الخلافات الزوجية تهدم البناء الأسري

  • PDF

اكتئاب.. إدمان ومحاولات انتحار 
الخلافات الزوجية تهدم البناء الأسري 

الأسرة هي ملاذ الطفل الآمن والوحيد خلال فترات نموه خاصة في السنوات الأولى حينما يكون بمثابة الإسفنجة التي تمتص جميع تجارب وأنماط البيئة من حوله.
نسيمة خباجة 
من أبرز الأمور التي تمتلك تأثيراً بالغاً على صحة الطفل النفسية وقدرته على النضج بصورة سليمة العلاقة بين والديه وشعوره بالأمان بينهما. لذلك تؤثر الخلافات الزوجية على الطفل تأثيراً بالغاً قد لا يدرك كثيرون مداه إلا بعد فوات الأوان.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن الأطفال الذين يشهدون صراعات متكررة بين والديهم لديهم فرص حياة أقل على المدى الطويل ويمكن أن يصبحوا انتحاريين في بعض الحالات القصوى. كما يسبب التوتر الذي لم يتم حله بين الوالدين على وجه الخصوص تأثيراً بالغاً على صحة الطفل العقلية على المدى البعيد.

تأثير الخلافات الزوجية
في معظم الحالات تكون للخلافات الزوجية آثار سلبية قليلة أو معدومة على الأطفال. ولكن عندما يصرخ الوالدان في بعضهما أو يغضبان من بعضهما البعض ويتخاصمان يمكن أن تنشأ المشكلات التي تهدد سلامة الطفل.
وتشير الأبحاث إلى أنه منذ سن 6 أشهر يمكن أن يتسبب تأثير الخلافات الزوجية على الطفل في تغيير معدل ضربات قلبه أو زيادة استجابة جسمه لهرمونات التوتر خلال حياته ويمكن أن تظهر على الرضع والأطفال والمراهقين علامات اضطراب في نمو الدماغ واضطرابات في النوم كما قد يعانون من القلق والاكتئاب واضطرابات سلوكية وغيرها من المشكلات الخطيرة نتيجة التعايش مع الخلافات الزوجية لوالديهم.


بعض تبعات الخلافات
ومن تبعات الخلافات الزوجية على الطفل ما يلي:
- يمكن أن تسبب عدم الأمان. تقوّض الخلافات الزوجية شعور الأطفال بالأمان حيال استقرار الأسرة. ويشعر الأطفال الذين يتعرضون لكثير من الخلافات بين والديهم بالقلق من الطلاق أو يتساءلون متى سينتهي خصام الوالدين. ويمكن أن يكون من الصعب عليهم الشعور بالأريحية في حياتهم الطبيعية مع أسرتهم لأن المشاجرات قد تكون مفاجئة وغير متوقعة.
من آثار الخلافات الزوجية على الطفل عدم شعوره بالأمان في حياته علي المدى الطويل 
- يمكن أن يؤثر الأمر على العلاقة بين الوالدين والطفل تعتبر حالات الصراع الشديد مرهقة للآباء أيضاً. والوالد المرهق قد لا يقضي كثيراً من الوقت مع أطفاله ويرعاهم كما ينبغي. وإضافة إلى ذلك قد تتأثر جودة العلاقة حيث قد يكون من الصعب على الوالدين إظهار الدفء والمودة عندما يكونان غاضبين ومتضايقين من بعضهما البعض.
- بيئة مرهقة وغير ملائمة لنمو الطفل. سماع المشاحنات والجدال المتكرر أو الحاد والجارح أمر مرهق للأطفال. ويمكن أن يؤثر هذا الإجهاد على صحتهم الجسدية والنفسية بشكل يتعارض مع وتيرة نموهم الطبيعية والصحية.


عواقب نفسية على المدى البعيد
بحثت دراسة في تأثير الخلافات الزوجية على الطفل من سن رياض الأطفال وحتى مرحلة المراهقة المبكرة في سن 12 و13 عاماً وبعد متابعة الآباء والأطفال لسبع سنوات متواصلة كان أطفال رياض الأطفال الذين انخرط آباؤهم في الخلافات الزوجية بشكل متكرر أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والمشكلات السلوكية بحلول الوقت الذي وصلوا فيه إلى سن المراهقة.
وهذه ليست القضايا الوحيدة التي من المحتمل أن يواجهها الأطفال عندما يتشاجر آباؤهم كثيراً. فيما يلي بعض الأشياء التي وجدها الباحثون عند دراسة الآثار التي يمكن أن تُحدثها الخلافات الزوجية على الطفل:


- انخفاض التحصيل المعرفي:
وجدت الدراسة أن التوتر المرتبط بالعيش في منزل متكررةٌ فيه الصراعات بين الوالدين قد يُضعف الأداء والتحصيل المعرفي للطفل. ووجد الباحثون أنه عندما يتشاجر الآباء كثيراً يواجه الأطفال صعوبة أكبر في تنظيم انتباههم وعواطفهم كما عطّلت الخلافات الزوجية قدرة الأطفال على حل المشكلات بسرعة ورؤية الأنماط وفهم المعلومات الجديدة وسرعة الانتباه وفي الوقت نفسه وجدت الدراسة أيضاً أن العيش في أسرة متكررة الخلافات يزيد من احتمالات الفشل الدراسي والحصول على درجات متدنية.


- إحباط قدرة الطفل في بناء العلاقات
من أبرز تأثيرات الخلافات الزوجية على الطفل اعتياده نمط السلوك العنيف والتشاحُن والشجار ومن ثم يتصرف بعدائية وعنف مع أقرانه.
ومن الشائع أن يبدأ الأطفال في حل خلافاتهم مع أشقائهم وأصدقائهم بالتكتيكات نفسها التي شاهدوا آباءهم يستخدمونها فيما بينهم وقد يكافح الأطفال أيضاً للحفاظ على علاقات صحية عندما يكبرون إذا ما كانوا قد اعتادوا وجود الخلافات الأسرية وقد يواجهون صعوبة في تحديد من يمكنهم الوثوق به حقاً في الحياة ويعانون من مشكلات الثقة بالآخرين.


المشاكل السلوكية
غالباً ما يتم ربط تأثير الخلافات الزوجية على الطفل بميله إلى العدوانية والعنف والمشاكل السلوكية المختلفة. إضافة إلى ذلك من المرجح أن يعاني الأطفال من مشاكل اجتماعية وصعوبة متزايدة في التكيف مع المدرسة سواء مع أقرانه الطلاب أو مع معلميه.

اضطرابات الأكل ومشكلات الجسم
ربطت العديد من الدراسات العلمية وجود اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية والشَّرَه المرَضي أو البوليميا بالخلافات الأبوية والمشكلات الأسرية المتكررة. 
كما ثبت أن الأطفال الذين ينشأون في أسرة غير مستقرة يعانون أكثر من غيرهم من مشكلات المعدة والصداع وصعوبات النوم.


تدخين وإدمان
وجد الباحثون أن العيش في منزل به مستويات عالية من الخلافات يزيد من احتمال ميل الأطفال إلى التدخين المبكر والإفراط في شرب المواد الكحولية وتعاطي المخدرات مقارنة بالأطفال الذين ينشأون في أسرة من أبوين متفاهمين.

الاكتئاب والنظرة السلبية للحياة
من المرجح أن يكون لدى الأطفال الذين نشأوا في منازل متكررة الخلافات والمشاكل وجهات نظر سلبية عن علاقاتهم الأسرية وقيمة الأمور في الحياة بشكل عام ومن تبعات الخلافات الزوجية على الطفل أن ينشأ بنظرة أكثر سلبية تجاه نفسه. ووجدت دراسة نُشرت عام 2012 أن الأطفال المعرضين للخلافات الأسرية والمشكلات بين الوالدين أكثر عرضة لانخفاض احترام الذات ويمكنهم أن يطوروا اضطرابات نفسية متعلقة بالصورة الذاتية خلال حياتهم.
و أوضح المختصون أن هناك بعض العلامات التي من شأنها توضيح مدى تأثر الطفل بعلاقة الوالدين ودرجة تأثير الخلافات فيما بينهما على سلامته ومن أبرزها:
- يبدأ الطفل في البكاء أو يحاول جذب الانتباه ما إن يبدأ الوالدان في الشجار.
- عندما يصبح الطفل غاية في الهدوء عند بدء شجار والديه.
- عندما تبدر من الطفل نظرات أو عبارات تشير إلى عدم شعوره بالأمان.
- عندما يشعر الطفل بالصدمة أو الذعر في حال ارتفعت وتيرة صوت والديه أثناء الشجار.
-ميل الطفل إلى القتال مع أقرانه وعدم انسجامه مع الأطفال الآخرين.
- عدم اختلاط الطفل بالأطفال الآخرين وميله إلى أن يكون غير اجتماعي.
السلوكيات غير الطبيعية لدى الطفل.
- ميل الطفل إلى إلقاء اللوم على نفسه عندما يبدأ والداه في الجدال أو الشجار.
ظهور علامات الاكتئاب والحزن والخوف على الطفل.
- الأداء الدراسي الضعيف والإخفاق في الأنشطة.
- انزواء الطفل عن والديه وتفضيل إمضاء الوقت بمفرده.
- قد يشكو الطفل من الصداع وآلام المعدة أو بعض الأعراض الصحية الأخرى.
- بما أن الشجار أمر طبيعي بين الأزواج.

حماية الطفل من الصراعات الزوجية 
في بعض الأحيان تخرج الخلافات بين الأزواج عن السيطرة. ولا يعني الشجار أنك قد أساءت إلى طفلك بشكل لا يمكن إصلاحه. ولكن قد ترغب في اتخاذ بعض الخطوات لتقليل آثار ما يشاهده أو يسمعه وللحد من أثر الخلافات الزوجية على الطفل ينصح الاطبا بما يلي:
- نقاش عال لتوضيح الأمر: على الرغم من أن الآباء ليسوا مضطرين إلى سرد تفاصيل الخلاف لأطفالهم يُنصح بعقد اجتماع والتوضيح: لم يكن لدى ماما وبابا الرأي نفسه حيال أمر معيَّن الليلة الماضية وكان من الخطأ أن نتشاجر بهذه الطريقة .
- تطمين الطفل: على الأب والأم تذكير طفلهما بأن الشجار مجرد حالة عرَضية وليست مؤشراً على مشاكل أكبر. وقوما بطمأنة الطفل بأنكما تحبان بعضكما البعض وأنكما لن تنفصلا.
- أساسات قوية: أكِّدا لأطفالكما أنكما تشكلان عائلة قوية. واشرح للطفل أن الخلافات تحدث أحياناً ويمكن أن يفقد الناس أعصابهم وهذا خطأ لا يجب فعله. وأكد أن ذلك لا يعني عدم وجود حب بينكما كزوجين أو أسرة.
أما إذا كنتما تعتقدان أن مشاجراتكما تضر بالصحة العقلية والنفسية للطفل فبالإمكان الاستعانة بالاستشارة النفسية المتخصصة له. ومن الضروري معرفة أن خيار الانفصال قد يكون صحياً أكثر لسلامة الطفل على البقاء في علاقة متدهورة.