منطقة تاجنة ··أكبر بلديات الشلف تعاني العزلة والتهميش !

  • PDF

في جولة ميدانية قادتنا لبلدية تاجنة بالشلف، والتي طالما سمعنا عنها ارأينا تسليط الضوء على معاناة سكانها ولم يكن يخطر ببالنا أن تطرح أزمة العزلة بتلك الحدة التي رصدناها إلى درجة أنها أصبحت بمثابة هاجس يؤرق يومياتهم، بل يضرب بها المثل في جملة الانشغالات والنقائص والعزلة القاتلة، بالرغم من أنها من بين أهم البلديات ورغم أنها لا تبعد عن مقر الولاية إلا بـ 37  كيلومترا.

يعيش أكثر من 24 ألف و399 نسمة في عزلة تامة فرضها موقعها الجغرافي من جهة وإهمال المسؤولين من جهة أخرى، حسب مرافقينا، وفي جولتنا التي حاولنا من خلالها الوقوف أمام ما يتكبده هؤلاء من تهميش ومعاناة، ونحن نتوجه نحو مدخل البلدية التقينا بأحد ضحايا العشرية السوداء  وما إن عرف هويتنا بدأ يسرد علينا قصة المنطقة، التي تحولت وخلال فترة وجيزة من العشرية الدموية إلى مقصد كل سكان المحافظات المجاورة والدواوير، وبفعل النزوح الريفي والهجرة الجماعية هروبا من المجازر، سيما المجزرة التي وقعت بدوار العياشيش وواد الرمان والتي تعد اكبر مذبحة شهدتها سنوات التسعينات عبر كامل الوطن وبذلك أصبحت المنطقة تشهد اكتظاظا كبيرا مما كانت عليه، حيث كانت منطقة ذات طابع فلاحي بالدرجة الأولى، غير أن هذا لم يدم بفعل الأزمات التي عرفتها المنطقة سنوات التسعينيات حتى أزمة السكن الذي ساهمت وبشكل كبير في الفوضى والاكتظاظ الذي أصبح يميز المنطقة·

شبكة الغاز حلم السكان

في هذا الصدد، أعرب هؤلاء السكان عن تذمّرهم من الوضعية التي  يتخبطون فيها جراء مشكل الغاز الطبيعي الذي لا يزالون يحلمون به، أملين وصل صدى معاناتهم إلى السلطات الوصية عبر هذا المنبر الإعلامي، واتخاذ الإجراءات اللازمة في سبيل وضع حد لمعاناتهم في البحث عن قارورات غاز البوتان سيما وأن مقر شبكة الغاز لا يبعد عن البلدية إلا بـ كيلومتر فقط، إلا أنهم محرومون من هذه المادة الضرورية خاصة في فصل الشتاء أين تكون العائلات بحاجة ماسة إليها· وفي السياق ذاته يقول أحد قاطني البلدية أن المنطقة تتميز بالبرودة الشديدة  ضف إلى ذلك مشكل غياب الإنارة العمومية في بعض الأحياء الذي زاد من مخاوف السكان وحوّل حياتهم إلى جحيم لا يطاق· من جهة أخرى عبر لنا محدثنا مع العديد من القاطنين بالمناطق المجاورة على غرار منطقة ظهر المداح وعجاب وبني ما غليف تحدثوا إلينا عن مشكل النقل خاصة وأن هذه الأحياء تبعد عن موقف النقل الوحيد المتواجد على مستوى البلدية بكيلومتر ونصف كيلو متر، غير أن هذه المسافات تقطع وبشكل يومي مشيا على الأقدام أمام غياب وسائل النقل، ورغم ما قدمه من شكاوي إلى المسؤولين غير أن ذلك لم يُجد نفعا، نفس المعاناة تتجرّعها العديد من الأحياء الأخرى أين يعيش قاطنوها ظروفا مزرية في ظل غياب أهم متطلبات العيش الكريم من مياه صالحة للشرب، الغاز، ولم يبق في وسع عدة عائلات القاطنة بالبلدية تحمّل المزيد من تداعيات تلك الوضعية مما دفعهم إلى رفع شكاوى عديدة إلى مسؤولين، فما يشد انتباه الزائر ولأول مرة للمنطقة هي الحالة المزرية التي تشهدها معظم الأحياء، كحي 200 مسكن وغيرها من الأحياء التي تتواجد على مستوى المنطقة، وما زاد الطين بلة هو انعدام الإنارة العمومية في مختلف الأحياء كحي عباس الحاج  هذه الوضعية أرهقت كاهل السكان، فقد عزلت سكان منطقة بصفة شاملة، وحسب السيد محمد· ب والذي ركز قوله على اللامبالاة التي يفرضها المسؤولون على السكان، وفي هذا السياق أكد العديد من الشباب بالمنطقة بضرورة تدخل الوالي والوالي المنتدب للضغط على السلطات المحلية لإطلاق مشاريع تنموية سيما شبكة الغاز الطبيعي، كون أنها مادة حيوية·

أزمة الماء تتفاقم

كانت وجهتنا الثانية معاينة الأحياء التي كثير ما استنجدت بوسائل الإعلام لبعث*** انشغالاتهم إلى المسؤولين مثلما حدث مع مسكن و300 مسكن الجديد التابع لنفس الحي والذي تم إنجازه مؤخرا، حيث عاشت  العائلات أكثر من 4 أشهر دون قطرة ماء الأمر الذي اضطرهم إلى جلب المياه من الأماكن العمومية متحمّلين جهد حملها على سلالم عماراتهم الذي أرهقت كاهلهم مثلما عبرت السيدة جوهر إحدى قاطنات الحي، التي وصفت لنا حالتهم بالمزرية في ظل غياب أهم متطلبات الحياة، متشكرة التفاتة الصحافة التي تعمل جاهدة للحد من بعض المشاكل التي يتكبدونها في ظل غياب شروط العيش الكريم· مضيفة في ذات السياق مشكل آخر والذي لا يزالون يتخبطون فيه، وهو مشكل الغاز الطبيعي الذي لا يزالون يحلمون به، آملين وصل صدى معاناتهم إلى المعنيين ضف إلى ذلك الوضعية الكارثية التي يعانون منها وهي تراكم النفايات تحت شرفات ونوافذ العمارات بالحي·

بنايات الاستعمار لم تعد صالحة للإيواء

كما أن هناك بنايات تحتضر سيّما وأنها مشيّدة في الحقبة الاستعمارية، حيث يعود تاريخها إلى الخمسينات والأربعينات، فهذه البنايات أقل ما يقال عنها أنها بنايات منكوبة تنتظر الفرج، وبعد ذلك كانت وجهتنا لحي الكينيا أين يتواجد سكان القصدير وجدنا السكنات مبينة من الطوب والصفيح على منحدر مائل قابل للسقوط في أية لحظة، حاولنا التقرب منه غير أن أحد السكان منعنا من ذلك محذرا إيانا من المخاطر التي سنتلقاها عند دخولنا لتلك السكنات، ولكن عملنا الميداني يتطلب الوقوف عند مثل هذه الصعوبات دخلنا الحي رفقته، وجهنا إلى أول عائلة وهي عائلة (ب · ع) التي عانت الكثير من ويلات بطش الإرهاب الذي سفك دم أبنائها أو بالأحرى عائلات بأكملها، باعتبار المنطقة كانت مسرحا للأحداث الدموية، فبعد هروبها من ويلات الإرهاب وقعت في ويلات الطوب والصفيح الذي قهر حياتهم وحوّل حياتهم إلى جحيم، فخطر الموت يحدق بهم في كل لحظة خاصة وأن بيتهم يقع على مستوى منحدر مائل قابل للانجراف، هذه حالة أكثر من 35 عائلة في نفس الحي الخطر يتربصهم، ضف إلى ذلك مشكل آخر يهدد هؤلاء وهو القناة الرئيسية التي يصب فيها قنوات الصرف الصحي للحي والأحياء المجاورة والتي تتسرب مياهها إلى الخارج، والتي ساعدت على انتشار الأمراض المزمنة لدى الصغار والكبار والأمراض الجلدية، ضف إلى ذلك أن معظم بنايات السكان يتواجد تحتها قنوات الصرف الصحي، وفي هذا السياق، اشتكت إحدى السيدات إصابتها بالربو بعدما تعرضت قناة الصرف للانفجار في بيتها، ناهيك عن الروائح المنبعثة في الحي التي أصبحت تنبئ بحدوث كارثة وبائية ويكون ضحيته الفئة الفقيرة التي استنجدت كثيرا بالمسؤولين الذي لم يكترثوا للوضع·

البطالة ··· وجه آخر للمعاناة

يواجه شباب البلدية فراغا مميتا وواقعا مؤلما بسبب النقص الفادح المسجل في غياب فرص العمل سواء المؤقتة أو الدائمة، فحتى مشروع 100 محل لم يظهر له أثر بالمنطقة، وهو الهاجس الذي عبّر عنه شباب المنطقة خلال زيارتنا الميدانية، حيث لا يزال حلم العشرات من أبناء الشلف الخروج من دائرة البطالة، وفي انتظار ذلك يبقى الوقوف أمام المحلات أو الجلوس بالمقاهي وسيلة لقتل الفراغ الذي حاصرهم وحوّل حياتهم إلى معاناة حقيقية، مع العلم أن معظم الشباب من خرّيجي الجامعات والمعاهد التكوينية، هذا الوضع زاد من حدته تغيب السلطات المحلية لغياب وسائل ومراكز الترفيه، إذا لا يكاد المتجول بالبلدية أن يرى فضاء آخر ملائم للراحة أو ملعبا جواريا مهيئا، ما عدا تكاثر عدد المقاهي الأمر الذي أدخل اغلب الشباب في عالم الانحراف من تعاطي المخدرات وترويجها وكذا السرقة والسطو على ممتلكات المواطنين·
وعليه يطالب عشرات المواطنين التدخل العاجل للسلطات على رأسها والي ولاية الشلف بتدعيم بلديتهم بمشاريع تنموية من شأنها تفك العزلة عنهم وعلى رأس مطالبهم الغاز الطبيعي والمرافق الترفيهية من قاعات رياضة وملاعب جوارية·
روبورتاج: مليكة حراث