قصر تمرنة بالوادي تحفة ضاربة في أعماق التاريخ

الثلاثاء, 03 أبريل 2018


قطب سياحي يستقطب آلاف السياح 
قصر تمرنة بالوادي  تحفة ضاربة في أعماق التاريخ


استطاع الإنسان الصحراوي منذ القديم رغم الظروف التي قد تبدو قاسية التأقلم مع البيئة المحيطة به وذلك بإنشاء مدن ذات طابع مميز يتمثل في العمارة التقليدية الطينية فالتفاعل مع البيئة الصحراوية لم يحدد نوع السكن فقط بل أيضا طبيعة المجتمع باعتبارها نظاما وإنتاجا فكريا يحمل معه تصورات معتقدات طرائق وأساليب للتفكير والعمل الخاصة بالمجموعات والأفراد. ومن هذا المنطلق تعتبر العمارة الصحراوية مدخلا من مداخل تحليل الحياة الاجتماعية بمختلف أبعادها سواء تعلق الأمر بنوعية العلاقات الاجتماعية الممارسات الثقافية والأنشطة الاقتصادية.
إقليم وادي ريغ وقصر تمرنة
منطقة وادي ريغ من المناطق الغنية بالآثار إذ بها مواقع تعود إلى فترات ما قبل التاريخ 9.كلمة ريغ أو أريغ مصطلح يطلق على المنطقة المنخفضة الواقعة في الجنوب الشرقي الجزائري وتبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 600 كلم وعلى مسافة تقدر بحوالي 130 كلم جنوب تقرت (بلدة عمر) إلى شط مروان (قرب أورير ) شمالا وقد تضاربت الآراء حول اشتقاق هذه الكلمة فياقوت الحموي مثلا يرى بأنها كلمة بربرية ومعناها السبخة ومن يكون منها يقال له ريغي .
ويرى ابن خلدون أنها نسبة إلى القبيلة الزناتية بنوريغة حيث يقول في هذا الشأن : < وأما بنوريغة فكانوا أحياء متعددة ولما افترق أمر زناتة تحيز منهم إلى جبل عياض... ونزل أيضا الكثير منهم ما بين قصور الزاب و واركلا. فاختطوا قرى كثيرة في عدوة واد ينحدر من الغرب إلى الشرق ويشتمل على المصر الكبير والقرية المتوسطة والأطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفافيها النخيل وانساحت خلالها المياه وزهت ينابعها الصحراء وكثر في قصورها العمران من ريغة هؤلاء وبهم تعرف لهذا العهد وهم أكثرها ومن بني سنجاس وبني يفرن وغيرهم من قبائل زناتة. >
تشتهر منطقة وادي ريغ بوفرة المياه والنخيل ومن أهم قصورها : قصر مستاوة بتقرت قصر برنوبة بجنوب بلدة سيدي عمران قصر أسيفاو الذي يقع شمال قرية تمرنة الجديدة وكل هذه القصور تلاشت واضمحلت بسبب العوامل الطبيعية والبشرية ولم يبق منها سوى قصر تمرنة القديمة .
هندسة معمارية راقية
لقد شيّد هذا القصر على نمط القصور الصحراوية حيث بني فوق ربوة (مكان مرتفع) تحيط به واحات النخيل (أو غابات بالتعبير المحلي) والأشجار المثمرة وهو قصر ضارب في عمق التاريخ كما تدل على ذلك هندسته المعمارية المبنية من الطوب وجريد النخيل ومواده كلها محلية. تداخل البيوت المسارات الالتواءات والمضايق في الطرقات كلها هندسة جعلت الكثيرين يهتمون بهذا العمران الصحراوي لما له من قيمة أثرية وحتى سياحية.
لم تثبت الأدلة التاريخية سنة تأسيس محددة لهذا القصر فحسب ما ترويه المصادر الشفوية تأسس قصر تمرنة القديمة قبل حي القصبة بالجزائر العاصمة بـ 11 سنة أما المصادر المكتوبة فإنها ترجع تأسيسه إلى أوائل القرن التاسع ميلادي أي خلال حكم الدولة الرستمية ولقد ورد إسمه في بعض المصادر خاصة الإباضية منها. يذكر الدرجاني (القرن 13 م) أن أبا إسماعيل البصري (القرن 11 م) عندما رأى أهل الدعوة فاجتاز على بلاد ريغ وعلى كدية بني غمرة وهم قوم ظلمة فتجاوزهم ونزل بـ تمرنيت . كما عرفت باسم تين تمرنة ويرى العدواني أنها نسبة إلى رجل يقال له باهوت بن شملخ بن كعب بن غاوية ومن ولد أندلس بن يافث بن نوح ويقول في هذا الصدد : < أخبرونا أن مدينتهم يقال لها تمرن كان وليها من تونس >.
كما تطرق إليها من الأجانب الألماني هانريش فون مالتيسان في رحلته إذ يكتب: < تقع تمرنة بعد مسافة من الوادي وهي قرية مبنية من الطوب غير ذات أهمية وقد استقبل فيها سيدي عمر من طرف أعيانها وفيها شاهدنا البئر الارتوائية الذي يعود الفضل في وجودها إلى نصائح مهندس فرنسي ويصب كمية مهمة من المياه تقدر ب ثلاثة آلاف لتر في الدقيقة. >
حاليا القصر غير مسكون ويحوي على عدد كبير من البنايات (مساجد مساكن دروب وأزقة) بعضها في حال متوسط والأغلبية تعرضت للتصدع والانهيار كما تمّ ترميم أجزاء منه كبيت الضيافة ومسجد جمعة ومسجد سيدي علي بن عثمان ولعل صمود هذه العمارة هو ما جعلها مقصدا للسياح.
خ.نسيمة /ق.م