فلسطين أمّ البدايات وأمّ النهايات.. وعار الكيان سيبقى

السبت, 21 مايو 2022

بقلم: لطفي العبيدي*
تحقق لإسرائيل ما سعت إليه بفرض الأمر الواقع على الأرض والتخلص من الالتزامات السياسية والدبلوماسية بدعم أمريكي. والاحتلال والقمع في الأراضي الفلسطينية يعتمد على مساندة عسكرية وسياسية قوية من الولايات المتحدة. وفي كل مرة يكيفون الأمر بإطلاق بعض التصريحات من واشنطن لذر الرماد في العيون. والجريمة التي استهدفت شيرين أبو عاقلة والجرائم المماثلة لها تهدف للقضاء على صوت الحق وطمس الحقيقة وإلغاء نداء الحرية والدفاع عن العدالة الإنسانية.
استهداف الصحافية جاء في الوقت الذي يشدد فيه الكيان الصهيوني إجراءاته لترحيل السكان الفلسطينيين قسريا وهي واحدة من 82 صحافيا وصحافية اغتيلوا على يد الكيان الغاصب خلال العقود الأربعة الأخيرة. جرى قنصها بعمل إرهابي جبان مخطط ومنفذ من قبل العصابات الصهيونية. وبعد ذلك نسمع مطالبة البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي بإجراء تحقيق مستقل هو نفاق وازدواجية معايير مفضوحة لأطراف شاحت بوجوهها عن جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من سبعين عاما.
*هذا مشروعهم
وعلى إثر كل حدث إجرامي إسرائيلي مفضوح يعززون ظاهريا نظرية تقديم نقد تكتيكي يَظهر على أنه وساطة سلام وشد أذن ولكنها تصريحات زائفة لا تحجب حقيقة رفض التسوية السياسية التي طال أمدها. فمنذ عام 1971 والولايات المتحدة ترفض وبشكل منهجي التسوية السلمية وتتجاهل الإجماع الدولي وتدعي البحث عن حل دبلوماسي. وعانى مجلس الأمن ما عانت منه الأمم المتحدة حيث استبعد الفيتو الأمريكي أي دور لهما في حل القضية. ومنذ التسعينيات ومع فترة الهيمنة الأمريكية على العالم أصبح المصير الفلسطيني خاضعا لمبادئ السياسة الأمريكية التي حولت خياراتها نحو موقف أكثر تطرفا تجاه الشرق الأوسط. ولا أحد يعلق على استخدام الفيتو في تعطيل الشرعية الدولية أو على المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي قبلته الأمم المتحدة بإجماع دول العالم في 10 ديسمبر 1948. وينص على حق العودة للوطن. وهذه المادة استُخدمت للسماح لليهود السوفييت وغيرهم بالهجرة إلى حيث يشاؤون تطبيقا لحقوق الإنسان لكن أمريكا وإسرائيل اللتين تكاتفت جهودهما في معارضة القرار 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948 والذي أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا خلال الحرب في أن يعودوا إلى ديارهم ترفضان تطبيق المادة نفسها لصالح الفلسطينيين المتمسكين بحق العودة. حقائق تاريخية يدركها الأحرار بمثل إدراكهم الثاقب الذي يُرجى تعميمه وهو أن المأساة الفلسطينية المتواصلة سببها الجوهري الدعم السياسي والمالي والاقتصادي والعسكري الأمريكي اللامحدود لهذا الكيان. ذاك هو أحد الأسباب المهمة لشعور الكيان الغاصب بالحصانة لارتكاب أي جريمة وهم إلى الآن لا يريدون أن تُنقل الصورة الحقيقية إلى كل العالم. وجاهزون للتغطية وتعمية الحقائق وتزييفها وإظهارها على أنها عنف متبادل يثير قلقهم على نحو من النفاق المجاهر به في كل مرة حيث يكررون دعوة الأطراف كافة لضبط النفس لا غير. تلك استراتيجية واشنطن التي حرصت على استمرار عزل الفلسطينيين حتى لا يصبحوا لاعبا في المستقبل السياسي. والخوف من نضال السلام الفلسطيني يماثل الرعب الإسرائيلي من نضال صواريخ المقاومة وما حدث ويحدث بشكل مستمر يؤكد أن قيمة حياة العرب لا تشكل انشغالا كبيرا لدى صناع القرار السياسي في الدول المتحكمة ببند الشرق الأوسط داخل مجلس الأمن أمريكا وبريطانيا تحديدا فهؤلاء يبررون وحشية الاحتلال وبطشه ويدعمون محاولاته الدؤوبة واليائسة في إخفاء جرائمه وإسكات صوت الحقيقة. وحشية الاحتلال المستمرة تعود مرة أخرى من خلال فعله الاجرامي الذي طال الصحافية شيرين أبو عاقلة لتوقظ العالم النائم حول القضية العادلة التي طالما غفل عنها خاصة زمن التبشير بالتطبيع ومحاولات تصفية القضية نهائيا عبر صفقة القرن التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية. وما حدث من حروب متتالية ارتكبت فيها إسرائيل جرائم حرب وإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين لم يثر الرأي العام في العواصم المؤثرة في السياسة الدولية التي تتبنى الرواية الإسرائيلية وتتحكم في الداخل من خلال أجندة إعلامية موجهة. وما زالوا يرون في هذا الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية متقدمة تحقق مصالحهم في الشرق الأوسط. ومن الطبيعي أن لا يحرك فعله الشائن دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان فالعرض المبتهج للمبادئ الفاشية متواصل بمثل تواصل تهليلهم الكاذب لنظام عالمي جديد يكرس السلام والأمن والحرية وسيادة القانون. ومن الطبيعي أن يكون جل ما يهم الغرب الذي زرع كيان الاحتلال في المنطقة هو تحقيق مصالحه المادية. وهو أمر واضح على امتداد 74 عاما من عمر هذا الكيان. فالمشروع الذي التقى حوله الفكر الصهيوني مع الفكر الاستعماري الغربي ما زال يدفع نحو تفتيت العالم العربي والإسلامي ويحرص على تحويله إلى دويلات صغيرة تحت عناوين شرق أوسط جديد وكبير وفوضى خلاقة فضلا عن خلق الخلافات البينية والاحتراب الطائفي وترك دول المنطقة تعيش أشكالا عديدة من التناقضات تجعل علاقاتها البينية مهتزة على الدوام.
على نحو يعضد ما يحدث ضد شعب عاش خلال العقود السبعة الأخيرة المجازر والاحتلال والعدوان والسجن والتشريد والتمييز العنصري يكتفي العالم بمتابعة الأحداث. ولا ينهي صمته الطويل أو يبادر إلى اتخاذ إجراءات تتضمن إنهاء الاحتلال وتوفير حقوق الفلسطينيين باعتبارهم الأصحاب الحقيقيين للأراضي المحتلة ووضع نهاية لأطول أزمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم. أزمة في شكل استعمار وحشي واستيطان عنصري حاقد يعد السبب الرئيسي للعديد من الأزمات المتواصلة في المنطقة.