حوار خاص مع المترجم الصيني لي يومين

  • PDF

يبلغ من العمر 80 عاما..
حوار خاص مع المترجم الصيني لي يومين

حاوره: فلور بليسكان. ترجمة: ع. بلقاسم مسعودي 

لي يومين هو المترجم الصيني لكتب قديسة باريس و الكونت مونت كريستو وحكايات القط الجاثم حيث يترجم 2000 كلمة يوميا من اللغة الفرنسية إلى الماندرين ( اللغة الصينية) هذا النظام اليومي الذي ينتهجه في الترجمة يعتبر معجزة وهو المترجم الذي عمره 82 سنة ويتمتع بحيوية الشباب إذ لديه جشع للكلمات ويتنقل يوميا إلى الجامعة بدراجته الهوائية والتي جائني بها يوم أن أجريت الحوار معه وهو يرتدي تبان وصنادل ذات أقفال طويلة ومنزعج نوعا ما من الريح في ذلك اليوم حيث التقينا أمام مقهى وكشك لبيع الكتب في مدينة بيهاي وهي مدينة ساحلية في جنوب الصين تشتهر بصناعة اللؤلؤ. في هذه المدينة يقيم لي يومين لمدة ستة أشهر في السنة للهروب من فصول الشتاء في بكين في هذا الجو الجنوبي أّي يبدو أنه قد أشرف على الانتهاء من ترجمة رواية مارسيل بانول . 
في المقهى كان من الضروري أن يكون هناك خزانتان للكتب لاحتواء بضع مئات الأعمال التي ترجمها من الفرنسية. حيث تقابلك رواية أميرة كليفز و زواج فيغارو و التاريخ الطبيعي و الأمير الصغير فهذا المكان هو الذي كان يوافق فيه على إجراء مقابلات مع صديقه السيد تانغ حيث يجري مقابلات مطولة معه وهو روائي من مدينة سوتشو وذلك لكتابة سيرته الذاتية. 
بينما يأتي المترجم لي يومين من قرية فوجين في مقاطعة هيلونغ جيانغ شمال شرق الصين. 
ويتضح أن لي يومين ابن العامل البسيط وهو في نعومة أظافره وجد فقط روايات أوكسيا و حيث الأبطال هم فرسان صغار و خبراء فنون الدفاع عن النفس . 
وبعد اجتيازه القاوكاو (البكالوريا الصينية) اختار الفرنسية كتخصص لأن عليها طلب القليل من الطلاب وهي وسيلة للدخول إلى جامعة بكين حيث كانت الأشهر الأولى من دراسته في الفرع الريفي للجامعة المرموقة مملة وأن رفاقه كما يقول كان لديهم علامات أفضل منه ويميل إلى التراخي في بعض الأحيان. 
لقد كان لدى لي يومين أولويات أخرى على الفرنسية فقد رغب في التسجيل في نادي التزلج على الجليد بالجامعة لغرض سري وهو الحصول على زلاجات مجانية. 
هذه نبذة عن لي يومين أو المترجم بالرغم عن نفسه والذي ترجم المئات من أعمال الأدب الفرنسي. 


* ما الذي أدى بكم إلى أن أصبحتم مترجما؟ 
ـ في عام 1964 كنت من بين المجموعة الأولى من الطلاب الصينيين الذين كانوا يغادرون إلى فرنسا كجزء من التبادل الجامعي حيث سافرت مع تسعة عشر طالبًا آخرين لنلتحق بجامعة رين في موربيهان حيث كانت هناك زيارة المدرسة إلى سد أرزال على مصب نهر فيلان إذ تم التخطيط لهذه الزيارة من قبل إدارة الجامعة. 
وفجأة رفضت السلطات الفرنسية وصولنا إلى السد لحماية أنفسهم من التجسس الصيني المحتمل . 
مما أدى بمدرس اللغة الفرنسية بكتابة رسالة نارية إلى رئيس بلدية مدينة رين ليعبر لهم عن غضبه من هذا التصرف حتى انتهى به الأمر إلى انتزاع الوصول إلى السد هذه الروح النقدية والمتمردة التي أنا معجب بها عند الفرنسيين وفي أعمالهم الأدبية. 
في عام 1966 عدت إلى بكين مع صندوقين خشبيين مملوءان بالأعمال الأدبية الفرنسية من بينها روايات فيكتور هوغو ومسرح موليير . 
لقد قمت بتفكيك هذه الكنوز إلا بعد اثني عشر عاما بعد عودتي إلى بلدي وهي العودة بعد الثورة الثقافية. أنا اليوم أتحدث كل يوم مع موليير و أندري جيد و آلبير كامي فهم أصدقائي المقربين. 


* بالنسبة لكم ما هي المراحل الأصعب في عملية الترجمة؟ 
ـ أصعب المراحل في الترجمة هي المقاطع الوصفية الطويلة التي تلغي الفعل. فعلى سبيل المثال الوصف الطويل لليل للكاتب هوغو في روايته البؤساء (عندما يذهب كوزيت لجلب الماء من البئر). وأن أقضي الكثير من الوقت والطاقة لترجمة هذه المقاطع الوصفية مع العلم أن هذه التفاصيل لا يهتم بها القراء كثيرا. 
في هذه اللحظة أترجم أخبار الأيام الإيطالية للكاتب ستندال وقد وقعت أمامي جملة عصيبة وهي الغموض والكرة المطاطية في هذه الحالة استعين وأطلب النصيحة من صديقي الفرنسي. 
إذا كانت شمس المعنى لا تشرق أنا أقدر ذلك ثم تأتي ضرورة الجملة حيث إذا كانت يمكن الاستغناء عنها وليست لها دور حاسم في فهم القارئ أغفلها أحيانا. هذا ليس أمر مهم جدا أو ليس بمشكلة. والأكثر أهمية هو استقطب إلهام القارئ الصيني بقدر القارئ الفرنسي ليحس بنفس الإحساس عبر اكتشاف العمل الروائي الأصلي. 


* من هم الكتاب الفرنسيون الأكثر مقروئية في الصين؟ 
ـ أثناء دراستي كان فيكتور هوغو و ستندال . في حين كان الطلاب يقرؤون لـ الأحمر والأسود وجون كرستوف لكاتبه رومان رولاند إذ بدت لنا أن هذه الروايات أعمال تخريبية لأن أبطالهم هناك كانوا يتحدثون عن رغبات شخصية. 
ومع ذلك وفي ذلك الوقت نحن نبهنا بوقف وصف المخاطر الفردية أي تكلم الفرد إلا عن شخصه ورغباته. 
فمثلا الكاتب جوليان سوريل هو البطل الذي أعجبنا بروايته التي كنا قادرين على التماثل معها لأنها تظهر الفردية والطموح. حيث يمكن القول أن الأدب الصيني الكلاسيكي أقل وصفا للحياة الداخلية للشخصيات. وهو التحليل العقلي الإنساني الذي أحببته عند المؤلفين الفرنسيين. 
اليوم الأعمال الفرنسية لم تعد موجهة للطلاب فالصينيون يقرؤون لـ ألكسندر دوماس الأب والابن و موباسان و فرانسواز ساغان و مارغريت دوراس و وباتريك موديانو . 
والذي أعجبني بشكل خاص هي رواية دكاكين مظلمة والتي قمت بترجمتها. فالكاتب أندري جيد والكاتب ألبير كامي يعتبران من الموضة إلى جانب ترجمتي لـ كتاب الطاعون والذي بيع بشكل جيد خلال وباء فيروس كورونا. 


* في ظل ما سبق ما الفرق بين الأدب الفرنسي والأدب الصيني بالنسبة لكم؟ 
ـ إن الأدب الفرنسي يصف الإنسانية في عظمتها وصغرها فالكاتب فيليكس دو فانديناس في روايته أبطال في الوادي الذي ترجمته ليس منزها. ففي الروايات الصينية الكلاسيكية البطل يهدف دائما إلى أن يصبح مثالا إنه يتطور نحو الكمال الروحي الذي يتفوق عليه وهذا مشترك بين جميع الروايات. 
إن قواعد اللغة الصينية كثيرة وأقل قسرًا من قواعد اللغة الفرنسية مما يعطيني الكثير من الحرية. وهنا أتساءل هل ترجمتي دائما حرفية بالمعنى الصارم للمصطلح؟ أود أن أقول أن هدفي هو إعادة إنتاج العمل الروائي بشكل أقل من تبديله في الثقافة الصينية. 
أخيرا سيكون حلمي هو إنشاء أدب كلاسيكي صيني انطلاقا من الأدب الكلاسيكي الفرنسي.