طالبان وفرنسا و الطلبنة والشريعة

  • PDF


بقلم: ممدوح إسماعيل*
في تطور لافت أعلنت حركة طالبان عن تشكيل الحكومة الجديدة وكان لافتا أن كل أعضائها من حركة طالبان. وقد عقبت على الإعلان بأنها حكومة تسيير أعمال نظرا للظروف الداخلية لأفغانستان.
ورغم التبرير لكن التشكيل كان مفاجأة للكثيرين في العالم الذين تنادوا بتصريحات تطالب طالبان بحكومة تضم كافة أطياف الحالة السياسية الأفغانية وهو طلب مستفز ومخالف للعرف السياسي فلا يعرف أن المنتصر بالأغلبية يشارك خصومه في حكومته ولا يوجد لذلك أي مثال ديمقراطي سواء في بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا فكل الحكومات من الحزب الفائز. وحتى في حركات التحرر لا يوجد أي مثال لشراكة الخصوم في حكومة تشكلها حركة تحرر فلم يحدث في فيتنام عندما طردت المحتل الأمريكي ولا في الجزائر عندما طردت المحتل الفرنسي ولا في أي دولة في العالم لكن العالم الغربي عنده حالة من الفوقية والكبر السياسي مع الدول الإسلامية وينتابه الهوس السياسي مع الإسلام السياسي خاصة.
وقد أعاد تشكيل الحكومة للأذهان مصطلح أخونة الدولة الذي تم نشره بصورة صارخة غير مبررة في مصر خلال فترة حكم د. مرسي رحمه الله. وقد عادت نغمة طلبنة الدولة من جديد والغريب أنهم لا يحمدون لطالبان حالة العفو النادرة في العالم عن خصومها وهي سابقة لا نظير لها في التاريخ الحديث.
أما فرنسا التي تشعل حالة عدائية ضد طالبان وتدعم أحمد بن أحمد شاه مسعود فهي أول دولة وجب أن تسكت وتحترم طالبان وتتذكر فضل طالبان في العفو عن الخصوم مقارنة بما حدث من الثورة الفرنسية التي سفكت دماء كل خصومها بأدنى شبهة.
وقد سجل التاريخ الفترة بعد قيام الثورة الفرنسية بعهد الإرهاب (5 سبتمبر ‪1793- 28‬ جويلية 1794) حيث اتسمت تلك الفترة بأحكام الإعدام الجماعية لمن وُصفوا بأنهم أعداء الثورة والتي راح ضحيتها الآلاف. ما بين جوان 1793 ونهاية جويلية 1794 وقد بلغت حالات الإعدام حوالي 17 ألفا أشهرهم لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت والمحامي والثائر جورج دانتون ورفيقاه ماكسيمليان روبسبيار وكامي ديمولان وعمدة باريس جان سيلفان بايي والذين قطعت رؤوسهم بالمقصلة ما بين عامي 1793 و1794.
وفي العام 1792 يذكر التاريخ مذبحة قتل دي ليسارت الذي تقلّد مناصب وزارية هامة عقب اندلاع الثورة الفرنسية مع 44 آخرين من المعتقلين ولكن فرنسا بحالة العدائية الماكرونية لا تتذكر بل تدعم حالة التمرد والفوضى.
وقد نشرت صحيفة جورنال ديمانش الباريسية رسالة مسعود إلى المفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي (عراب التمرد) يحثه فيها على الوساطة وتوجيه نداءات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً: فرنسا هي الملاذ الأخير لنا والأمل الوحيد المتبقي لنا . وكان رد ليفي عليه في مجلة بوليتيكو : من الطبيعي أن تتدخل فرنسا وأعتقد أن العلاقات التاريخية بين باريس ووالد أحمد مسعود ستدفعها إلى تقديم المساعدة له حتى ولو بصورة سرية .
هذه هي الطريقة الفرنسية العدائية المخالفة للقانون الدولي في التعامل مع حركة تحرر ضد الاحتلال طالما أن لها شكلا إسلاميا سياسيا.
أنتقل لنقطة مهمة نشرتها قناة الجزيرة حيث أن الملا هبة الله أخوند زاده رئيس حركة طالبان ويعتبر هو رئيس أفغانستان الفعلي حاليا قال: إن القيادة الجديدة ستضمن سلاما دائما وعلى الناس عدم مغادرة البلد. وهو تصريح يؤكد حرصهم على العفو العام التام والسلام لكل خصومهم واحترام حقوق الإنسان.
وقد تأكد ذلك بواقع عملي لم تفعله دولة في العالم من عفو عام وترك حرية المتعاونين في السفر ولكنه قال إنهم سيبذلون ما بوسعهم للتمسك بالشريعة الإسلامية وهي النقطة التي تثير حفيظة العالم الغربي غير المبررة مطلقا. فالعالم كله يعترف بخصوصية إقليمية القوانين لأنها تحقق سيادة الدولة ولا تسمح بتطبيق تشريع دولة أخرى. لذلك فرنسا تمنع الحجاب بالقانون وترفض تدخل أي دولة في قانونها الإقليمي وكذلك النرويج وبلجيكا تقنن الشذوذ وترفض تدخل أي دولة في قانونها.
والعالم كله يعترف ويطبق شخصية القوانين بمعنى أن القانون يطبق على الأشخاص المنتمين والمقيمين في الدولة لذلك العالم لا يتدخل في دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقد نصت القوانين الأساسية الإسرائيلية - التي هي بمثابة الدستور- على يهودية الدولة بل منعت كل من يسعى لنفي الطابع اليهودي للدولة (صراحةً أو ضمناً) من الترشح للكنيست الإسرائيلي.
ولا يفوتنا أن أحد الألقاب الدستورية لملكة بريطانيا هو لقب حامية العقيدة والقائد الأعلى للكنيسة الأنجليكانية ولم ينتقدها أحد لكن العجيب أن العالم الذي تتنوع قوانين دوله في خصوصية قانونية يعارض خصوصية أفغانستان في قانونها؟ والعالم والقانون الدولي معني فقط بأي خرق من طالبان لسيادة الدول وهو ما تعهدت بشأنه طالبان علانية في اتفاق الدوحة.
ويبقى أن طالبان أمامها امتحانات عسيرة في التطبيق فتقنين الشريعة عملية صعبة جدا في ظل تطورات كثيرة في الحياة ومعقدة ويحتاج بعضها إلى اجتهادات لذلك حركة طالبان في واقعها السياسي الجديد تختلف عن حركة الجهاد والمقاومة. فالحكم والسياسة والإدارة تحتاج لجهاد فكري مما يجعلها تحتاج إلى معونة كثير من المفكرين الصادقين في العالم الإسلامي كي تتجاوز عقبات كثيرة في التطبيق لأنها تعاني الآن من فراغ تشريعي كبير سيسبب إشكاليات. ومثال ذلك ما تم إعلانه عن عدم وجود قانون للمظاهرات فكما أعلنت حكومة تصريف أعمال مؤقتة تحتاج إعلانا دستوريا مؤقتا وقرارات بقوة القانون عاجلة ولا تترك حال إدارة البلاد لقرارات وقتية أو قواعد عامة أو انتظار لجان تقنين.