الإسلام يركز على طلب أشكال المعرفة داخل القيم الخالدة

  • PDF

مراصد
إعداد:جـمال بوزيان
في ظل فصل الحضارة الغربية الفكر على الواقع والدين عن الدنيا
الإسلام يركز على طلب أشكال المعرفة داخل القيم الخالدة

تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات في مختلف المجالات وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِهابِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
*****
الحضارة الإسلامية تحكمها قيّم روحية مستوحاة من روح الوحي
أ‌. حميد لعدايسية

سؤال العالمية في الحضارة الإسلامية؟
بكل موضوعية اجتهادية وعلى ضوء الوحي الذي كان سببا لميلاد الحضارة الإسلامية واستمرارها لأنها حضارة وحي وليست حضارة(نص) كما يذهب الى ذلك الدكتورنصر حامد أبو زيد في كتابه الموسوم (مفهوم النص) أوحضارة (فقه) كما يذهب الى ذلك الجابري في كتابه الموسوم (تكوين العقل العربي).. إن الحضارة الإسلامية إذا تحكمها قيم روحية مستوحاة من روح الوحي وهي ضابطة لأفعال وممارسات البشر كأفراد ومؤسسات أو كدول وهي من شأنها تنظيم العلاقات البينية الداخلية داخل المجتمع والعلاقات الدولية أما الابستمولوجيا الغربية فتفتقر إلى هذه الرؤية وبذلك فإن الحضارة الغربية المتدهورة على حد قول شبنلجر في مجلديه الموسومين (أفول الغرب) وتدهورها ناتج عن عدم صحة المنطلقات التي بنيت عليها خصوصا منطلقات التنوير والنهصة وما صاحبها وظهر فيما يسمى (مرحلة ما بعد الحداثة) وما إلى ذلك من ثقافة المابعد (post)التي تعبر عن أزمة الثقافة الغربية التي تحاول الهروب إلى الأمام فأصيبت بالاحتباس لأن هذه الحضارة قامت في أساسها على تصور يفصل الفكر على الواقع والدين عن الدنيا تصور نابع من ثنائية العقيدة والتاريخ اللذين كانا دائما في صراع مرير.
بينما تمتاز عالمية الحضارة الاسلامية بخصوصية ظاهرة تقوم على مبدإ (ظاهرة المكان والزمان) فما هو تحديد مكاني وزماني للحضارات الأخرى لا ينطبق على حالة الحضارة الإسلامية التي بدأت كروحانية أصلها من حيز جغرافي ثم ما لبثت أن صارت نحو (عالمية مكانية) إضافة لهذه الروحانيةيرمز الوحي إلى مفارقة على درجة كبيرة من الأهمية ليس فقط من حيث دلالات القرآن على التمايزات التاريخية والظواهر المادية والفكرية والسلوكيات العامة وإنما وبصورة أدق من حيث خصوصية نحو العالمية والشمولية بوصفها غاية ناتجة في الأصل ومتواصلة معه وبعبارة أدق فقد أرفق الله الإنسان برؤية معينة تجاه العالم تجعل تواصله -أي الإنسان- مع الله لايقف في (مكان) ولا ينتهي في (زمان) (بل صراطا مستقيما)يسير على نهجه في سياق استكمال تجربته الإنسانية المتصالحة باستمرار مع الإرادة الإلهية وبذلك تأسست الحضارة الإسلامية إذا وتحددت طبيعتها طبقا للإجابة عن الأسئلة النهائية أو الكلية وهي الأسئلة المتعلقة بالإله والكون والغيب والحياة ومن ثم استمدت تكاملها لتكون عالمية منقذة للتجارب الإنسانية والمنقذة للبشرية من الهلاك.


سؤال الصراع في الحضارة الغربية؟
تُعرَف الحضارات بأضدادها وذلك بالمنطق الغربي المتغطرس والمهيمن والسبب في ذلك أن الاستشراق جزء مكون لروح الحضارة الغربية وهناك من يري أن الروح العامة للفكر الغربي هي روح صراعية صراع مع الطبيعة صراع مع الآخر صراع مع الآلهة..المنطق الصراعي هو المسيطر وبالتالي قد يكون الاستشراق من المكونات الرئاسية والكبرى الفكر الغربي حيث استطاعت أوربا استغلال تطورها التاريخي والفلسفي لتؤسس أيقونة رمزية لفكرها وتؤصل لجذوره الفلسفية مما قادها الى نسق حضاري قررته المركزية الغربية في قولها: (بالخصوصية المطلقة للتاريخ الغربي) وحضارته التي انضجتها عوامل خاصة وداخلية وهي وجهة النظر التي رسخت مقولة: (الإنسان مركز كل شيء ومقياس لكل شيء وتحول مركز الكون من الله إلى الإنسان في تكوين الوعي الحديث).
وقد وظفت الدراسات الاستشراقية توظيفا أيديولوجيا في تبرير مشروعية الإبداع الحضاري للحضارة الإسلامية وجاءت نتائج كثيرة من هذه الدراسات لتؤكد نظرة الفكر الغربي المثقل برواسب التاريخ على غيره من اجناس العالم وظهرت النزعة العنصرية التي تعمل على تمجيد الثقافة الغربية كنسيج حضاري نموذجي مهيمن على بقية الحضارة والثقافات وهذه الرؤية في الحقيقة رؤية أيديولوجية غربية تعكس نزعة الاستعلاء والشعور بالتفوق لدى الإنسان الغربي.
بينما تقوم الابستمولوجيا الإسلامية كما أشرنا إليها سابقا والتي تركز على طلب كل أشكال المعرفة داخل القيم الخالدة التي هي حجر الزاوية في الحضارة الإسلامية التي تعد كل الناس أبرياء بالفطرة لديهم القدرة على التمييز بين الخير والشر وهم أحرار في الاختيار طبقا لقدرتهم العقلية.
ومبدأ التوحيد هو الناظم المعرفي الذي يحدد مفهوم الإنسان والإنسانية... والعلاقات التي يمكن أن تربط بين البشر... وهذا ما تطرقنا إليه سابقا.... والقاسم المشترك بين القرآن الكريم والابستمولوجيا هو الوعي المفتوح فالقرآن يسمو بالابستمولوجيا نحو المطلق الكوني ويتعامل بوصفه كائنا كونيا جامعا بين منهج (الجمع بين القراءتين) قراءة الكون المفتوح والكتاب المسطور على حد قول (حاج حمد) في كتابه (العالمية الإسلامية الثانية) وفرق بين سؤال الصراع وسؤال العالمية.


*****
الفلسفة الشعبية للنقود الوجه الثقافي في حضارة الشعوب
ط‌. د. سهيلة خير الله


عواصف وأزمات الواحدة تلوىالأخرى تضرب حياة المواطنين.. وخاصة في ظل تدني القدرة الشرائية هذه السنوات الغلاء وارتفاع الأسعار في كل السلع.. وكل ما له علاقة بالضرورياتفي الحياة الاجتماعية.. مآل هذا الواقع المرير.. يقضي بنا إلى مطارحات عدة لنعيد سؤالا في مضمونه الفلسفي طرح من قبل ونشر في العديد من الأبحاث والمقالات عن علاقة النقود بأنماط الحياة وفلسفتهم اليومية وعلى مستوى المعيش في تشكيل وجه ثقافي يحفظ الهوية الحضارية للمجتمعات.
إذن لنعد لبعض أمثالنا الشعبية في هذاالسياق بلغتنا الدارجة الجزائرية مثال ذلك: عندك
دورو تسوى دورو ما عندكش إذن عند الناس راك ما تسواش الدراهم تحطها على فم الميت يتبسم المسوس من يدخل السوق بلا فلوس شكون صاحبك؟ صاحبي هو الدورو ...من مقال نشره الأستاذ نبيل سليمان في موقع ضفة ثالثة يوم 1/3/2023 عزّز طرحنا عنكيف تؤثر النقود في نمط الناس وفي علاقاتهم؟ سؤال مغو ويبدو أنه بسيط
وأليف كما يبدو أنه ضروري بخاصة لمن يكتب الرواية أو المسرحية أو السيناريو أو لمن يُخرج فيلمًا سينمائيًا أو مسلسلًا تلفزيونيًا لأنه سؤال يتعلق بأعماق وبواطن الأفراد والمجتمعات أي ببواطن النفس فرديةً كانت أم مجتمعية بقدر أو بأكثر من تعلقه بالاقتصاد.
ولكن قبل أن أذهب أبعد عن صلب الموضوع نحاول أن نستذكرأو لنقل تحيين من كتبوا عن صلة العلاقة بين النقود والفلسفة ومنهم الفيلسوف الألماني جورج زيميل
(1918.1858) صاحب كتاب معنون فلسفةالنقود صدر عن سلسلة ترجمان في المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات ترجمةعصام سليمان يعد هذا الكتاب من الكتب السوسيولوجية المتميزة في تاريخ علم الاجتماع الحديثاعتمد فيه مؤلفه المنهج التاريخي والسوسيولوجيا الشكلية فهو لا يتناول النقودمن منظور اقتصادي بل يصبّ اهتمامه على البنية المنطقية للنقود وتأثيرها في حياة الإنسان والمجتمع وفي الثقافة الحديثة إجمالًا.
فيكفي أن تقرأ مقدمته لكتاب فلسفةالنقود لترفع عن فحوى عقدة النقود وعن عصارة
الكتاب ابتداءً بالسؤال الأساس: ما الفلسفي في فلسفة النقود؟
يجبب جورج زيميل باستنكار الفلاسفة والاقتصاديين أن يكون للنقود فلسفة لكن زيميل يرى
أن النقود نمط أولي للرمز الثقافي وبالتالي لا يقيد الرجل نفسه في الاقتصاد فقط تأسيسًا على أن عملية تبادل المنتجات ليست فقط حقيقة اقتصادية بل قد تكون حقيقة نفسية أو أخلاقية أو جمالية ويتّصل بذلك أنالنقود حين ترمز إلى علاقات القيمةفي التبادل إنما تحيل على مستوى آخر من العلاقات أي على التفاعلبين الناس هذا التفاعل الذي يشكل 
نواة المجتمع . فالتبادل ليس محض واقعة اقتصادية بل هو عملية اجتماعية أيضًا والعلاقات بين الأشياء ذات القيم تعكس العلاقات بين الأفرادوتقيسها وتتدفق الأفكار وتتطور حسب زيميل وتتفاعل وتتناسل. 
إذا بالنقود تشجّع على إلغاء الفروق بين البشر لكنها تضاعف الفروق أيضا وبالنقود لا تعكس العلاقات بين الناس فحسب بل تغيرها أيضا وتقوم بوظيفة مزدوجة فهي إما أن تقرب أو أن تباعد بين الذات والموضوع وتأثيرها ليس محدودًا بتغيير العلاقات بين الناس بل يمتد إلى تغيير علاقة الناس بعالم الأشياء.
ومنهم من رأى أن كتاب فلسفة النقود معادل لكتاب كارل ماركس رأس المال إن لم يكن مكملًا له. وزيميل نفسه حدّد هدف تحليلاته للنقود منهجيًا مؤكدا على بناء طابق جديد تحت المادية التاريخية .
في القسم التحليلي من كتاب فلسفة النقود تتوالى تحليلات زيميل معتبرا النقود والموضة 
شكلان من أشكال التفاعل الاجتماعي وإذا بالاهتمام بالنقود يصبغ جميع نواحي حياتنا وعصرنا مثلما كان في حقبة تدهور اليونان وروما ويتابع زيميل أنه ربما يبدو ضربا من 
سخرية التطور التاريخي أن تتطور قيمة النقود ـ وهي حصرًا وسيلة ـ بينما تضمر غايات الحياة النهائية التي تحقق الرضى وتحل النقود محلها.
ومن وضعنا المتأزم وما راج في اللغة السياسية العربية من سقوط النقود وتهاوي قيمتها في وجه النقود الغربية ما هو إلا انكفاء على الذات في وجه شعوبها.
ماذا لو نتّبع أفكار زيميل في بلورته للنتائج النفسية لموقع النقود الغائي مثل الجشع والبخل والتبذير والفقر الزهدي والكولسة الحديثة وكل سلوكات الاحتيال؟ 
بالنمذجة تكون للأسئلة صياغات جديدة كالسؤال عن تأثير النقود في نمط عيش المواطن التي قلبت عالي المجتمع والاقتصاد سافلًا. ما الحل الممكن لمعادلة رواتب الموظفين المستحيلة؟ هل من حلّ غير الرشوة والنهب واللهط والشفط والسرقة والتسوّل وبيع الأعضاء والدعارة؟ وإذا كان التفاعل بين الناس يشكّل نواة المجتمع فما هي نواة المجتمع الجزائري اليوم في الداخل؟ ما نواته اليوم ثقافيا التي تسيطر عليها بقايا مرتزقة قصر الإليزيه؟بالأحرى هل ما تزال لهذا المجتمع طبقةتعيد نواته الحضارية؟ أم اكتمل بدده وتشظيه؟
إذا كانت فلسفة النقود مرتعا ومراحًا للمفكر والاقتصادي والسياسي وللمثقف بعامة فهي أيضًا مراح شعبي وربما يصحّ القول إذًا بالفلسفة الشعبية للنقود أو بفلسفة النقود الشعبية كما يبدو في خزانة الحكمة الشعبية: الأمثال العامية أو الشعبية وما أكثرها كالأقوال السابقة التي ذكرنا بعض منها...ومثلها: هذا العبد مايسواش فرنك من عندو دورو الناس قاع يزغرتولو الدراهم مراهم ماعنديش فرنك في جيبي ...
في هذه الإضمامة من الأمثال الشعبية الجزائرية التي لها شبيه في سائر اللهجات العربية تخرجالنقود من إهابها الاقتصادي إلى الفضاءات الأخلاقية والنفسية والاجتماعية وهي وإن كانت قديمة تتوارثها الأجيال إلا أنها تخاطب بدرجات ما نحن ـ كجزائريين-عليه في العشرية الأخيرة حيث برزت مثلًا شخصية جديدة من القاع الاجتماعي فقيرة ومحدودة الثقافة بعامة لكن السلطة وعنف الصراع وتعقيداته والجهالة واستفاقة الوحشي والبدائي  
والأمثلة في الحياة اليومية الجزائرية لا تحصى. وللألسن إذًا أن تلهج وتتوارث منذ زمن الاستعمار الفرنسي إلى يومنا هذا..جيل ما يزال يعلّق بعملة المستدمر: عندك فرنك تسوى فرنك معك قنطار تسوى قنطار وتلهج: والله فرنك ماعندي تضمين نفسي وثقافي للتبعية الاستدمارية. بين تعالي قيمة نقدية عن قيمة محلية ومن يجيب على السؤال عن فعل النقود في تشكيل الشخصية الجزائرية؟ وهل لها فعل ما في الوطنية أيضًا؟هل هي فعلا رمز للسيادة والهوية؟ والشباب ما يزال يلهث وراء الهجرة ونقود الآخر الفرنك والأورو والدولار هربا من الوطن؟.



*****