لننزل من أبراج جهلنا العاجية

  • PDF


ـ الشيخ أبو اسماعيل خليفة


الحوار لا يحمل صفة الخصومة وإنما يحمل صفة الحرص على العلم والفهم والإصلاح. فالدافع الأساسي للمحاور الجيد ليس إقناع من يحاوره بوجهة نظره وجعله يقف إلى جانبه وإنما دافعه الأساسي أن يُري محاوره ما لا يراه..
وجميلٌ منا أن نشعر بأخطائنا بحق الآخرين والأجمل أن يترجَم هذا الشعور لواقع ملموس واعتراف بالخطأ فالاعتذار من شِيَم الكبار وأصحاب المبادئ من أهمّ سماتهم الرجوع إلى الحق والاعتذار عن الخطأ. وللأسف نحن لا نُعاني فقط من الجهل بأساليب الاعتذار ولكننا أيضًا نُكابِر ونتعالى ونعتبر الاعتذار هزيمةً وضعفًا وإنقاصًا للشخصية والمقام!
وكم يحزننا أن تتحول حواراتنا إلى مبارزات كلامية طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشة ذوات الأشخاص وتصرفاتهم ومؤهلاتهم العلمية وسيرهم الذاتية..
فأزمتنا الحقيقية هي أزمة جهل بأنفسنا وبواقعنا بأدائنا وأدواتنا أزمة جهل حتى بالطريقة السليمة التي ينبغي أن نسلكها للتحاور والتفاهم فيما بيننا فكل منا يفخر ويزدهي بأنه: يجهل فوق جهل الجاهلين .
فليتنازل كل منا قليلا.. لننزل من أبراج جهلنا العاجية إلى ساحة المعرفة.. المعرفة التي لا لبس فيها ولا غموض ولا كراهية ولا كبر.. وإلا فإننا سنكبر وتكبر معنا أمراضنا..
ولنعمل جميعا ـ مستعينين بالله ـ في هذا الوقت إلى تجميع المؤمنين بثقافة الحوار حقا وحقيقة قلبا وقالبا شكلا ومضمونا ليشكلوا استراتيجة الحوار وينشروها ببرامج للتخفيف من الأنا المتضخّمة بالنفوس وذلك بالتدريب وفق برامج متعددة تعليمية وثقافية للتمرن على مرونة التفكير لأن مرونة التفكير هي مهارة مطلوبة لتحريك العقل وبنات أفكاره..
وبإضافة محلول المرونة لا بغيره نحلحل هذا العقل المكربج ونذيب الصدأ العالق بالعقول ونتصدى لقوى الشدّ العكسي من أصحاب عنزة ولو طارت ونلملم أشلاء الإصلاح المبعثرة ونجمعها بصبر وأناة.. حتى نعيد الاستقامة لكل اعوجاج أصاب الدرب.. والله المستعان وبه التوفيق وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به..