مواجهة كورونا وتحقيق النمو أهم أولويات العالم

الجمعة, 08 يناير 2021

بقلم: إبراهيم نوار*
يبدأ العام الحالي 2021 وما يزال العالم يواجه فشله في مجالات البيئة والصحة والنمو والفقر والتفاوت والبطالة والمرأة والشباب كما أن العالم يفتقر حتى الآن إلى وجود خطة واضحة للنجاح في تحقيق أهداف إيجابية ابتداء من حصار كوفيد – 19 حتى توفير القدر الملائم من التفاؤل للشباب الذين يعانون من نقص الفرص المتاحة للتقدم والترقي في معظم مجالات الحياة على مستوى العالم ككل.
وقد تجاوزت الإصابات بفيروس كورونا المستجد حتى الآن 86 مليون شخص في حين يقترب عدد الوفيات من 1.9 مليون بمعدلات يومية وصلت أقصاها إلى 750 ألف إصابة و15 ألف حالة وفاة. كذلك يتضمن جدول أعمال العالم للعام الحالي عددا من المهام الأخرى من أهمها الانتقال من الانكماش إلى تحقيق النمو والتعلم من دروس تداعيات كورونا في إعادة بناء الاقتصاد والتوسع على أسس جديدة. وسوف نعرض في ما يلي لأهم البنود التي تفرض نفسها على جدول أعمال العالم للعام الحالي بدوله ومؤسساته المتعددة الأطراف وبقية القوى الشريكة في صنع المستقبل.
*أولا مواجهة كورونا
سوف يظل هدف فرض السيطرة على انتشار فيروس كوفيد ـ 19 أول وأهم بنود جدول أعمال العالم في العام الجديد. وعلى الرغم من ثقل الأحمال والخسائر في الأرواح والأموال فإن العالم يدخل الجولة الثانية من المعركة ضد فيروس كورونا المستجد هذا العام وهو أكثر جاهزية وقدرة مقارنة بالعام الماضي. في هذا العام يمتلك العالم من المعلومات عن الفيروس ما كان يجهل في العام الماضي حيث كان القتال يدور مع عدو مجهول تماما. وفي هذا العام يدخل العالم الجولة الجديدة وهو يملك عددا من الأسلحة في مقاومة الفيروس والوقاية منه تتمثل في ترسانة من الأدوية واللقاحات التي وإن كانت لم تتأكد فاعليتها التامة تقريبا في مواجهة الفيروس حتى الآن بما يكفي للاطمئنان وممارسة الحياة العادية بلا خوف إلا أن امتلاكها يوفر بالتأكيد سلاحا مهما لم يكن متاحا في العام الماضي. كذلك فإن العام الحالي يشهد بالفعل خطوات جادة من أجل جعل المواجهة مع الفيروس عالمية الطابع وليست قومية كما كان الحال في العام الماضي. ويتخذ ذلك عددا من الصور من أهمها البرنامج الجاد الذي تتبناه منظمة الصحة العالمية للتحصين والوقاية في إطار تعاون مشترك بين شركاء العالم بما فيها الدول والمؤسسات المالية ومنظمات المجتمع المدني. وتبلغ تكلفة هذا البرنامج حوالي 30 مليار دولار وهو يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من التعاون على مستوى العالم لتوفير أمان حقيقي في مواجهة كوفيد – 19. الخطورة في حال فشل إنجاز هذا البرنامج تتمثل في أن انتشار الفيروس بين غير القادرين والأكثر احتياجا سيصبح حرا بلا قيود خصوصا في الدول الفقيرة والنامية بينما سيحصل عليه الأقل حاجة إليه لمجرد أنهم يملكون القدرة والموارد الكافية للحصول على اللقاحات والأدوية.
من الناحية الاقتصادية من المتوقع أن تستمر تداعيات وباء كوفيد – 19 في الربع الأول من العام خصوصا أن هناك عوامل أخرى سلبية ستعزز من قوة هذه التداعيات مثل تداعيات بريكست وعملية انتقال السلطة في الولايات المتحدة التي يبدو أنها قد تواجه بعض الصعوبات إضافة إلى غياب خطط قومية لمواجهة الفيروس صحيا واقتصاديا في معظم الدول النامية التي تعاني من المديونية ومن شحة الموارد المتاحة لتمويل برامج الإنعاش الاقتصادي. كما تبدو الآن مظاهر لتجدد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول الأوروبية مثل اليونان والبرتغال وهو ما سيلقي أعباء إضافية على الميزانية الأوروبية وعلى برامج الإنعاش التي تم إقرارها في العام الماضي. باختصار كما كانت الحرب على كوفيد – 19 هي البند الأول على جدول أعمال العالم في العام الماضي فإنها ستظل كذلك في العام الحالي خصوصا في الربع الأول حتى شهر مارس. ومن الصعب القول منذ الآن باحتمال تراجع أولوية هذه الحرب عما عداها قبل أن نصل إلى نهاية الربع الأول من العام حيث يكون فصل الشتاء قد انتهى وبدأ الربيع مع كل الاحتمالات المتفائلة بعد ذلك وإن كانت معظم مصادر التفاؤل ستتوقف على مدى النجاح في معالجة التداعيات السلبية للوباء خصوصا في الولايات المتحدة التي ما تزال العنوان الأكبر للفشل في مواجهة كورونا سواء من حيث عدد المصابين أو الوفيات أو الاستعداد اللوجيستي.
*ثانيا تحقيق النمو
ما سبق يقودنا إلى اتجاهات النمو العالمي في العام الجديد التي كان صندوق النقد الدولي قد توقع أن تكون في حدود 5.2 بعد انكماش بنسبة 4.4 في العام الماضي. وستتوقف قوة النمو في العام ككل على مدى النجاح الذي ستتمكن الدول الصناعية الغربية من تحقيقه خصوصا الولايات المتحدة التي تعاني في الوقت الحالي من تخبط سياسي شديد ومن العجز عن مواجهة كورونا رغم توفر اللقاحات في أغني دولة في العالم كما تعاني من عدم وجود برنامج فيدرالي محكم وفعال لمواجهة فيروس كورونا المستجد بسبب الصراعات الفيدرالية بين البيت الأبيض وحكام الولايات. ومن المرجح أن يقوم خبراء صندوق النقد والبنك الدولي بمراجعة توقعات النمو من جديد خلال دورة الربيع المقبلة. وستكشف المراجعة عن تقديرات النمو الأقرب إلى الواقع في العام الجديد وستكون مراجعة توقعات النمو في الدول الصناعية والدول المصدرة للنفط والغاز هي الأهم نظرا لهشاشة احتمالات النمو فيها على عكس الحال في دول جنوب شرق آسيا بقيادة الصين التي من المتوقع أن تمثل المحرك الأول للنمو الاقتصادي في العالم في العام الحالي كما كانت في العام الماضي. في الدول النامية المنخفضة الدخل والفقيرة ستظل احتمالات النمو معلقة بمستوى تعافى النشاط الاقتصادي العالمي لأن معظم إنتاج وصادرات هذه الدول يتمثل في السلع الزراعية والمواد الأولية الخام والمعادن ومن ثم فإن نشاطها الاقتصادي يتوقف على قوة الطلب العالمي على المواد الأولية. وكان صندوق النقد الدولي قد توقع أن تنمو الدول منخفضة الدخل بنسبة 4.9 لكن هذا التوقع سيكون في حاجة للتعديل سواء بالنسبة للدول المصدرة للمواد الأولية أو بالنسبة للدول المصدرة للعمل.
*ثالثا الاقتصاد الرقمي
وسيكون تحقيق أفضل معدلات للنمو هو البند الثالث على جدول أعمال العالم خلال العام الحالي لكن ذلك سيكون مشروطا من الناحية الاقتصادية بالقدرة على التمويل والتغلب على قيود المديونية وبقوة التعافي الاقتصادي في الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا التي تمثل جميعا مصنع العالم بالمعنى الواسع للكلمة. وتعود أهمية هذا البند على جدول أعمال العالم ليس لمجرد الرغبة في تحقيق الانتقال من الكساد إلى النمو لكن الأهم من ذلك يتمثل في ضرورة توفير فرص العمل الملائمة والكافية لطالبي العمل الذين زادت أعدادهم بالملايين خلال العام الماضي. النمو لغرض تخفيف حدة البطالة سيفرض هذا العام تحديات غير مسبوقة على نمط النمو حيث سيكون على كل دول العالم إعادة بناء اقتصاداتها على أسس جديدة تتجاوز كل الاعتبارات التقليدية وتتقدم على طريق الاقتصاد الرقمي وهو تحد جديد تحتاج مواجهته إلى بنية أساسية تكنولوجية ومهارات بشرية تمثل مكونات أساسية للاقتصاد الرقمي ولن يمكن تحقيق النمو المنشود بدونها. ويوجد قدر كبير من الإجماع بين علماء التنمية في الوقت الحاضر على أن القدرة على تحقيق النمو في المستقبل لن تعتمد بالأساس على إعادة إنتاج واستخدام سياسات التنمية التقليدية وإنما سيحتاج الأمر إلى خيال جديد قادر على تصميم سياسات للتنمية في العالم أجمع تأخذ في اعتبارها دروس العام الماضي من حيث قدرة الاقتصاد الرقمي على النمو والصمود في مواجهة الأزمات وما يتيحه للأفراد والمؤسسات من فوائض ممكنة في الوقت والمال والقوة البشرية يمكن أن تمثل محركات أقوى للنمو بشكل عام. ومع التقدم الذي يتم إحرازه على صعيد تطوير أنظمة الإنتاج باستخدام أجهزة وبرامج الذكاء الصناعي وتقسيم خطوط الإنتاج الممتدة إلى حلقات متشابكة وتقسيم الحلقات نفسها إلى عمليات أصغر أشد دقة وإعادة الترابط الكامل إلى دورة الإنتاج ذات الطابع العولمي المتسلسل باستخدام التحكم عن بعد وأنظمة الاتصالات وشبكات المعلومات المتقدمة جدا والسرعة جدا خصوصا مع التوسع المتوقع في استخدام تطبيقات الجيل الخامس من شبكات الاتصالات في عمليات الإدارة والخدمات والإنتاج فإن العالم يواجه بالفعل في العام الحالي تحديا كبيرا جدا. ويبدو حتى الآن أن الصين وكوريا الجنوبية واليابان هي من أكثر دول العالم استعدادا للتحول أكثر فأكثر إلى توسيع نطاق الاقتصاد الرقمي وهو ما يمثل التحدي التكنولوجي الأول الذي سيقرر مدى القدرة على الخروج من عنق الزجاجة في النمو خلال العام الحالي والأعوام التالية.