بنو سُليم في الجزائر.. تاريخ مشهود في مقاومة الاستدمار الفرنسي

  • PDF

مراصد ثقافية
إعداد: جـمال بوزيان

من ذرية الذبيح النبي إسماعيل –عليه السلام- 
بنو سُليم في الجزائر.. تاريخ مشهود في مقاومة الاستدمار الفرنسي

ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

أ‌. م. وائل بهجت باحث في السلالات البشرية والأنساب والتاريخ
مقتطفات من كِتاب تاريخ بني سُليم

بني سُليْم بن منصور

قَبيلةٌ فَنَّاءٌ تُنسب إلى: سُليم بن مَنصوُر بن عكرمة بن خصفة بن قَيْسُ عَيْلان بن الناس بن مُضر. دخلت فيها ذرية (عامر. سعد) ابني عكرمة بن خصفة وذرية محارب بن خصفة بن قيس عيلان وكذلك (الشعانبة) إحدى القبائل القُرشية وبني طرود من الجزائر يرجع نسب كل هؤلاء إلى بني عدنان من ذرية الذبيح إسماعيل بن خليل الرحمن إبراهيم.
زينت مناقبهم كُتُب التواريخ. وعبقت سير علمائهم أَسَاطِينِ العلم . ورفعت راياتهم مُلُوك وأمراء وفرسان لم يُشق لهم غبار. كانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر وفي الحرار (وهي الأرض التي ألبستها الحجارة السود) الواقعة بين وادي القرى وتيماء. وأكثر العرب في مصر في عِداد بني سُلَيْم أعقاب من هاجروا إليها مع الفتح الإسلامي وعلى أثره من بلاد الشام والعراق. وأكثر عرب برقة طرابلس والكُفرة من بني سُلَيْم. حاربوا الطليان أكثر من ثلث قرن. دخلت سُليم وغطفان وقُريش تونس مع الفتح وقلموا أظفار ابن باديس ملك أفريقيا منهم في الجزائر قبائل عظام لها تاريخ مشهود في مقاومة الاستدمار الفرنسي.. قد وصف السُلَميون كلا من العلامة المقريزي والحمداني وابن فضل الله العُمري وقالوا: إن في مصر وبَرْقَةَ إلى بلاد المغرب منهم أمم لا تحصى كثرة.. وخص المصريون منهم وقال: وفيهم الأبطال الأنجاد والخيل الجياد .


نبذة عن جغرافيا قبائل بني سُلَيْم في نجد والحجاز:
ظهرت سطوة ونفوذ بني سُلَيْم فور نشأتها وانتشرت قبائلها في عدة أصقاع في نجد والحجاز وبين مكة والمدينة.. منها ديار سُميت باسمهم.. تقلصت هذه الجغرافيا الواسعة بعد خروجهم مع جيوش الفتح.. سوف أذكر هنا شيئا عنها وعن مياههم وجبالهم وأوديتهم:
- أولاً الوديان:
ذو رولان: واد عال لبني سُلَيْم. به قرى كثيرة تنبت النخيل. منها قرية (قلهي) الكبيرة وقرية (تقتد).. وبينهما جبل يقال له (أديمة) وبأعلى هذا الوادي رياض تسمى (الفلاج) جامعة للناس أيام الربيع. وفيها مسك كثيرة يكتفون به صيفهم وربيعهم إذا أمطروا. ثم تمضي مصعداً نحو مكة فتميل إلى واد يقال له (عريفطان معن) ليس به ماء ولا رعى. وحذاءه جبال يقال لها (أبلى). وحذاءه قنة يقال لها (السودة) لبني خفاف السُلَميون.. كانت بها عين يقال لها (النازية) بين بني خفاف وبين الأنصار. فتضاربوا فسدوها.


- ثانياً السهول:
بَحاَر: جمع بحر وهي كل أرض سهليه يحفها جبال. وذو بَحاَر جبلين يقعان في ظهر حرة بَنِي سُلَيْم.


- ثالثاً الجبال:
وحذاء (أبلى) من الشرق جبل يقال له (ذو الموقعة). وهو جبل معدن بني سُلَيْم. ومن جبالهم جبل (ذره). وهي جبال كثيرة متصلة ضعاضع ليست بشوامخ. في ذراها المزارع والقرى. وهي لبني الحارث السُلَميون ولهم من الشجر العفار والقرظ والطلح. والسدر بها كثير والنشم والتألب. وقد يعمل من النشم القسئ والسهام. حدثني أحد بني سُليْم فقال: تسكن ذره اليوم من قبائل سُلَيْم بني فُتية.. كما أخبرني أحدهم من الحجاز بأنه يسكن تلك المواضع اليوم قبائل ربيعه من فتية.


(قَهَد): جبل مذكور في رسم سِنْجار وقيل: إن قهداً نقب كانت فيه وقعة لبَنِي سُلَيْم على بَنِي عِجْل.


- رابعاً الهضاب:
البرَّتان: تثنية برَّة: هما هضبتان في ديارهم. وأيضاً ذات الدَّخول: هضبةٌ تقع في ديار سُلَيْم.


هضب القليب: علم فيه شعاب كثيرة قال الأصمعي هضب القليب بنجد والهضب جبال صغار والقليب في وسط هذا الموضع يقال له ذات الإصاد وهو من أسمائها وعنده جرت أحداث داحس والغبراء. ونصفه ما بين بني عامر وبين بَنِي قنفذ من بَنِي سُلَيْم.


- خامساً الدور:
عندما تحدث الأزرقي عن (رِباع قُريش وحلفائها). ذَكَرَ دار الندوة. وهي دار قُصَيّ بن كلاب جد النبي -ﷺ- كانت قريش لا تُشَاوِر. ولا تُنَاظِر. ولا يعقدون لواء الحَربِ. ولا يَبرُمُو أمراً إلا فيها. وكذلك من دور بني سُلَيْم في مكة (دار حمزة) في السُوَيْقة. و(دار دِرْهم) في السُوَيْقة. وبهذا يكون لهم دارين فيها. كانتا لآل حكيم بن الأَوقَصِ السُلَميون –حلفاء بَنِي هاشم-. وتتندر إلى اليوم عائلة الشواهنة المصريين على المجتمعين ويقولون لهم (إيه فتحتوها سويقة).


دول أسسها السُلَميون:
أسس السُلَميون العديد من الدول في المناطق التي فتحها أجدادهم زمن الخلافة الراشدة منها:
1- الإمارة القَيْسِيْة العربية الإسلامية الأرمينية Kaysite. أسس الدولة القَيْسِيْة الأرمينية رجال من بَنِي سُلَيْم القبيلة الفناء.وصفهم المؤرخين الأرمن قائلين:كانت السلالة القَيْسِيْة سلالة عربية إسلامية حكمت إمارة كان مركزها في (Manzikert / ملازغرد / بالأرمنية :Մանազկերտ) منذ سنة 245 هـ/860 م حتى 352 هـ/964 م. كانت دولتهم أقوى إمارة عربية في أرمينيا بعد انهيار ostikanate الأرمينية أواخر القرن التاسع عشر.
وهؤلاء هم عَقِب بَنِي سُلَيْم التي استقرت في الجزيرة بعد الفتح الإسلامي. وهذا هو ما عليه المؤرخ الأرمني Aram Ter-Ghevondyan. وكان الأمير القَيْسِي الأول لإمارتهم. هو أبو الورد السُّلَمِيُّ. وقد صادفنا الاسم الأول في بطون الثعالبة السُلميون.


2- إمارة دربند (باب الابواب) وقعت ضمن حدود جمهورية داغستان التابعة للاتحاد الروسي اليوم. أسسها الأمير هاشم بن سراقة السُّلَميُّ حاكم دربند بعد أن استقل بها عن العباسيين. وسادتها ذريته التي لقبت ب (هاشميدن) حتى 1077 م..وهم من بطون امرئ القيس السُلَميون.


3- دولة بني شاهين (الإمارة الشَاهِيْنية) أسسها معين الدَّوْلَةُ الأمير عمران بن شاهين حوالي 330 -369 هـ. 941 -979 م. ومن عَقبه في مصر عائلة الشواهنة (المسلمون الأحرار) كما وصفتهم المصادر المصرية ويقولون لأبنائهم أنت (شاهيني حُر). وهم شيوخ قبيلة الحرابي في الحملة المصرية على السودان والشام وفتح بهم محمد علي باشا عكا التي استعصت على نابليون بونابارت.ذكر العَلّامة القلقشندي القيسي المصري ديارهم في مصر وقال انهالبني محارب. والحرابي التي في محارب هم ذرية حرابة على قول الإمام بن ماكولا. يعود نسب الشواهنة إلى محمد شاهين الذي ذكره ابن خلدون في مصر ورفع نسبه في بني شاهين مُلُوك البطائح الذين حاربوا الدولة البويهية التي حكمت غرب إيران والعراق عدة سنوات.فألحق بهم بني شاهين الضرر وجرعوهم هزائم متتالية مما أرغمهم على طلب الصلح والمعونة من الأمير عمران بن شاهين ملك البطائح.
بل بلغ بهم الأمر ان طلبوا مصاهرته لكنه أَبَى أن يزوجهم من الشاهينيات رغم أنهم مُلُوك الفُرس أنذاك وذلك لأن الشواهنة لا تخالط الغرباء وأجاب رسول بختيار بن معز الدولة البويهي -في عهد الخليفة المطيع لله العباسي- قائلاً: يا هذا قد جئتنا في أمور غير متوجهة عندنا ولا لائقة بأحوالنا .
وأكمل قائلاً: أنا رجل لا أداخل أحدًا من خلق الله إلا أن يكون الذكر من عندي والأنثى من عنده. وقد خطب إلي الطالبيين مع أنهم موال فما أجبت أحداً منهم إلى ذلك لأن نفسي لا تسمح له وهؤلاء أولاد أخي هم أكفاء بناتي ما وصلت أحداً منهم ولكن إن شاء أن نتصاهر على السبيل الأخرى فعلتُ .
ثم قال لرسول بختيار في شدة وحزم تؤكد انه شاهين حُر: قل له ينبغي أن تتوقر وتتزن ولا تستعمل هذه الخفة والنزق فقد قصدتني محاربًا لي فرجعت عني منهزمًا وقصدت الأهواز فرجعت منهزماً على هذه الحال والصورة من الفتنة. وأنا أعلم أن أمرك سيتأذّى إلى أن تجيئني وتلوذ بي وتحصل عندي وسأذكرك هذا وتعلم حينئذ أني أعاملك بالجميل وبخلاف ما عاملتني به أنت وأبوك من قبلك .
فتعجب الناس من موافقة كلام عمران هذا المقدور والكائن.


بعدها شعر حاكم البويهيين عز الدولة بختيار بن معز الدولة البويهي الخطر من ابن عمه عضد الدولة الذي سار على رأس جيش كبير سنة 366 هـ / 976 م يريد بغداد. وهذا ما دفع عز الدولة إلى المسير نحو واسط في جمادى الأولى سنة 366 هـ / ديسمبر 976 م ومنها انحدر إلى البطائح. لكن هذه المرة ليس طالباً حرب عمران بن شاهين وإنما طالباً حلفه ونسبه مرة أخرى فاستقبله عمران بن شاهين استقبالاً حافلاً وأكرمه أجمل إكرام. وإثباتا للمودة وحسن النية تصاهر البيتان. لكن بعد رفض عمران في المرة الأولى تزويجه بنته فقد تزوج عمران بن شاهين من بنت بختيار وقيل أن الذي تزوجها هو ابنه (جَدّي) الحسين بن عمران.
ثم في يوم الخميس 17 محرم سنة 369 هـ / يوليو 979 م بعد حكم دام ما يقارب الأربعين عامًا مات الأمير عمران بن شاهين الذي أنفقت على حروبه الحرائب وبعد أن أذل الجبابرة وأرباب الدول وطواهم أولاً أولاً وقدمهم أمامه على غصص يتجرعونها وذحول يتحملونها وهو ممنوع الحريم محصَّن الساحة محمي من غوائلهم ومكايدهم فلما أطرَقهُ الله لم يكن له مستقدم ولا مستأخر.
وفي قومي أقول هذه الكلمات المنظومة.


اللي من عيلة شَاهِيْن
ما ترمقه عين غازي


دونه أبطال فراسين
والعاقل يقنع الهازي


فرسان أعلام مشهورين
أهل تاريخ وحروب ومغازي


شواهنة أهل حرب وعلم ودين
ملوك البطائح بين واسِطَ والأهوازي


ضَنًى محمد ذو التَّاجَ مُضَريْيِن
المُتوَّجَ على من حازت الدنيا احتيازي


أولاد شَاهِيْن بن الحَارِثُ واسِطيْيِن
دَهاقينُ فرسان وعلماء تُسْتَجازي


منا الصدوق إسحاق بن شَاهِيْن
ثقة مستقيم من رجال البخاري


كذا المسنِدُ الكبير أبو حفص عمرُ بن شَاهِيْن
مسند الديار أحَرَز الحديث إحرازي


جَدُّنا مَلِكُ البَطِائِحُ عِمْرَانُ بن شَاهِيْن
كم كسر من ملوك اعزازي


ابنه الْحُسَيْنِ هزم البويهيين 
كسر وزيرهم أكثر فيهم تعازي


الشَّوَاَهنة لمحمد بن الْحُسَيْنِ معروفين
أمير وأديب لمصر سار رازئ 


نسل محمد بن لسيسة مأصلين
لمصر في السودان كان جازي


لعكا ركبنا فاتحين
فرسان مغاوير للوغى تجتازي


تحت الراية مع سُليمان بن شَاهِيْن
آغا الحرابي دكينا حصونها الحُرازي


استعصت على نابليون وجيش مصر النظاميين فتحوها شواهنة وهنادي ولاد علي وجوازي.