الرعي.. مهمة صعبة وتحد للطبيعة

  • PDF

رمضان في النعامة 
الرعي.. مهمة صعبة وتحد للطبيعة

يشكل البحث عن الكلأ والوصول إلى نقاط المياه نشاطا يلازم رعاة المواشي بالنعامة على مدار أيام السنة غير أنه يزداد صعوبة خلال شهر الصيام بقطعهم لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس في مواجهة أبدية مع قساوة الطبيعة.
ويعتمد سكان السهوب الشاسعة بصفيصيفة و عين بن خليل و القصدير وغيرها من المناطق الرعوية بالنعامة على ممارسة نشاط الرعي تماشيا مع خصوصيات هذه الولاية التي تحصي ثروة تقدر بحوالي مليوني رأس حسب إحصائيات الغرفة المحلية للفلاحة لكن يومياتهم المألوفة تزداد تعقيدا وصعوبة أيام الشهر الفضيل.
ويصف بوسماحة الذي اختار نصب خيمته وسط مرتفع هضبة بمنطقة مسيف شرق النعامة حرفة الرعي في رمضان أنها تحد لعوامل الطبيعة والمناخ حيث يكون الصبر والعزيمة الحاضر الأكبر مع الحرص على الالتزام بأداء شعيرة الصيام على أكمل وجه ويواصل بقوله: يصعب على الشخص العادي تحمل مشقة العمل أثناء هبوب ما هو متعارف عليه محليا ب لعجاج (رياح السيروكو) التي عادة ما تزداد حدتها مع نهاية الربيع وبداية الصيف وهي الفترة التي غالبا ما تكون فيها رحلة التوجه نحو مناطق الشمال ملاذا أنجع لضمان مراع خصبة للمواشي .
وأضاف يزداد الإحساس بالتعب والإرهاق بتتبع القطيع سيرا على الأقدام وهو ما يتطلب الإستعانة بالركوب على ظهر حمار وبالكلاب لتسهيل المهمة التي تنطلق بخروج القطعان في الساعات الأولى من النهار والعودة قبل منتصفه والخروج مرة أخرى بعد الساعة الرابعة مساءا أين يكون الجو أقل حرارة .
واعتبر الميلود شاب يبلغ 27 سنة من العمر وهو من أصغر المربين بمنطقة الروداسة بمشرية بعد استفادته من دعم الدولة الخاص بإنشاء وحدات إنتاجية للتربية الحيوانية بالأرياف أن مع الصيام وفي ظل ظروف طبيعية صعبة يقل التركيز لكن على الراعي البقاء يقظا أمام مختلف المخاطر مثل لسعات العقارب أو لدغة أفعى وغيرها .
ويمارس بوحفص البالغ من العمر 52 عاما التنقل اليومي مع قطعان المواشي رفقة أخيه الأصغر عبر مراعي منطقة سدرة الغزال بضواحي النعامة فيخرج بمواشيه للرعي وهو يلف رأسه جيدا بعمامة تقيه من أشعة الشمس ويحمل مذياعه الذي يلازمه دائما وعصاه وآلة القصبة (الناي) التي يلجأ إلى العزف عليها لكسر الرتابة والتسلية بأنغامها.
ويقول بوحفص نحاول أن نخلق لأنفسنا أجواء حيوية يطبعها التعاون بين أفراد الأسرة في يوم رمضاني قد تجتاحه حرارة مرتفعة أو هبوب لزوابع رملية تؤدي إلى عرقلة أداء المهمة ونجد أنفسنا مطالبون بقوة التحمل لإنجاز الأعمال في وقتها المحدد والتشارك ومد يد المساعدة لبعضنا البعض وهو الأمر الذي يجعلنا نتغلب على المشقة التي تصاحب نشاطنا .
وأضاف أمارس عملي نهارا في شهر رمضان مباشرة بعد صلاة الفجر وأستمر في ذلك دون توقف إلى غاية توقيت يقترب من غروب الشمس فالراعي لا يخلد للراحة باستثناء فترة القيلولة القصيرة عند الظهيرة .
وذكر في سياق حديثه عن خصوصية هذه المهمة ومشاقها على مدار السنة أنها تتطلب منا تأمين العشب الكافي للقطيع نظرا لتقلص الغطاء النباتي مضطرين بذلك لقطع مسافات لا تقل عن عشرة كيلومتر في اليوم الواحد متنقلين من موقع لآخر مضيفا أن مزاولة هذه المهمة تصير أصعب أكثر فأكثر في شهر الصيام وتتطلب عزيمة وتحد كبيرين .


أجواء تضامنية بين الرعاة في رمضان 
يبدو جليا بمنطقة الحيرش بالنعامة أين تتمركز عشرات الخيم لمربي الأغنام من عرش بني عقبة أن شهر الصيام الذي يتزامن مع تصاعد درجات الحرارة لا يقلق رعاة الأغنام الذين يبذلون جهدا بدنيا هائلا في العراء بالرغم من عطش الصيام الذي تزيده أشعة الشمس حدة طوال النهار وإعتاد موالو المنطقة على إستقبال رمضان في أجواء من التضامن وإحياء مظاهر التآخي في هذا الموعد الديني السنوي من خلال تشارك أفراد العرش (القبيلة) في تأدية المهام فيما بينهم وفق صيغة تضامنية من خلال تقاسم ساعات رعي القطيع مثلما أوضحه الحاج حيثالة.
ويؤكد هذا المربي على أمر ضروري لا يمكن تأجيله مع قدوم شهر رمضان ويتعلق بضمان الرعاية البيطرية الصحية للقطعان حيث يتزامن الشهر الفضيل لهذه السنة مع شهر أفريل موعد انطلاق حملة التلقيح السنوية ضد مرض طاعون المجترات الصغيرة وتقديم جرعات اللقاح للأبقار ضد مرض الحمى القلاعية.
كما يتزامن الشهر الفضيل أيضا مع انطلاق موسم جز الصوف الذي توليه العائلات في البادية أهمية خاصة ومميزة كعادة متوارثة أبا عن جد والتي تبدأ من شروق الشمس بتجميع الخراف في الزريبة (حظيرة) لجزها الواحد تلو الآخر بطريقة خاصة تتطلب كثيرا من الجهد والخبرة مع مراعاة أن تجري العملية في أسرع وقت ممكن وبعناية شديدة حتى لا تؤذي الأغنام.
وتقول ختيمة (سيدة سبعينية) من منطقة حجرات الطوال بالنعامة وهي ترتدي لباسها التقليدي المميز يعتبر جز صوف الأغنام عمل متعب لكن بتضامن أفراد العرش ومشاركتهم في أدائه جماعيا ننهي فصل الصوف عن جلد كافة رؤوس أغنامنا في ظرف قياسي لكن المهمة تكون أصعب خلال شهر الصيام .
ومن جانبه ذكر المهندس الفلاحي بمديرية المصالح الفلاحية للولاية سحنون نبيل أن الصعوبات التي تعترض ممارسي هذا النشاط وما يتطلبه من مواجهة للظروف الطبيعة والمناخية القاسية خاصة في رمضان يمكن أن تتلاشى بتجاوب وإنخراط المربين في البرامج التكوينية وأضاف أن مهنة تربية المواشي بالولاية تحتاج إلى عصرنة طرقها ووسائلها وكذا إنفتاح المربين على التقنيات والتجارب العلمية المنتهجة ونشر ثقافة التأمين الفلاحي والرعوي ضد المخاطر والتقلبات الجوية التي عادة ما تؤثر على مداخيل هذه المهنة وتكبد أصحابها خسائر كبيرة .
وعموما لما تنتهي ساعات الرعي وتعود قطعان الأغنام إلى الزرائب والحظائر تحل أجواء مغايرة تنسي هؤلاء الرعاة الإرهاق البدني لتجمعهم موائد الإفطار وما تحمله من أطباق تقليدية شهية تتبعها سهرات عائلية حول صينية الشاي التي تنسيهم عناء يوم طويل من العمل الشاق والصيام.
خ.نسيمة/ق.م