الجريمة السيبرانية وآليات حماية الأمن القومي الجزائري

الثلاثاء, 28 سبتمبر 2021

بقلم: الدكتورة سميرة بيطام*
لقد أحدثت الثورة الموصولية العالمية بالأنترنت بعض الخروقات والتجاوزات التي خرجت عن الانضباط القانوني في حسن استعمال الأنترنت واستغلاله الاستغلال الأمثل إذ تعتبر الجرائم ذات الصلة بالحاسوب ظاهرة راسخة وزادت نسبتها مع ظهور جائحة كورونا التي جعلت من الإنسان مستعمل جيد في طلب السلع والخدمات عن بعد وكذا إنسان يتحول مع مرور الوقت إلى مجرم محترف لتتوسع البؤرة وتشمل مجموعات منظمة لترتكب ما يسمى الجريمة المنظمة العابرة للحدود والعابرة للقارات بعد أن كانت محلية لا تتجاوز حدود أي دولة .
فتعريف الجريمة السيبرانية متنوع ونأخذ على سبيل المثال التعريف البلجيكي على الاستبيان الذي أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1982 حول الغش المعلوماتي حيث ورد التعريف التالي الجريمة السيبرانية هو كل فعل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من شأنه الاعتداء على الأموال المادية أو المعنوية يكون ناتجا عن الاستخدام غير المشروع لتقنية المعلومات ويلاحظ أن هذا التعريف يعبر عن الطابع التقني الخاص أو المميز لجانب الاستعمال لتنضوي تحته أبرز صور الجريمة السيبرانية ويشمل تحديده ركنها المعنوي أي القصد الجنائي كما ويمكن من خلال هذا التعريف التعامل مع التطورات المستقبلية للتقنية.
هذا التعريف يمثل وجه من أوجه الجريمة السيبرانية ويأخذ في تعاريف أخرى شكل الاعتداءات التي تتم على القصر من خلال استدراجهم وإضعاف مقاومتهم ضد ما ينافي الأخلاق ومنه يقع القاصر ضحية جريمة سيبرانية يتم فيها التحايل عليه بإلزامه التعود على عالم افتراضي متحايل لا يمت بصلة للحقيقة ولا للحدود القانونية فيتم الاعتداء اللأخلاقي على القاصر في غياب تام للأبوين لأن هذا النوع من الاعتداء يتم بطريقة خفية وغير مكشوفة كذلك تأخذ الجريمة السيبرانية شكل تهديد الأمن القومي لدولة ما من خلال نشر الدعاية والاشاعات الكاذبة وانتحال شخصيات وهمية عبر صفحات تحمل في طياتها أشكال الكراهية والعنصرية والدعوة للعنف ومنه نستنتج خصائص الجريمة السيبرانية:
*هي جرائم عابرة للدول: هي الجرائم التي تقع بين أكثر من دولة ولا تعترف بالحدود الجغرافية مثلها مثل جرائم غسيل الاموال والمخدرات وغيرها. ففي عصر الحاسوب والانترنت أمكن ربط أعداد 
هائلة من الحواسيب عبر العالم وعند وقوع جريمة الكترونية غالبا يكون الجاني في بلد والمجني عليه في بلد آخر كما قد يكون الضرر في بلد ثالث.
* الجرائم ﺻﻌﺒﺔ اﻹﺛﺒﺎت: يستخدم فيها الجاني وسائل فنية معقدة وسريعة في كثير من الاحيان قد ﻻ تستغرق أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻀﻊ ثوان بالإضافة إلى سهولة محو الدليل والتلاعب فيه والأهم عدم تقبل القضاء في الكثير من الدول لأدلة التقنية المعلوماتية التي تتكون من دوائر وحقول مغناطيسية ونبضات كهربائية غير ملموسة بالحواس الطبيعية للإنسان.
جرائم ناعمة وبسيطة لا تحتاج لتقنية عالية ولا لوقت طويل لارتكابها.. جرائم سهلة الارتكاب: هي والقوانين المتعلقة بجرائم المعلوماتية:
إن التطور الكبير للشبكة ظل يفتقر إلى قواعد قانونية واضِحة وواقعية وتلزم الطرف المعتدي للامتثال لها ولا تزال الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة السيبرانية قائمة بشكل جدي على الصعيدين الدولي والمحلي إلّا أن القوانين الوطنية والمحلية للدول بشكل عام لا تزال متأخرة في موضوع تنظيم قوانين للشبكة العنكبوتية كونَها لا تغطي مجموعة واسعة من الجرائم لأسباب عديدة منها: 
*وجود هذا النّقص يجبر الشركات والحكومات على الإعتماد بشكل فردي على تدابير تقنية محدودة لحماية مصالحها من قراصنة الإنترنت الذين يُحاولون اختراق النظام المعلوماتي أو نظم الحماية للحواسيب المستعملة من قبلها.
*هذا التطبيق الخجول لقوانين مكافحة الجرائم السيبرانية يتطلب المزيد من التشريعات والتعاون الدولي. وقد حاولت دول عديدة من خلال عدد من المعاهدات معالجة هذه التحديات إلا أنها تبقى قاصرة عن الإيفاء بالغرض إذ لا بد من اعتماد استراتيجية على المستوى الدولي يشارك فيه الجميع من ذوي العلاقة لمعالجة الأمر.
*جرت محاولات من قبل العديد من المنظمات الدولية لمعالجة هذا الموضوع إلا أنَ المبادرات الأكثر تقدما لتنظيم الشبكة العنكبوتَية هي إتفاقية المجلس الاوروبي بشأن الجريمة السيبرانية قرارات الأمم المتحدة لمكافحة جريمة الحاسوب خطة عمل الدول الصناعية الثماني وجهود الإتحاد الدولي للإتصالات التي نجحت إلى حد ما في تنظيم الجرائم السيبرانية وتصنيفها ولكنها لم تتطرق إلى ما يسمى التعدي الالكتروني على خصوصية الدولة المتعرضة للتهجم السيبراني لهدف التجسس ولا يسعني أن أدرج مصطلح الإرهاب الالكتروني كمصطلح معتمد لدى الجميع من مختصين وحكومات ورجال قانون لأن كلمة الإرهاب ليس لها تعريف معين ولربما القصد من ترك هذا المصطلح متداولا بين الدول هو لتحقيق هذه الدول ما تطمح اليه من سياسة أو برامج واستراتيجات لمكافحة الجريمة تحت مسمى مكافحة الإرهاب والتي تبدو بالمعنى السهل هو اختراق القانون والحاق الضرر بالغير فكيف نفسر تعدي دولة على دولة أخرى في أمنها القومي ليصبح مهددا بكشف خصوصياته وأسراره واسرار الشخصيات النافذة في الدولة ..و لا مساءلة للدولة المتعدية مثل ما حصل مع دولة المغرب؟
فما حدث في الآونة الأخيرة من اعتماد دول لبرامج التجسس بيغاسوس انما هو دليل على تطوير منظومة الاختراق دون أن يحتويها أي قانون بالمنع وهو ما يدعو للتساؤل:
من رخص لهذه البرامج بالاعتماد والبيع ومن سمح بالتداول رغم ما تشكله من خطر على الأمن القومي وأمن الأشخاص وخصوصياتهم رغم أن مبدأ الخصوصية تناولته القوانين في أمور أخرى.
ان التطور التكنولوجي ومسارعة الدول للمنافسة الدولية جعلها تلجأ للجريمة السيبرانية لتحقيق أغراض عدوانية كمحاولة للانتقام بأي شكل من الأشكال وما ظاهرة الصفحات المزيفة للمواقع وكذا للصفحات الشخصية للفيس بوك الا آلية لتنفيذ الجريمة السيبرانية لزرع الفتنة والبلبلة ونشر الاشاعة ولى الدولة التي تتعرض لذلك ان تحمي أمنها القومي بما تنص عليه القوانين الدولية لأن سيادة الدولة كدولة الجزائر التي تتعرض مؤخرا لبعض الهجمات السيبرانية من حين لآخر ولا أرى في الاستفزازات الفايسبوكية خطر بقدر ما أرى عملية التجسس والتي تحتاج لآليات قد لا توجد عند دول أخرى وهو ما يمكن تسميته طابع التفرد للدولة لمواجهة مثل هكذا جرائم فالجزائر في مسارها الجديد نحو التحرر من قيود الركود وكذا توفيقها الديبلوماسي الأخير أثار اهتمام وتتبع دول الجوار ودول أخرى تريد توقيف عجلة النشاط السياسي والديبلوماسي وحتى لا يتم كشف أمرها بالأدلة الدامغة فهي تلجأ للجريمة السيبرانية عبر روادها لأن الكشف عن أدلة هذا النوع من الجريمة صعب ومعقد أحيانا ومن هنا سنذكر البعض من آليات حماية الأمن القومي ونتحفظ على البعض لأن التفرد لا يلزم ان يسع دولتين فأكثر وهو اجتهاد ومحاولات لفهم طبيعة الجريمة السيبرانية وأهدافها وجنسية مقترفيها وعليه هذه بعض آليات الحفاظ على الأمن القومي:
1-تتبع أصحاب الصفحات المشبوهة والتبليغ عنهم لدى جهات مكافحة الجريمة الالكترونية.
*تشكيل متتبعين الكترونيين لرصد تحركات المجرمين السيبرانيين وأصحاب الصفحات المشبوهة ومعاينة مضمون منشوراتهم وأهم المتفاعلين عليها فهذا يكشف ان ما كان للجاني الالكتروني له انتماء لمنظمات تشكل خطرا على الأمن القومي للدولة أم لا .
*بالنسبة للمجرمين الدوليين الخطرين فهؤلاء لابد من تتبع خاص ومركز ومكثف فيما ان كانت جرائهم ترقى للجريمة المنظمة فيمكن الاعتماد على بنك المعلومات الوراثي لشرطة الأنتربول لمعرفة هويتهم وانتماءاتهم وأهم الجرائم الدولية المرتكبة وتتبع مسارهم عبر المطارات والموانئ وعلى الحدود .
نتحفظ على الآليات الأخرى وليس شرطا ذكر كل شيء فما يهم هو تتبع خطوات الجاني الالكتروني وأهم الأهداف التي يقصدها وهل له علاقة بتنظيمات إجرامية .
المهم أن الطابع الغالب على الجريمة السيبرانية هو عملية التجسس خاصة الميدان الاقتصادي والعسكري فالاقتصادي هو لمعرفة خطوات التنمية والتصنيع ومتطلباته الإنتاجية ونوعية المنتجات والمنشآت الاقتصادية أما على مستوى الجبهة الداخلية فالجريمة السيبرانية تركز على استراق المعلومات الخاصة بالوضع الاجتماعي وعادات وسلوكات الشعب ومستواه المعيشي ومشاكل المجتمع وجوانب تطوره وأهم انشغالاته اليومية والجانب العسكري محاولة فهم نوعية العتاد السلاحي وآخر التقنيات المعتمدة لاستعمال السلاح وحجمه وعدده وماهية الاستعدادات البشرية في الطاقم العسكري .
ما يهم أن الدولة الجزائرية حريصة على حماية أمنها القومي بما يضمن سلامة الحدود وسلامة التراب وسلامة الشعب والمصالح العامة ولجهاتها الأمنية أن تبتكر طرقا واستراتيجيات خاصة بها مثلما كان للدول المعادية للجزائر الحق في اعتماد برامج تجسسية فليس حلال عليهم وحرام علينا ولا وجود للتسامح أو تراخي حينما يتعلق الأمر بالأمن القومي ..لتبقى الجريمة السيبرانية تتطور بحسب تطور التكنولوجيا والتقنية والدولة التي تريد كسر قيد التأخر للنهوض الحضاري ومنه وجب على كل جزائري أن يكون واعيا بهذا الخطر وملما بمعلومات الاستعمال حتى لا يقع ضحية لمجرمين سيبرانيين. والدولة الجزائرية لها من الخبرة في جهازها الأمني ما يضمن لها حماية كافية لأمنها القومي وما بقي هو مراجعة قوانينها مثل قانون رقم 09-04 المؤرخ في 05 اوت 2009 المتعلق بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ويعتبر المرسوم الرئاسي 15-261 المؤرخ في 08 أكتوبر 2015 الجريدة الرسمية عدد 53 المحدد لتشكيلة وتنظيم الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال أحد أهم الآليات للوقاية من الإجرام الالكتروني .
*أستاذة وباحثة في القضايا الاجتماعية