شهرزاد بن يونس : الحداثة شر لابد منه في زمن مُحيت معه الحُدودالجُغرافية

  • PDF

الباحثة شهرزاد بن يونس في حوار خاص:
الحداثة شر لابد منه في زمن مُحيت معه الحُدودالجُغرافية
ـ السرقات الشعرية وغياب النُقاد من بين أسباب غياب الشعرية في النُصوص الشبابية المُعاصرة

عاشقة السبورة والطباشير منذ الصغر شهرزاد الحرف والكلمة باحثة أكاديمية وأستاذة بجامعة منتوري قسنطينة شهرزاد بن يونس بعد غياب كبير عن الساحة الإبداعية هاهي تعود وبقوة من خلال إصدارها الأكاديمي مُحاضرات في علم الدلالة الصادر عن دار قيرطا للنشر والتوزيع الحديث معها مُمتع وشيق وخاصة فيما تعلق بالأدب وخباياه مُحبة للفضاء والأثار رغم التزاماتها وانشغالاتها الكثيرة آبت إلا أن تكون ضيفتنا على صفحات أخبار اليوم .
* هناك من إنتقد كاتبات الخواطر وقال إن كثيرا منهن خدعهُن النُقاد بقولهم كاتبات وأن ما يكتبن لا يرقى أن يُوصف بالشعر وجهة نظرك حول الموضوع وهل الخاطرة يُمكن تصنيفها كجنس أدبي؟
ـ الخاطرة كفعل كتابيّ من وجهة نظري جنس أدبي له مقوّماته ورؤاه فهو قطعة نثرية قصيرة تنبني على الإحساس المتدفّق رهين اللّحظة يكتسح الإنسان في غفلة من أمره فينثره على صفحات الورق. كما أعتقد أيضا أنّ الخاطرة هي اللّبنة الأولى للكتابة الإبداعية بكلّ أنواعها قبل أن تتشكّل في قالب شعري أو سرديّ أو مسرحيّ فكم من شاعر بدأ كاتبا لخواطر قبل أن يصبح شاعرا أو روائيا.
* قصيدة النثر تُبنى على سُلم من خمس درجات كإعتباطية الزمن وتكثيف اللغة ولعبة البياض الحيوي الكلمات المكوكبة وانعدام الوزن وغيرها مما أشارت له سوزان برنار في كتابها شعرنا الحُر من بولدير إلى يومنا هذا لكن حسب كثير من الشعراء والنقاد هناك من يتوهم كتابة هذا النوع من القصيدة ويُغرقها في العاطفية والخطابية والإغراق في الحديث عن ذواتهم بينما تقوم فلسفة هذا الشكل الشعري على رُوى ذات طابع تأملي فكري وفلسفي وجهة نظرك حول الموضوع؟ 
ـ صحيح أنّ قصيدة النّثر تبنى على هذا السّلّم الذي يفترض بالشّاعر الفحل أن يسير على خطاه ولكن ما يقوله النّقاد ليس دائما صحيحا مائة بالمائة فأنا كشاعرة لديّ مجموعة من القصائد النّثرية ولديّ في المقابل مقاطع شعرية خضعت لعمود الشّعر العربي وفي كلا الحالتين أتّخذ من تكثيف اللّغة والبعد التّأمّليّ نهجا لكتاباتي بغضّ النّظر إن كانت قصائدي خاضعة للوزن الخارجي أو لم تخضع. فالشّعر في صورتيه السّابقتين يحمل إيقاعا داخليا وحده القارئ المتذوّق من يستطيع بعث هذه الموسيقى من بين ثنايا الخطاب.
* العارفون بالشعر العربي وتاريخه يُدركون أنه مرّ بفترات قُوة وضُعف حسب الأزمنة التي ازدهرت فيها الحضارة أو الفترة التي ضعفت وانغلقت على الذات في زماننا هذا برزت أصوات شعرية قريبة للخُطباء كلماتهم خالية من كل العناصر الشعرية فما السبب في هذه الظاهرة؟ 
ـ تعدّ الخطابة من الموضوعات التي أشار إليها أرسطو بالتّحليل والمناقشة مؤكّدا أنّ هذا الفنّ القولي هو فنّ بلاغيّ يقوم على مبدأ الإقناع من طرف الخطيب عن طريق تغذية الاستراتيجيات البرهانية لدى السّامع أو المتلقّي للخطاب لصناعة القبول لديه وبمقارنة هذا الطّرح مع فنّ الشّعر سنجد أنّ الشّعراء يؤثرون على سامعيهم عن طريق البلاغة الإنشائية القائمة على الاستعارات والكنايات والمجاز بغاية خلق شعور جميل يحرّك المشاعر والعقول على السّواء. وعليه فإنّ الشّاعر حينما يكتب قصيدة وجب عليه ألاّ يتجاوز شروطها إلى فنّ آخر يسمّى الخطابة حتى لا يصبح كالغراب الذي فقد مشيته بتقليده لمشية الحمامة فإمّا أن يكون المبدع خطيبا أو يكون شاعرا ولا توجد منزلة بينهما عدا في اشتراكهما في عنصر مهمّ هو فصاحة اللّغة وبلاغتها لأنّ الإنسان في هذا الكون ينشأ ذاتا داخل اللّغة وعبرَها لا يمكنه أبدا تخطّيها لأنّها لسان حاله وجوهر وجوده.
أمّا عن مسألة غياب الشّعرية في بعض النّصوص الشّبابية المعاصرة فمردّها إلى جملة من الأسباب نلخّصها في الآتي: -عدم مقدرتهم اللّغوية والفكرية في بناء قصائد ذات معنى ومبنى.
-السّرقات الشّعرية المنتشرة إلكترونيا تجعل النّص الهجين المسروق من هنا وهناك ضعيفا ومهلهلا.
-شيوع فلسفة التّطبيل والاهتمامبمجموعة من الشّعراء على حساب غيرهم سواء تمّ الإقرار بكفاءتهم أو لا وإقصاء فئة أخرى وتهميشها ممّا يجعلها تختار الكتابة في الظّل. 
-غياب النّقاد الذين كان يفترض بهم تقييم وتقويم الرّاهن الإبداعيّ الشّعري خصوصا ذلك المُتاح على قنوات التّواصل الاجتماعي.
* الحداثة لا تزال عربيا محل نقاش عقيم ورفض أحيانا؟ ومن هو الشاعر الجيد والفذ الذي يهتم بالقافية والوزن أم الذي يهتم بجمالية النص من ناحية التعبير والمبنى؟
ـ أرشّح الفئة الثّانية من الشّعراء الذين يهتمّون بناحيتي التّعبير والمبنى فهم الأقدر على بناء الدّلالة الشّعرية وكما قلت سابقا يبقى الإيقاع والوزن خيار للشاعر الفذ المتمكّن فالوزن قالب إيقاعيّ فقط شئنا هذا أم أبينا ولكنّنا لا ننكر أبدا أنّ له سلطته على المتلقّي فهو الجاذبية التي تسحر الأسماع وتأخذ الألباب. أمّا بخصوص الحداثة فهي شرّ لابد منه في زمن مُحيت معه الحدود الجغرافية فبات الانصهار في الآخر حقيقة لا مفرّ منها وهي خير لابدّ منه إذا آمنت المجتمعات العربية بتميّزها الفكري والتاريخي والثقافي والدّيني واللّغوي عن الآخر الذي يعمل على طمسها والنّيل منها تحت مسمّى العولمة والإعصار التّكنولوجي.
* البحر أيضا يغرق أحيانا .. ديوان شعري مطبوع سنة 2005 حديثنا عن هذا الديوان  
ومتى يغرق بحرك؟

ـ والبحر أيضا يغرق أحيانا هي مجموعتي الشّعرية الأولى عن دار أمواج للنّشر بسكيكدة مثّلت الأرضية الإبداعية لكتاباتي الأولى بما تحمله من آمال وآلام الثنائية التي كان عليّ أن أختار واحدة منهما لاستكمال مسيرتي ضمّت المجموعة قصائد من مثل:(همسات لا تسأليني سجناء الحرية وداعا ورق على حبر بقايا سؤال...) هي قصائد تجمع بين الهدوء والثّورة هي مزاج مراهقة كانت تبحث عن طريقها وسط الوحل قصائد حملت عنفوان الصّبا بما حمل من عذابات الحبّ وجراحات الوطن ونتوءات الذّات إنّه إبحار نحو الضّعف الإنسانيّ بكلّ معانيه حيث تتلوّن الحياة بلونيها الحزن والفرح.وسيجد القارئ تكملة لهذه المجموعة في ديواني الثاني الموسوم: قالت شهرزاد...قال شهريار الذي سيصدر قريبا إن شاء اللّه. وبحري يغرق عندما أفقد قدرتي على مصارعة الألم واستبداله بفسحة من الأمل.
* مُحاضرات في علم الدلالة كيف جاءت فكرة الكتاب؟ وعن ماذا يتحدث؟
ـ الكتاب كان في الأصل مطبوعة بيداغوجية وجّهت لطلبة السّنة الثانية ماستر الشّعبة اللّغوية في سنوات سابقة ثمّ قمت بتعديله وتصويب الأخطاء وإضافة مصادر ومراجع له وقد أُشفع هذا الجهد ببعض التّطبيقات التي تساعد الطالب على فهم ما أغلق من قضايا دلالية ولسانية. موضوع الكتاب الرّئيس هو علم الدّلالة بكلّ تشعّباته وعلاقاته مع ميادين المعرفة ونشأته ونظرياته إنّه حقل ثريّ بالمعلومات حول موضوعات دلالية في اللّغة العربية واللّغات الأجنبية لمن أراد أن يغترف من معينه.
* مشوار علمي وتعليمي حافل بالنّجاحات الطالب عند الأُستاذة شهرزاد ماذا يعني لها وكيف هي العلاقة بينكما؟ وهل دخول التعليم كان صُدفة أم اختيار وحب للمهنة؟
-طالب اليوم هو رجل المستقبل بما يملك من قدرات عقلية ونفسية متغيّرة من مرحلة إلى مرحلة أخرى في حياته التعليمية وعليه وجب على الأستاذ أن يصل إلى قلبه وعقله معا حتّى يكون قادرا على تغيير سلوكياته وتعديلها نحو الأفضل هذا ما أفعله بالضّبط مع طلبتي رغم صرامتي الكبيرة في تعاملي معهم غير أنّ الاحترام بين الأستاذ والطالب هو الحلقة الأكثر أهمّية التي يجب أن نؤسّس عليها لصناعة طالب محبّ للّغة العربية يحترم نفسه ويحترم أستاذه ويحترم الجامعة التي ينتمي إليها والوطن الذي يسكنه فبالاحترام والاجتهاد يكون المتعلّم قادرا على تحمّل مسؤولياته الأخلاقية والمنهجية والمعرفية أمام نفسهوأمام الأجيال القادمة.
-دخول التّعليم لم يكن صدفة في حياتي إنّما هو خياري منذ كنت طفلة في السّابعة من عمري حينها كنت عاشقة للسّبورة والطباشير وأحلم بأن أكون معلّمة حتّى أنّني كنت أضرب إخوتي الصّغار عندما لا يُحسنون كتابة الحروف أو يرتكبون أخطاء إملائية أنا أحبّ مهنتي كثيرا ولم أندم يوما لأنّني اخترتها رغم المشاكل الكثيرة التي تعانيها الأسرة الجامعية في السّنوات الأخيرة.
* كلمة أخيرة؟
ـ أشكركم على هذا الحوار الشّيق الذي أعادني إلى مدينة الإبداع الفاضلة التي غادرتها مُكرهة لفترة زمنية طويلة بسبب انشغالاتي العلمية والبيداغوجية التي أخذت منّي عمرا ولكنّني أعد قرائي الأوفياء أنّ شهرزاد الشّاعرة والرّوائية والأكاديمية قادمة بقوّة في حكاية من حكاياها قريبا إن شاء اللّه والحمد للّه الذي بنعمته تتمّ الصّالحات. 


باختصار:
* الطبخ عند شهرزاد بن يونس وأهم طبخة تحبينها وتُتقيننها؟
الطّبخ هو فنّ اللّعب بالخضراوات وأخواتها...أحبّ الشَّخْشُوخَة القسنطينية وأحضّرها بامتياز.
* السّفر؟ والدولة التي بقيت راسخة في ذاكرتك ولك ذكريات جميلة فيها ولماذا؟
-السّفر حياة ثانية هو انتقال في الفضاءين المكاني والرّوحي نحو التّجديد والخروج من عنق الزّجاجة. أحبّ مدينة الرّباط المغربية بكلّ تفاصيلها التّراثية الممتدّة في التّاريخ أحبّ طيبة أهاليها البسطاء رغم فقرهم وأحبّ كفاءة أساتذتها المعرفي رغم قلّتهم أعشق اختراق طبيعتها لي بألوانها الجميلة بين زرقة البحر وخضرة حدائقها المستلقية على المحيط إنّي أتنفّس هناك هواء نقيا يعيد إليّ الحياة كلّما زلزلني التّوتر.
قضيت في هذه المدينة السّاحرة سنة كاملة من عمري بين جامعاتها ومكتباتها وأزقّتها وهذا في سياق تربّص علميّ طويل المدى لإتمام أطروحة الدّكتوراه قد تعلّمت حينها أشياء كثيرة نُقشت في ذاكرتي وإني من هذا المنبر أحيّي كلّ اللّسانيين المغاربة الذين تقدّموا بنصائحهم أو بكتبهم أو بتشجيعاتهم لإتمام بحثي وعلى رأسهم أستاذي المشرف المساعد الأستاذ الدكتور محمّد لهلال لهم منّي ولكلّ الشّعب المغربيّ أسمى معاني التّقدير والاحترام.


* كتاب قرأته وتعلقت به؟ وكتاب تنصحين بقراءته؟
-أعظم كتاب قرأته الأجنحة المتكسّرة لجبران خليل جبران كان فضاء رومانسيا وتثقيفيا وثوريا حمل الكثير من المعاني السّامية الموجّهة للإنسان في عمومه بغضّ النّظر عن أيديولوجيتهأو الانتماء السياسي والدّيني علّمني كيف أكون إنسانا. أمّا الكتاب الذي أنصح بقراءته هو لا تحزن إنّه الكتاب الذي مدّ جسور مقاومة الحزن بداخلي والتمرّد على السّواد والعودة إلى اللّه والإيمان بالأمل كوجود للبدء من جديد.


* لو لم تكوني شهرزاد بن يونس الأُستاذة ماذا كُنتِ ستكونين؟
-كنت سأكون عالمة في علم الفلك أو باحثة في علم الآثار أحبّ كثيرا عالم الفضاء بكلّ خباياه وأحبّ كثيرا الذّكريات المنقوشة على الجدران وبقايا الطّوب التي يتركها الإنسان للأجيال للتعبير عن حضارته وثقافته وبما أنّني لم أكن في هذين المجالين فأنا سعيدة جدا كوني أستاذة في اللّغويات بكلّ فروعها لأنّني مع التّدريس في جامعة قسنطينة1 أدركت أنّ التّعليم هو فنّ صناعة الإنسان وهو أصعب مهنة على وجه الأرض كنت قد حلمت بها منذ كنت طفلة والحمد للّه الذي وفّقني إلى تحقيق هذه الأمنية بعد سنوات من الجدّ والاجتهاد والصّبر الأيّوبيّ. 
حوار: ح. و