العمامة التوتية .. زي تراثي أصيل

  • PDF

رمز للهوية والوقار 
العمامة التوتية .. زي تراثي أصيل 

يشكّل ارتداء العمامة التوتية الذي كان رائجا بولايات غرب البلاد جزء من التراث المادي واللامادي وموروثا ثقافيا يضاهي كل القبعات لما يحمله من أصالة وقيمة تاريخية وثقافية وجمالية تتوج رأس كل من يرتديه كبيرا كان أم صغيرا.
خ. نسيمة/ق.م 

على غرار العمائم الأخرى المعروفة على مستوى الوطن فإنّ التوتية التي يطلق عليها أيضا اسم الرزة الصفراء تعتبر رمزا للأصالة والشهامة والرفعة والهمة والشرف عند سكان ولايات غرب الوطن الذين كانوا يرتدونها على الدوام لتحميهم من برد الشتاء وحرارة الشمس وزينة في المناسبات والأفراح ووقار في المجلس على حد تعبير حرفيين.
و كان ينظر للعمامة من منطلق عقائدي على أنها زي يرمز لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما ذكره مختار شيخ في العقد الثامن من العمر يرتدي التوتية قائلا: إظهار الرأس عاريا كان يعد خروجا عن الملة ومخالفة للتقاليد والعادات والعمامة تعتبر شكلا من أشكال الهوية التي كان الاستعمار الفرنسي يحاول بشتى الطرق طمسها ولم يستطع .
و ذكر بكل فخر: كان المستعمر الغاشم ينزع العمامة عنوة من الرأس ليقيد بها يدي كل من يلقي عليه القبض لإذلاله وإهانة للشعب الجزائري الذي كان يرى في العمامة هيبة واعتزازا وفي سقوطها مذلة لصاحبها .
وإذا اختلفت الآراء حول تاريخ ظهور العمامة التوتية فإنّ الجميع يتفق على أن هذا الملبس التراثي الرجالي موجود منذ القدم في الجزائر ومعروف عند سكان غرب البلاد بمختلف فئاتهم.
و يجمع الكل على أن تسميته مستمدة من رسومات عبارة عن حبات فاكهة التوت وتشبه في بعض الأحيان شكل الحمص مطرزة بخيوط من حرير بإتقان على قماش مستورد يعاد تفصيله محليا وفق ما صرحت به لوكالة الأنباء الجزائرية عميدة الخياطات بوهران فاطمة صدار.
وتختلف التعميمة أي طريقة لبس هذه القطعة التراثية التي يزيد طولها عن ثلاثة أمتار ولا يتجاوز عرضها 40 سنتيمتر من منطقة إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى. عمامة بني شقران (معسكر) تختلف عن مثيلاتها الموجودة في وهران وغليزان ومستغانم استنادا لذات الحرفية التي أوضحت أنه يتم ارتداءها مع سروال عريض وصدرية ومحزمة وحذاء الزقاي أو زيط زيط وساعة جيب وعصا (خزرانة) أو مع عباءة عريضة والبرنوس مما يزيد في أناقة وهيبة الرجل.
كما أن العمامة التوتية لا تأخذ شكلا دائريا وهي من ثلاثة ألوان لكل لون دلالة حيث يكثر اللون الأصفر بوهران وبعض الولايات على غرار غليزان وتيارت وسعيدة وسيدي بلعباس. ويميل سكان مناطق بولاية مستغانم أكثر إلى اللون البني فيما تستعمل الثوثية ذات اللون المائل إلى احمرار عند أقلية كما أفاد به أحد التجار بسوق حي المدينة الجديدة .


مساع لإعادة الاعتبار لهذا الموروث
ظل ارتداء العمامة التوتية أو ما يعرف بـ 33 لفة مستمرا إلى غاية أواخر الثمانينات من القرن الماضي قبل أن يعرف تراجعا كبيرا من طرف الجيل الصاعد وهذا بسبب ظهور أنواع جديدة لأغطية الرأس جلبت من بعض الدول العربية والانتشار الكاسح للقبعات الغربية (كاسكيت وبيري..الخ) .
ولا يزال عرض الرزة الصفراء رغم مختلف التحولات الاجتماعية والثقافية حاضرا بمحلات ساحة الطحطاحة بحي المدينة الجديدة التي تعد أكبر سوق للأزياء التقليدية بغرب البلاد. ووصل سعرها إلى أكثر من 7 آلاف دج للعمامة الواحدة حيث أصبحت لا تقتنيها إلا فئات معينة من الأشخاص المقتدرة ماليا.
وتسجل التوتية إلى اليوم حضورا قويا على الساحة الفنية وتظهر جليا في التظاهرات الثقافية والتراثية حيث تعتبر قطعة من أزياء الفرسان في استعراضات الفنطازيا المنظمة في المواسم أو الوعدات وفي حفلات الأغنية البدوية عند المشيخة التي تقتفي آثار عمالقة هذا اللون من الغناء على غرار الشيخ الجيلالي عين تدلس.
كما تبرز هذه العمامة عند شعراء شباب في نوع الملحون في مهرجانات البوح الشعري والقراءات الشعرية من التراث القديم ناهيك عن ارتداءها في بعض الأعمال الدرامية لتجسيد فترات وحقب ناصعة من تاريخ الجزائر المجيد.
وعلى غرار الفنان الراحل حسن الحسني الذي كان يرتدي العمامة الصفراء في مختلف أعماله يحرص الفنان الكوميدي هواري لوز ابن مدينة وهران على إبراز العمامة التوتية كتراث ثقافي جزائري من خلال أعماله التلفزيونية وفي مسرحياته وسكاتشات والتعريف بها في مراسيم افتتاح واختتام التظاهرات المسرحية الذي يشارك فيها سواء على المستوى الوطني أو بالخارج وحتى عند اعتلائه المنصة لاستلام جوائز.
من جهتها تعمل جمعية نادي الحرفي للخياطة الأيادي الذهبية على الترويج للعمامة التوتية و الكنبوش الذي هو نوع من العمامة البيضاء من خلال عروض الأزياء التقليدية والتظاهرة الثقافية والتراثية المنظمة بين الفينة والأخرى من طرف غرفة الصناعة التقليدية والحرف لوهران للحفاظ على هذا الموروث على حد تعبير رئيس الجمعية عبد الوهاب شارف أفغول الذي يعد أيضا نائب رئيس الغرفة.
كما يرى بعض المهتمين بالتراث بوهران أن ارتداء هذا النوع من العمائم من قبل العاملين في المطاعم المصنفة والتقليدية والمركبات السياحية والمؤسسات الفندقية بات ضروريا لإعادة الاعتبار لهذا النوع من الموروث الثقافي وللترويج له كمنتوج سياحي وثقافي باعتباره علامة جزائرية بدون منازع تقاوم الهجر والنسيان.