الألعاب الحربية طريق إلى جنوح الأطفال في جرائم خطيرة

  • PDF

السوق تغرق بأنواع منها دون رقابة
الألعاب الحربية ...طريق إلى جنوح الأطفال في جرائم خطيرة
* تعزز العدوانية لدى الطفل
يحمل مسدسًا حربيًّا لعبة ويبدأ تصويبه في كل الاتجاهات مردّدًا (تع...تع...) وكأنه في خضم معركة حقيقية يقتل فيها الأشرار تبدو صورة المعركة الافتراضية هذه مألوفة عند الأطفال
لاسيّما الصبيان والطريف أن ذخيرة هذه المعركة أسلحة بلاستيكية والقتلى فيها يعودون إلى الحياة بعد ثوان معدودة
وفي المقابل نجد أن بعض الأهل يتجنبون شراء الألعاب الحربية لأنها بحسب رأيهم تعزز العنف عند الطفل.
خ. نسيمة /ق. م
لازالت الأسواق تغرق بأخطر أنواع الألعاب حتى تلك التي تضر بالأطفال من الناحية الجسمية وحتى السلوكية حتى أن ملحقات بعض أنواع الألعاب كالمسدسات وحبيباتها المجهرية الدقيقة التي تستعمل كرصاص ألحقت أضرارا بليغة بالأطفال وصلت إلى حد فقدان البصر من دون أن ننسى النزعة العدوانية التي تزرعها تلك الألعاب الخطيرة في نفوس الأطفال ورغم ذلك نجد الإقبال عليها كبير من طرف الأولياء فالمهم لديهم تحقيق رغبة الطفل والتخلص من إلحاحه حتى ولو كان الثمن صحته البدنية والسلوكية.
الألعاب الحربية تعزّز العنف لدى الطفل
تتنوع الألعاب ونجد الإقبال عليها واسعا من طرف الأمهات رغم ما يحيط من نزعات العنف عبر مجتمعنا والذي عرف أوجّه في السنوات الأخيرة إلا أن انتقاء اللعبة لازال شرطا غائبا لدى العائلة الجزائرية أو حتى العربية على حد سواء وبشكل أوسع مما أدى إلى ظهور جنوح الأطفال في جرائم شنيعة وصلت إلى حد القتل بسبب ما يدور حول الطفل من عنف فاللعبة التي بين يديه تولد العنف وشاشات التلفزيون مصدر للعنف وحتى الألعاب الإلكترونية باتت سيناريوهاتها حول القاتل والمقتول بحيث عمت مشاهد الدماء كل شيء.
من الناحية النفسية يرى المختصون في علم النفس أنه لا يجب حصر الألعاب الحربية في خانة الألعاب التي تعزز العنف عند الطفل وللمحيط العائلي دور إما في تعزيزها وتنميتها أو العكس. فقد لاحظ مختصو علم نفس الطفل أن الأطفال الذي يأتون العيادة وغير العنيفين في طبعهم والذين ليس لديهم مشكلة عنف أو مشكلة عدائية في داخلهم أو عدائية تجاه الآخرين أو غير معنّفين في محيطهم العائلي لا يهتمون بالألعاب الحربية.
وفي المقابل الطفل الذي يختار لعبة المسدس أو أي لعبة حربية يحمل في داخله بعض العدائية ويحتاج إلى تفريغها والتعبير عنها.
ولكن أحيانًا نجد أن بعض الأطفال رغم أنهم يعيشون في محيط عائلي سليم لا عنف فيه يرغبون في هذه الألعاب؟
صحيح الطفل الذي يعيش في محيط عائلي سليم يحصل فيه على حب والديه واهتمامهما غير المشروطين ويشعر بأنه محبوب مهما فعل فإن غريزة العنف تتلاشى لديه تلقائيًا لأنه طفل سعيد. ولكن تظهر غريزة العنف عنده عندما يريد الدفاع عن نفسه أو إذا اعتدى أحد عليه وهذا طبيعي جدًا.
وفي الوقت نفسه فإن هذه الألعاب لا تعنيه كثيرًا فهو سيلعب بها لفترة قصيرة ثم يهملها. بينما الطفل المعنّف الذي يُعامل في شكل سيئ ولا يحصل على الحب والعاطفة ويشعر بالتوتر الشديد فسوف تكون غريزة العنف لديه واضحة وظاهرة وبالتالي تكون الألعاب الحربية وسيلته للتعبير عما يشعر به من عدوانية خصوصًا في سن معيّنة بين الثالثة و الثامنة حين لا يكون قادرًا على التعبير عن عنفه لفظيًا لذا فهو سيشعر بسعادة عارمة عندما يحصل على لعبة حربية لأنها الوسيلة المثلى بالنسبة إليه للتعبير عن الشعور بالعدائية تجاه الآخر الذي لا يحبه.
مخاطر جسدية ونفسية
كي يتمكن من تفريغ عدوانيته وجب ألا تكون اللعبة ممثلة في شكل واقعي جدًا ففي الأسواق هناك ألعاب حربية تخرج منها عيارات أو أسهم أو كرات ألوان مما يسبب أذًى جسديًا كبيرًا جدًا فضلا عن أنها تسمح بتحقيق الغريزة العدوانية بشكل واقعي.
بينما إذا كانت اللعبة رمزية فإنها تساهم في تنفيس الكبت والعدوانية من دون أن تؤذي إذ يكتفي الطفل بالحركة الإيمائية والتعبير اللفظي فمثلا نرى طفلا يمسك بالمسدس ويصرخ (تع تع ... ) ويقول لصديقه أو شقيقه (لقد قتلتك) وهذه العبارة مؤشر لشعور الطفل ببعض العدوانية لذا حين يشتري الأهل هذا النوع من الألعاب عليهم أن يتنبهوا إلى الطريقة التي يستعملها الطفل ومع من وما العبارات التي يقولها أثناء اللعب بها وما هي اللعبة الافتراضية التي يقوم بها أي الموقف أو الحدث الافتراضي الذي يدّعي.
فإنهم سوف يأخذون فكرة عن عدوانية طفلهم لأن في اللعب إشارات. فمثلاً إذا كان هناك أخوان أحدهما يغار من الآخر وتناول الأخ الأكبر المسدس ووجهه إلى شقيقه وقال له:(تع تع)... فهذا أقل خطرًا مما لو لم يكن لديه ألعاب ينفّس من خلالها هذه الغيرة لأنه قد يؤذي شقيقه مباشرة في هذه الحالة لأن في داخله مشاعر عدائية يحتاج إلى التعبير عنها. ففي هذا المعنى يكون للألعاب الحربية مفعول نوعا ما  إيجابي.
ومن الواجب أن يقلق الأهل عندما لا يلعب الطفل إلا بهذه الألعاب الحربية رغم أن لديه كل أنواع الألعاب وهذا مؤشر لوجود مشكلة لديه فهو متوتر ومعنف وقلق وطالما اللعب الحربي لا يزال على المستوى الرمزي فليس هناك مشكلة. ولكن على الأهل أن يراقبوا أبناءهم أثناء اللعب وينتبهوا إلى العبارات التي يقولونها لبعضهم.
البنات أيضا يميلون إلى الألعاب الحربية
يميّز المجتمع بين ألعاب الأولاد وألعاب البنات ويخصّص الألعاب الحربية للصبيان والدمى للبنات في حين أن كل الألعاب الرمزية يمكن أن تكون للبنت والصبي على حد سواء فهما في حاجة إلى تنفيس غريزة العنف لديهما لذا نرى بعض البنات يحملن الألعاب الحربية فهن في حاجة إلى إخراج العدوانية الموجودة فيهن. وللأسف نادرًا ما يسمح الأهل للبنت باللعب بالألعاب الحربية ويعود هذا إلى صورة الأنثى في المجتمع الذي يرى أن البنت لا يجوز أن تتصرّف بعدوانية فيما هي في حاجة إلى العدوانية للدفاع عن نفسها وإذا رغبت البنت في هذه الألعاب عليهم أن يعرفوا لماذا فالبنت بين الثالثة والسادسة تحاول تقليد الصبي في الكثير من الأمور ومنها اللعب نظرًا إلى أن الطفل الذكر أقوى منها وتريد منافسته وهذا طبيعي. وعلى الأهل أن يمنحوها الثقة بنفسها وبقدراتها وبأنها قوية ويؤكدوا لها أنها ليست في حاجة إلى أن تتصرف كالصبي كي تكون قوية.
وفي المقابل يجب تقنين العدوانية من خلال الرياضة والفنون والموسيقى فهذه الأمور تساعد الأطفال في التنفيس بطريقة مقبولة اجتماعيًا ويجوز السماح للبنت باللعب بألعاب شقيقها الحربية من وقت إلى آخر كما يجب السماح للصبي في الوقت نفسه للعب بألعاب شقيقته فهذا لن يجعله أنثويًا. المهم هو الانتباه إلى الحاجة التي قادت الطفل إلى استعمال هذا النوع من الألعاب ومع من يلعب وضد من.
مشاركة الأب اللعب مع الطفل
هذا يعود إلى سن الطفل فمن المعلوم أنه بين الثالثة والسادسة يمرّ الطفل بالمرحلة الأوديبية ويشعر بالمنافسة مع والده ويحب كل الألعاب التي يمكن أن تكون عنيفة لأنه يريد الفوز عليه.
المهم ألا يسمح الأب لابنه بالفوز طوال الوقت لأنه عندما يسمح بذلك فإنه يبعث برسالة إلى طفله مفادها: معك حق أنت الأقوى وأنا ضعيف وبالتالي فإن الطفل يفكر أن والده ضعيف ولا يمكنه تنفيذ قانونه المنزلي ويمكنه أن يحلّ مكانه. وفي المقابل قد يخاف الأهل من عبارة (بابا .. مت ..مت) غير أن الطفل لا يعرف معنى الموت إلا بعد التاسعة لذا فالقتل بالنسبة إليه قبل هذه السن يعني الاعتداء فقط لذا نجد الطفل يقول لوالده بعد دقيقتين من الموت الافتراضي: هيّا قم لأنه في حاجة إلى منافسة والده مجدّدًا المهم خلال اللعب أن يقول الأب لابنه (حسنًا يمكنك أن تنافسني في هذه اللعبة وما تشعر به أمر طبيعي. فلنرَ من سيفوز). ويمكن للأب أن يلعب مع أبنائه ألعابًا متنوعة ولا يكتفي باللعب الحربي فهو في إمكانه أن يشاركهم الرسم وكرة القدم ... ولا بأس أن يكون اللعب الحربي ضمن هذه الألعاب فالتركيز على هذا النوع من اللعب يعطيه قيمة كبيرة بغض النظر عن سلبياته فإنه يحوي نوع من الإيجابيات.
عالم مليء بالعنف والحروب
للإعلام ومشاهد الحروب التي تعرض على التلفزيون وحوارات الأهل حول هذه المواضيع ورد فعلهم دور كبير في جعل مفهومي الحرب والقتل أمرًا سهلاً بالنسبة إلى الطفل فيظن أن الحرب والقتل والعنف أمورا طبيعية يمكن ممارستها بسهولة.
فنحن نعرض عليه مشاهد القتل والأفلام العنيفة إضافة إلى شراء الألعاب الحربية فيظن أن العنف أمر طبيعي ويتلقى رسالة مؤدّاها أن العنف مقبول وإيذاء الآخرين والتعدي عليهم مقبولان لذا نلاحظ أنه عندما نقدم له لعبة حربية يفضل اللعبة التي تحتوى على عيارات وتسبب أذى لأنها تعني تحقيق غريزة العنف في شكل واقعي. لذا ينصح المختصون بالألعاب الحربية الرمزية التي لا تحقق العنف في شكل واقعي وعلى الأهل تفادي مناقشة مواضيع الحرب والقتل في حضور أطفالهم وتجنيبهم مشاهدة صورها على التلفزيون.
ماذا عن الألعاب النارية؟
تثير الألعاب النارية بصورة عامة الطفل خصوصًا الضجيج الذي تحدثه ولكنها لا تساعد في تنفيس غريزة العنف لديه وهي تشبه الألعاب القوية في مدينة الملاهي والمتزهات  ففي مدينة الملاهي الآلة هي التي تتحرّك وليس الطفل مما يزيد توتره ويولّد لديه مشاعر قوية جدًا يحتاج في ما بعد إلى تنفيسها من خلال ألعاب أخرى تساعده في إخراج التوتر وكذلك الألعاب النارية تثير الطفل.
الألعاب العنيفة عبر فضاءات التسلية
يرى الاختصاصيون أن ألعاب حدائق التسلية والمنتزهات التي ترتكز على الإثارة تسبّب للطفل قلقًا وتوترًا قويًا وهو في حاجة إلى تفريغهما لذا نلاحظ أن الطفل بعد انتهائه من اللعب في حديقة التسلية يطلب من والديه السماح له باللعب بألعاب هادئة لأنه في حاجة إلى تفريغ كل طاقته التي شحنها خلال ركوبه الألعاب القوية كالدولاب العملاق أو القطار السريع في حين يظن الأهل أن ابنهم لم يكتف فنسمع عبارة (مستحيل لم يشبع لعب).
صحيح أن ألعاب التسلية تعزز قدرة الطفل على السيطرة على مشاعر الخوف ولكنها في الوقت نفسه تشحنه بكثير من التوتر والإثارة لأن الآلة هي التي تتحرك وهي التي تسيطر على اللعب.
لذا ينصح الإختصاصيون الأهل باصطحاب أبنائهم إلى أماكن لعب هادئة لأنهم في حاجة إلى تفريغ ما شحنوه من طاقة.