الاختلاف قائم منذ العهد النبوي بين مدرستي النص و القصد

  • PDF

مراصد
إعداد:جـمال بوزيان

مشروعية إخراج زكاة الفطر مالا
الاختلاف قائم منذ العهد النبوي بين مدرستي النص و القصد

تَرصُدُ أخبار اليوم مَقالات فِي مختلف المَجالاتِ وتَنشُرها تَكريمًا لِأصحابِها وبِهدفِ مُتابَعةِ النُّقَّادِ لها وقراءتِهابِأدواتِهم ولاطِّلاعِ القرَّاءِ الكِرامِ علَى ما تَجودُ به العقولُ مِن فِكر ذِي مُتعة ومَنفعة ... وما يُنْشَرُ علَى مَسؤوليَّةِ الأساتذةِ والنُّقَّادِ والكُتَّابِ وضُيوفِ أيِّ حِوار واستكتاب وذَوِي المَقالاتِ والإبداعاتِ الأدبيَّةِ مِن حيثُ المِلكيَّةِ والرَّأيِ.
*****
فتوى زكاة الفطر
أ‌. د. ماهر الشلال

زكاة الفطر وأقوال العلماء فيها:
مع دخول العشر الأواخر من رمضان كل عام يكثر الجدل والجدال حول مدى مشروعية إخراج زكاة الفطر مالاً ونظل ندور كل عام في ذات الدائرة وكأننا نبدأ النقاش فيها للمرة الأولى ويُنبئنا هذا الجدل عن أزمة عميقة الجذور في الأمة في إدارتها وتعاملها مع الاختلاف في قضايا الفروع والاختلاف قائم منذ العهد النبوي بين مدرستين: النص والقصد لكن تعامل الصحابة والسلف والأئمة معه لم يكن كتعاملنا نحن اليوم حيث غدا الاختلاف فيالفروع سبيلا للتفسيق والتشنيع والتبديع والتحزيب والتفريق بينما كان السابقون شعارهم قول الإمام الشافعي: ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في المسألة .
تفصيل المسألة مع الترجيح:
اختلف أهل العلم سلفاً وخلفاً في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر على قولين مشهورين:
1- جمهور أهل العلم:ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يلزمه إخراجها من قوت بلده ولا يجزئه إخراج القيمة.. واستدل الجمهور:
٭ بأن هذا هو الذي ورد في السنة النبوية وزكاة الفطر من العبادات والأصل في العبادات التوقيف فيجب الوقوف عند حدود النص والدراهم والدنانير كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها.
٭ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْر أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
٭ وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ فَأَعْطَى الشَّعِيرَ.
٭ وَلِلْبُخَارِيِّ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْم أَوْ يَوْمَيْنِ.
٭ وَعَنْ أَبِي سَعِيد رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَام أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِط أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب . أَخْرَجه الشيخان.
٭ وَفِي رِوَايَة : كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَام أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيب أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِط فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: إنِّي لَأَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّام يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْر فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ . قَالَ أَبُو سَعِيد : فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: قَالَ أَبُو سَعِيد : فَلَا أَزَالُ... إلَخْ. وَابْنُ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَة أَوْ في شيء مِنْهُ.
2- الأحناف:
ذهب الأحناف إلى جواز إخراج القيمة وهو مذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. (فتح الباري 5/57).

واستدلوا بأمور:
٭ أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة.
٭ كما أن الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.
٭ ما ذكره ابن المنذر من أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري 5/144).
٭ روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ قال البخاري: فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا . قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً وفي جواز إخراج العوض في الزكاة وبوّب البخاري باباً سماه باب العرْض .
٭٭ واهم من يتحدث في المسألة أن أبا حنيفة فقط هو من قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر والحقيقة على خلاف ذلك. وهذه قائمة بالفقهاء الذين قالوا بالقيمة.
٭ من الصحابة رضوان الله عليهم: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عبّاس ومعاذ بن جبل.  قال أبو إسحاق السبيعي من الطبقة الوسطى من التابعين قال: أدركتهم ـ يعني الصحابة ـ وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174 وعمدة القارئ: 9/8).
٭ ومن أئمّة التابعين: عمر بن عبد العزيز فعن قرّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كلّ إنسان أو قيمته نصف درهم. والحسن البصري قال: لا بأس أن تعطى الدّراهم في صدقة الفطر وطاووس بن كيسان وسفيان الثوري. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174 وموسوعة فقه سفيان الثوري: 473 وفتح الباري: 4/280).
٭ ومن فقهاء المذاهب أبو عمرو الأوزاعي وأبو حنيفة النعمان وفقهاء مذهبه وأحمد بن حنبل في رواية عنه والإمام البخاري وشمس الدين الرملي من الشافعية ومن المالكية: ابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن وهب وقال الشيخ الصاوي: الأظهر الإجزاء لأنّه يسهل بالعين سدّ خلّته في ذلك اليوم .
٭ وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرارا بجواز دفع القيمة قرار 4/23 جوان 2013م.


القول بإخراج الزكاة قيمةً ترجيحًا بالقياس:
قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحَبَّ من الحَبِّ والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر) وهو صريح في دفع الأعيان لكن معاذاً رضي الله عنه فهم قصد الزكاة ولم يتعامل مع النص على أنه تعبدي غير معلل فقال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس {أنواع من الأقمشة} في الصدقة مكان الشعير والذرة فإنه أهون عليكم وأنفع لمن بالمدينة وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولئن جاز في الزكاة وهي الأعلى جاز من باب أولى في زكاة الفطر وهي الأدنى.
الترجيح مقاصديًّا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم (السنن الكبرى 4/175) والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام فالمقصود هو إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد.
فكثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.
٭ ثم إن القول بتعبدية الأصناف المذكورة في الحديث يوقعنا كمسلمين في حرج عدم مناسبة الإسلام لكل زمان ومكان. على أن الرافضين لدفع القيمة يلجؤون لتقصيد العبادة فلا يلتزمون بالأصناف الواردة في الحديث ويقولون بإخراجها من غالب قوت البلد وهو إقرار بالتعليل والتقصيد وهو أساس ودليل دفع القيمة غير أننا قلنا بالخروج عن الأصناف الواردة في الحديث إلى المال وهم قالوا بالخروج عنها إلى غالب طعام أهل البلد.
الراجح والله أعلم:
يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر إذا كان ذلك أنفع للفقير لا سيما في الدول التي يصعب إخراج الزكاة فيها طعاماً أو تقل فائدتها ويضطر الفقير لبيعها والاستفادة من قيمتها.
٭ كما يجوز توكيل الأهل في الوطن بإخراجها عن المبتعث أو المسافر وإن كان الأولى إخراجها في البلد الذي أدركه العيد وهو فيه.
٭ويجوز توكيل أحد الأقارب بإخراج زكاة الفطر في وطنه الأصلي والأولى إخراجها في البلد الذي يقيم فيه.
ملاحظة:
تحديد مقدار زكاة الفطر يدخل في باب التحديد للأضعف (ي على الفقير الذي تجب له الزكاة)ولا حد لأكثرها فعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره... والله تعالى أعلى وأعلم.


*****
المسجد حصن منيع يشغل الأطفال بالعِلم والمعرفة ويربيهم على محاسن الأخلاق
أ‌. سعاد عكوشي




ظاهرة تردّد الأطفال على المساجد –في الأحوال العادية- ظاهرة صحية تدعو إلى التفاؤل وتحتاج إلى توجيه واستثمار فكلّنا نرى كيف أضحى من العسير في زمن الإلهاء والإغواء أن تُقنِع طفلا بالصّلاة؟ فضلا عن إقناعه بالمحافظة عليها في المسجد ونسمع عن آباء تذرف قلوبهم دموع الحسرة على أبنائهم الذين يسلكون كلّ طريق غير طريق المسجد ويجدون الوقت لكل شغل غير الصّلاة ويتمنّى الواحد من هؤلاء الآباء لو يجد ما من يعينه على أبنائه ليتعلّقوا بالصّلاة والمساجد.
وفي مساجد كثيرة يتعامل المصلون خاصة كبار السن مع الأطفال على أنهم شياطين لا هم لهم سوى اللعب واللهو والتشويش على المصلين حيث يتذكر الكثير منا عند ما كان يافعا يرتاد المسجد تعنت الكبار وسوء معاملتهم لنا ذلك الوقت بداية من نظرات الازدراء في أحسن الأحوال والطرد في أسوإها وبخاصة في رمضان حينما يضرب المساجد الزحام.. والإنصاف يقتضي منا عدم التعميم لأن هناك صنفا اخر من الأطفال على درجة من الاحترام والأدب يصلون في سكينة وينضمون إلى حلقات الذِّكر والحفظ بانتظام ومع ذلك يجدون معاملة فظة من طرف الكبار ناسين تعب آبائهم في تربيتهم على حب المساجد.. فقد يبدر من بعض الصغار تصرفات يمكن إصلاحها بتعليمهم آداب المسجد بالابتسامة والموعظة الرقيقة.. مع التنبيه إلى أن المسجد مكان للعبادة ولا يليق به أن تنقل إليه أخلاق الشارع والسوق.. هذه الحقيقة ينبغي أن يتعلمها حتى الكبار الذين يرفعون أصواتهم بأحاديث الدنيا.. ويشوشون على الذاكرين والمصلين.
ومثل هذه المواقف جارحة مريرة الوقع على قلوب الأطفال لا يمحو أثرها مرور السنين والمرات التي حرموا فيها الصف الأول أو طردوا لمجرد أنهم صغارا لا أحسبها تنسى.
إن المسجد هو مدرسة الطفل الأولى فقبل أن يذهب إلى المدرسة لتعلم الحروف والأرقام يذهب للمسجد للصلاة مع والده وتذهب الفتاة الصغيرة مع أمها لسماع درس ديني أو لتحفظ القرآن.
فالمسجد الذي هو محضن التربية ومدرسة التهذيب وواضع اللبنة الأولى لدين الله في قلوب هؤلاء الفتيان الصغار صار في أنفسهم كالحمى يحيطه جدار عظيم يعلوه سياج شائك يحرم عليهم تخطيه أو الاقتراب منه.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فقد كان مسجده لا يخلو من الصبيان أبدا وهذا الحسين رضي الله عنه صبي يرتحل ظهر رسول الله وهو يصلي بالناس فيطيل السجود حتى يقضي الحسين حاجته وينزل.
وكان صلى الله عليه وسلم أحلم وأرفق ما يكون بالصغار يلعب معهم ويوجههم ويعلمهم ويربيهم بالرفق حينا والحزم حينا يرفع من قدرهم ويحملهم المسؤوليات ويكلفهم بالمهمات حتى إذا ما شبوا كانوا أسامة بن زيد وعبد الله بن الزبير.
إن اصطحاب الطفل المميز إلى المسجد ضرورة في زمان صار أطفالنا فيه عرضة لهجمات ممنهجة تريد تشويه أخلاقهم وعقيدتهم.
نحن في جوف معركة الوعي وهي حرب حقيقية والمتخاذل فيها مهزوم.. إما أن نكون قدوة لأطفالنا فننقذهم أو نتركهم للشاشات وقاعات الألعاب والملاهي والشوارع فيضيعوا ويضيع أمل الأمة فيهم.
لطالما كانت المساجد مصانع الرجال فالمسجد محضن تربوي ذو أثر عظيم يحافظ على الفطرة وينمي الموهبة ويربط النشء بربه ويطبع فيه المثل والقيم والصلاح بتأثير من الصالحين من رواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة. ومعلوم أن الطفل يكتسب الصفات التي يراها وتتردد عليه باستمرار فيكتسب معالي الأخلاق ويتصف بأجمل الصفات فخير الناس هم أهل المساجد وهم أهل القرآن أهل الذكر والدعاء.
وترى الطفل وهو ينظر إلى الصفوف المرصوصة بانتظام ويرى حركة المصلين المنتظمة فترتسم في نفسه معالم النظام وترتيب الحياة ويعلم –أيضاً- الطريقة المثلى للتعامل مع الناس لأنه قد اختلط بهم واستفاد من النظر إلى تصرفاتهم ويرى طاعة المأموم لإمامه واحترام الصغير للكبير ومما يكتسبه –أيضاً- الشجاعة وترك الخوف لكثرة ما يلقى الرجال ويشاركهم في أفعالهم.
ومن أبرز ما ينطبع على مشاعر الطفل هو الشعور بالمجتمع المسلم ووحدة الأمة من خلال مجتمع المسجد الصغير الذي يظهر فيه الحب والإخاء.
ويتعلم الطفل القراءة الصحيحة وتذوق الآيات القرآنية وتدبرها مع تعلمه ما يسمعه من الآيات والأحاديث والفقه والعقيدة وغيرها من علوم الشريعة ويحفظ الطفل في بيوت الله من أهل الشر والفساد ممن خاضوا لجج المعاصي والشهوات فإذا بالمسجد كالحصن الحامي يشغل الأطفال بالعلم والمعرفة ويربيهم على معالي القيم ومحاسن الأخلاق.
*****