غالبية الشباب في الوطن العربي اليوم حديثو عهد بالالتزام الديني

  • PDF

مراصد 
إعداد: جـمال بوزيان

عقب الحداثة انبثق جيل عن أسر أفرادها منحلون أخلاقيا 
غالبية الشباب في الوطن العربي اليوم حديثو عهد بالالتزام الديني

تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي جميعِ المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِها بِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.

الجزء الأول:

*****
ظاهرة انحراف وإلحاد أبناء الملتزمين

أ. أمال عزوزي
من الملاحظ أن مستوى التدين لدى جيل الآباء والأجداد كان متدنيا جدا وكانت الأخلاق متوافقة مع تلك النسبة من التدين.. فقد تشاهد الآباء يكذبون يسمعون الموسيقى يدخنون بشكل عادي يمارسون البدع... لكن حين نشأ جيل الأبناء لم يعرف ذلك الجيل انحرافا خطِرا ولا إلحادا.. ثم جاءت الصحوة في السبعينيات وتدين معظم الشباب الذين أصبحوا فيما بعد أزواجا وآباء.
والذين سعى معظمهم لإنجاب جيل النصر للأمة لكن ماذا حدث؟
يقول عبد الرحمان ضاحي صاحب كتاب أبناء الملتزمين.. توريث الالتزام آباء تهوى وأبناء تأبى : ... مع بداية الصحوة الإسلامية في السبعينيات وانتشار الوعي الديني في الأرجاء وحين عزم جيل الصحوة علي الزواج ظننا بل تيقنا أنهم سيخرجون للأمة الاسلامية جيل النصر والتمكين الذي علي يده سيكون النصر للإسلام ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن وجدنا أنهم أخرجوا جيلا غير المتوقع إلا من رحم الله. يخرجون جيلا سلك سبلا أخرى غير الالتزام بالشرع جيلا متمردا على توريث الالتزام رافعا شعار لن أعيش في جلباب أبي... .
والسبب الذي جعل المؤلف يكتب الكتاب أن ذلك الأمر لم يكن حالات خاصة أو إخفاقات فردية هنا وهناك لا تصلح للتعميم إنما بحسب تجربة الكاتب وخبرته واحتكاكه الدائم مع أوساط المتدينين وجد أنها تكاد تكون حاضرة في كل بيت يعرفه وتكاثرت وانتشرت حتى باتت ظاهرة ملحوظة.
ويوافق ذلك ما صرح به المختصون في ملفات الإلحاد كالشيخ عبد الله العجيري وأحمد السيد والمهندس فاضل سليمان الذي قال: إن نسبة كبيرة من الملحدين انبثقت عن أسر ملتزمة.
قد يقول قائلون من منطلق التبرير لهذه الحالات المقولة الشعبية التي تقول: إن الشيطان يتسلط على أبناء العلماء والملتزمين فقد شاع على أَلسنة العامَّة: يخرج من صلب العالِم فاسِق!.
وقد يستحضر آخرون قصة نبي الله نوح مع ابنه الكافر ليبرروا وقوع تلك الحالات.
وأنه محض ابتلاء قد يقع لأي كان فما الغريب في أن يكون من أبناء الملتزمين المنحرف والضال والتارك لدينه؟ 
لكن يقول الكاتب إنه لا مجال للمقارنة هنا بين تقصير وجهل الملتزمين على عكس نبي الله نوح الذي علَّم وبذل وقام بالواجب على أكمل وجه.
ولو كانت حالات فردية فلربما صح القياس أما والأمر منتشر ومتكرر بشكل كبير فهنا لا ينبغي تبرير التقصير وتسويغه باستدعاء حالة ابن نوح عليه السلام.
وما دفعني للقراءة عن الموضوع والكتابة عنه أني عايشت التجربة شخصيا كوني ترعرعت في عائلة محافظة منذ نعومة أظفاري في زمن كانت فيه العائلات المتدينة -إن صح التعبير- تعد على الأصابع وتعيش غربة حقيقية ثم كبرت قليلا وعاينت بنفسي كيف أصبح أبناء هؤلاء؟
فما هي أسباب تلك (الظاهرة) وما هي جذورها وبواعثها وخلفياتها؟ 
الكاتب عبد الرحمان ضاحي قدم عدة أسباب في كتابه لكن برأيي الشخصي لم يوفق الكاتب في إيصال فكرته كما ينبغي وغالب الأسباب التي قدمها سطحية وغير متعمقة وغالبها معروف لدى كل من يقرأ أبحاثا أو كتبا حول العملية التربوية ويشترك في تلك الأسباب -المذكورة في الكتاب- جميع الآباء ملتزمين كانوا أو غير ملتزمين.
لكن في مقالي هذا سأحاول تخصيص الأسباب التي يقع فيها الملتزمون وحدهم دون غيرهم من الناس كإضافة لما جاء في الكتاب القيم -والتي كنت أتمنى أن أجدها- والتي بذكرها يمكنك معرفة مكونات الوصفة التربوية التي يعتمدها غالبية الملتزمين والتي تؤدي غالبا للنتيجة نفسها.




1- المراهقة الدينية التدين الشكلي وانعدام النضج الديني:




غالبية الشباب اليوم في الوطن العربي عموما والجزائر بالخصوص شباب حديثو عهد بالالتزام وجلهم انبثق عن أسر غير ملتزمة عاش أفرادها انحلالا وانفلاتا عقب حمى الحداثة والعصرنة التي أصابت كافة المجتمعات وتجسدت مظاهرها في الجهل بالدين والتبرج والانحلال وتردي الأخلاق.
وعليه غالب التدين الذي انطبع على حياة الناس اليوم تدين شكلي ظاهري ما يزال في بدايته ولم ينضج عند الغالبية -إلا من رحم ربي- وهذا الأمر خطِر كون الملتزمين بهذا الشكل أنصاف متعلمين يكثر فيهم التعالم والغرور ولم يرتقوا في مراتب التزكية والأدب.
وهذا الأمر ينبثق عنه جل المشكلات الآتي ذكرها تباعا.




2- اختيار الزوجة:


بسبب الانحلال وكثرة التبرج والمجون يعمد الملتزمون الجدد لاختيار زوجة بمواصفات نعجة (قطة مغمضة) فتاة لم تكمل تعليمها لا تعرف الفيس بوك لا تملك هاتفا شخصيا ولا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا وذلك بسبب متلازمة الخوف من المرأة القوية بالعلم أو المثقفة عموما نتاج ثقافة التعميم والصورة النمطية التي رسمها هؤلاء حول الفتاة المتعلمة فآثروا الجهل واحتفوا به وزهدوا في العلم وأهله. وكل ذلك بسبب مخاوف من تجارب حدثت لبعضهم تسربت إلى أذهان الشباب وأصبحت توجههم إحجاما وإقداما.. وكأنهم يريدون الشيء المأمونة نتائجه فلا يلتفتون إلى أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من نعمة الاختيار واتخاذ القرار.
وباختيار الرجل هكذا امرأة سيهنأ في البداية بفتاة تجيد قول نعم حاضر ولا تخرج عن قمقم الطاعة المرسوم ثم تمتد الأيام ويطحن الزوج في مشاغل الحياة وتجد الزوجة نفسها أمام مهمة تربية الأبناء لوحدها ومن دون توجيه يذكر.
وأتذكر في هذا الصدد قصة بعنوان الغولة من كتاب 55 مشكلة حب يحكي فيها صاحبها للدكتور مصطفى محمود كيف أنه لا يثق بجميع نساء زمنه من المتعلمات وحين تزوج اختار قطة مغمضة ضمن معها أنه سيعيش مرتاحا فهي امرأة لا تغري أحدا من الرجال لكن وبعد الزواج تحولت من قطة تموء إلى ذئب يعوي وباتت تعامله كقشرة موز لا نفع فيها ولا تحتاج إليها.
وأضحت تلك النعجة كبشا أقرن وكائنا ممسوخا على هيئة غول.
فما كان من الدكتور مصطفى محمود إلا أن وضح له أن المشكلة الحقيقية فيه.. وفي هذا النمط من التفكير الذي أضاع الأمة .
فكيف للمرأة أن تربي جيلا وهي حبيسة المنزل لا تعلم شيئا عن معارك الحياة؟!
كيف تربي جيلا قويا وهي لا تعرف كيف هي أحوال الدنيا وتقلباتها؟!
كيف تربي جيلا سويا وهي لا تعرف من أمور التكنولوجيا شيئا يذكر؟
وإذ يُطْرَحُ هذا التساؤل في وسائل التواصل الاجتماعي نفاجأ بردود الشباب ومقارنتهم بين النموذج غير المتعلم وجيل الأمهات الأميات فيقولون إن التربية شيء فطري لا يحتاج علما ولا تكنولوجيا وأن أمهاتنا أنجبن الرجال دون حاجة لشهادة أو فيس بوك أو غيره.
في حين أن هذه المقارنة وهذا القياس خاطئ ففي زمن الجدات والأمهات لم تكن هنالك مشتتات وملهيات ووسائل تواصل وتكنولوجيات حديثة أما عصرنا فهو عصر المعلوماتية والتكنولوجيا ويلزم على الآباء والأمهات ألا يكونوا غرباء عن زمن أبناءهم وأن لا يجهلوا لغة العصر التي أصبحت ضرورية لمواجهة الغزو الفكري الناعم الذي يتسلل إلينا عبر هذه الوسائل.


قياس خاطئ
والقياس الخاطئ الآخر الذي لا يصح هو قولهم إن التعليم الجامعي لا يرتقي بطالباته لأنه تعليم لأجل الوظائف وحسب.. وأنه لا فرق هنا بين الجامعية المتعلمة والتي لم تكمل تعليمها وأن العبرة بالأخلاق والتربية والعلم الشرعي من مظانه.
ونحن إن سلمنا بهذا القول وأن كل التخصصات الجامعية مهنية بحتة إلا أن القياس فاسد ولا يصح.
ولا يمكن بحال مقارنة الانسان المتعلم مع من هم دونه وأن البيئة المتعلمة تؤثر في الأفراد وتنعكس إيجابا على أخلاقهم وذلك لعدة أسباب هي الصحبة والجو العام ومخالطة أصحاب التخصصات الأدبية والعلمية والثقافية والفكرية وكذا الشرعية وبالتالي تداخل العلوم واكتساب المعارف ورقي الفكر والأخلاق التي تنمو بطول المعاشرة.
وأن الابتعاد عن هكذا جو سواء للشاب أو الفتاة ينسي المرء كل المعارف المكتسبة وتكسبه معاشرة الدهماء ومحدودي الفكر والعلم ثقافة شعبية تسهم بتردي المستوى المعرفي والفكري والشرعي وكذا السلوكي.
فإذا كان هذا حال الشاب فكيف تصبح الفتاة الماكثة بالبيت حين تغرق في مستنقع الأيام غير المنضبطة بنظام أو جدول؟
يقول حمزة أبو زهرة: أشُكَّ يومًا في أن المرأة أولى بالوعي من الرجل كثيرًا ذلك بأنها أخصُّ بتربية الأبناء منه يشهد لهذا الخبر والنظر والعالَمون وإنهم لذخيرة الإسلام والحياة.
وإذا كان الشأن أنه لا يفيض عنا إلا ما تمكن منا قانونًا بشريًّا لا يتبدل ولا يتحول فالواجب أن تمتلئ المرأة وعيًا برسالتها حتى يفيض منها على أبنائها فيضًا ضروريًّا لا كُلفة ولا مشقة ولا عناء ويعْمُر بألطف الأسباب وأيسر الأدوات قلوبهم وعقولهم.
من فَقِهَ هذا من الرجال أعان المرأة -لزامًا- عليه والدًا أو أخًا أو زوجًا أو ذا محرم منها إما بنفسه إن استطاع إليه سبيلًا أو بغيره من الأسباب الآمنة التي تمكنها منه.


أهم حلقة 
أما أن تُترك المرأة هَمَلًا تُوحشها سآماتُ الفراغ والبطالة ولا تتصل برسالتها إلا بنسب واه وهي في وسائلها بين بتراءَ وشوهاءَ ثم يحاسبها الناس -أقربين وأبعدين- على مآلات الأبناء هذا الحساب القاسي فهذا من أشدِّ الظلم البيِّن الذي تنزهت عنه شريعة أحكم الحاكمين . انتهى كلام-حمزة أبو زهرة.
لذلك صار لزاما علينا الالتفات إلى ذلك فنحن ننادي بالإصلاح ونفسد أهم حلقة فيه المرأة .
القياس الآخر الفاسد الذي يقول إن كل من تلزم البيت طاهرة عفيفة وكل من تعمل أو تدرس ماكرة خبيثة هو قياس فاسد أيضا ولعل هذا الاقتباس المنقول يوضح المقصود:
لا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا ونحن نعتقد أنهن مصونات بقوة الحراس واستكمام الأقفال وارتفاع الجدران؟
أيقبُل من مسجون دعواه أنه رجل طاهر لأنه لم يرتكب جريمة وهو في الحبس؟ فإذا كانت نساؤنا محبوسات محجوبات فكيف يمكنهن أن يتمتَّعن بفضيلة العفَّة؟ وما معنى أن يقال إنهن عفيفات؟ إن العفَّة هي خلق للنفس تمتنع به من مقارفة الشهوة مع القدرة عليها ولعل التكليف الإلهي إنما يتعلَّق بما يقع تحت الاختيار لا بما يستكره عليه من الأعمال فالعفَّة التي تُكلَّف بها النساء يجب أن تكون من كسبهن ومما يقع تحتَّ اختيارهن لا أن يكن مستكرهات عليها وإلاَّ فلا ثواب لهنَّ في مجرِّ د الكف عن المنكر والحقيقة أننا نعمل عمل من يعتقد أن النساء عندنا لسن أهلاً للعفَّة أليس من الغريب ألا يوجد رجل فينا يثق بامرأة أبدا مهما اختبرها ومهما عاشت معه؟ أليس من العار أن نتصور أن أمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا لا يعرفن صيانة أنفسهن؟ أيليق ألا تثقَّ بهؤلاء العزيزات المحبوبات الطاهرات وأن نسيء الظن بهن إلى هذا الحد؟
إني أسال كل إنسان خالي الغرض: هل هذه المعاملة يليق أن يعامل بها إنسان له من خاصة الإنسان ما لنا؟ فهو مثلنا له روح ووجدان وقلب وعقل وحواس وهل سوء الظن في المرأة إلى هذا الحد يتَّفق مع اعتبارنا لأنفسنا واعتبار المرأة لنفسها؟ .


..يُتبع..