رأي في القرصنة

  • PDF


بقلم: أمير تاج السر*
منذ أيام كتبت رسالة لأحد المسؤولين عن موقع إلكتروني عبارة عن مكتبة ضخمة تنشر فيها الأعمال الأدبية وغير الأدبية بلا وجه حق ومن دون إذن من أصحابها أو ناشريها وتتاح مجانا للقراء. سألته إن كان يعرف الملكية الفكرية وحقوق المؤلف فرد إنه يعرفها جيدا سألته عن الهدف إذن من التعدي على ما يعرفه فأجاب بأنه لم يسرق نصا من أحد ولا هو من صور الكتب ونشرها وأن كل ما فعله هو أن لم شتات النصوص من بحر الإنترنت العميق وأسكنها بيتا واحدا بحيث لا يجد من يبحث عن كتاب ما صعوبة كبيرة في العثور عليه وإن كان ثمة لوم فهو يخص من قام بقرصنة الكتب.
توقفت عن الكتابة للرجل لكن ما يزال بالي مشغولا بقضية الحقوق تلك وهل كانت القرصنة ستكون متاحة لو لم يوجد الإنترنت؟ أيضا سؤال مهم وهو هل كان الناشرون سيدفعون حقوقا مجزية للمؤلفين لو لم تكن هناك قرصنة وفقط بوابة وحيدة للقارئ هي بوابتهم؟
في الحقيقة أستطيع أن أجيب على سؤال القرصنة في غيبة الإنترنت بناء على تجاربي القديمة حين كنت طالبا جامعيا كانت المراجع العلمية غالية جدا ولا يستطيع أي طالب أن يوفر قيمة مرجع واحد من عشرات المراجع من المصاريف القليلة التي كان يرسلها له أهله. لكن استطعنا القراءة ودخول الامتحانات والنجاح فيها بسبب الكتب المصورة التي كانت متوافرة بشدة في كشك صغير قريب من الجامعة حيث يباع المرجع بجنيهات قليلة مقابل عشرات الجنيهات أو حتى مئات في مواد مثل التشريح ووظائف الأعضاء والطب الباطني.
صحيح أن التصوير لم يكن متقنا والكتاب قد يفقد بعض الصفحات وقد تجد فيه صفحات بيضاء أو سوداء من فعل الضغط على الآلة المصورة لإنتاج آلاف النسخ إضافة إلى بدائية آلات التصوير في ذلك الوقت. لكن لا بأس سيعثر الطالب على ما يريده أو لنقل معظم ما يريده من دون أن يكلف أسرته فوق طاقتها وأظن أن هذا التقليد في قرصنة العلم وإتاحته للدراسة ما يزال موجودا ولكن في نطاق ضيق حيث القرصنة العنكبوتية أشد وقعا وأكثر ملاءمة لطالب العلم الآن.
إذن كان لتلك المراجع مؤلفون وباحثون أضاعوا سنوات طويلة في البحث والتقصي من أجل توفير المادة سهلة وسلسة لطالب العلم وأن لأولئك الباحثين حقوقا قطعا تضيع أو يضيع جزء كبير منها من جراء تلك الشقاوة الطلابية التي أتاحت كتبهم بجنيهات قليلة هي في الحقيقة ثمن الورق الذي صورت عليه المادة.
لم تكن تلك الفكرة أي فكرة حقوق الغير تخطر على بالي أو بال زملائي أبدا كان الأمر عاديا جدا أن توجد كتب أصلية غالية وكتب مزورة رخيصة وتميل كفة الطالب نحو الكتب الرخيصة بسبب شح الإمكانيات. أكثر من ذلك كنا نوجه الشكر الجزيل لأولئك الشباب الذين يساعدوننا في تلقي القرصنة وندعو لهم دعوات كثيرة وإن صادف أن عثر أحد منا على مرجع جديد أصلي يعيره لهم حتى يقوموا بتصويره وبيعه.
هذا المعنى القديم أي معنى  النظرة إلى جهد المقرصنين أجده الآن مختلفا تماما وأظنني أحس بالكآبة حين أجد أحد كتبي معتقلا في موقع يروج لمجانية الكتب وأيضا يضع بجرأة شديدة عبارة: حقوق النشر محفوظة للموقع كأن الموقع هو من ألف الكتاب وكأنه من أرسله للطباعة ومن وزعه. النظرة الجديدة هي نظرة مؤلف إلى جهد ضائع جهد التأليف الذي يستغرق أشهرا أو سنوات وجهد النشر الذي يكلف الناشر والموزع وأصحاب المكتبات التي تعرض الكتب أموالا بلا شك. ويزداد المغص حين يكون الكتاب جديدا جدا لم يمض على خروجه إلى القراءة سوى أيام قلائل والمغص الأكثر  إزعاجا حين ينشر المؤلف إعلانا عن قرب صدور كتاب جديد له فيتلقى رسائل من قراء يطلبون منه أن يقوم بإرسال نسخ إليكترونية لهم بمجرد صدور الكتاب.
القارئ مثل هذا قطعا لا يحس بخطورة ذلك الطرح وإنه طرح مأساوي يجعل الكاتب خصوصا ذلك الذي لا يملك حرفة أخرى غير القلم مضطربا يفكر مئة مرة في جدوى ما يفعله وما فعله سنوات طويلة.
لا مانع بالطبع من إرسال نسخ ورقية لبعض الأصدقاء ممن يؤمن المؤلف بصداقتهم وبضرورة الحصول على آرائهم في كتابه ولكن مجرد إرسال نسخة بي دي اف واحدة لصديق أو قارئ ملح يجعل الكتاب خارج نطاق الحقوق المشروعة ويجلسه مضطربا في موقع إليكتروني غير مهتم بأي شيء سوى إرضاء قارئ مفترض هو لا يعرفه ولا يعرف إن كانت الخدمة التي يقدمها له يستحقها أم لا؟
هذا ما أستطيع قوله عن مسألة ضياع الحقوق جراء سرقتها بأي شكل لكن ماذا عن الحقوق التي قد يحصل عليها الكاتب إن كانت الأمور تجري بطبيعية بحتة ولا يوجد من يسرق الكتب وأن النسخ التي تطبع هي النسخ التي تقرأ؟
هذا السؤال بقدر طرحه بمودة شديدة وبلا أي غرض آخر سوى الحصول على إجابة معقولة قد يبدو محرجا أيضا. فالناشر غالبا يبني مؤسسته من تحالف كتاب كثيرين معه بعضهم من قدامى محاربي الكتابة وبعضهم من الأجيال الجديدة الصاعدة وتلك المؤسسة ذات هدف تجاري ربحي لا دخل للمؤلف فيه إلا ما ندر هناك عقود تكتب وتوقيعات تزيل بها تلك العقود ولا شيء آخر.
نعم هناك من يلتزم بالدفع في نطاق محدود ومن يلتزم بنسبة العشرة بالمئة التي ترد في كل عقد ولكن في الغالب تكون تلك العشرة في المئة مجرد خربشات في العقود لا يسفر هزها عن سقوط ثمر. أنا أشبهها بتلك الكتابة التي يضعها كثيرون على جدران الحوائط يعلنون فيها حبهم لفتيات لا يعرفهن أحد حيث تظل مجرد كتابة لن تأتي بالفتاة المحبوبة إلى أحد أبدا.
أخيرا سأكون أكثر صراحة وأؤكد أنني لن أغضب مرة أخرى من مقرصن بعد أن تذكرت استفادتي القديمة فقط اسمحوا للكتب الجديدة أن تختال قليلا في المكتبات معززة مكرمة قبل أن تنهش حقوق نشرها.