من هم السلفيون؟ وهل هناك سلفية جزائرية ؟

  • PDF

العلامة محمد مكركب يجيب عن السؤال في حوار صريح:
من هم السلفيون؟ وهل هناك سلفية جزائرية ؟

* يجب توحيد المرجعية الدينية للجزائريين
* لا يجوز شرعا تكفير العلمانيين
* أربعة أركان أساسية لتكوين الأئمة


حدّد فضيلة الشيخ محمد مكركب العضو في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في حوار خاص جمعنا به ـ نشرناه في عدد سابق ونعيد نشره تعميما للفائدة ـ المفهوم الاصطلاحي الصحيح لعبارة السلفية التي أصبحت تتردّد في المجتمع الجزائري كثيرا خصوصا في السنوات الأخيرة فقد أصبح بعض دعاة هذا التيّار يشكّكون في العديد من القرارات الوزارية والمراسيم الرئاسية بحجّة أنها تعارض مبادئ الشريعة الإسلامية ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ فقط بل إن بعضها أصبح يتّخذ زوايا بعض المساجد أماكن لنشر بعض الأفكار التي يصفها البعض بالمتشدّدة. كما استعرض الشيخ آراءه وأفكاره في بعض القضايا الأخرى على غرار غياب مفتي الجمهورية وبعض الإصلاحات التي أقرّتها وزارة الشؤون الدينية مشدّدا على حاجة الجزائر بشكل عاجل إلى مفت للجمهورية.

حاورته: م. عتيقة 

* أصبح مصطلح السلفية واحدا من أهمّ المصطلحات التي تتداول كثيرا في الشارع الجزائري فما تعريفه الصحيح؟ ومن هم السلفيون؟

*** المسلمون جميعا كما دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جماعة واحدة وما هذه الأسماء التي ما كانت في عصر الصحابة إلاّ تعريفات بمفهومات عملية. فمن حيث المفهوم اللّغوي للسلفية يقصد به أتباع السلف الصالح من الأمّة الإسلامية وعليه فإن كلّ المسلمين الصالحين هم على هذا النّهج الصالح الذي هو نهج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أن كلّ من يقتدي بالسلف الصالح أمثال صحابة النبيّ عليه الصلاة والسلام كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطّاب وغيرهم كثيرون إلى يومنا هذا هو سلفي وهو شرف لكلّ مسلم ومسلمة أن ينتسب إلى ذلك. إنما الأمر الذي يعقّد مثل هذه المصطلحات هو تعصّب بعض الأتباع الذين يدّعون أن لهم منهجا خاصّا بهم يميّزهم عن المسلمين جميعا وهذا هو الزلل الذي وقعوا فيه يقسمون من خلاله تقسيمات سلفية لا تفيد الأمّة الإسلامية لأن هناك الكثير من الأطياف اليوم من هم يعتبرون أنفسهم من السلفية الصحيحة على غرار الوهّابيين وغيرهم عديدون.

* من خلال تعريفكم للسلفية يفهم أن كلّ مسلم يسير وفق نهج النبيّ عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام فهو سلفي لكن ما هو تعريف السلفية المتّبعة في الجزائر؟

*** سؤالكم بأن هناك سلفية جزائرية خاصّة وقد تكون هناك سلفية أخرى شرقية وغير ذلك من التعابير التي يمكن أن نجدها هنا وهناك فإن هذا لا يستقيم معنا ولا منطقا مع التعريف الذي قدّمناه سابقا ومع الشعار الذي يرفعه المنتسبون إلى هذا المذهب سواء كانوا على نيّة وفهم أو عن تقليد لغيرهم لأن مفهوم السلفية واحد وعامّ في كلّ العالم الإسلامي إنما الاختلاف الحقيقي يكون في اختلاف الأفراد أي الأتباع الذين يختلف سلوكهم من بلد إلى آخر ومن زمن إلى زمن وذلك راجع إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكلّ دولة.

* يطلق اليوم على كلّ من يلتحي ويرتدي القميص أو على أيّ امرأة ترتدي حجابا شرعيا أو جلبابا تسمية سلفي أو سلفية لكن إذا ما بدر أيّ سلوك خاطئ من طرف هؤلاء في أيّ دولة في العالم فإن هذا يشوّه صورة الإسلام ما تعليقكم على ما يقع؟

*** الإسلام دين واحد صالح لكلّ زمان ومكان ولا وجود لإسلام غيره ومن حاد عن سُنّة رسول اللّه ليس من السلف الصالح في شيء ولا أحد من العقلاء يمكن له أن يقول غير هذا وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على أن السلفي الحقيقي هو ذاك الذي لا يتّبع السلف الصالح في الشكل فقط وذلك من خلال ارتداء القميص والالتحاء للرّجال وارتداء الحجاب الشرعي أو الجلباب بالنّسبة للنّساء وإنما السلفي هو من يتّقي اللّه خير تقاته ويعبده كما شرع لنا في كتابه الكريم وسُنّة نبيّه (محمد) عليه الصلاة والسلام. إن منهج السلف الصالح هو التديّن الحقيقي الذي سبق لنا ذكره والذي شرعه رسول اللّه بوحي من ربّه ومن حاد عنه وادّعى أنه سلفي من خلال مظهره فقط فهو خاطئ ومن هنا نقول إن الذين يتّهمون الإسلام والمسلمين ويتّهمون السلف الصالح بناء على مخالفات وسلوكيات غير إسلامية يرتكبها بعض الأفراد المنتسبين إلى الإسلام شكلا على غرار دعاة (جند الخلافة) و(تنظيم داعش) وغيرهما من التنظيمات الإسلامية التي تغتال الأبرياء غبر مختلف أقطار العالم فإننا نرفض هذا جملة وتفصيلا أي أننا وبصريح العبارة نرفض اتّهام الإسلام والمسلمين بسبب فرد أو ثلث من المسلمين.

* أصبح بعض دعاة السلفية في الجزائر يعارضون بعض القوانين التي تصدر عن المشرّع الجزائري بحجّة أنها لا تتوافق ومبادئ الشريعة الإسلامية كقانون الأسرة فما رأيكم في هذا؟

*** فعلا سمعنا في العديد من وسائل الإعلام عن الحملة التي قادها بعض السلفيين حول بعض التعديلات التي طرأت على قانون الأسرة في السنوات الأخيرة ومن بين هذه التعديلات عدم السّماح للزّوج بالزّواج مرّة أخرى إلاّ من بعد أن تسمح له زوجته الأولى لكن إن تفعل ذلك فلن يحقّ له تعداد الزّوجات وهو الأمر الذي سيؤدّي حتما إلى انتشار الزّواج بـ (الفاتحة) وهو زواج شرعي فعلا لكن الضرر سيلحق فيما بعد بالأبناء الذين سيكونون ثمرة زواج مثل هذا لذلك يجب على من يتّخذ القرار استشارة أهل العلم في وضع مثل هذه القوانين التي من شأنها أن تحدّد مصير أمّة بأكملها. هذا من جهة ومن جهة أخرى كثر الحديث أيضا عن التصديق على قانون منع ضرب المرأة التي تعدّ آخر وسيلة شرعها الدين لزوج حتى يؤدّب زوجته الناشز لذلك أعتبر أن مثل هذه القضايا تحتاج إلى الكثير من المجلّدات والاجتهادات الفقهية لحلّها ولا يجب الاكتفاء بكلمات وأحكام تصدر من هنا وهناك.

* صرنا نسمع اليوم كثيرا عن انقسامات حاصلة في سياسات الدول والحكومات التي أضحت تتناقش في الدول العربية على تكوين حكومة وفاق بين العلمانيين والسلفيين أو التيّارات الإسلامية الأخرى فما المقصود بالتيّار العلماني؟

*** فعلا أصبحنا في الآونة الأخيرة نسمع في سياسة الكثير من الحكومات العربية عن تكوين دولة وفاق بين التيّار العلماني والتيّار الإسلامي وهو ما يحصل حاليا في دولة تونس الشقيقة التي تستعدّ لإجراء انتخابات من شأنها أن تساهم في تكوين حكومة وفاق بين التيّارين. والجدير بالذكر أن هذا التفكير ليس بجديد في الدول العربية بل هو تفكير قديم إلاّ أنه أصبح أكثر تداولا بسبب التغييرات الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المنطقة العربية مؤخّرا. فالعلمانية مصطلح يطلق على أصحاب مذهب محدّد له غايته وأهدافه والذين ينادون بضرورة فصل مبدأ الدين عن الدولة أي أنهم يقولون إن الدين مسألة شخصية لا تدخل في النّظام الذي يسير البلاد وفي شتى مجالات الحياة كعمليات البيع والشراء السياسة التعليم وكذا تسيير شؤون الأسرة وغير ذلك من ميادين الحياة. بالإضافة إلى هذا فإن أصحاب هذا المذهب يشتركون مع باقي المذاهب المادية بدعوتهم إلى حرّية الفرد المطلقة التي تصل عند البعض منهم إلى حدّ الإباحية وهم الذي يبعدون القيم الأخلاقية المستمدّة من الوحي وكذا يحاولون إبعاد الشريعة الإسلامية عن كافّة مجالات الحكم والسلطة في أيّ بلد عربي كان.


* وهو الأمر الذي يدفع ببعض الإسلاميين إلى تكفير هؤلاء العلمانيين...
*** لا.. هذا لا يجوز شرعا وهو خطأ كبير يقع فيه الكثير من دعاة التيّارات الإسلامية في مختلف الأقطار العربية فلا يجوز أن يتّهم أيّ شخص كان أو جماعة أو نظام دولة ما بالكفر لأنهم علمانيون ينادون بمبدأ فصل الدين عن السلطة.

* شاعت مؤخّرا في الأوساط الاجتماعية الكثير من الفتاوى بسبب تعدّد مصادر الإفتاء ففي مسألة فقهية واحدة نجد أحيانا فتويان أو ثلاث وهذا راجع إلى غياب مفتي الجمهورية فما تعليقكم على هذا؟

*** بالنّسبة لتوحيد المرجعية الفقهية في الجزائر لتوحيد الفتوى خاصّة ونحن في هذا العصر الذي كثرت فيه القنوات الفضائية الدينية ومصادر الإفتاء تعدّدت أصبحنا نسمع العديد من المكالمات الهاتفية التي تصل إلى برامج دينية في مثل هذه القنوات من طرف الجزائريين الذين يطلبون فتاوى خاصّة بمسائل تخصّ حياتهم اليومية وبما أن الجزائر تسير وفق المذهب المالكي فإنه من الضروري تعيين أو إقامة منصب مفتي الجمهورية سواء كان تحت تسمية المفتي العام للجمهورية أو المجمع الفقهي الذي يجتمع فيه كبار أهل العلم والدين في الجزائر والأكيد أن المجمع سيكون برئاسة رئيس له لذلك فإن تسميته ستكون موحّدة للفتوى الوطنية لكن مهما اختلفت الأسماء فإن الضرورة تقتضي أن لا يبقى منصب مفتي الجمهورية شاغرا بالنّظر إلى حساسيته.

* أقرّ محمد عيسى وزير الشؤون الدينية مؤخّرا العديد من الإصلاحات التي ستمسّ قطاعه مستقبلا من أهمّها تكوين الأئمة لدورهم الفعّال في إصلاح المجتمع فما هي المنهجية التي يجب اتّباعها في ذلك؟

*** يعتبر الإمام واحدا من أهمّ القادة الذين يسيّرون أيّ مجتمع مسلم كان وهو حال الإمام في الجزائر وحتى يؤدّي هذا الأخير دوره في إصلاح اعوجاج النّاس وتقويم سلوكهم لابد على وزارة الشؤون الدينية أن تتّبع أربعة أركان مهمّة في تكوين هذا الأخير:
الركن الأوّل: لابد من توحيد منهاج خطابي عامّ على مستوى وزارة الشؤون الدينية أي أنه يجب على جميع الأئمة اعتماد منهاج واحد في إلقاء الخطاب على النّاس حتى يتمّ تبليغ كلّ الرسائل المراد الوصول إليها من خلال الخطاب المسجدي.
الركن الثاني: التكوين المتواصل تحت إشراف مسؤولين يلتزمون بتطبيق هذا المنهاج السابق الذكر أي أنه يجب أن تكون هناك دورات تكوينية دائمة للأئمة حتى يتمّ المحافظة على منهاج موحّد بينهم وعدم الحياد عنه.
الركن الثالث: يجب إلزام توجيه الأئمة من خلال خطبهم المسجدية بأحكام المذهب الفقهي المالكي من أجل توحيد الفتوى الفقهية في الفروع حتى لا يكون هناك أيّ مجال للشكّ في أيّ مجال فقهي كان.
الركن الرابع: لابد من تحديد برنامج سنوي للمواضيع التي تكون محلّ الخطب وتحديد هذا البرنامج يكون بناء على بحث دقيق لقضايا المجتمع وليس الهدف هو إلزام الإمام بموضوع معيّن دون آخر وهو برنامج يجب أن يشترك فيه الأئمة أنفسهم إذ أن من بين أسباب ضياع الخطاب المسجدي هو فقدان هذا البرنامج الذي يجعل الكثير من الخطباء يتحدّثون عن أشياء لا تعالج القضايا الراهنة السائدة في المجتمع فضلا عن القضايا الأخرى كالبيئية مثلا لذلك يجب على الخطاب المسجدي أن يكون مصداقيا.