التفسير المؤامراتي منطقي في مجالي السلام والآداب

  • PDF

مراصد
إعداد: جـمال بوزيان

جدل جائزة نوبل يتواصل رغم الصيت العالمي
التفسير المؤامراتي منطقي في مجالي السلام والآداب

ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والصحة والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة.

جائزة نوبل وضعف إنتاجنا المعرفي
أ. م. رابح لكحل
ككل سنة وفي شهر أكتوبر تحديدا نتذكر أننا أمة متخلفة وأن إنتاجنا المعرفي من ضعيف إلى معدوم وخاصة في العلوم الأساسية والتكنولوجيا.. ويراودنا هذا الشعور المؤلم بمناسبة الإعلان عن الفائزين بجائزة نوبل (أهم وأشهر جائزة عالمية) ويصاحب ذلك لغط كبير يحاول أصحابه تحليل الظاهرة والوقوف على مكامن الخلل ومحاولة تدارك غياب (أو حرمان) منطقتنا من الشرف الذي تمثله هذه الجائزة.. والتفسير الغالب والجاهز بطبيعة الحال هو التفسير المؤامراتي والذي ملخصه إصرار الغرب على تأكيد مركزيته واعتبارنا من الهامش وعلى ضرورة أن نبقى كذلك.. وفي تقديري نلجأ إلى هذا المنطق في التحليل لسببين على الأقل:
١-لرسوخ نظرية المؤامرة في ثقافتنا واختلاطها بموروثنا.
٢-لأنه مريح ويبرئ صاحبه من أي مسؤولية كما يعفيه من التفكير والسعي لإصلاح أخطائه.
وأظن أن التفسير المؤامراتي يمكن أن يجيب جزئيا على بعض الحالات (لنا أو علينا) في بعض المجالات مثل جائزتي السلام والآداب أما جوائز العلوم الأساسية التكنولوجيا الطب والاقتصاد فمنطق المؤامرة لا مجال له بالمرة.
1-مركزية الغرب وما عاداه الهامش: عموما نجد أن الغرب بالتعريف الواسع (أمريكا+أوروبا) يسيطر تماما على الجائزة وبِطلَّة سريعة نستنطق فيها الأرقام والإحصاءات الخاصة بترتيب الدول بحسب فوزها بالجائزة مند بدايتها أول مرة (في 1901) وفي مجمل التخصصات نجد:
الأولى الولايات المتحدة حصلت عليها بنسبة 33.4٪ تليها بريطانيا بــ12.2٪ فألمانيا بــ10.8٪ ففرنسا بــ5.7٪ السويد بــ2.9٪.... وتتابع الدول الغربية (بنسب تتراوح بين 2.7٪ لسويسرا إلى 1٪ لبلجيكا..) وبحيث نجد أن مجموع ما فازت به الدول الغربية مجتمعة يشكل حوالي 86٪ من مجموع الجوائز أما باقي الدول فمجموع ما فاز به مواطنوها لا يتعدى 14٪. وبمقاييس علمية تظهر أن النتيجة منطقية انطلاقا من أن:
١-الغرب بيئة حاضنة مثالية للبحث والإبداع.
٢-يمتلك ناصية العلوم وهو من يتحكم في التكنولوجيا.
٣-ثابث في سياساته إعطاء الأولوية لتمويل مراكز البحث وتطوير مختلف  العلوم.
والكارثة حتى من فاز من بني جلدتنا بالجائزة (في مجال علمي وباسستحقاق) العالم أحمد زويل حصل عليها بصفته أمريكيا (مزدوج الجنسية) وبرعاية مركز بحث أمريكي وروجت لأبحاثه ونتائجها دوائر الدعاية الأمريكية والمؤكد أنه لو بقي في مصر فلن يحقق شيئا مهما كانت عبقريته وقدراته ومما يشيرربما للعراقيل والصعوبات التي واجهها عند ما حاول واهما تأسيس مراكز بحث بمصر (بعد فوزه بنوبل) وأنتهى به الأمر للتعرض لأسوإ أنواع السب والتشهير!.
2-جائزتي السلام والآداب: يشكل منح جائزتي السلام والآداب الاستثناء بحيث لا تحكمه بالضرورة مقاييس علمية دقيقة وتلعب السياسة والإيديولوجيا دورا حاسما في تحديد الفائز وليس من المصادفة أن أول احتجاج على كيفية منح نوبل كان على أول فائز بجائزة الآداب (الشاعر الفرنسي برودوم في 1901) بينما كان الكل يتوقع فوز الروائي الروسي الكبير تولستوي (حتى رئيس اللجنة المشرفة على منح الجائزة حينذاك!). وبالعودة إلى الأرقام نجد أن جائزة الآداب هي المجال الوحيد الذي تفوقت فيه أوروبا على الولايات المتحدة (حيث تحتل فرنسا المرتبة الأولى بـ 18 جائزة تليها ألمانيا ثم بريطانيا). ولو تتبعنا الموضوعية في التحليل نجد أن من المنطق أن نُحرم من الفوز بجائزة الآداب (رغم أننا أمة اشتهرت أكثر ما اشتهرت بآدابها حتى في جاهليتها) وهذا للأسباب الآتية:
١-الاضطرار إلى ترجمة الأعمال من العربية لغياب مُحكمين يقدمونها للمنافسة على الجائزة.
٢-ترجمة العمل إلى لغة أخرى تُفقده الكثير من قيمته ويتضاعف الفقد عند ما يُترجم إلى السويدية (مثلا) عبر لغة وسيطة.
٣-‏ غياب اهتمام ودعم الحكومات للكتابة والإبداع (بل تعاملها مع المبدعين بريبة ) لا يسمح بإنتاج أعمال راقية تستحق الترجمة وتستحق العالمية فتنال الجائزة.
‏٤-ككل إنتاج  فالإبداع صناعة متكاملة تعمل بيئتنا السياسية والاجتماعية على خنقه ثم الترويج للرداءة بتقديم أشباه المبدعين بمقياس الولاء والانخراط في الصراعات السياسوية والسلطوية.
مع ملاحظة أن هذه الحقائق على أهميتها لا تلهينا عن تدليس آخر يأتينا من الغرب المنافق نلمسه عند مراجعة قائمة الفائزين بالجائزة في مجالي الآداب والسلام من منطقتنا حيث نسجل الملاحظات الآتية:
١-السادات أول من حصل على جائزة نوبل للسلام (في 1978) نالها بعد خيانته للقضية الفلسطينية ومد يده للعدو ثم نالها الشهيد ياسر عرفات -رحمه الله- (في 1994) بعد استدراجه ودفعه لإمضاء اتفاق أوسلو والشيء نفسه يقال عن البرادعي الذي نالها (في 2005) بفضل انخراطه التام في المشروع الغربي لحرمان منطقتنا من الطاقة الذرية.
٢-أغرب فوز هو الذي نالته الباكستانية ملالا يوسف زي (في 2014 وعمرها حينذاك 17سنة) وهي أصغر فرد يحصل على جائزة نوبل منذ إنشائها وقد اشتهرت بتنديدها بانتهاكات حركة طالبان باكستان  كما تعرضت لمحاولة اغتيال في 2012 ولا أعلم شخصيا كيف لبِنت في عمرها تكون قد نضجت وقدمت من الأعمال لصالح البشرية ما يؤهلها للفوز بالجائزة؟!.
٣-نال الرباعي التونسي (وهم أربعة منظمات على رأسهم الاتحاد التونسي للشغل) الجائزة في 2015 بحجة إنشاء عملية سياسية سلمية وهم في الأصل منظمات مهنية لا يمارسون السياسة! لكن السبب الحقيقي في تقديري أنهم كانوا يمثلون رأس الحربة للثورة المضادة وقد أبانوا على حقيقتهم في كثير من الأحداث لا سيما أخيرا. 
٤-في الأدب المقياس أوضح فكأن الجائزة تمنح لحسم صراع داخلي بدعم اتجاه معين ينكر في عمومه قيم الأمة ويسفه معتقداتها فنجيب محفوظ الذي نالها في 1988 تعرض قبلها لمحاولة اغتيال أتهم فيها جهاديون والتركي أورخان باموق الذي نالها في 2006 مشهور بإنكاره وجود الله والأمر عينه يقال تقريبا على الفائز في 2021 عبد الرزاق قرنح نظير رُقيه -بالمنطق الغربي- وعدم تنديده بالاستدمار وآثاره السيئة.
3-أغرب حادثة: رغم ترشحيه لنيل جائزة نوبل في الأدب 21 مرة ( بين 1949 حتى 1969) لم  يمنح طه حسين الجائزة والأغرب أنه في عام 1949 (وصل للنهائي كل من طه حسين والروائي الأمريكي ويليام فوكنر) حينذاك قررت اللجنة المسؤولة عن تحديد الفائز حجب الجائزة لعدم توفر الشروط المطلوبة في أي من المترشحين.. المفاجئ إعلان فوز الأمريكي لاحقا في 1950! فمن المستحيل إنجازه لإبداع حوله إلى مرشح مطابق للمواصفات في أقل من سنة واحدة! بالرغم من توفر طه حسين على الشروط المؤهلة الموضوعية منها مثلا ترجمة أعماله للفرنسية خاصة (ما يزيد على اثني عشر عملًا) والإيديولوجية فانبهاره بالغرب ودعوته لتغريب المجتمعات العربية ليست خافية. 
4-نصيحة غير بريئة: أنصح كل طامح للفوز بجائزة نوبل في الآداب أو السلام دون جهد ولا إبداع حقيقي أن:
١- يكثف من دعواته لتسفيه قيم مجتمعه. 
٢- يشيد بكل ما هو غربي ويركز على آخر صيحات الموضة (مثل الدعوة إلى المثلية ) التي تشكل موضوعا ساخنا لدى الدوائر الغربية حاليا. 
٣- يعلن تعرضه للتهديد والإيذاء (ولِمَ لا محاولة تصفيته).. وأن يستجدي ترجمة أعماله على رداءتها فبهذه الخطوات سيضمن وجود اسمه على قائمة الفائزين وقد فعلها الكثير ونجحوا على مستويات أقل (جوائز محلية في فرنسا خاصة).


*****
أوجه الشبه بين ساحة أوكرانيا وساحات العرب  أ. خالد السلامي 
لن أتحدث اليوم عن أسباب ودوافع كلا طرفي الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها ونتائجها المتوقعة وغير المتوقعة فيكفي ما أخذته هذه الأمور من مساحات إعلامية واسعة سواء عبر الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء او عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها إنما أتناول هذه المعركة من زاوية أخرى ربما لم يتم التطرق لها مسبقا.. تلك هي زاوية أوجه التشابه بينها وبين الحروب والفتن التي تشهدها الساحات العربية المنتشرة بكثرة في بلادنا العربية بفضل المتحاربين الآن على ارض أوكرانيا.    فمنذ بدأت ما سميت بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط/مارس 2022 بدأت أوجه التشابه تلك تظهر للعلن حيث بدأ طرفي الحرب بتجنيد مرتزقة عرب للقتال إلى جانبهما  مما يعني إمكانية مجابهة بعضهم البعض في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى أنهم مرتزقة يحاولون شراء لقمة عيشهم حتى لو باعوا أنفسهم  كما يحصل في قضايانا العربية حيث يتم نقل المقاتلين العرب من ساحة إلى أخرى  وحسب العائدية وبالمواجهة المتوقعة نفسها فكانت وما تزال الخسائر عربية صرفة بشريا وماديا.    وفي الحرب الروسية الأوكرانية تنال أوكرانيا كل الدعم الإعلامي والسياسي والعسكري والاستخباراتي والتكنولوجي من الغرب وأغلب دول العالم الأخرى بينما يقوم الغرب بنقد الروس على طلب المعونة من اصدقائها وحلفائها وهذا بالضبط ما يحصل في الساحات العربية حيث يُحرم كل طرف على الآخر ما يُحله لنفسه.    وفي معركة الشرق والغرب في أوكرانيا التي تخوضها الأطراف ذاتها التي تدير الفتن العربية على أرض العرب  تولت أوكرانيا مهمة القتال ضد روسيا بالنيابة عن الناتو الذي لم يقدم لها ولا جنديا أو ضابطا واحدا للقتال معها واكتفى فقط بتقديم السلاح والدعم السياسي والإعلامي والمعنوي  بل ويصرح قادة الناتو علنا بأنهم سيقاتلون روسيا حتى آخر جندي أوكراني ولم يخسر الغرب أي جندي ولم يُهدم له أي بناء ولم تحرق له أي مزارع إنما جميع الخسائر هي أوكرانية فقط.. وكذلك هو الحال في الفتن العربية حيث يتقاتل المتنافسون على اغتصاب أرض العرب على أرض العرب وبأيدي العرب ولم يخسر أولئك المتنافسون لا بشرا ولا شجرا ولا حجرا إنما كل الخسائر البشرية والمادية هي عربية صرفة.    وفي كلا الحالتين العربية والأوكرانية تدعي كل أطراف النزاعات أنها على حق فضاع الحق بين هذا وذاك وكالعادة انقسم الإعلام العربي بين مناصر للروس وآخر للغرب وقليل محايد كما في جميع فتن العرب وحروبهم.. وها هي أوكرانيا تحاول تعويد نفسها وشعبها على حرب طويلة الأمد قد تطول سنين عديدة كما هو حال جميع قضايانا العربية التي صرنا لا نستطيع النوم إلا بعد سماع عواجلها حتى ساعات متأخرة من الليل يوميا فلا يوجد عربي يمكنه النوم مطمئنا بفعل تلك العواجل كما يحصل الآن مع أهل أوكرانيا المضحين بأنفسهم من أجل الغرب كما تكرم العرب بالتضحية بأنفسهم وأوطانهم وثرواتهم من أجل الآخرين على مدى عقود من الزمن.