50 ألف حالة زواج عرفي في الجزائر

الاثنين, 27 نوفمبر 2017

غالبيتها سجلت خلال فترة العشرية السوداء
**
*مليونا زواج شرعي ـ قانوني كل سنة في الجزائر

الزواج العرفي هو من الظواهر التي انتشرت في المجتمع الجزائري وأصبحت تثير الكثير من المشاكل والتبعات القانونية والاجتماعية وحتى الأسرية الناتجة عنه. فإذا كان الله عز وجل قد جعل الزواج في كل الأديان والشرائع الوسيلة لبناء الأسر وتكوين المجتمعات ورغَّب فيه ديننا الإسلامي حيث قال تعالى في محكم آياته {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء}. وقوله أيضاً {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى}. وفي حديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} أي وقاء..
ونصّ الفقهاء والمشرعون على أن هناك زواجاً شرعياً بأركان واضحة وعقد صريح صحيح يستوجب حضور الولي والشهود والمهر والصداق والإشهار وموافقة الطرفان ورضاهما حسب المذهب المالكي المتبع في بلادنا.
أنواع من الزواج العرفي الذي هناك من المذاهب من يراه مكروهاً ومنهم من يراه باطلاً أصلاً وغير جائز بدون الدخول في تفاصيل وتعقيدات فقهية وشرعية قد يطول معها الشرح والتوضيح فالزواج العرفي الذي هو أحد أوجهها وأنواعها يعرفه بعض الفقهاء بأنه عقد مكتوب ملزم للرجل والمرأة وبحضور الشاهدين وكاتب العدل ويكون سرياَ ويسقط بالتالي شرط وجود الولي وأخذ إذنه وموافقته وكذلك شرط الإشهار والإعلان وله شكلان: الأول حسب اشتراط من يحله من الفقهاء وهو يعرف على أنه نوعٌ عادي وصحيح ويكون عن طريق عقد موثق وشبه رسمي ويعد هذا النوع شائعاً ومنتشراً وبشكل واسع بالإضافة إلى كونه أشبه بالموضة القديمة ولكنه يخل بشرط حضور الولي ويلقى رواجاً واسعاً من طرف الشَّباب الجزائري والنوع الثاني ويتمُّ بعقد عادي وغير موثق من طرف جهة رسمية ويكون بحضور شاهدين فقط ويصبح لاغياً وغير موجود بمجرد تمزيق العقد الذي يكتب بخط اليد عادة وهذا النوع غير رائج ولكنه موجود في واقع الزواج العرفي لدى شبابنا وشاباتنا للأسف.


أصبح من الطابوهات الاجتماعية
ويرى العديد من الأئمة والخبراء ورجال القانون والمختصين الاجتماعيين بأنَّ الزواج العرفي الذي أصبح من الطابوهات الاجتماعية التي يتلافى البعض طرحها إعلامياً ومناقشة مختلف جوانبه لعدَّة أسباب قد تكون دينية أو اجتماعية أو أيديولوجية إلى غير ذلك.
ولكن لا ينكر أحد وجوده وبكثرة. وتعود أسباب انتشاره في المجمل وبالأخص بين طلبة الجامعات إلى عدَّة أمور من بينها اللجوء إليه كآخر حل لتحقيق مبتغى الزواج خصوصاً وأن تكاليف الزواج الشرعي المعترف به اجتماعياً قد أصبحت تثقل كاهل الشَّباب وسط الارتفاع الرهيب في أسعار مستلزمات وتجهيزات الزواج بالإضافة أنه يكون لبعض الأشخاص وخاصة في المناطق العشائرية آخر حل أمامهم للارتباط بمن يحبُّون وذلك هروباً من الزيجات العائلية المرتبة زد على ذلك فإنَّ غياب أو نقص الثقافة الجنسية والانحرافات الأخلاقية قد تدفع بعض الشباب إلى خوض غمار هذه التجربة دون التفكير في عواقبها الوخيمة والغير مدروسة ومحاولتهم التغلّب على الصراع الداخلي المرير الذي يعتصر ضمائرهم بين حاجتهم البيولوجية وعادات وتقاليد المجتمع التي لا ترحم ومحاولة البعض تقليد ثقافة الآخرين وعاداتهم بتجريب هذا النوع من الزواج الشّاذ والغير معترف به.
ونقص وغياب التوعية الدينية والأسرية بخطورة الزواج العرفي مما قد يدفع الشباب إلى البحث عن ما يشبع نهمه إلى المعرفة عن طريق وسائل أخرى كمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والتي قد تزوِّده بمعلومات خاطئة عنه ويبنى على أساسها تجربته مع شريكه في هذا الزواج على أساسها ولا ننسى دور القواعد الاجتماعية الخاطئة والتي تميز بين الناس طبقياً في العادة مما يجعل بعض الشباب والشابات يحاولون كسرها وتخطيِّها عن طريق هذا النوع من الزيجات. بالإضافة إلى تعديلات قانون الأسرة الأخير وخاصة المادة 8 منه والتي تجعل من تعدد الزوجات شبه مستحيل مثلما يرى ذلك المختصون القانونيون دون موافقة الزوجة الأولى مما ينتج عنه تبنى هذا النوع من الزواج كحل لخروج من هذا المأزق القانوني والاجتماعي الصعب. ولا ننسى ارتفاع معدلات البطالة والعنوسة في المجتمع الجزائري والتي تجعل الزواج العرفي طريقة مقننة لحصول على شريك العمر وإكمال نصف الدّين.


المرأة.. الضحية الأولى
ويرى العديد من المتابعين لهذا الملف والمعنين به ومنهم السيِّدة مريم بلعلى رئيسة جمعية نساء في شدة بأن هذا النوع من الزواج تعتبر المرأة الضحية الأولى له لأنه بحسبها لا يعطيها حقوقها الاجتماعية والأسرية ويعتبر في نظرها مُجرد زواج متعة وفقط وإذا كان الزواج قد تمَّ بالفاتحة فإن الزَّوج سيهجرها أو ينهي علاقته بها عن طريق الفاتحة ولكن معظم الأزواج المتزوجين عرفياً يتركون زوجاتهم بدون نفقة أو مسكن زوجية أو حقُّ لهن في الميراث في حال توفي الزوج وتعذُّر إثبات نسب الأبناء قانونياً وشرعياً إن أثمرت العلاقة عن أولاد وبالتالي تصبح الزوجة في هذه الحالة رهينة المجهول ونظرات النَّاس وألسنتهم السليطة التي لا ترحم. فالتجاوزات التي تحدث في هذا الزواج قانونياً وحتى في الزواج الشرعي مثلما يرى خبراء القانون الأسري ومنها عدم توثيق العقد أمام كاتب عدل معتمد لدى الدَّولة تساهم في خلق الكثير من المشاكل وتهدر حقوق الزوجة فالزواج العرفي الذي بلغت أرقامه حوالي 50 ألف حالة زواج عرفي في الجزائر منها 36 ألف حالة سجلت في الفترة الممتدة 1993-1997 حسب الأرقام التي قدمتها الرابطة الجزائرية لدفاع عن حقوق الإنسان وتؤكد السيِّدة فاطمة بن براهم المحامية والناشطة الحقوقية بأن هذا النوع من الزواج قد يكون وسيلةً قد تستخدمها المرأة المطلقة لاحتفاظ بأبنائها من زواجها الأول دون أن يستطيع الزوج الأول المطالبة بحضانتهم كما أنه طريقة يلجأ إليها الرجل الذي قلّص القانون من حقِّه في التعدد إذ يجوز له قانوناً بعد إنجابه لطفل من زواجه العرفي أن يتقدم للقاضي بطلب لإثبات زواجه والاعتراف بأبوَّته لطفله الناتج عن هذا الزواج.


4 آلاف زواج مزيف أمام المحاكم في سنة واحدة
تحصي الجزائر سنوياً أزيد من 2 مليون و300 ألف حالة زواج شرعي قانوني كل سنة حسب الأرقام الرسمية ولكن قضايا المحاكم عالجت حوالي 4 آلاف حالة زواج مزيف سنة 2008 وتم تسجيل أكثر من 5 آلاف حالة زواج عرفي في نفس السنة وتشير الأرقام الصادرة عن الجهات القضائية إلى أن المحاكم الجزائرية تشهد تقريباً541 قضية تتعلق بالزواج العرفي وذلك في السُّداسي الأول من كل سنة تقريباً من بين 2339 قضايا كاملة تكون متعلقة عادة بإثبات الزواج العرفي والنَسب المترتب عنه والتي عادة ما يفصل القاضي في هذا النوع من الزيجات بتثبيتها وذلك عن طريق وثيقة يتم استخراجها من سجلات الحالة المدنية وفي حال عدم تسجيل هذا الزواج يثبت بحكم قضائي ويتمُّ تسجيله في سجلات الحالة المدنية بأمر الادعاء العام وذلك وفق المادة 22 من قانون الأسرة وذلك لحماية المجتمع من اختلاط الأنساب وظاهرة الأمهات العازبات وعادة ما يتم إثبات هذا النوع من الزيجات بعد أشهر وربما سنوات عدَّة في أروقة المحاكم. إذ عادة ما ينكر الزوج هذا النوع من الزواج خاصة إذ كان متزوجاً قبلاً أو له نفوذ وسلطة أو وضعية اجتماعية يخاف على فقدانها جراء افتضاح أمر زواجه العرفي.
وعادةً ما يلجأ القضاة إلى الاستعانة بالخبرة الأمنية اللازمة لإثبات نَسب الأولاد الناتجين عن الزواج العرفي حيث وفي سنة 2009 تم التحقًّق من صحة النسب بنسبة 70 بالمائة اعتماداً على بنك المعلومات وتحليل الحمض النووي الذي يبقى الحلَّ الأمثل والأنجع في مثل هذه الحالات المستعصية على حكم القضاء دون إثبات مادي ملموس.


جهود للتحقُّق من صحة النَّسب في هذا الزواج
ورغم كل الإمكانيات والجهود المبذولة من طرف السُّلطات القضائية والأمنية لتحقُّق من صحة النَّسب في هذا النوع من الزواج ورغم المخارج القانونية التي قد يلجأْ إليها القضاة لتصحيح هذا النوع من الزواج وعدم إهدار حقوق الطرفين صاحباَ العلاقة ولكن يجب على المختصين والخبراء ورجال الدين وأولياء الأمور وكذلك المؤسسات والوزارات المعنية اتخاذ كافة السبل والتدابير والإجراءات الممكنة لخفض معدلات الزواج العرفي الذي يعد غير شرعي وهو فعل غير أخلاقي مجرم لدى الكثيرين. وذلك من خلال إتباع مجموعة من الآليات والبرامج الاجتماعية والنفسية والاقتصادية من أجل تسهيل الزواج الشرعي وتيسيره للشباب وخفض المهور والتشجيع على تعدد الزوجات وإلغاء المواد التي تمنع التعدُّد في قانون الأسرة دون الرجوع لموافقة الزوجة الأولى لأن قواعد الشرع والعقل والمنطق لا تقر ذلك وسط أزمة مالية واقتصادية خانقة دفعت الكثيرين إلى التفكير في الزواج العرفي كحل وسط لإرضاء النفس وتحقيق الذات ومواجهة ظروف الحياة وارتفاع التكاليف فمخاطر الزواج العرفي ستتحملها الدولة والمجتمع ككل وستنتج عنه مشاكل وأزمات ستتفاقم ولا ريب ككرة الثلج لتصيب المُجتمع في نهاية المطاف.

عميرة أيسر