أحسنوا اختيار الرجال..

  • PDF

من أجل تكريس التغيير
أحسنوا اختيار الرجال..

بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة
إن أوّل الفساد الذي يصيب المؤسسات والهيئات والإدارات والدول سوءُ اختيار الرجال بحيث يُوسَّد الأمر إلى غير أهله وهذا داءٌ قلّما سَلِم المصابون به من آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة. قال صلى الله عليه وسلم: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة . رواه البخاري. إنها لصورة مهولة مفزعة تقشعرّ منها الأبدان وتبعث الرعب في النفوس وتثير الخوف في القلوب وتُشعِر باليأس في إمكان النجاة.
هذا وإن الجزائر تمر بمرحلة انتخابات لإعادة تأسيس لدورها الريادي والحضاري وفي ظل كثرة الأحزاب والقوائم الحرّة يتساءل الواحد مَن أختار؟. 
سؤال يتكرر من الكثير وتتصارع الأهواء ويتجاذب العقل والعاطفة وتتنازع الرغبات والمقاصد والكثير في حيرة وخاصة إن كثيرا ممّن أُشرِبوا حبّ المسؤولية يتسارعون إلى اكتساب الأصوات تطميعا وترغيبا.
ودين الإسلام إنما جاء إكراما للبشرية ورحمة بها جاء ليرتّب وينظم أمور الناس مادية وروحية ويقيمها على أسس إصلاحية وقواعد ثابتة. جاء ليبين للناس أسباب العطب فيتجنبوها وأسباب النجاة فيسلكوها.
فهذا أبو ذرّ رضي الله عنه الذي كان محلّ تقدير من الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال عنه يوما فيما رواه الترمذي: ما أظلّت السماء ولا أقلّت الغبراء أصدقُ لهجة من أبي ذرّ ولكنه فيما يتعلق بتعيينه في موقع قيادي نصحه صلى الله عليه وسلم قائلا: يا أبا ذر إنك ضعيف -أي القيادة تحتاج إلى خصائص-وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود والنسائي في سننهما
لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الأسس وقاعدة التفريق بين أهل الثقة ممّن تربطك بهم مودّة وبين أهل الخبرة وممن لا تربطك بهم صلة لكنهم قادرون على قيادة العمل بنجاح وتَفرِض المصلحة أن يُولَّى الخبيرُ بالموقع العليمُ بما يصلحه وإلا فلو كانت المناصب خاضعة للصداقة والصحبة لكان أبو ذر رضي الله عنه في طليعة الأفراد ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل مشيرا إلى ضرورة توفر شروط القيادة فيمن يتحمّل مسئولية موقع ما.
وإنها لأُسُسٌ دقيقةٌ وكفيلةٌ بأن تُصلح مؤسساتُ المجتمع على اختلاف مهامّها وتنوّع مجالاتها وتفاوت مراتبها وهي الأسس الغائبة في مجتمعنا ـ وللأسف ـ الذي صار يُعتمَد فيه اختيار المسؤول ومَن يناط بهم تحقيق مصالح الأمة ورعاية شؤونها على ما حذر منه عمر رضي الله عنه بقوله: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين . رواه الطبراني.
فالنجاة.. النجاة .. لا بد من ترتيب الكفاءات في اختيار الرجال وإعطاء القوس باريها وإسناد الأمر إلى أهله لْنَحْذرِ المحسوبِيَّات ولْنتجنَّبِ المُحَاباة فليست المسئوليات مِنَحًا تُهدَى ولا حقوقًا تُعطَى بل الإختيار لكل وظيفة يجبُ أن يكون على أُسُس موضوعية وعلمية لا على أساس الوساطة والمحسوبية والقرابة ولنضع أيدينا بأيدي بعضنا فهي فرصة ثمينة إما لنا أو علينا هي لنا متى أدركنا وفهمنا حقيقة الاختيار وهي علينا جميعًا متى أهملنا وفرطنا وقدمنا مصالحنا على مصالح الأمة والدين والوطن.
ولا يثبطنّكم أصحاب المصالح والمرجفون الذين يوهنون قوى الأمة ويفتّون في عضدها أولئك لا يريدون إلا الفتنة وتفرق الشمل قوموا مثنى وفرادى واختاروا من ترونه كفؤا ليتولى أمركم وليكن نصب أعينكم قبل كل معيار: صلاح المرشَّح في نفسه وصلاحه الإجتماعي وخبرته وتميّزه في خدمة الناس ورفقه بهم فـ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . ولقد ندبنا الله سبحانه إلى التعاون بالبرّ وقرنه بالتقوى له في قوله: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . المائدة:2. فلنتعاون على البر والتقوى ففي ذلك مصلحتنا جميعًا الوطن سفينتنا والجميع على متنها والله يهدي إلى سواء السبيل..
وفقنا لاختيار الرجال الصالحين الذي يعينوننا على ديننا ودنيانا وجمع قلوب وعقول الجزائريين ليكونوا متعاونين على البر والتقوى وجعل غد الجزائر أكثر ازدهاراً وحفظ شعبها وأمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين وجميع بلدان المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..