ليلة القدر.. سلام هي

لا تلتمسوها بقلوب مريضة بالكراهية والبغضاء..
ليلة القدر.. سلام هي

إن الكون كله يتهيأ لليلة ليست ككل الليالي ليلة هي خير من ألف شهر تنزل فيها الملائكة والروح بأمر الله وتتجلى الرحمات ويجتهد المؤمنون لنيل المغفرة والعتق من النيران ولا يُحرَم خيرَها إلا محروم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ . رواه ابن ماجة.
فمن رغب في نيل عفو الله في هذه الليلة فليتجمل وليتخلَّق بخُلق العفو والصفح وليسامح لوجه الله عز وجل فليلة القدر لن ينتفع بها إلا ذو قلب سليم.
ليلة القدر [سلام هي] فلا تلتمسوها بقلوب مريضة بالكراهية والبغضاء..
ففي صحيح البخاري رحمه الله عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى -أي تخاصم وتنازع- رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرُفعت . رواه البخاري.
في هذا الحديث فوائد:
1 ـ فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة .
2 ـ وفيه أن المخاصمة والمعاصي عموما سبب في العقوبة المعنوية وهي الحرمان.
3 ـ فيه دليل أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير فإذا كان هذا الكلام قيل في مخاصمة فكيف بأماكن المنكرات التي عشش فيها الشيطان بالمعاصي فهي أحق بمحق البركة ورفع الخير...
ففي هذه الحادثة أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر الصحابة بليلة القدر ‏فتلاحى‏ (وهو التنازع والمخاصمة) رجلان فرفعت ولعل في رفع علمها خيرا للأمة. ومرادنا من الحادثة اثر الخصام والتنازع في رفع الخير ومنع وصوله .
فكيف نتحرّى ليلة القدر ونحن في زمن قد أحرق بأحداثه المتسارعة الأعصاب وحير بوقائعه المتصارعة الألباب هذا خصام بين رجلين حال بين أمة الإسلام وبين معرفة ليلة القدر من الليالي والأيام.. فكيف بالحروب والقتال بين دول وحكومات؟!.فكيف بحروب أحرقت الملايير من الثروات وحصدت أرواح ملايين الأبرياء من أطفال ونساء ورجال وشيوخ؟!. فكيف بالخصام بين الأسر والعائلات؟!.من أين تأتينا نفحات ليلة القدر وهذا يتلاحى مع هذا في كل مكان؟!.
فيا أيها المتخاصمون أنتم في خطر وأنكم لذلك تُعرّضون أنفسكم وغيركم إلى منع الخير عنهم ورفعه فمن كانت بينه وبين أخيه المسلم خصومة فليبادر بالصلح ومن كانت بينه وبين أحد من أرحامه قطيعة فعليه أن يقوم بصلة رحمه. واعلموا أن الخير والبركة تنتشر في الأرض حين يتراحم العباد ويتآلفون..
فاطلبوا هذه الليلةِ الزاهية ليلة القرب والمناجاة ليلة العتق والمباهاة اطلبوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات ربكم.. وطوبى لأقوام تسامت أرواحهم وسَمَت أفئدتهم وتصافحت قلوبهم قبل أيديهم..
جعلني الله وإياكم منهم ومن عباده الذين يصيبون هذه الليلة وينالون فيها عفو الله ويبلغون رضاه.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


* الشيخ أبو إسماعيل خليفة