في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ ـ الجزء الثاني والسبعون ـ

السبت, 18 سبتمبر 2021

في مدينة الأبيض سيدي الشيخ
فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ
ـ الجزء الثاني والسبعون  ـ
بقلم: الطيب بن ابراهيم
*استقبال السكان لقرار وقف الأذان  
كان عدد سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ سنة 1933 حسب مصادر الإرسالية (1500 نسمة) وهو عدد قليل جدا مقارنة بتاريخ تأسيس المدينة وأمجادها كعاصمة لإمارة أولاد سيدي الشيخ إذ تم تهجير ومطاردة السكان بعد ثورة الشيخ بوعمامة وتلتها أحداث مذبحة مدينة الأبيض وتفجير ضريح سيدي الشيخ على يد السفاح العقيد فرونسوا أوسكار دونيغريي صيف سنة 1881 كما أن جل سكان المدينة كانوا يقيمون بالبدو ويستخدمون بيوتهم عادة للتخزين والتموين ومع ذلك كانت هناك نخبة من الأعيان بالمدينة تقود السكان يتزعمهم عدناني الحاج بحوص وابنه محمد وغيرهما كان هذان الأخيران على رأس من تصدوا وتزعموا مواجهة رجال الإرسالية ومهزلة أذانهم واستطاعوا إيصال رفضهم واحتجاجاتهم إلى كل السلطات المدنية والعسكرية بما فيها الحاكم العام نفسه Jules Carde بمدينة الجزائر . 
بعد الرفض والاحتجاج المتواصل من طرف السكان ضد أذان النصب والاحتيال وعلى جميع المستويات تكلّلت الجهود بالنجاح وحقق السكان مطالبهم واستجابت السلطات لهم وتم اتخاذ قرار الوقف من طرف السلطات العليا العسكرية التي أبلغته للسلطات العليا الكنسية. أرسل المحافظ الرسولي المونسنيور غوستاف نوي أرسل للإرسالية قرار الوقف الفوري للأذان بتاريخ 17 ماي سنة 1935 وكان آخر يوم لُفظت فيه أنفاس أذان الكنيسة هو يوم الأربعاء 22 ماي سنة 1935 وتشاء الصدف وبدل الاحتفال بيوم 22 ماي 1934 كذكرى أولى مفرحة لافتتاح الكنيسة تحول ليوم مؤلم لرئيس الإرسالية عكس ما كان متوقعا.
استقبل سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ قرار وقف أذان كنيسة الإرسالية بالفرح والارتياح والابتهاج فانقطع نهائيا الصوت المؤلم لمشاعرهم الذي كان يسمع من أعلى منارة الإرسالية من طرف أعداء دينهم وأعاد لهم هذا النصر الثقة بالنفس في مواجهة الاحتلال ومشاريعه المعلنة والمستترة ورأوا في ذلك القرار كسبا للمعركة غير المتكافئة بين الطرفين وثمرة لجهودهم ونصرا لاحتجاجاتهم ضد استهتار رجال الإرسالية الذين شوهوا أذانهم واعتدوا على إحدى شعائرهم الدينية. فذكرهم ذلك النصر بأمجادهم وتاريخهم ومقاوماتهم. 
كما كان من مكاسب هذا النصر على تحايل رجال الإرسالية أن نبّههم للحذر مستقبلا من كل التصرفات التي لا يوثق بها وبالتصدي لأي عمل مشبوه حتى ولو كان ظاهره تقليد رجال الإرسالية لبعض شعائر المسلمين حتى ولو قرأوا القران! وفضح أساليب التنصير المستحدثة والمستترة التي قد تلجأ لها الإرسالية لمغالطة السكان والتحايل عليهم كحالة أذان النصب والتضليل!. وبقدر ما كان الأذان أجرأ خطوة نصب واحتيال اتخذتها الإرسالية في المدينة اتجاه السكان كان وقفه وإبطاله يمثل أكبر نكسة وفضيحة لسياسة التنصير عن طريق التكيف والاختراق التي انتهجتها الإرسالية.
ومن جهة أخرى كان رئيس الإرسالية الأب فوايوم أثناء فترة أذانه يسجل يوميا ردود فعل السكان حول خطوات مشروعه وكيف استغرب السكان صِيَغَهُ المتناقضة مع أذانهم الإسلامي وكيف توقّعوا أن رجال الإرسالية في طريقهم للإسلام كما اعترف لكن بعد دخول الإرسالية في صراع قوي مع السكان حول الآذان المزيف ومطالبتهم بوقفه ورفض رئيس الإرسالية لمطالبهم وفي الأخير انتصر السكان وتم وقف الأذان لم يذكر لنا رئيس الإرسالية كعادته ردود فعل السكان وفرحتهم ...  
كانت مناسبة فضح ووقف أذان النصب والاحتيال فرصة للسكان نبهتهم لخطورة وحقيقة نوايا رجال الإرسالية وأساليبهم الجهنمية المتبعة واكتشاف المستوى الثقافي والعلمي لمستشرقيها واطلاعهم الواسع على العقيدة الإسلامية وإلمامهم بثقافتها وقدرتهم على التكيف والتقليد للمسلمين وخطورة مشروعهم الذي ينفذونه فانتاب السكان الشك والحذر من كل أهدافهم ودوافعهم المعلنة وغير المعلنة في العلاقة معهم فغير السكان استراتيجية التعامل معهم حيث بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الطرفين وأصبحت تصرفات رجال الإرسالية ونشاطاتهم تحت المراقبة وعدم الوثوق بها وهذا ما أدى إلى خروج السكان في عدة مظاهرات باتجاه مقر الإرسالية في عدة مناسبات ضد الرئيس الثاني للإرسالية ميلاد عيسى المستغل لظروف السكان وبعض الأحداث الضاغطة اجتماعيا واقتصاديا   وهذا ما أو صله إلى أن صُفع من طرف أحد المواطنين. بالإضافة لتحرك عدد من علماء المدينة كان أولهم العالم الكبير عبد الكريم محمد بن شكر خريج جامعة القرويين بفاس والذي حل بمدينة الأبيض سنة 1941 وكانت وفاته سنة 1978 بمدينة تيارت والثاني عدناني محمد الذي قاد أكثر من مظاهرة اتجاه مقر الإرسالية ضد تحركاتها المريبة. لكن المواجهة النارية كانت بين رئيس الزاوية السي بوبكر حمزة الذي انتخب رئيسا للزاوية سنة 1949 وأعيد انتخابه لها مرة ثانية قبل أن يعين عميدا لمسجد باريس حيث واجه رئيس الإرسالية الأب ميلاد عيسى الذي اصبح رئيسا للإرسالية سنة 1947 عقب مغادرة رئيسها الأول للجزائر واتهم بوبكر حمزة رئيس الإرسالية ميلاد صراحة بمحاولة تنصير السكان خاصة بعد حادثة الشاب علي بن ساسي وطلب رئيس الزاوية السي بوبكر بطرد القس ميلاد من عاصمة أولاد سيدي الشيخ   بالإضافة للعالم لعجاب حاج جلول الذي حل لاحقا بالأبيض ما بين سنة 1955 إلى غاية سنة 1975.
كان مشهودا لهؤلاء العلماء الكبار بالعلم والاطلاع على الفكر الاستشرافي وثقافته ودوافعه ورجاله ومؤسساته والصراع الفكري في البلاد المستعمرة كما يقول مالك بن نبي رحمه الله وذلك لمواجهة مستشرقي الإرسالية أصحاب الاطلاع الواسع على العقيدة الإسلامية والإلمام بثقافتها وتاريخها   والوقوف أمامهم ندا للند.


..يُتبع...