خلق الله تبارك وتعالى هذه الأرض بنواميس ومقاييس لا يمكن معرفتها كلها، وسيندهش كل شخص يتفكر في خلق الله تبارك وتعالى، والتدبر والتفكر في ملكوت الله سنة لا يعقلها غالبية الناس اليوم·
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفكر في هذا الملكوت في غار حراء، واستمر على ذلك إلى أن بعث الله تعالى له جبريل عليه السلام، ليخبره بالرسالة الشريفة· وقبله كان الكثير من الأنبياء يتفكرون في خلق السماوات والأرض، وممن أخبرنا عنهم القرآن الكريم، إبراهيم عليه السلام، الذي كان يراجع في عقله كبر وعظمة الشمس، والقمر، ثم يدعو من خلقها بأن لا يجعله من القوم الضالين·
وممن نقل عنه أنه كان يتفكر في خلق الله تعالى، معاذ بن جبل رضي الله عنه، بمقولته الشهيرة: (اجلس بنا نؤمن ساعة)·
ولقد أشار العلماء إلى أن من بعض تفسير هذه المقولة، أنها ساعة للتدبر والتفكير، وتجديد الإيمان·
ويقول الله تبارك وتعالى عن التفكر والتدبر في ملكوته: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} سورة آل عمران191.
وهذا التدبر والتفكر الذي أمرنا الله تعالى به، كان مفتاح خروج الأنبياء ـ قبل تبليغهم بالرسالة ـ من قيد عبودية الأصنام والأشخاص، وانفتاح عقلهم إلى وجود خالق كل شيء·
وتستمر هذه السنة الكونية بوميضها الوقاد، إلا أن غالبيتنا العظمى مع كل أسف، ترك هذه العبادة الخالصة لله، وانساق وراء كل ما من شأنه أن يحرق الوقت حرقاً، ويسلب وميض وبريق الحياة، فلا يغادر فينا دقيقة إلا احتكرها، ولا فراغاً إلا استحله كله، وطمع بغيره· وهو يتلون ويتغير بحسب الشخص، فقد تجده في أحدهم انشغالاً بالجوال، وعند آخر إدمانا على الإنترنت، وفي ثالث هو التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وفي رابع النميمة والغيبة، وفي خامس السهر والشيشة، وربما تجده على شكل هوس بالرياضة، أو انغماس في الشهوات، أو تردد على الأسواق، أو التدخين، أو مشاهدة التلفاز، أو غيرها·
أفلا يجد الواحد منا ساعة، أو نصفها، أو ربعها، ولو مرة كل يوم، أو كل أسبوع أو حتى شهر، لكي يجلس مع نفسه، ويتدبر في ملكوت السموات والأرض؟· يتفكر في خلق الإنسان وضعفه، وفي حاجته للرحمة في كل أموره، في عظمة هذا الكون وحجه فيه، في آلاف الأنعام والنباتات التي خلقها الله تعالى في خدمة الإنسان وحده، في السكون والحركة، في أصغر خلايا الجسم، وتناغم جميع الأنسجة لخدمة هدف واحد، في عظمة الواحد الأحد الذي لا يغفل عن عباده لحظة، في القرآن الكريم وعظيم كلماتها التي أنزله الله قبل 14 قرنا، ولم يستطع عالم ولا فيلسوف ولا مفكر أن يجد فيه خطأً واحداً·
ما أكثر نعم الله تعالى التي يمكن أن تكون مفتاحاً للتفكر في إبداعه، وعظيم خلقه، وبديع صنعه· وما أجمل الاستنتاجات التي نستخلصها في كل مرة نتفكر فيها بهذا الملكوت العظيم· وكم هي نقية تلك النفس التي تستحضر وجود الله في أنفاسها، وخطاها، وأعمالها، وحركاتها وسكناتها·
أفلا تستحق هذه اللحظات الصادقة، الصافية، أن تأخذ نصيباً ولو قليلاً من وقتنا ؟ وألا تستحق نفوسنا المليئة بالأخطاء، والشهوات، المنغمسة بالبحث عن الشهرة والعمل والمال، أن تركن إلى خالقها، أو تستنجد بالتفكر في عظيم ملكه ساعة!؟
* عن موقع لها أون لاين