حماقات ترامب

السبت, 18 يونيو 2016

بقلم: محمد كريشان*

قبل حادثة أورلاندو تساءل المحللون حول كيف يمكن أن يؤثر حادث إرهابي ما على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. الآن نعرف على الأقل جزءا من الجواب: السيد ترامب كشف كما لم يفعل من قبل أبدا عن أنه رجل غير صالح للقيادة هكذا رأت صحيفة واشنطن بوست المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة وهكذا سارت معظم التعليقات في كبريات الصحف الأمريكية.
إذن ما أراده دونالد ترامب من قطف سريع وسيئ انتهازي للحادثة انقلب عليه بشكل كبير إذ أظهره بشكل أسوأ من كل المرات السابقه رجلا موتورا تحركه الانفعالات والكراهية في نفور كامل مع ما يفترض أن يكون من خصال في رجل يطمح لتبوؤ رئاسة أهم وأقوى بلد في العالم. الكثير من الأقلام الأمريكية وفي أغلب الصحف ذات المكانة الخاصة شرعت بقوة في تقريع الرجل على ما أبداه من رعونة في الانقضاض على حادث دموي أليم ومدان لتحويله بسرعة إلى رصيد في حملته الانتخابية حتى أن بعض التعليقات تساءلت ساخرة عن الموعد الذي سيجبر فيه المسلمون في أمريكا على حمل علامة تميزهم متمثلة في النجمة والهلال على غرار ما كان يفعله النازيون مع اليهود حين أجبروهم على حمل النجمة السداسية.
بعد أسابع بدا فيها أن غلواء ترامب ضد المسلمين قد خفت إلى حد ما جاءت حادثة أورلاندو لتحيي فيه وبقوة كبيرة نزعة الكراهية فانطلق في ما يشبه هذيان الحمى المرتفعة عبر مقابلات تلفزيونية وتصريحات متلاحقة ارتكب فيها سلسلة من الحماقات المتلاحقة التي تبز إحداها الأخرى.
أبرزها على الإطلاق أنه لم يكتف بالتأكيد بموقفه السابق بأنه سيحظر دخول المسلمين إلى بلاده بل زاده بجعل كل المسلمين على التراب الأمريكي في دائرة الشبهة. لقد أراد حشرهم في الزاوية وشيطنتهم بتصويرهم جميعا وبلا استثناء على أنهم إرهابيون محتملون أو في أضعف الحالات متسترون على إرهابيين محتملين وذلك حين توجه إليهم بالقول وبلغة استعلائية مقيتة (لديكم الآن الكثير .. الكثير ممن هم أسوأ منه (القاتل) وأكثر كراهية يعيشون الآن في الولايات المتحدة). أكثر من ذلك اعتبر أن السبب الوحيد الذي جعل القاتل هنا في المقام الأول هو أننا سمحنا لعائلته بالقدوم إلى هنا متناسيا أن لا أحد أصلا كان على الأرض التي يقف عليها سوى الهنود الحمر وأن البقية كلهم جاؤوا من مكان ما بما فيهم هو وأجداد أجداده. ولم يكتف بكل ما سبق بل دعا علانية مسلمي بلاده وبشكل جماعي لإثبات وطنية يشكك هو في وجودها إلى لعب دور الوشاة لدى الأجهزة الأمنية مع أن نفس هذه الأجهزة هي من التقت الفاعل ثلاث مرات ولم تر من موجب قوي لاعتقاله أو على الأقل لوضعه تحت المراقبة الشديدة تحسبا لأي انتقال مفاجىء نحو عمل إرهابي محتمل!!.
ثاني هذه الحماقات عودته مرة اخرى إلى الهجوم الشخصي على الرئيس أوباما. لم يكتف بانتقاد سياساته المتعلقة بالتعامل مع الإرهاب ورفضه استعمال مفردة (الإرهاب الإسلامي) وكأن ذلك سيغير من الوضع كثيرا بل عاد مرة أخرى إلى أسطوانته السابقة حول احتمال أن يكون أوباما مسلما متخفيا مرددا مرة أخرى قصة شهادة ميلاده التي طالبه بالاستظهار بها قبل سنوات. عاد ليقول إنه (إما غير قوي بما يكفي أو غير ذكي بما يكفي أو لديه شيء ما في رأسه) وهو الإيحاء بأنه مسلم يخفي إسلامه وبالتالي حسب منطقه فالرئيس في أحسن الحالات مهادن للتطرف الإسلامي وفي أسوأه متواطىء معه وفي كلتا الحالتين يعتبر ذلك أقرب ما يكون من الخيانة الوطنية وهو ما يفسر ربما دعوته له بالتنحي عن منصبه.
لقد أثبتت القيادات السياسية والأمنية والإعلامية الأمريكية قدرا كبيرا من الرصانة وتجنب خلط الأمور وعدم أخذ مسلمي البلاد بل والمسلمين في العالم بجريرة هذا الأمريكي المولد والمنشأ الأفغاني الجذور لأن الأصل في أي جريمة هي المسؤولية الشخصية خاصة وأن كل الملابسات لم تتضح بعد وليس أكيدا أن دوافع ما جرى دينية أو إيديولوجية وإذا كانت كذلك فلا شيء يبعث على الاعتقاد بأنها كانت منسقة تنظيميا من الخارج كما أكد ذلك الرئيس الأمريكي نفسه وأجهزته الأمنية. وحده ترامب أراد بطيش الاستثمار في منسوب الهواجس والشكوك وتسخين مشاعر الكراهية.
لم ير ترامب من مواطنيه ذي الأصول الأفغانية سوى عمر متين لم ير مثلا خليل زلماي زاد سفير واشنطن السابق في الأمم المتحدة والعراق وأفغانستان وهو أفغاني المولد بالمناسبة تماما كما لم ير نجيب ساويرس في ترامب سوى مشاركته له في كره الإسلام والمسلمين. لذلك كلاهما يليق بالآخر وكلاهما رسب هذه الأيام في امتحان الجدارة بالزعامة لأن الكره أعمى قلبيهما معا.