ضرورةالحفاظ على الأجيال ورفع التحديات.. من أجل تنمية شاملة

  • PDF

مراصد
إعداد: جـمال بوزيان

أهمية العلوم الاجتماعية فيتطوّر البناء الحضاري
ضرورةالحفاظ على الأجيال ورفع التحديات.. من أجل تنمية شاملة

مهما توسعت مجالات العلوم الاجتماعية فإنها تكتسي أهمية كبرى سواء اعتمدت على التجربة أو تحليل التطورات والتفاعلات اليومية بين أفراد المجتمع.. إذ تبحث في قضايا متشابكة وخطِرة ومستمرة ومتوالدة مهما تكن أبعادها..سألنا أساتذة عن مدى قدرة العلوم الاجتماعية بكل فروعها على حل مشكلات ومعالجة أزمات ودفع أخطار تواجه أي مجتمع كل حين وكيفية المساهمة في تنمية حقيقية وممتدة من أجل الرقي والازدهار في ظل تطور تكنولوجي رهيب تعرفه البلدان الصناعية.
*****
رهان العلوم الاجتماعية بين الماضي والحاضر في ظل التطور التكنولوجي
أ. د. فاطنة بن عمر

تعد العلوم الاجتماعية إحدى أهم المجالات التي ترتكز عليها البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكل مجتمع حيث تعد أساس تكوين الأسرة النواة التي بدورها تنتج فرد تتكون منه الجماعة فيما بعد الذي بدوره سيكون محل حضور في جل المجالات الحياتية كما سبق ذكرها سميت بالعلوم الاجتماعية نظرا لتخصصها وارتباطها بالمجتمع وما يجري فيه من أحداث بطلها الفرد الذي تناولته هاته العلوم بداية بدراسة سلوكاته وتصرفاته الشخصية التي تميزه عن الآخرين وصولا إلى التفاعلات اليومية مع باقي عناصر المجتمع ومدى تأقلمه فالحياة الاجتماعية تتطلب مجهود مادي وجسدي للعيش بسلام واكتفاء نظرا لما استوجده الواقع الراهن من متطلبات واحتياجات وتلبية رغبات وحاجيات إنسانية حيث تزامنت هاته المتطلبات الحياتية والتطور التكنولوجي الحاصل على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية هذا التزامن الذي عده البعض شيئا إيجابيا وفي صالح العلوم الاجتماعية التي من واجبها الاعتناء بأفراد المجتمع وتشخيص و معالجة الأمراض الذاتية والجماعية بإظهار مسبباتها وإيجاد حلول لها فبفضل شبكات التواصل الاجتماعي صار العالم قرية صغيرة جدا لانتشار مواقع التواصل التي قصرت المسافات واختصرت المجهودات الحياتية للرقي بالمجتمعات نقلت المجتمع التقليدي إلى مجتمع حديث متحضر مليء بالمشكلات والأمراض النفسية والعضوية التي بدورها تؤثر تأثير جد كبير وواضح  في معالم الوجه العام للمجتمع العميق فنجد أن العلوم الاجتماعية في زمن ماض هي مزيج من عدة علوم مجسرة بمعنى متكاملة فيما بينها مشكلة جسر معرفي انطلاقا من الفلسفة أم العلوم منذ الأزل مع اجتهادات كبار التخصص بداية بسقراط وأرسطو وهيغل وديكارت وجون ديوي وابن خلدون وصولا إلى بيار بورديو ومالك بن نبي وغيرهم من الفلاسفة العظام الذين ساهموا بآرائهم وأفكارهم الفذة في تناول القضايا المهمة التي كانت محور الجدال القائم بين طبقات المجتمع في كل حقبة زمنية معينة التي بدورها كانت تعالج مشاكل اجتماعية بدرجة كبيرة ذات التأثير الفعال على بقية المجالات الحياتية السياسية والاقتصادية والثقافية مرورا بعلم الاجتماع الذي حاور قضايا الأفراد الفردية والجماعية في إطار مايسمى بالفردانية والجماعاتية فالمشكلات التي كانت موجودة آنذاك في وقت فارط كانت بين الطبقة الحاكمة وعامة الشعب من حيث الأطراف وتأرجحت بين السلب والإيجاب من حيث التأثير وقد كان لعلم النفس كأحد أعمدة العلوم الاجتماعية بل والركيزة الأساسية التي يرتكز عليها علم الاجتماع والفلسفة بمختلف تخصصاته الدور الكبير في تثبيت معالم ومبادئ العلوم الاجتماعية لأنه يدرس سلوكات الأفراد وتصرفاتهم الواعية وغير الواعية السوية وغير السوية على حد السواء في ظل التفاعل داخل نطاق الجماعة من خلال ديمناميكية الجماعات بأنواعها الرسمية وغير الرسمية تحت لواء إشراف وتحكم ورقابة هدفها التأثير والتأثر بغية تحقيق الأهداف المسطرة في أي جانب اجتماعي في إطار التكوينات الجماعية الهادفة إلا أن المرتكز الإشكالي الكبير هو الآفات والمشكلات الاجتماعية التي باتت تهدد المجتمعات على اختلاف الديانات والمعتقدات والمستوى المعيشي وفي جميع دول العالم بانقساماتها الجغرافية وانتماءاتها السياسية وتنوعاتها الثقافية كل هذا التضارب والتنوع والاختلاف وضع العلوم الاجتماعية بين محكات الصراع المجتمعي الطبقي الذي يحكمه التغير الاجتماعي تحت وطأة مايسمى التطور التكنولوجي هذا الذي غير موازين وطرق تعامل العلوم الاجتماعية مع الأزمات التي تتربص بقيم وأخلاقيات المجتمع بصفة عامة ودورها كطبيب معالج لتلك الآفات الاجتماعية والأمراض النفسية والجدليات الفلسفية التي تسعى بدورها بالرقي بالرأس المال البشري وبالتالي خلق مجتمعات سوية سليمة الفكر والعقل والجسد الذي يشكل الحياة الطبيعية الهادئة البعيدة عن الصراعات والنزاعات والتحولات والتغيرات المفاجئة التي تصدم الأخصائيين في العلوم الاجتماعية نظرا لحدتها وتفشيها بين الأوساط المجتمعية لفئات معينة وبالتالي تجد العلوم الاجتماعية نفسها بين المطرقة والسندان ونظرا لانقسام العالم لعوالم فرعية لكل منها سمة خاصة إلا أن التأثير تبعي وتقليد أعمى يسبب مايسمى التمازج المجتمعي بين الشعوب الذي قد لا يصلح لحياة الجميع وبالتالي تتأزم الأمور وتخرج عن السيطرة فتأثير التكنولوجيا بتعدد المجالات والتقنيات ساهم بوجهين اثنين الوجه الأول عدإيجابيا من حيث التواصل والاتصال بين أفراد الشعوب ونشر الأفكار والعلوم الحديثة والثقافات بهدف الاكتشاف و لبحث والاختراع والتطور في جميع مجالات الوجود البشري في حين نجد التكنولوجيا ذات الوجه السيء تحطم الفرد ذاتيا معنويا وجسديا من خلال التواصل البشري مع الآلة  العالم الافتراضي الوهمي الذي يرهق العقل والقلب والجسد وبالتالي الانهيار العصبي ناهيك عن التقليد الأعمى لكل ماهو متاح عبر مواقع وشبكات التواصل بصفة عامة الذي ينقل من الحقيقة إلى الوهم بدوره يشل الحياة السريرية والفعلية والواقعية للفرد إلى غيابات وبؤر فساد شخصي وجماعي تضرب الكيان الوجودي للهوية  العربية الإسلامية التي تحث على العمل والاجتهاد والنشاط والتفاعل مع مايدور حولنا من أحداث ومحاكاة الواقع بمبادئ منطقية تحافظ بدورها على هوية الفرد وقيمه واتجاهاته عكس ما جادت به التغيرات الحالية وما أسفرت عنه التكنولوجيا السلبية التوجه إلا أن التوجه يبقى اختيار شخصي ذاتي غير مقيد الذي يخرج الفرد عن السيطرة الذاتية والضياع العقلي والإرهاق الجسدي وبالتالي الانهيار الأخلاقي والانغماس في الترهات والظلمات والابتعاد عن الواقع ومحاكاة الوهم والخيال بعيدا عن النشاط العادي والطبيعي للفرد وتفشي الآفات الاجتماعية كالمخدرات التدخين والتصرفات غير الأخلاقية ما يسبب التفكك الأسري والانحلال والتميع وفساد البنى التحتية للمجتمع الذي يجد نفسه يتخبط في أزمات ومشكلات وليدة التطور التكنولوجي والحداثة والعصرنة التي لا تخدم قيم ومبادئ التراث والهوية العربية الإسلامية كل تلك الأمور المطروحة تضع العلوم الاجتماعية في موقف حتمية التصدي لكل تلك المستجدات الدخيلة على العالم العربي والإسلامي للتحكم في زمام الأمور وعدم الانفلات الحضري للمجتمعات التقليدية التي تحاول مواكبة العصرنة والتطور والرقي كلها رهانات ذات عيار ثقيل تقع على عاتق الأخصائيين في العلوم الاجتماعية أمانة للحفاظ على الأجيال مع التوفيق بين الماضي والحاضر ورفع التحديات بمحاولة التحكم بما يمكنه التأثير على وجودية الفرد الحقيقية المعالم والثابتة القيم في ظل التطور التكنولوجي والاستغلال الأمثل.


*****
العلوم الاجتماعية بمختلف تخصصاتها.. ميدان يفتح العديد من الآفاق الاقتصادية
أ‌. د. أمال كزيز


للعلوم الاجتماعية مكانة بارزة وكبيرة في المجتمعات التي تدرك القيمة العلمية والمعرفية لهذه الحقول العلمية كونها تهتم بدراسة الفرد كذات أو الفرد داخل الجماعة لا تبتعد عن المجال الثقافي والتفاعلي لهم وهو من بين أصعب العلوم التي تعنى بفهم الفرد في عالم أو مجتمع يمتاز بالتغير والتطور في العلوم الاجتماعية غالبا ما لا نسعى لحل المشكلة لأن النتائج لا يمكن تعميمها في العالم ككل كون المجتمع يمتاز بخصوصيات ثقافية واجتماعية اقتصادية وسياسية هي مفارقات كبيرة بين مجتمع وآخر لذا غالبا ما يكون هدف الباحث البحث عن أسباب حدوث الظاهرة للحد من انتشارها وهو أمر يتطلب البحث العلمي بمناهج دقيقة تحاكي متطلبات الواقع الاجتماعي.
ومن خلال المؤسسة التي أنتمي لها المركز الجامعي إيليزي بالجزائر الذي يعد منارة الجنوب التي تعمل على توسيع آفاقها المستقبلية العلمية والببيداغوجية بجهود رئيس المركز أ.د. موسى بوبكر تم استحداث العديد من الأقسام العلمية من بينها قسم العلوم الاجتماعية للسنة الجامعية  2022 / 2023 كأحد الأقسام ذات القيمة العلمية الذي يحتضن طلبة ذوي توجه علمي في حقول وتخصصات العلوم الاجتماعية لذا جاءت الحاجة لتنظيم أول ندوة يتبناها ( قسم العلوم الاجتماعية) ومخبر تنمية اقتصاديات الأعمال الحديثة وتحسين أدائها في منطقة الطاسيلي فرقة البحث السياحة الصحراوية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة وهي فعالية علمية تسعى من خلالها رئيسة الندوة (د. آمال كزيز والمشرف العام لها د. هشام زروقة وأساتذة القسم) إلى رفع التحديات لدى الطلبة للتعرف على أهمية هذا الحقل العلمي من خلال الندوة العلمية الموسومة بـ مكانة وأهمية العلوم الاجتماعية ضمن محيطها الاقتصادي والاجتماعي بمشاركة خيرة من أساتذة المركز وخارجه متمثلين في أ.د رابح رياب (خريج الجامعة اللبنانية) وأستاذ بجامعة قاصدي مرباح ورقلة الجزائرـ و أ.د سامية عزيز متخصصة في مجال العلوم الاجتماعية جامعة محمد خيضر ببسكرة- الجزائر ما يجعلنا ندرك أهمية هذا الحقل المعرفي في جميع المؤسسات الجامعية في الجزائر.
كيف تساهم في تنمية حقيقية وممتدة من أجل الرقي والازدهار في ظل تطور تكنولوجي رهيب تعرفه البلدان الصناعية؟.
إن تطلعاتنا كأساتذة قسم العلوم الاجتماعية في المركز الجامعي إيليزي تتعدى تفعيل الجانب البيداغوجي إلى جعل الطالب الجامعي والباحث يحظى بفهم علمي تحليلي لتشكيل آفاقه وتطلعاته المستقبلية خاصة أن العلوم الاجتماعية بمختلف تخصصاتها ميدان يفتح العديد من الآفاق الاقتصادية متمثلة في طبيعة المهنة التي وجب أن تتناسب مع احتياجات سوق العمل وطبيعة البيئة الاجتماعية والبنية الاقتصادية والثقافية وهذا لا يتأتى إلا من خلال التعريف بتخصصات هذا المجال التي تنقسم لمجموعة تخصصات أهمها ما يحتويه حقل علم النفس (علم نفس عمل وتنظيم علم نفس العيادي علم النفس الاجتماعي...) وما يحتويه علم اجتماع (علم اجتماع تنظيم وعمل علم اجتماع التربية علم اجتماع الحضري...) الأنثربولوجيا (الاقتصادية الاجتماعية الثقافية) الفلسفة... كلها مجالات علمية تحتاج لشرح آفاقها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.
إن الارتقاء بالمجتمع وقبل كل شيء يتطلب بناء فرد واع ويؤمن بقدراته خاصة وأنه سيكون الاستثمار الحقيقي في المجتمع الذي من خلاله يمكن تنمية قطاعات عديدة لا يمكننا أن نحصر العلوم الاجتماعية بمجال الوظيفية فقط بل هو مجال يساعد على إنتاج قيم ومعان تفيد بأن الفرد هو كائن عاقل يستطيع التفاعل بثقافة المجتمع وأن يكون فردا صالحا ذا مكانة بين جماعاته إن الرقي والازدهار والتنمية هي متطلبات عالية تحتاج إلى ربط مدخلات التعليم لتكون على شكل مخرجات تربط حاجة سوق العمل بها وجب التركيز على الإنتاج النوعي وليس الكيفي وهذا من خلال عملية التخطيط المناسبة.
*****
.. يُتبع..