البوقالات ملح السهرات الرمضانية

الأربعاء, 30 مايو 2018


 تعد من بين أبرز عادات سكان القصبة
البوقالات .. ملح السهرات الرمضانية
تميز <قعدة البوقالة> على غيرها من القعدات الأخرى بشعبية كبيرة تزداد خلال السهرات الرمضانية لتحتل مكانة حميمة وسط النسوة من كل الأعمار حيث كانت النساء يجتمعن بعد الإفطار فوق أسطح القصبة العتيقة أو وسط بيوتهن على الطراز التركي حول صينية الشاي والحلويات التقليدية تتوسطهن عجوز كبيرة في السن هي من تقرأ البوقالات في حين <تعقد> الحاضرات عقدة ما وتنوي تلك البوقالة على أحدهم متمنية أن تكون متطابقة معه.  
يوسف .ت
 تراجع تقليد قعدة البوقالة خلال السهرات الرمضانية بالنسبة للعائلات القاطنة بحي القصبة بالعاصمة لأسباب كثيرة عكس ما كان عليه باحكام وأمثال شعبية باللهجة العاصمية ابتكرتها النسوة منذ القديم وأصبحت تُعد اليوم تقليدا وفنّا تراثيا متوازنا شفويا يشبه إلى حد كبير الموشحات الأندلسية. والبوقالات من أحد أهم روافد الرصيد التاريخي والثقافي الشعبي الجزائري.
وتمتاز السهرات الرمضانية في القصبة بالعاصمة الجزائر إلى جانب سهرات بعض العائلات في باب الوادي وباب عزون وبلكور بقعدة البوقالات مما يزيد في حلاوتها. والجلسات النسائية تلك تضم العازبات والمتزوجات حيث تتكفل إحداهن كل ليلة باستضافة بقية النسوة من الجيران والأقارب يجتمعن حول صينية الشاي والحلويات يتوسطها الإناء الفخاري المسمى <البوقال> ويوضع فيه القليل من الماء ثم يطلب من الفتيات نزع خواتمهن ووضعها داخله بعدها يغطى بمنديل من القماش وتبدأ الكبيرات في السن بسرد البوقالة التي يحفظهما عن ظهر قلب منذ سنين ويقلن <الفال> كالتالي: <باسم الله بديت وعلى النبي صليت يا ربي أعطينا الفال ولاقينا بأولاد الحلال> ثم تشرع الحاضرات في قراءة الموشح الشعبي والذي يحتوي في معانيه وأحاديثه عن الحب والفراق وبعضهما الآخر مسل ومثير لتزيد من روعتها حكايات <زمان> ثم تُدخل القارئة يدها داخل <البوقال> لسحب أحد الخواتم منه بعدها تفسر البوقالة لصاحبته في جو مفعم بالضحكات والتفاؤل وآمال مختلفة ترتبط أصلا بالحب والزواج والمستقبل كنوع من <الفال> تنتظر فيه كل واحدة فألها بعيون اللهفة والأحلام.


دائرة البوقالات تدور على جميع الحاضرات
ويُسرد <الفال> بعبارات متناغمة المسمع تحوي أغلبها صفات فارس الأحلام مثيرة ومسلية في معانيها وتدور دائرة البوقالات على جميع الحاضرات لتغمرهن السعادة وكل واحدة تأخذ نصيبها من هذه السهرات الرمضانية التي تتميز بالروعة إذ تبعث المشاركات إلى عالم ينبض بالخيال الواسع الذي تسعى من خلاله الفتيات الى الخروج من الواقع والإبحار في الأمنية والتفاؤل بهذه الكلمات التي تبقى راسخة في أذهانهن إلى حين تحققها.
تتميز قعدة البوقالة هي النية في القلب بالتفكير في شخص من الأشخاص إن كان زوجا أو أخا أو ابنا وحتى الأعداء والخصوم لهم نصيب من ذلك فتقرأ أبياتا من هذه الأقوال الشعبية الموجهة لها على الاسم الذي اختارته في قلبها ومن أساسيات <البوقالة> كذلك أن لا تنال المرأة حظها من البوقالة إلا بشرط أن تمسك من تنورتها أو خمارها أو أي قطعة قماش تلبسها وتصنع فيها عقدة صغيرة ثم تقوم بفتحها بعد الاستماع إلى البوقالة وتكشف إن أرادت عن الشخص الذي نوت عليه الفال>.
ولكن في الآونة الأخيرة لم تعد البوقالة تمارَس بالشكل الذي كانت عليه في الماضي حيث غابت تلك السهرات الرمضانية الرائعة وأصبحت النسوة يكتفين بالاستماع إلى البوقالات دون نزع خواتمهن واستحضار الفال بل تنحصر فقط في نطاق ضيّق في بعض البيوت التي لازالت تحافظ على هذا التقليد العاصمي. كما تُنشر حاليا في الجرائد وتُبث في بعض الإذاعات وبعض الأعراس تشهد وضع بعض البوقالات داخل صحون الحلويات أو علب حلوة <الدراجي> أو تبادر بعض الفتيات بكتابة بوقالات في قصاصات ورقية وتجمعها داخل <بوقال> وتجول به بين جموع النسوة الحاضرات اللواتي ينتظرن قراءة نصيبهن وفالهن بشغف وإثارة وكل هذه الممارسات بغية الحفاظ على هذا الموروث الشعبي وحمايته من الاندثار حتى ولو كان على هذه الطريقة الحديثة.