ولطاش: لم أقتل تونسي

  • PDF

القضاء يُباشر فك ألغاز جريمة اغتيال المدير السابق للأمن الوطني
ولطاش: لم أقتل تونسي..

ـ أنا بريء.. واضطررت للتظاهر بالموت

انطلقت صبيحة أمس في حدود الساعة التاسعة ونصف محاكمة العقيد شعيب ولطاش في واحدة من أكبر وأخطر قضايا الاغتيال التي شهدتها الجزائر ويتعلق الأمر بالمدير العام للأمن الوطني (علي تونسي) حيث استهل القاضي الجلسة بمطالبة رجال الأمن بإحضار المتهم الذي دخل القاعة وهو محاط بـ12 شرطيا بمصلحة الشرطة القضائية وقد ظهر متعبا وقد اكتسب القليل من الوزن خلال فترة مكوثه بالمؤسسة العقابية.
وتحقق القاضي عمر بن خرشي من هوية المتهم الذي يعد من مواليد 26 ماي 1945 بمدينة شلغوم العيد ولاية ميلة قبل أن يستدعي الأطراف المدنية ويتعلق الأمر بكل زوجة العقيد علي تونسي وابنته وابنه وإحدى قريباته ثم على الضحيتين في محاولة القتل العمدي رئيس أمن ولاية الجزائر العميد عبد المومن عبد ربه ومدير الإدارة العامة دايمي يوسف ثم على 40 شاهدا استدعتهم النيابة معظمهم إطارات بالمديرية العامة للأمن الوطني من بينهم مدير الوسائل التقنية (و.بومدين) والكاتب الخاص للراحل علي تونسي وحاجبه ومدير مجمع النهار (مقدم محمد) والصحفية (دليلة بلخير).. قبل أن يثير محامي المتهم الأستاذ بلعريف مسألة 11 شاهدا قدم أسماءهم قبل الجلسة بـ05 أيام من بينهم (ـيوسف مهدي) مدير مديرية البحث والتحري و04 خبراء من مصلحة البالستيك وطبيبين شرعيين غير أن النيابة رفضت ذلك واعتبرت ان المهلة لم تكن كافية وخاصة أنها أفرجت عن موعد برمجة القضية منذ شهر ديسمبر الفارط. كما أن النيابة وحدها الجهة المخولة بتحديد المركز القانوني لأطراف القضية سواء شاهد أم متهم أم ضحية لتقرر هيئة المحكمة بعد انسحابها للمداولة بتوجيه أوامر للنيابة العامة بإحضار الشهود الغائبين باستعمال القوة العمومية على الفور واستياء قاضي التحقيق عبد الحميد رزوق منها ويصر على مواصلة سير المحاكمة لتنفي بذلك كل الشائعات التي أثيرت حول استدعاء وزير الداخلية انذاك يزيد زرهوني والجنرال توفيق.
وانطلق بعدها مباشرة كاتب الضبط بتلاوة قرار الإحالة الذي كشف عن السبب الحقيقي للجريمة وهي عبارة خائن التي وصف بها العقيد تونسي الجاني وطريقة حديثه الاستفزازية ما اعتبره إهانة له وتشكيك لتضحياته في خدمة المؤسسة العسكرية والوطن وفي لحظة غضب أخرج مسدسه الذي لم يكن مرخصا وأطلق رصاصة في الهواء ثم وجه طلقة للضحية على مستوى الجهة اليمنى للصدر سقط مباشرة وراء مكتبه إلى جانب اعتراف خطير بأن هناك أطراف كانت تحاول اغتيال الضحية ملمحا بأن حراسه من أجهزوا عليه حيث اكد المتهم في اعترافاته انه خلال تواجده بمستشفى مايو سمع شخص غريب يأمر عناصر الأمن الذين كانوا يحرسون غرفته بعدم ترك أحد يدخل والتخلص من الاثنين أي الضحية والجاني وقد تظاهر أنه قد فارق الحياة..


هذا ما حدث بمبنى مديرية الأمن الوطني..؟
وعن تفاصيل الجريمة حسب ما ورد في قرار الإحالة فتعود إلى تاريخ 25 فيفري 2010 في حدود الساعة الحادية عشر ونصف نداء من قاعة العمليات بخصوص مقتل الرئيس المدير العام للأمن الوطني على يد مدير الوحدة الجوية للأمن الوطني العقيد ولطاش شعيب بطلقات نارية وجهها له بمكتبه وكان ذلك قبل الاجتماع المقرر مع عدد من الإطارات لتقييم مشاريع تطوير وعصرنة القطاع وعندها تنقلها تم العثور على الجاني جالسا بالجهة اليمنى وهو مصاب بطلقتين على مستوى الفخذ والبطن بعد تجريده من سلاحه الذي كانت به أربع رصاصات منقورة كبسولة ما يوحي أنها لم تخرج بسبب عطب أصاب المسدس إلى جانب العثور على قطعة ورق مكتوب عليها بالفرنسية كما تم نقل رواسب الرمي من يده وسلاح الجريمة والذخيرة إلى مخبر الشرطة العملية فيما تم نقله إلى مستشفى مايو أين حولت ملابسه إلى فرقة الحمض النووي فيما تمت معاينة جثة الضحية الذي كان ساقطا خلف مكتبه ومصاب بجروح على مستوى الرأس وحيث تبين أن الوفاة حقيقية نتيجة طلقات مميتة وقد نقلت لمصلحة التشريح بمستشفى مصطفى باشا لتباشر التحقيقات في الحادث اين صرح الضحية عبد المومن عبد ربه عميد أول شرطة انه يوم الحادثة ثم استدعاؤه من طرف رئيس الديوان سبحال زروق لحضور اجتماع عمل حول عصرنة وتطوير الجهاز وعند وصوله إلى مقر المديرية بباب الوادي فتوجه إلى مكتب الديوان وخاطب بعبارة (عقيد) وتبادلا التحية وقد ظهرت عليه علامات الاضطراب وفي حدود الساعة الـ11:15 نادي عليه كاتب المدير العام رفقة مدير الوسائل التقنية ومدير الإدارة العامة وطلب منهم اتباعهم إلى مكتب المدير وفي الرواق شاهد الجاني يخرج من المكتب وأمسك موجها له عبارات السب والشتم فحاول تثبيته والسيطرة عليه غير الجاني وجه له ضربة على مستوى الرأس فبدا ينزف وبمجرد شعوره بالدوران غادر باتجاه المستشفى لتلقي العلاج.
اما الضحية الثاني (د.يوسف) مدير الإدارة العامة فقد توجه يوم الوقائع إلى مكتب كاتب المدير العام المحافظ دحلان عبد العزيز وقد التقى بولطاش وتبادلا الحديث قبل أن يلتقي به مجدا في الرواق محاولا تهديد رئيس امن ولاية الجزائر فتم السيطرة عليه فيما سمع نفس الكاتب يصرخ (قتل المدير) وهي نفس تصريحات مدير الوسائل التقنية (و. بومدين).
من جهته كاتب المدير العام (د.عبد العزيز) قال أن الاجتماع كان محددا في الساعة العاشرة ونصف صباحا في حين وصل ولطاش في حدود العاشرة صباحا وطلب ملاقاة (تونسي) قبل الاجتماع لدقيقتين فأخطره أنه سيسمح له بعد توقيع البريد وفي حدود الساعة 10:25 دقيقة أخبره الراحل بالسماح للجاني بالدخول وبعد دخوله سمع صوتا فظن أن مصدره الأشغال التي تجرى بالطابق العلوي وقد حاول الاتصال هاتفيا بمكتب الضحية غير أنه لم يكن يجيب وفي طريقه إلى مكتب الاجتماع شاهد الجاني يفتح الباب وطلب منه استدعاء باقي الإطارات المعنيين فتوجه إلى استدعائهم وفي طريقهم إلى المكتب في الرواق تمكن الكاتب من الدخول فيما خرج الجاني اين التقى بالإطارات فيما بقي هو يبحث عن المدير إلى أن وجده جثة هامدة فبدأ بالصراخ.


ولطاش: شخص غريب أمر بالتخلص مني ومن تونسي خلال وجودي بالمستشفى
قال شعيب ولطاش خلال سماعه في محاضر التحقيق أن سبب ارتكابه لجريمته هو الطريقة الاستفزازية التي خاطبها به الراحل العقيد علي تونسي واتهامه بـ(الخائن) وهو ما جرّه وهو في حالة غضب لسلّ مسدسه الذي كان بخصره ليوجه طلقة نارية بالهواء والثانية أصاب بها العقيد (سي الغوثي) على مستوى الصدر من الجانب الأيمن. وحسب ما دون على لسان ولطاش بمحاضر الضبطية القضائية فإنه تلقى مكالمة هاتفية من (س.زروق) رئيس ديوان الرئيس المدير العام للأمن الوطني يخطره بأن الأخير يطلب منه حضور اجتماع طارئ يضم عدد من إطارات الشرطة وفي اليوم الموالي ولدى مغادرته محل إقامته وضع شعيب ولطاش على خصره مسدسه من نوع (سميت 800) بعيار 38 ملم كان اقتناه من أحد أسواق مدينة أطلنطا الأمريكية عام 1982 وتوجه نحو المديرية العامة للأمن الوطني لحضور الاجتماع حول مشاريع وضع القواعد المعلوماتية للمصالح الإدارية لجهاز الشرطة وعصرنة القطاع وبولوجه مكتب المدير العام العقيد علي تونسي ألقى عليه التحية وصافحه ليجلس بالمقعد المقابل له بالناحية اليسرى وظلا الاثنين معا بالمكتب لوحدهما رأسا لرأس وخلالها يضيف أن العقيد تونسي استفسره عن مدى صحة قرابته بالمدعو (س.توفيق) موظف بشركة خاصة بمجال الإعلام الآلي التي فازت بصفقة مع المديرية العامة للأمن الوطني ليرد عليه بأنه صهره وبعد أخذ ورد في الحديث يضيف الجاني قام العقيد الراحل بإهانته حيث بادر علي تونسي برفع يده في وجهه دون أن يكون يحمل شيئا بيده وظل يواجهه بكلام وطريقة استفزته لاسيما يضيف أنها صدرت من (أعز أصدقائه) وكانت القطرة التي أفاضت الكأس نعته بـ(الخائن) وفي جلسة دامت قرابة الـ 7 دقائق من الزمن حدث ما لم يمكن في الحسبان حيث راح شعيب ولطاش يسل مسدسه من خصره ليوجه طلقتين إحداهما صوب الهواء والثانية بالجانب الأيمن لصدر الضحية ليسقط تونسي أرضا ولم يستوعب ولطاش ما قام به حسب قوله إلى أن وجد نفس طريحا بالمستشفى الجامعي مايو حيث استعاد وعيه وهو يستمع لشخص كان يعطي تعلميات بقوله (أغلقوا جميع الأبواب ولا تتركوا مجالا لدخول أحد.... اقتلوهما الاثنين معا) وهناك يضيف ولطاش اضطر للتظاهر بالموت. نافيا عزمه أو نيته المسبقة في قتل رفيق دربه العقيد علي تونسي وأن خلفية جريمته (مهنية بحتة) كما أنه وبحسب فإن ذلك لم يكن مرتبطا مطلقا بصهره التي كانت طرفا في الصفقة التي نالتها الشركة التابع لها مع المديرية العام للأمن الوطني.


لم أقتله...
في حدود الساعة الواحدة والنصف استأنفت هيئة المحكمة الجلسة حيث نادى القاضي على المتهم لاستجوابه فتقدم بخطوات متثاقلة وعلامات التعب بادية عليه فطلب من عناصر تمكينه من كرسي للجلوس عليه.
القاضي: حدثني عن مشوارك المهني والتعليمي؟
ولطاش: عند قراءة قرار الإحالة اشياء أساسية بيني وبين الضحية لم تذكر. القاضي: لم نتطرق بعد للوقائع
المتهم: أبلغ من العمر 72 سنة مهندس التحقت بالثورة المسلحة في عمر الـ16 كما قمت بماستر تخصص الطيران توجهت إلى مصر كطيار وتخصصت في هذا المجال في روسيا ثم في سنة 1975 سافرت إلى فرنسا ضمن وفد للطيارين العسكريين وتقلدت رتبة عقيد في الجيش إلى غاية أن أحلت على التقاعد الإجباري سنة 1999 لرفضي الرضوخ لطلبات خارجة عن مهامي وقد خرجت بشرف.
القاضي: هل أنت مسبوق قضائيا؟
المتهم: لا فأنا مثالي في حياتي.
القاضي: لا فقد تمت إدانتك بسبع سنوات بسبب قضية فساد؟
المتهم: قضية الفساد تم توريطي فيها بعد مقتل تونسي حيث بقيت عام على ذمة التحقيق فلم يجدوا شيئا سوى علاقة بالشركة التي فازت بمشروع العصرنة.
القاضي: أنت متهم بالقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد وحمل سلاح حربي بدون ترخيص؟
المتهم أنفي حمل سلاح حربي بدون رخصة ولا أحد من إطارات الأمن والجيش يملكون ترخيص بأسلحتهم والبطاقة المهنية تكفي لحيازة السلاح أما بخصوص القتل لماذا أقتله؟ فهو صديقي المقرب وليس بيننا خلاف لا على النقود ولا على النساء لم أقتله... هم قتلوه ابحثوا عنهم وحاسبوهم.
القاضي: من الذي قتله إذا؟
المتهم: القضية مفبركة وتم التخطيط لها حتى من قاضي التحقيق الذي حرر تصريحات لم أدل بها.
القاضي: كفى تجريحا بقاضي التحقيق.
المتهم: النائب العام الأسبق لمجلس قضاء العاصمة وراء تزييف محاضر الاستماع.
القاضي: وجهت له رصاصتين الأولى على مستوى الفم تسببت في قطع لسانه ونزلت إلى صدره والثانية على مستوى أذنه اليسرى تسببت في تفجير مخه؟.
المتهم: لا أطلقت من سلاحي أربع رصاصات واحدة في الهواء والثانية على مستوى يده عندما تهجم عليّ بواسطة كيتو لفتح الأظرفة والأخريتين حاولت الانتحار بهما ثم تعطل المسدس.
القاضي يواجهه بالخبرة وبصور الضحية غارقا في دمائه
المتهم: أشكك في الخبرة فهناك تآمر علي.
القاضي: ما حدث بمكتب المدير العام للأمن الوطني؟
المتهم: عند دخولي طلبت منه تأجيل الاجتماع فرفض وقال لي انه جاء يوم الحساب والعقاب لأن ولاية الجزائر تشتكي عدم تسلمها لأجهزة الكومبيوتر ثم وصفني بالخائن فرردت عليه بعبارة (انت ابن حركي) فوقف غاضبا وحاول التهجم علي بـ(كيتور) فأطلقت النار في الهواء ثم علي يده اليمني وبقيت بمكتبه 20 دقيقة.
القاضي: ما فائدة محاولة إدانتك وتوريطك؟
المتهم: اسئلوا من أرادوا قتله.
القاضي: لماذا لم تحاول إسعافه ولماذا ناديت على الإطارات الثلاثة؟
المتهم: ناديت عليهم من اجل أن يقوموا باغتيالي لأني فشلت في الانتحار بعد تعطل مسدسي أؤكد اني لم أقتله وقد تركته حي يمسك بيده التي كانت تنزف.
القاضي: ماذا عن اعترافاتك عند قاضي التحقيق؟
المتهم: كنت تحت الضغط حيث كان مكتبه محاطا بعناصر البحث التحري الذي كانوا يتواصلون مع رئيس امن ولاية الجزائر عبر الراديو الذي امرهم بإحضاري حي أو ميت فأخطرته بأني أطلقت النار عليه.
ليعطي القاضي الكلمة لدفاع لطرف المدني والنيابة لاستجواب المتهم حيث تمت مواجهته بسلاح الجريمة وبالرصاصات التي انتزعت من جسد الضحية حيث نفى ان تكون ذخيرة سلاحه الحربي ليطالب دفاعه بتمكينه من سلاح الجريمة للتأكد منها محاولا التلميح إلى ان حراسه الشخصيين هم من قاموا باغتياله غير أن هيئة المحكمة رفضت تصديق كلامه ما أحدث فوضى وأصّر المتهم على براءته.
ب. حنان