إنما الناس مُبتلَى ومُعافَى..

  • PDF


احفظوا ألسنتكم.. فالقضية قضية دين 
إنما الناس مُبتلَى ومُعافَى..


بقلم: الشيخ أبو اسماعيل خليفة


إن من مقاصد هذه الشريعة تهذيب الأخلاق والسلوك وتنقية المشاعر ونشر المحبة والمودة بين أفراد الأمة المسلمة وإن بغض المعاصي وإن كان مطلوباً شرعاً فليس مسوغاً للمسلم أن يتألى على الله فيحكم بالجنة والنار أو الثواب والعذاب أو العقاب والمغفرة لأحد من أهل القبلة.
كما أنه يجب على المؤمن أن لا يحتقر أحدا من المقصرين المذنبين وأن لا ينظر إليهم بعينِ الازدراء وأن لا ينظر إلى نفسه بعين التعظيم والكبر والإعجاب فإن ذلك من موجبات الهلاك. ولا يجوز له أيضا أن يحجر رحمة الله عن أحد فالكل تحت المشيئة ولا يجزم لأحد بدخول جنة أو نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك..
وللأسف.. يتسابق بعض الأشخاص والصحف والمواقع الإلكترونية خاصة في نشـر معاصي وسيئات الآخرين وما يقع من ابتلاءات تؤلمنا تتشابه في ظاهرها ولكن تختلف في حقيقتها وجوهرها من شخص لآخر فقد تكون ابتلاء وحباً لشخص أو أمّة أو تكون غضباً من الله وعقوبة لآخر. ويتلقى هذا الخبرُ مرضى القلوب وينفثوا فيها من سموم أحقادهم ويحملوا أثقالاً مع أثقالهم وأوزاراً مع أوزارهم وكأنهم معصومون. فَعَنْ جُنْدَب بن عبد الله البَجَلي –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلان وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلان ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلان وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ أَوْ كَمَا قَالَ. رواه مسلم ومعنى (يتألى علي): أي يقسم علي. فهذا الحديث النبوي بين أنه لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه ولو مازحا: والله لن يغفر الله لك أو لن يدخلك الجنة أبدا أو والله أنك ستدخل النار لما في ذلك من القولِ على الله بغير علم والتدخل في شؤون الخالق جل وعلا. 
أخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسوَ قلوبكم إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد وإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية .
فتأملوا هذا ـ يا هؤلاء ـ واعلموا أنكم لستم أربابا ولا محققين ولا قضاة احفظوا ألسنتكم واعلموا أن الله لن يسألكم لماذا لم تتكلموا إنما سيسألكم بماذا تكلمتم في موقف عظيم لا تغفر فيه مظالم الخلق وحقوقهم.. بل هي ديوان لا يغفره الله تعالى بل يقتص لأصحابها..
روي أن الفضيل - رحمه الله - كان جالسًا وَحْدَهُ في المسجد الحرام فجاء إليه أَخٌ له فقال له: ما جَاءَ بكَ؟ قال: المؤانَسَةِ يا أَبَا عَلي. فقال: هِيَ والله بالمواحَشَةِ أَشْبَهْ! هَلْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَزَيَنَ لِي وأتَزَينُ لَكَ وتَكْذِبُ لِي وأكْذِبُ لَكَ فإِمَّا أَنْ تَقُومَ عَنِي أو أقومَ عَنْك.
ألا فاحفظوا ألسنتكم فالقضية قضية دين والمسألة مسألة حسنات وسيئات. فحافظوا على دينكم وأبقوا على حسناتكم وميّزوا بين ما يعنيكم وما لا يعنيكم وسلوا الله أن يهديكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه فإنه تعالى يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم..
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا ويحفظ ألسنتنا من سوء الكلام وبطوننا من أكل الحرام اللهم وتقبل أعمالنا وتجاوز عن سيئها وارض عنا اللهم ما كان في أعمالنا من نقص وتفريط وخلل وزلل نسألك اللهم أن تتمه برحمتك وأن تدخل عظيم زللنا في عظيم عفوك برحمتك التي سبقت غضبك وبرحمتك التي سبقت كل شي يا رحمن يا رحيم...