفي نقل المعلومات وقد تلتبس عليهم أمور عدة وقد تتغير وجهات نظرهم تجاه أمر ما أو قضية ما مع الوقت بل من منا لم يندم على مؤلف تعجل في نشره دون تدقيق إملائي أو نحوي أو معلوماتي جميعنا في هذه الأمور على مسافة واحدة فجل من لا يسهو والكمال غاية لا تدرك مما يجعلنا في حاجة دائمة إلى التعديل والتبديل والتصحيح والإضافة والتنقيح وإعادة الصياغة بكتبنا وكلها أمور مكلفة جدا مع الكتب الورقية التي تتطلب في كل مرة للتعديل والتصحيح والتنقيح إصدار طبعة جديدة وهذا لا يكون إلا مع نفاد الطبعة السابقة كاملة وبتكلفة جديدة أما في حالة الكتب الإلكترونية فالأمر ميسر حيث تتيح المواقع والمكتبات الإلكترونية حول العالم للكاتب فرصة التعديل المستمر في مؤلفه دون مشاكل أو عوائق وهي ميزة مهمة في مسيرة الكاتب والتطوير في مؤلفاته والارتفاع بها والوصول بها إلى درجة الرضا والقبول من جانبه ومن جانب قرائه. 
نأتي إلى مسألة أخرى ألا وهي حقوق الملكية الفكرية والحقيقة أنها مسألة شائكة خاصة في عالمنا العربي والذي تكثر فيه ظاهرة القص واللصق والاقتباس دون الإشارة للمصدر وسرقة الأعمال بالكلية مما يولد خوف لدى الكثير من المؤلفين يجعلهم دائما في توجس من النشر الإلكتروني الذي قد ينزع عن كتبهم غطاء الحماية الذي يوفره لهم رقم الإيداع بالكتب الورقية.
بالتأكيد هي مسألة هامة والحقيقة أن المكتبات الإلكترونية العالمية أصبحت متيقظة لهذه المسألة فهي تمنح ترقيما دوليا مجانيا أو ترقيما خاصا بها للكتب المنشورة لديها بما يحفظ حقوق الكتاب والناشرين لديها بشكل كامل وقانوني.
الأمر الأخير هو ما يعتري البعض من تصور مستقبل قاتم للعالم الرقمي الإلكتروني واندثاره مع الوقت وضياع كل تراثه المعرفي القائم على الحفظ الإلكتروني وهو في وجهة نظري تصور بائس لا يستقيم مع عجلة دوران التاريخ والنظرة المتفائلة للمستقبل ذلك أن كل عصر يتسلم الدفة من العصر السابق عليه مضيفا إليه وحافظا له قدر المستطاع فالكتب القديمة وصلت إلينا مع انتشار حركة النسخ في الأمصار وإنشاء المكتبات الكبيرة العامة لحفظها وكل هذه الإجراءات الورقية لم تمنع من ضياع بعض المصنفات بشكل كامل أو جزئي فضلا عن عدم دقة نسبة بعضها لأصحابها وذلك لعوامل عديدة من بينها التقلبات السياسية واحتراق بعض المكتبات أثناء المعارك والغزوات ومع العصر الحديث كان للطباعة دور كبير في حفظ الكتب والمصنفات السابقة واللاحقة ومع ذلك ضاعت الكثير من المؤلفات القيمة بعامل الزمن وإحجام ورثة أصحابها عن الاهتمام بكتب ذويهم أو لأن أصحابها لم يحققوا الشهرة الكافية التي تجعل انتشار كتبهم كبيرا ومتابعيهم كثر ولولا الرقمنة الحالية لضاعت كثير من الكتب القديمة إلى الأبد والتي قد لا يوجد منها سوى نسخ قليلة عند باعة الكتب القديمة على الأرصفة أو لدى بعض الهواة فعادت لها الحياة مرة أخرى مع عصر المكتبات الرقمية المصورة على الإنترنت والتي أتاحتها لجمهور كبير من المتابعين للاستفادة منها.
إنها التكنولوجيا الحديثة المحايدة والشفافة وضرورة أن نمشي في ركابها ونستفيد منها أقصى استفادة.